عرب ومسلمون أميركيون عن أوكرانيا: المعايير المزدوجة

انتقاد العنصرية والدعوة للسلام 

مسلمو أميركا

عرب ومسلمون أميركيون عن أوكرانيا: المعايير المزدوجة

واشنطن: منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت حملة أميركية مكثفة لإرسال مساعدات إنسانية إلى الأوكرانيين، بقيادة الحكومة الأميركية (في الأسبوع الماضي، قالت الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة «أكبر متبرع بالمساعدات الإنسانية لأوكرانيا»، مع ما يقرب من مليار دولار). في نفس الوقت، بدأت حملة تبرعات متواضعة وسط الجاليات العربية والإسلامية لإرسال مساعدات إلى إخوانهم في أوكرانيا، وهم أقلية صغيرة.


في الأسبوع الماضي، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن مسلمي أوكرانيا يشكلون أقل من واحد في المائة من السكان (حوالي نصف مليون شخص).  لكن، يقول مسلمو أوكرانيا إنهم مليونا شخص.


وكتبت الصحيفة عن «تناقض بين المسلمين»: بينما أدان أكثر مسلمي أوكرانيا غزو روسيا، أيد الغزو ربما جميع مسلمي روسيا.


في نفس الوقت، وصفت تقارير صحافية من أوكرانيا أنواعا من التفرقة العنصرية ضد العرب هناك، وأكثرهم طلاب. وأرسلت منظمات عربية أميركية رسائل إلى الخارجية الأميركية للتحقيق في ذلك، لأن بعض أولئك الطلاب أميركيون، أو لهم أقارب أميركيون.


قبل ذلك، ولسنوات، انتقدت منظمات عربية أميركية حكومة أوكرانيا، ليس فقط لأن الحكومة وضعت عراقيل متشددة أمام اللاجئين العرب، وخاصة السوريين، ولكن، أيضا، لأن قوات عسكرية أوكرانية شاركت في غزو واحتلال العراق.


فيما يلي ثلاثة آراء من قادة عرب ومسلمين في الولايات المتحدة حول الأحداث الحالية في أوكرانيا، مقتطفة من تغريدات، ومواقع في الإنترنت، وتصريحات إلى وسائل الإعلام:


الأول، جيمس زغبي، مؤسس (عام 1985)، ورئيس، المعهد العربي الأميركي في واشنطن. ومن قادة الحزب الديمقراطي. وخلال إدارة باراك أوباما، كان عضوا في اللجنة الأميركية للحرية الدينية حول العالم.


الثانية، هدى عثمان، صحافية في نيويورك، ورئيسة جمعية الصحافيين العرب والشرق أوسطيين، وهي جمعية غير ربحية، وتضم صحافيين من أصول عربية وشرق أوسطية. 


الثالث، أسامة جمال، الأمين العام للمجلس الأميركي للمنظمات الإسلامية، ورئاسته في واشنطن العاصمة.

جيمس زغبي: «معايير مزدوجة»
... الحقيقة (هي) المعايير المزدوجة التي نشاهدها، صباحا ومساء، من السياسيين، والتقارير الإخبارية، والمعلقين الفلاسفة. ليس لديهم وعي ذاتي وهم يكشفون تعصبهم المعادي للعرب.


لم نسمع رد فعل حقيقيا في هذه الولايات المتحدة، عندما استنكرت إسرائيل الغزو الروسي لأوكرانيا، وأعلنت أنه «انتهاك خطير للنظام الدولي». وعندما أيدت «السلامة والسيادة» للشعب الأوكراني.

 


لم نسمع من يقول إن إسرائيل غزت، في الماضي، دولا عربية مجاورة، وتظل تحتل، بعد أكثر من نصف قرن، أراضي بعض هذه الدول...
ليس سرا وجود، وراء هذا الانحياز ضد العرب، نعرة عنصرية تاريخية عميقة، وهي وراء هذه المعايير المزدوجة.


لنتابع ما وراء نقل الإعلام الأميركي لحرب أوكرانيا:


أولا، نقل فيديو انتشر انتشارا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، وفيه جندي روسي يقتل طفلا، ويجرح فتاة، كلاهما أوكرانيان. لكن، كانت هناك أربعة أخطاء: الطفل فلسطيني، قتل في هجوم جوي إسرائيلي في غزة. والفتاة فلسطينية، ضربها جندي إسرائيلي لأنها كانت رمت حجارة عليه.


ثانيا، في نفس اليوم الذي نقل فيه الإعلام الأميركي مناظر بطولية لأوكرانيين يصنعون قنابل مولوتوف لاستخدامها ضد الروس، قتل مستوطن يهودي في الضفة الغربية صبيا فلسطينيا عمره 14 سنة لأنه رمى زجاجة مولوتوف داخل سيارة اليهودي.


ولم ينقل الإعلام الأميركي ذلك.


ثالثا، رغم اختلافات ومشاحنات، بل شتائم الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس ضد بعضهم البعض، سارعوا واتفقوا على فرض عقوبات قاسية ضد روسيا لأنها غزت أوكرانيا.  لكن، من السخرية أن الحزبين المتناحرين اتفقا على موضوع آخر: معارضة مشروع قانون لمقاطعة البضائع التي يصدرها المستوطنون اليهود في الضفة الغربية. قالوا إنه لا تجب مقاطعة إسرائيل وهي تواجه «إرهابا» عربيا، وفلسطينيا، ضدها.


رابعا، يظل الإعلام الأميركي ينقل، صباحا ومساء، مناظر عبور اللاجئين الأوكرانيين إلى دول مجاورة. ويظل يستعمل مناظر عاطفية لنساء يتحسرن، ولأطفال يبكون. ولم يقل إن هذه هي نفس الدول التي رفضت قبول لاجئين عربا، خاصة من سوريا.


أخيرا، يكرر المسؤولون الأميركيون أن غزو روسيا لأوكرانيا يعارض القوانين الدولية، ومواثيق حقوق الإنسان، ومبادئ الديمقراطية. دون أن يطبقوا أخلاقياتهم الزائفة على ظلم قرابة قرن على الشعب الفلسطيني على أيدي الإسرائيليين...

هدى عثمان: «تغطية إعلامية عنصرية»
كرئيسة للجمعية الأميركية للصحافيين العرب والشرق أوسطيين، أدين العنصرية الواضحة في نقل الإعلام الغربي لأحداث أوكرانيا، خاصة عند مقارنتها بأحداث الشرق الأوسط...


مؤخرا، جمعت الجمعية أمثلة، هذه بعضها:


قال مراسل مع تلفزيون «سي بي إس»، وهو يصف هلع أوكرانيين في مدينتهم، وهم يتوقعون وصول قوات الغزو الروسية: «مع كل الاحترام، ليست هذه مدينة في العراق، أو أفغانستان. ليست هذه مدينة ظلت تشهد حروبا مستمرة لعقود وعقود. هذه مدينة محترمة، هذه مدينة أوروبية. أريد أن أكون حذرا فيما أقول. أريد أن أقول إن هذه مدينة لا يتوقع فيها شخص أن تحدث فيها مثل هذه الكارثة، أو يتمنى أن لا تحدث فيها».

 هدى عثمان


قال مراسل يعمل مع تلفزيون «سي بي إس»، وهو يصف هروب لاجئين أوكرانيين إلى بولندا: «أريد أن أكون صريحا، هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا. هؤلاء لاجئون من أوكرانيا. هؤلاء لاجئون بيض، هؤلاء لاجئون مسيحيون».


قال مراسل يعمل مع تلفزيون «آي تي في» البريطاني، وهو يصف الدمار في مدينة أوكرانية: «يحدث هنا ما لا يصدقه شخص. هذه ليست دولة نامية، وليست من دول العالم الثالث. هذه دولة أوروبية». 


كتب مراسل يصف لاجئين أوكرانيين في صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية: «يبدو هؤلاء اللاجئون مثلنا تماما. وهذا ما يسبب الحزن العميق. هكذا، لم تعد الحرب كارثة تحدث في دولة بعيدة. ها هي كارثة تحدث هنا».


قال مراسل يعمل مع تلفزيون «بي إف إم» الفرنسي: «أنا لا أشاهد هنا لاجئين سوريين هاربين من قنابل تلقيها عليهم طائرات روسية تؤيد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. أنا أشاهد لاجئين يشبهوننا تماما. ويهربون في سيارات مثل سياراتنا تماما».


نحن هنا، في جمعية الصحافيين العرب والشرق أوسطيين، ندين إدانات شديدة وصف دولة بأنها غير متحضرة، أو أن وضعا اقتصاديا صعبا في دولة يجعل سكانها أقل أهمية، وأقل احتراما من سكان دولة أحسن حظا اقتصاديا.


نحن نحذر من تعليقات صحافيين تجعل الحرب في بلد ما شيئا عاديا، وفي بلد آخر يجب أن لا تحدث.  مثل هذه الأوصاف تجعل الناس يحسون بأن سكان دول معينة لا يستحقون العطف، ولا يستحقون المساعدات الإنسانية...

أسامة جمال: «يجب أن تتوقف الحرب»
كأمين عام لأكبر تجمع إسلامي في الولايات المتحدة، مجلس المنظمات الإسلامية، ندعو إلى وقف الغزو الروسي لأوكرانيا. ولإعادة سيادة ووحدة أوكرانيا.  ولمنح الأوكرانيين حق تقرير مصيرهم...

 أسامة جمال


ونقدم دعوتين لحلول إنسانية ودبلوماسية:


أولا، تكثيف المساعدات الإنسانية للشعب الأوكراني المظلوم.
ثانيا، وقف الحرب، وإرساء قواعد السلام في أوكرانيا...
يجب أن لا ننسى أن القارة الأوروبية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وخلال قرابة ثمانين سنة، ظلت تشهد حروبا وأعمال عنف كثيرة. عكس ما يقول الذين يلوحون بأن الأوروبيين شعوب مسالمة، ومستقرة، ومتحضرة.
يتذكر جيدا المسلمون الأميركيون، وغيرهم، الإبادة الجماعية الصربية المروعة ضد المسلمين في البوسنة قبل 30 عاما فقط. ويتذكرون الحرب التي قادتها دولة الصرب ضد المسلمين الألبانيين في كوسوفو قبل 23 عاما فقط، والتي انتهت سنة 1999...
هكذا، لم تكن أوروبا مسالمة ومثالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. بل ظهرت فيها أفكار متطرفة مع بداية هذا القرن، مثل الشعوبية، والنازية، والفوضوية (والإسلاموفوبيا).


لهذا، يجب أن تنتهي الحرب في أوكرانيا لتكون درسا للأوروبيين، لإعادة بناء قارتهم، لتكون دون حروب، ودون أفكار متطرفة...
يعرف المسلمون حقيقة غزو الروس لأوكرانيا لأنهم يعرفون معاناتهم بأيدي الروس وهم يغزون دولا مسلمة. يعاني المسلمون تحت العدوان الروسي في سوريا، وعانوا تحت الاحتلال الروسي لأفغانستان. وفي الشيشان، ومناطق أخرى في القوقاز.


نحن المسلمين نفهم، بقلق عميق، محنة الأطفال والنساء والرجال الأوكرانيين في مواجهة حرب غير أخلاقية يعلنها الروس وهم يدعون أنها تحقق احتياجاتهم الأمنية.


نحن المسلمين نعرف الأعذار الواهية عندما نشاهدها، ونشاهد نتائجها...


لقد شاهدنا «الصدمة والرهبة» (في غزو العراق) عندما بدأ تدمير دولة كاملة. لقد دفعنا ثمن احتلال من دول عظمى باسم شعارات تذكرنا بما كتب الفيلسوف أورويل: «ليست الحرب إلا سلاما»، و«ليست العبودية إلا  حرية»، و«ليس الجهل إلا قوة».
نحن المسلمين نعرف كيف يقتل الصمت، وكيف تغري القوة...
لهذا، يدعو المجلس الأميركي للمنظمات الإسلامية إلى السلام في أوكرانيا.
 

font change