المعارضة المفككة.. بين الدعم القطري والتغلغل الإخواني

المعارضة المفككة.. بين الدعم القطري والتغلغل الإخواني

[caption id="attachment_55251950" align="aligncenter" width="620"] زعيم المعارضة الكويتية مسلم البراك  يلقي كلمة امام انصاره ولعض وسائل الاعلام عقب الإفراج عنه من السجن في 7 يوليو 2014  زعيم المعارضة الكويتية مسلم البراك يلقي كلمة امام انصاره ولعض وسائل الاعلام عقب الإفراج عنه من السجن في 7 يوليو 2014 [/caption]


بدأ حراك المعارضة الكويتية قبل التعديل على النظام الانتخابي، وتقليص عدد الأصوات من أربعة إلى صوت واحد، ورغم إيفاد أمير الكويت كبار مستشاريه للمعارضة، للتهدئة وعدم التصعيد بمناسبة احتضان الكويت أول قمة آسيوية للتعاون الاقتصادي، فإن المعارضين أصروا على تنظيم تجمهرهم، ومخاطبة أمير الدولة بطريقة فسرت على أنها تطاول على مسند الإمارة المصونة دستوريا، بالندوة التي عرفت بـ«كفانا عبثا!»، والتي تلاها تقليص عدد الأصوات إلى صوت واحد.
لتنطلق بعدها سلسلة مسيرات عرفت بـ«كرامة وطن»، وقد كانت مسيرة كرامة وطن الأولى، هي المسيرة الأكبر في تاريخ الحراك السياسي في الكويت، حيث راوحت أعداد من شاركوا فيها بين الثلاثين والخمسين ألف مشارك، كما أوردتها القناة الفرنسية، وتقاربت مع أقوال بعض من شاركوا في المسيرة، وليس 100 ألف مشارك، كما كتب محرر الشؤون الخليجية لقناة الـ«بي بي سي». الرقم الذي تأكدنا منه في حينها بالاتصال بالقناة ذاتها، فهذا العدد لم يرد خبرا، بل في إطار تقرير إخباري، حاولت المعارضة الاستفادة من هذا الخطأ لصالحها، إلا أن الواقع ينفي مشاركة هذه الأعداد.


قرار المقاطعة الفاشل




رغم مقاطعة كثير من الناخبين والناخبات أول انتخابات جرت وفقا للصوت الواحد، فإن كثيرا من المقاطعين قد شاركوا في الانتخابات التالية لها، حتى خفتت الأضواء عن المعارضين، الذين رفعوا مقولة «لن نسمح لك»، بل إن محاولات المعارضين توحيد جهودهم بتكتلات قد فشلت في إعادة الزخم الإعلامي لتحركاتها، ولو لم تقم المحكمة الدستورية الكويتية بتحصين مرسوم الصوت الواحد، الذي بسببه أكمل مجلس الأمة الحالي دورته.
فالتوقعات انطلقت نحو وجود احتمالية كبيرة لأن يتخلى بعض النواب المقاطعين للانتخابات عن مقاطعتهم، بعدما تخلى الكثير من الناخبين المقاطعين عن مقاطعتهم، التي تسببت في تعطيل مصالحهم جميعا، سواء كانوا نوابا أو ناخبين، الذين ألقوا باللائمة على نوابهم المقاطعين، باتخاذ قرار المقاطعة الخاطئ، الذي أدى، ولأول مرة في تاريخ البرلمان الكويتي، إلى وجود 17 نائبا شيعيا، لم يسعوا إلى إثارة المشكلات مع الحكومة، حتى لا يتهموا بأنهم أصحاب مشروع تآمري ضد الدولة، إحراجا لغرمائهم من الإسلاميين السنة.
كما ضعفت قوة المقولات التعبوية التي كان الإسلاميون السنة يحشدون فيها قواعدهم الانتخابية للتصدي للخطر الشيعي، متى تزايد عدد تمثيلهم النيابي، لأن مقاطعة الإسلاميين السنة للانتخابات قد أظهرت أن هذه الكتل السنية الإسلامية لم تكن تستعمل هذه الشماعة إلا لغاياتها الانتخابية، وإلا لما قاطعت الانتخابات وتركت مقاعدها الخضراء للنواب الشيعة، كما عاب عليهم ذلك مؤيدوهم أيضا.


البلاغ الشهير




ضجة أخرى حدثت حين تقدم رئيس مجلس الأمة الأسبق جاسم الخرافي بشكوى للنيابة العامة، للتعرف على من يقف خلف هاشتاغ «إلا الدستور»، والتحقيق معه، وكشف صاحب هذا الهاشتاغ، كما راج في حينها، عن أنه الشيخ أحمد الفهد الصباح، هو من يقف خلف التسجيل الصوتي، لما يعتقد أنه تآمر الخرافي، مع رئيس الحكومة السابق على أمن الدولة، وهو الأمر الذي نفى الفهد صلته به، بعدما استدعته جهة التحقيق المختصة لسماع أقواله، ليفيد بأن الشريط، الذي في حيازته ليس صوتيا، بل وبالصورة التي جزم فيها بأن الشريط ليس مفبركا، وأن جهات أجنبية قد أثبتت ما جاء فيه، وأن الفهد قدمه لجهات عليا في الدولة، حفاظا على مصالح الدولة العليا، التي يعد ما ورد في الشريط تهديدا جسيما لها.


[inset_left]مسلم البراك ذو دراية محصورة بأبعاد ومشاريع جماعة الإخوان المسلمين التي تغلغلت بوضوح بين صفوف المعارضة[/inset_left]


ولما تزايد اللغط بين الكويتيين حول ما احتواه الشريط، أمرت النيابة العامة بحظر النشر على الصحف، أو مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذا الحظر قد قبع في طيات النسيان، بعدما تقدم الشيخ أحمد الفهد ببلاغه الشهير «بلاغ الكويت».
زادت احتجاجات المعارضة بعد اعتقال النائب المعارض مسلم البراك، بسبب تهمة سب علني بحق رئيس المجلس الأعلى للقضاء، التي تقدم بها رئيس المجلس بحق النائب، الذي تعرض له باسمه في ندوة في ساحة الإرادة الشهيرة، التي حبس بسببها البراك احتياطيا، فجهة التحقيق احتجزته بسبب خشيتها من تأثيره على التحقيق، لكون «أبو حمود» كما يناديه محبوه، عرف عنه التحدث في الندوات عن مجريات التحقيقات، وهو الذي ربما تخوفت منه جهة التحقيق أن يحدث.


شخصية مسلم البراك




باعتبار البراك ذي دراية محصورة بالبعد المحلي، ومحدودة بالأبعاد الإقليمية للمشاريع الفكرية لجماعة الإخوان ومثيلاتها - يرى البعض أن البراك ليس سوى ترديد لكتابات الكاتب محمد عبد القادر الجاسم، الذي حذر بمقالته المعنونة بـ«رسالة إلى ملك وشيخ»، من امتداد المظاهرات في الكويت إلى السعودية والإمارات.
فالمعارضة الكويتية تعتقد أن الرياض وأبوظبي، لعبا دورا جوهريا في إفشال الربيع الإخواني بعدما اصطدم مشروعهم بمقاومة حزب البعث في سوريا، وعبثية امتداده إلى الأردن ثم دول الخليج.


مسيرة كرامة وطن




لقد كانت مسيرة كرامة وطن الأولى أقرب إلى الثورة على الشعب وحكامه، لأن الكويتيين يتفقون على أن العائلة الحاكمة هي الأفضل في إدارة شؤونهم، وتسمعهم دائمي الترديد، الله لا يغير عليهم، ويطول في عمر حكامهم، وأنهم يرفضون مطلب الحكومة الشعبية التي تطالب بها المعارضة، دون الرجوع إلى أخذ رأي الشعب في هذا المطلب، وهو باعث استهجان من قبل الكويتيين، واستغراب من تصميم القوى السياسية على هذه المطالبة، التي لم يطلب أحد منهم المطالبة بها.
لقد حصلت المعارضة على الزخم الإعلامي الذي كانت بحاجة له بعد «بلاغ الكويت»، دليل ذلك، تزايد أعداد المشاركين في المسيرات التي دعت لها المعارضة بعد البلاغ الشهير، لأن النيابة العامة لم تقم باستدعاء المتهمين الخرافي والمحمد للتحقيق معهم، وهو إجراء قانوني، طبيعي أن يتأخر، لأن جهة التحقيق تبدأ بسماع أقوال المبلغ، ثم الشهود ثم المتهمين، وهو ما تخفيه المعارضة عن مؤيديها، حتى ربما تتمكن من الاستفادة من شحنهم، وتسييرهم في مسيراتها أكبر وقت ممكن.

أما إذا حفظت القضية من قبل النيابة العامة، وهو أمر مستبعد جدا، فإن القضاء الكويتي لن تقوم له قائمة بعدها، ما لم تقم ردود منطقية على نفي صحة ما جاء في الشريط دليل الاتهام. أما أذا أحيلت الدعوى إلى المحكمة المختصة، وصدرت أحكام براءة بحق البراك ونواب المعارضة الآخرين، في القضايا المرفوعة بحقهم من جانب الحكومة أو أعضاء سابقين فيها، ولم تصدر ردود فعل معارضة قوية في حال عدم إدانة الخرافي والمحمد، فإن النظرة الشعبية لكلا المتصارعين، ستكون غير مريحة على الإطلاق، ولا حتى مطمئنة للقضاء.
السلطة القضائية تستشعر وجود استضعاف لها من جانب الحكومة والمعارضة، فالقضاء الكويتي يعاني كون الشعب ليس مصدر سلطته، والقضاة يحملون أحمالا فوق طاقتهم، فكلا الطرفين، المعارض والحكومة، ليس حريصا على مساندة القضاء في الحصول على استقلاله، ولا يعفي ذلك القضاة من سكوتهم عن عدم المطالبة باستقلالهم المالي والإداري عن الحكومة، حتى لا يجدوا أنفسهم في استشعار حرج من هذا الطرف أو ذاك.

فـ«بلاغ الكويت» لن يوقف سلسلة الهجمات بين المتصارعين على مناطق النفوذ في الدولة، لأن هناك تدخلات خارجية غير خافية، فالمعارضة بطيفها الإخواني ربما لا تريد من المطالبة بالحكومة الشعبية، استكمال عملية التحول الديمقراطي، بل تفجير الوضع في الكويت، وذلك بالمطالبة بمطالب تعجيزية، من شأنها إحداث الفوضى حتى تجر السعودية إليها، لإحداث التصادم بينها وبين الإيرانيين من خلال شيعة العراق بالكويت، لأن تشكيل حكومة شعبية أمر متعذر، فشيعة الكويت وقبائلها وعائلاتها، لن يقبلوا بتشكيل حكومة، يتولى وزير إعلامها أو التربية فيها سلفي أو شيعي، أو يتولى شيعي وزير الداخلية أو الدفاع أو العدل من أي قبلي أو إسلامي سني.


تغلغل «الإخوان» في المعارضة الكويتية




التنظيم العالمي لـلإخوان المسلمين، يرى أن بقاء هذه الأنظمة العربية الحاكمة، عائقا أمام بعث مشروعها، الذي فشل في مصر، وفي ليبيا.
في الكويت، نفر الكويتيون من الحراك الشعبي، بعدما لاحظ الجمهور تغلغلهم القوي - أي «الإخوان» - في التجمعات والمسيرات. حتى تخلت جميع القبائل التي ينتمي إليها النواب المعارضون عنهم، والظاهر في رفض المناطق السكنية التي تقطنها أغلبية من قبائلهم مسيراتهم. قائلين لهم، إن الذي بيننا وبينكم صناديق الاقتراع، أما الخوض في صراعات جماعات ذات أجندات خارجية، أمر مرفوض من جانبنا.

[inset_right]الصحف القطرية فتحت صفحاتها لمقابلة رموز المعارضة الكويتية، ونشر مقالاتهم، واعتنت وكالة «الأناضول» التركية بتغطية الأحداث[/inset_right]

لجأت الحكومة إلى التلويح بقرار سحب الجنسية من المعارضين والموالين لجماعة الإخوان المسلمين، ورغم الخروقات القانونية في هذا التلويح فإنه جاء لمواجهة اختراق التنظيم الدولي لـلإخوان المسلمين للربيع العربي، وتحويره ليخدم مشروع التمكين الخاص بنهضتهم، وهو مشروع لا يتوافق على الإطلاق مع الديمقراطية التي انتفضت لأجل تحققها الشعوب العربية، مما أدى إلى تعثرها كثيرا في البلدان المنتفضة كافة، بسبب تقديم «الإخوان» مشروعهم السياسي غير العصري، الذي من شأن إقامة خلافته، إثارة النعرات الدينية، والخلافات الدولية بين الدول العربية والإسلامية.

فإذا ما افترض أن زعيم المعارضة السيد أحمد السعدون عاد إلى رئاسة البرلمان الكويتي، فإن علاقة الشعبين الكويتي والمصري، لن تكون في حالة سليمة، بسبب ما انتشر على حساب السعدون، وصفه للرئيس عبد الفتاح السيسي بـ"التيسي"، وهو قول انتقد عليه، لأن هذا الأسلوب لا يتوقع صدوره من سياسي، يفترض أنه مخضرم. وإن رفع مسلم البراك إشارة «رابعة العدوية»، وعلى افتراض تسلمه رئاسة الحكومة المنتخبة، فإن علاقة الكويت بالسعودية والبحرين والإمارات، والكثير من البلدان العربية لن تكون في مصلحة الكويت العليا.

فأغلبية الكويتيين ينظرون بارتياب إلى تصرفات رموز المعارضة الكويتية، ففي الوقت الذي عدوا فيه تجمع الجمهور في ساحة الإرادة لإبعاد رئيس الوزراء السابق عن منصبه، أمرا وطنيا مشرفا، واستحقاقا طبيعيا - تراهم لا يعترفون بثورة 30 يونيو (حزيران) المصرية، التي تراوح من خرجوا فيها على المخلوع مرسي، ما بين الـ20 إلى الـ30 مليون متظاهر، ويعدون ما حدث انقلابا على الشرعية. كما أن قيادات هذا الحراك، وفي الوقت الذي يشيدون فيه بالقيادي الأمني السيد جاسم القطامي في رفضه الأوامر الصادرة إليه بمواجهة أحد التجمعات السياسية في الكويت سابقا، تراهم يصدحون بحناجرهم مطالبين المخلوع مرسي، بقمع الملايين الثائرة على حكمه.

وحين يتهم البراك ملك الأردن بالصهيونية والعمالة، في الوقت الذي تواجه حكومة جلالته الهاشمية، «الإخوان» في مملكته، ويهاجم المعارض محمد الجاسم الإمارات والسعودية، تزامنا مع معمعة الأحداث، وتقارب التكتل الشعبي للسعدون والبراك، مع حدس الإخوانية، ونزول غلاة الدعاة المكفرين للديمقراطية للمسيرات المطالبة بالديمقراطية، يثير الشكوك حول جدية المطالبات بمزيد من الحريات، وتقارب البراك مع الفهد، وتقارب هذا الأخير مع بن همام القطري، والسير في المسيرات المترافقة مع ثورات الربيع العربي، وتغطية قناة «الجزيرة» القطرية في أوائل مسيرات كرامة وطن، إضافة للصحف القطرية التي فتحت صفحاتها لمقابلة المعارضين، ولمقالات كتابها، دون إهمال وكالة «الأناضول» التركية مجريات الأحداث الكويتية، وكذلك موقع حزب الحرية والعدالة المصرية، الذي شارك في التأليب، ودعاة التنظيم الإخواني في العالم - كان مثيرا للقلق، ودافعا للارتياب من مثل هذه المؤشرات، التي لا تبعث على الارتياح.


font change