أزمة روسيا وأوكرانيا... مخاوف من وقوع حرب شاملة

استمرار المواجهة الدبلوماسية أم غزو وشيك؟

أفراد من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية، وحدات عسكرية متطوعة من القوات المسلحة، يتدربون في حديقة بمدينة كييف، أوكرانيا، السبت 22 يناير 2022 (أ.ب)

أزمة روسيا وأوكرانيا... مخاوف من وقوع حرب شاملة

قطعت موسكو شوطاً طويلاً منذ أن بدأت في حشد قواتها ومعداتها العسكرية على الحدود مع أوكرانيا في أبريل (نيسان) الماضي. في ذلك الحين، فضَّل الرئيس بوتين تسمية العملية بالتدريبات العسكرية، وبعد ذلك بشهرين هدأ الموقف قليلاً. ولكن منذ نهاية خريف عام 2021، بدأت روسيا في تعزيز وجودها العسكري على الحدود الأوكرانية وفي هذه المرة كانت موسكو صريحة بشأن أسباب تصرفاتها.


في 17 ديسمبر (كانون الأول) عام 2021، بعد استمرار الدعوات الدولية لموسكو بتهدئة التوترات مع أوكرانيا، قدمت روسيا لحلفاء الناتو قائمة طويلة من المطالب. في حين أنكرت موسكو عزمها غزو أوكرانيا، قدمت للزعماء الغربيين قائمة من الإنذارات النهائية وصفت فيها وجود الناتو في شرق أوروبا بأنه تصرف مثير للتوترات مع روسيا وادعت أنها في ظل غياب ضمانات أمنية معينة من الناتو سوف تعتبر أوكرانيا بصفة دائمة دولة عدائية تعزز من قدراتها الدفاعية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحضر اجتماعًا لمجلس الوزراء عبر الفيديو في الكرملين في موسكو، روسيا، الأربعاء 12 يناير 2022 (أ.ب)


قد يعطي «الاتفاق»، الذي اقترحته موسكو وتتوقع أن يوقعه حلف الناتو، لروسيا «دائرة نفوذ» يعترف بها الناتو ولا تشمل أوكرانيا فحسب، بل أغلب دول الاتحاد السوفياتي السابق.


يلتزم جميع الدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي بالامتناع عن توسع الحلف بما فيه ضم أوكرانيا ودول أخرى لعضويته. ولا يجوز للدول الأعضاء في الحلف إجراء أي نشاط عسكري على أراضي أوكرانيا بالإضافة إلى دول أخرى في شرق أوروبا وفي جنوب القوقاز وفي آسيا الوسطى.


ولاستبعاد وقوع حوادث، لا يجوز أن يجري الاتحاد الروسي والدول الأعضاء في حلف الناتو تدريبات عسكرية أو أي أنشطة عسكرية أخرى على مستوى أعلى من الفرقة في منطقة يتم الاتفاق على نطاقها وموقعها على جانبي الحدود بين الاتحاد الروسي والدول المتحالفة عسكرياً معه، بالإضافة إلى الدول الأعضاء في الناتو.


اتخذ الزعماء الغربيون موقفاً موحداً بإدانة تصرفات روسيا ورفضوا قائمة المطالب بشدة. وهددوا بوقوع تبعات خطيرة على موسكو مستخدمين لهجة حازمة في توعدهم باتخاذ «رد فعل سريع وحاد وموحد من الولايات المتحدة ومن أوروبا». وفي أحدث تعليق من إدارة بايدن، ذكر مسؤولو الإدارة أن الولايات المتحدة «تهدد باستخدام قيود جديدة على الصادرات للإضرار بالصناعات الروسية الاستراتيجية، من الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية إلى الطيران المدني.. وربما تقرر الإدارة أيضاً تطبيق قيود أوسع نطاقاً مما قد يحرم المواطنين الروس من بعض الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ومشغلات ألعاب الفيديو». كما هدد الرئيس بايدن بفرض عقوبات شخصية على بوتين وفرض حظر تعامل بالدولار على البنوك الروسية.


وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مراراً أن الولايات المتحدة «منفتحة على الحوار، و(أنها) ترحب بالمساعي الدبلوماسية، و(أنها) مستعدة للمضي قدماً حيثما تسنح الفرصة للتواصل والتعاون إذا خففت روسيا التصعيد ضد أوكرانيا، وأوقفت خطابها التحريضي، وتعاملت مع المباحثات حول مستقبل الأمن في أوروبا بروح تبادلية».

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين يتحدث خلال مؤتمر صحافي عقب محادثات ثنائية مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول التوترات المتصاعدة بشأن أوكرانيا، في جنيف، سويسرا، 21 يناير 2022 (إ.ب.أ)


علاوة على ذلك، أوضح الناتو أنه لن يعيد النظر في سياسة الباب المفتوح التي ينتهجها، على الرغم من أنه ليس بصدد ضم أوكرانيا أو جورجيا إلى أعضائه في الوقت الحالي. وبناء على ما أعلنه قادة الناتو، فإن «أوكرانيا شريك قديم له قيمته ويملك حق تقرير مساره الخاص»، وأن موقف الناتو في هذا الشأن لا يتزعزع.


ومع تفاقم التوترات، بدأ كثير من حلفاء الناتو في الإعلان عن نشر قواتهم لمساعدة أوكرانيا؛ «أرسلت الدنمارك فرقاطة إلى بحر البلطيق ومن المقرر أن ترسل أربع طائرات مقاتلة طراز إف-16 إلى ليتوانيا لدعم بعثة مراقبة الأجواء التابعة للناتو والمتمركزة في المنطقة منذ فترة طويلة. كما سترسل أسبانيا سفنها للانضمام إلى قوات الناتو البحرية وتدرس إرسال طائرات مقاتلة إلى بلغاريا.

وأعربت فرنسا عن استعدادها لإرسال قوات إلى رومانيا بقيادة الناتو. وهولندا بصدد إرسال طائرتين مقاتلتين طراز إف-35 إلى بلغاريا بداية من أبريل (نيسان) لدعم عمليات مراقبة الأجواء في المنطقة، ووضعت سفينة ووحدات برية قيد التأهب للانضمام إلى قوة الرد التابعة لحلف الناتو». بالإضافة إلى ذلك، مدت كندا فترة بعثة التدريب العسكري المكونة من 200 فرد في أوكرانيا إلى ثلاثة أعوام أخرى وأضافت 60 فردا عسكريا إلى البعثة.


وأوضحت الولايات المتحدة أنها «مستعدة لأي شيء» وأعلنت أنها بالإضافة إلى تعزيز دعمها العسكري إلى أوكرانيا، قررت نقل أربع مروحيات روسية الصنع طراز إم آي-17، والتي كانت في السابق في يد القوات الجوية الأفغانية المفككة حالياً، إلى أوكرانيا. علاوة على ذلك وُضع 8500 فرد من القوات الأميركية المتمركزة في أوروبا والولايات المتحدة على أهبة الاستعداد. ووفقاً لما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية، «وصلت ثلاث شحنات من المساعدات العسكرية الدفاعية الأميركية إلى كييف هذا الأسبوع، محملة بصواريخ جافلن إضافية وغيرها من النظم المضادة للمدرعات، و283 طنا من الذخيرة والمعدات غير الفتاكة اللازمة لخطوط الدفاع الأمامية في أوكرانيا. ومن المتوقع وصول شحنات أخرى على مدار الأيام المقبلة».


لم يزد تدفق الدعم الغربي إلى أوكرانيا روسيا إلا غضباً. وفي 14 يناير (كانون الثاني)، عقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مؤتمراً صحافياً أوضح فيه أن «صبر (موسكو) قد نفد». وأضاف: «أود أن أشير إلى أننا نريد ضمانات ملزمة قانوناً. وأن شركاءنا الغربيين لم يفوا قط بالتعهدات السياسية التي قدموها في التسعينات، ناهيك عن وعودهم الشفهية. ويبدو أنهم لن يفعلوا ذلك الآن أيضاً. شرحنا بوضوح لماذا يأتي هذا التوجه بنتائج عكسية ولماذا من غير المقبول تقديم تفسير غير متوازن للتعهدات السياسية المتعلقة بعدم توسع الناتو والمسألة الأمنية غير القابلة للتجزئة. نحن بانتظار ردود مكتوبة من زملائنا، كما فعلنا في مقترحاتنا. وسوف نستمر في العمل استعداداً لأي احتمالات».


وفي 26 يناير (كانون الثاني)، أعلن حلف الناتو والولايات المتحدة أنهما بعثا برد مكتوب إلى روسيا في رسالتين منفصلتين في اليوم ذاته بالتوازي. ولم يتم الإعلان عن محتوى الرسالتين، ولكن بناء على تصريحات الوزير بلينكن، تم عرض مخرج دبلوماسي من الأزمة على روسيا.


«تضمنت الرسالة التي بعثناها مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها تجاه تصرفات روسيا التي تقوض الأمن، وتقييما برغماتيا مبدئيا للمخاوف التي أثارتها روسيا، ومقترحاتنا للنقاط التي ربما نتمكن فيها من البحث عن أسس مشتركة. وأوضحنا أن هناك مبادئ أساسية نلتزم بها وندافع عنها- ومنها سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها وحق الدول في اختيار الترتيبات والتحالفات الأمنية الخاصة بها. وتطرقنا إلى إمكانية وضع إجراءات شفافية متبادلة تتعلق بوضع القوات في أوكرانيا بالإضافة على إجراءات تعزيز الثقة فيما يتعلق بالتدريبات والمناورات العسكرية في أوروبا. وتناولنا مجالات أخرى نرى فيها إمكانية إحراز تقدم، تتعلق بالحد من التسلح المتعلق بالصواريخ في أوروبا، واهتمامنا بعقد اتفاق متابعة لمعاهدة ستارت الجديدة التي تغطي جميع الأسلحة النووية وطرق تعزيز الشفافية والاستقرار. وضعنا هذه الأفكار لأن بإمكانها- إذا خضعت لتفاوض حسن النية- تعزيز أمننا وأمن حلفائنا وشركائنا، وفي الوقت ذاته معالجة المخاوف التي ذكرتها روسيا عبر التزامات متبادلة».


وفي مؤتمر صحافي لحلف الناتو في 26 يناير (كانون الثاني)، صرح الأمين العام ينس ستولتنبرغ لوسائل الإعلام بأن رسالة الناتو إلى روسيا أوردت ثلاث نقاط رئيسية يمكن تحقيق تقدم بها. وحث روسيا على تجديد العلاقات الدبلوماسية التي قطعتها مع الناتو، نظراً لما سببه ذلك من صعوبة الحوار؛ «يجب أن نحسن استغلال قنوات التواصل العسكرية-العسكرية القائمة من أجل تحسين الشفافية وتقليل المخاطر، وأن ندرس أيضاً إقامة خط ساخن للتواصل المدني لأجل الطوارئ».


وأضاف ستولتنبرغ: «نحن مستعدون للاستماع إلى مخاوف روسيا، والانخراط في حوار حقيقي حول كيفية الحفاظ على وتقوية المبادئ الأساسية للأمن الأوروبي الذي تعهدنا به جميعاً بداية من اتفاقية هلسنكي. ويتضمن ذلك حق كل دولة في اختيار ترتيباتها الأمنية. ويجب أن تمتنع روسيا عن اتخاذ مواقف القوة القسرية والخطاب العدواني والتصرفات الخبيثة الموجهة ضد دول الحلف ودول أخرى. كما يجب أن تسحب روسيا قواتها من أوكرانيا وجورجيا ومولودوفا إذ إنها نُشرت دون موافقة هذه الدول، ويجب أن يشارك جميع الأطراف على نحو بنَّاء في المساعي الرامية إلى تهدئة النزاع، بما فيها صيغة نورماندي».

تجري روسيا سلسلة من التدريبات العسكرية في أنحاء أراضيها هذا الأسبوع، بما في ذلك التدريبات في منطقة روستوف الجنوبية، غير البعيدة عن الحدود الأوكرانية (رويترز)


وبحسب ما ذكره ستولتنبرغ، تتعلق النقطة الثالثة في الرسالة بالحد من المخاطر والشفافية والحد من التسلح: «أثبت التاريخ أن التعاون في هذه القضايا يمكن أن يحقق أمناً حقيقياً للجميع. لذا نحن في حاجة إلى إجراءات عملية تحقق تغييراً حقيقياً. وكخطوة أولى، نقترح عقد اجتماعات إحاطة متبادلة عن التدريبات والسياسات النووية في مجلس حلف الناتو وروسيا».


«كذلك يجب تحديث وثيقة فيينا الخاصة بالشفافية العسكرية، والعمل على الحد من التهديدات الفضائية والإلكترونية. ويجب التشاور حول طرق منع وقوع حوادث في الجو والبحر، والعودة إلى الالتزام الكامل بالتعهدات الدولية فيما يتعلق بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية. وأخيراً، نحتاج إلى إقامة حوار جاد حول الحد من التسلح، متضمناً الأسلحة النووية والصواريخ الأرضية متوسطة وقصيرة المدى».


من خلال تصريحاتهما، أوضح كل من ستولتنبرغ وبلينكن أن الرسالتين تعرضان على موسكو إقامة حوار جاد للوصول إلى حل دبلوماسي لأزمة خطيرة. والكرة الآن في ملعب موسكو. فهل تسمح النقطة التي وصل إليها بوتين له بالتراجع الآن؟ هل من الممكن تجنب وقوع حرب شاملة؟ هل ما زال الحل الدبلوماسي قائماً بعد الرد الرسمي الذي صدر من الناتو والولايات المتحدة؟ سوف يتضح الموقف في الأسابيع المقبلة عندما تتخذ روسيا القرار الحاسم في كيفية ردها على الغرب.

* مايا أوتاراشفيلي: باحثة ونائبة مدير برنامج أوراسيا ونائبة مدير الأبحاث في معهد أبحاث السياسة الخارجية بفيلادلفيا. تركز أبحاثها على الجغرافيا السياسية وأمن منطقة البحر الأسود والقوقاز والسياسة الخارجية الروسية والنزاعات «المتجمدة» ما بعد الاتحاد السوفياتي.

font change