مانيفيستو الفشل الدولي

مانيفيستو الفشل الدولي

يحق لروسيا فلاديمير بوتين تهديد أوروبا بالسلاح النووي، كما يحق لها التهديد باجتياح دولة أخرى وتقسيم دول والاعتراف بأقاليم، يحق لها التأكيد على رفض تقسيم دول أخرى وقتل الشعوب إن هم ثاروا ضد من يراه بوتين «حليفا له»، يحق له اعتبار بعض الثورات مؤامرات إمبريالية ودعم انفصاليين في مكان آخر من العالم، لمَ لا؟ وإن كان، كما غيره، مهما ارتكب من انتهاكات للقانون الدولي ولحقوق الإنسان، فإن أقصى العقوبات التي يمكن أن يواجهها هي عقوبات لا تسقط أنظمة وقد لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به.

 

ليس وحده فلاديمير بوتين من يحق له هذا، فالقانون وجهة نظر، وأحد المسؤولين عن تطبيق القانون يحق له ممارسة حق النقض، كحال روسيا والصين في مجلس الأمن، لتمر الجريمة دون عقاب.

أما من يعتبر نفسه شرطي العالم، أي الولايات المتحدة الأميركية، فقد باتت أفعالها بكثير من الأحيان أقرب لأفعال المنظمات غير الحكومية، تصدر البيانات، تسمي الجناة وتتعاطف مع الضحايا، ولا شيء تقدمه بأقوى أحوالها سوى بعض العقوبات الاقتصادية، وحتى هذه العقوبات وجدنا في زمن جو بايدن كيف يتم التحايل عليها بسهولة مطلقة كحالة قانون قيصر.

ولكن إن كان يحق للحاكم ارتكاب ما يحلو من الجرائم، وإن كنا نشاهد القتل مباشرة على الهواء منذ عشرات السنين، دون أن نرى مجرما يحاكم أو يجبر على وقف ارتكاب الجرائم، فلماذا نستغرب عندما نسمع بانتشار الجريمة والعنف في المجتمع؟

ارتكب بشار الأسد من الجرائم ما فاق أضعاف ما ارتكب في الحرب العالمية الثانية إذا ما قيست بالنسبة والتناسب، أعلنت الأمم المتحدة أنها توقفت عن إحصاء الضحايا، فقد صاروا مجرد أرقام، منظمات أخرى تقول إن عدد من قتلهم نظام الأسد بالشراكة مع روسيا فلاديمير بوتين وإيران الخامنئي يفوق النصف مليون إنسان، بينما تم اقتلاع أكثر من نصف السوريين من منازلهم ومدنهم وقراهم، وفي كثير من الأحيان تم «استيراد» شعب بديل ليحل مكانهم من مرتزقة إيران، سربت صور لمعتقلين قضوا تحت التعذيب بوحشية فاقت وحشية هتلر ومحارقه ضد اليهود، ولم يكتف الأسد بذلك، فحتى عندما تم التغاضي عن كل هذه الجرائم وقيل له على لسان رئيس أقوى دولة في العالم باراك أوباما حينها إن السلاح الكيماوي وحده خط أحمر عليه عدم استخدامه ضد السوريين، استخدمه بشار وقتل الآلاف في تحد صارخ، ولكنه أيضا وأيضا سلم من أي عقوبة، وهرول أوباما يومها لعقد صفقة مع بوتين كي لا تتعرقل مفاوضاته مع إيران.

قبل ذلك اقتلعت إسرائيل شعبا من أرضه واستوطنت مكانه، وصار الفلسطيني كما السوري اليوم، هائما في كل دول العالم والجوار، نازحا ولاجئا وينظر إليه في كثير من الأحيان على أنه المخطئ والمجرم لا أنه الضحية.

بقيت قرارات مجلس الأمن حبرا على ورق فيما يتعلق بفلسطين، أما في سوريا فكانت روسيا والصين بالمرصاد لأي قرار قد يشكل إدانة لنظام الأسد، فمارسا حق النقض مرات ومرات دون أن يجد العالم الحر وسيلة لوقف الجريمة المستمرة بحق السوريين منذ نحو 11 عاما. وحتى عندما صدرت قرارات قد تعطي السوريين ولو جزءا يسيرا جدا من العدالة، عملت روسيا على تمييعها كحال القرار 2254 بالشراكة ليس فقط مع دول إقليمية ولكن أيضا مع معارضين سوريين.

في كوريا الشمالية، أو جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، يتباهي زعيمها كيم جونغ أون بأساليبه المبتكرة لارتكاب جرائمه، إعدام بقاذفة من لهب، أو بتقديم ضحيته فريسة للكلاب، وما يراه البعض مضحكا في كوريا كتحديد كيم لقصة شعر النساء والرجال هو في الحقيقة انتهاك سافر لحقوق الإنسان، ورغم كل ذلك، ورغم أن تجربة نووية «مجنونة» قام بها كيم وتسببت في زلزال بقوة 5.3 درجة، أثارت مخاوف العالم من تهوره واستخدامه للسلاح النووي الفتاك ضد جيرانه وخصومه الكثر، إلا أن الرجل لا زال يحكم كوريا وعلى استعداد لتهديد العالم بجنونه بأي لحظة، فليست العقوبات فقط ما قد تواجهه، بل أيضا قد يجلس العالم معه ليفاوضه على مساحة جنونه.

في إيران الولي الفقيه يعدم المئات سنويا، يعتقل الناس ويعذبون، وليس الشعب الإيراني وحده ضحية همجية وإرهاب نظامه، فتكاد لم تسلم دولة في العالم من إرهاب النظام الإيراني إن قتلا أو تفجيرا أو من خلال الجرائم المالية، ومع ذلك العالم كله يجلس على الطاولة مع القاتل ليفاوضه لا على وقف جرائمه، ولكن على شرعنة هذه الجرائم والسلاح المستخدم لارتكابها.

الأمثلة في العالم كثيرة لمجرمين حكموا وما زالوا يحكمون، لقتلة وإرهابيين بدل وقفهم ومحاسبتهم على جرائمهم يتم التغاضي عما يرتكبونه وأحيانا تتم مكافأتهم «اتقاءً لشرهم»، وإن كان المبرر أن سياسة المصلحة وحدها هي التي تحكم حيث لا مكان لأي قيم، فأين هي المصلحة بأن يحكم هؤلاء ويتحكمون بمصالح دولهم وشعوبهم ودول أخرى، وأين المصلحة في أن يصبح العنف والقتل أمرا روتينيا وبديهيا؟ وإن كان كل هذا مقبولا، فما هي الحاجة لمنظمة الأمم المتحدة وكل ما يتفرع عنها؟

font change