بين طمس معالم جريمة مرفأ بيروت والسلامة العامة.. سجال ومواجهة!

«لا» مدويّة لأهالي الضحايا بوجه قرار هدم إهراءات شهدت جريمة العصر

من تحرك أهالي الضحايا رفضا لقرار الهدم

بين طمس معالم جريمة مرفأ بيروت والسلامة العامة.. سجال ومواجهة!

بيروت: يتردد صدى انفجار الرابع من أغسطس (آب) 2020 المزلزل في ذاكرة اللبنانيين، وشظايا ما أُطلق عليه القنبلة النووية الثالثة عالمياً لا تزال محفورة في قلوب أهالي الضحايا، فيما زوايا المكان شاهدةعلى دمار نووي في بيروتشيما حيث وقعت الكارثة، الشبيهة بمشاهدها، بما خلّفته قنبلة هيروشيما.

وفيما لا يزال فك لغز دخول نيترات الأمونيوم إلى المكان عصيّا على الكشف كما عن الأسباب، تستمر رحلة النضال بوجه عرقلة ممنهجة لردم حقيقة يتعطّش إليها ذوو الضحايا والجرجى وكل لبناني يبحث عن عدالة حقّ تبدأ بعدم طمس آثار جريمة العصر ومعاقبة المسؤولين عنها.

أشهر من الكرّ والفرّ بين أهالي شهداء المرفأ الذين ينشدون صدور القرار الظني في الجريمة بفارغ الصبر، على الرغم من إدراكهم صعوبة النيل من مرتكبين «محميّين»، وبين سلطة اعتادت تمييع التحقيقات ودفن الحقيقة وعرقلة العدالة كونها ستطال شخصيات سياسية نافذة.

لم يرفع الأهالي راية الاستسلام، وقرروا خوض غمار المواجهة حتى انتزاع حق الشهداء والجرحى الأحياء، ومدينتهم المنكوبة، في جولة مستمرة، آخر فصولها إيقاف القرار الصادر من الحكومة اللبنانية بهدم إهراءات (صوامع) القمح في المرفأ، بعد تكليف الأخيرة لمجلس الإنماء والإعمار بهدمه.

 تعالت أصوات أهالي ضحايا انفجار المرفأ الرافضة للهدم، مترافقة مع تصعيد ضد قرار تزامن مع إحياء  الذكرى 47 للحرب الأهلية في 13 أبريل (نيسان)، وقبيل أسابيع على انتخابات نيابية لم تردع لامبالاة السياسيين ورعونة تعاطيهم مع أوجاع  الناس.

جاء القرار الجائر أشبه بـصفعة جديدة للأهالي الذين يتساءلون عن مغزى ملغوم وتوقيت مشبوه لإخفاء معالم شاهدة على جريمة المرفأ التي تسبّبت بمقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح، وألحقت أضراراً جسيمة بالمرفأ وأحياء العاصمة.

 أهالي الضحايا يؤكدون أن لا مساومة على دماء أبنائهم

 

قرار الهدم صدر بحكم «الضرورة»

عام ونصف العام على انفجار المرفأ، ولا تزال أسباب انفجار المرفأ وهوية الفاعلين مجهولة، ووسط الصراع على الحقيقة بين طرفي النزاع، قرر مجلس الوزراء اللبناني هدم إهراءات القمح المتصدعة وما تبقى منها، وذلك عملاً بتوصيات اللجنة التي يرأسها وزير العدل اللبناني هنري خوري التي استندت إلى تقرير فني لشركة «خطيب وعلمي» ينصح بالهدم ويُحذّر من أن الإهراءات آيلة للسقوط بعد بضعة شهور والإبقاء عليها يُرتّب مخاطر على السلامة العامة، بينما ترميمها سيكلّف كثيراً، فيما أشارت معلومات إلى أن  مجلس الإنماء والإعمار سيقوم بوضع دراسة لكلفة عملية الهدم المقدّرة بأكثر من 10 ملايين دولار.

 كلفت الحكومة المجلس بالإشراف على عملية الهدم من دون تحديد موعد، وتم تكليف وزارتي الثقافة والداخلية بإقامة نصب تذكاري تخليداً لشهداء المرفأ يختصر كل مشاهد ذلك اليوم الأسود، فيما علامات استفهام تُطرح حول الأدلة والدراسات التي تثبت خطورة الإهراءات على السلامة العامة.

 

«لا» لطمس الحقيقة.. والمواجهة حتمية!

فتح القرار المتّخذ السجال حول هدم إهراءات المرفأ الشاهدة الوحيدة على المجزرة، واعتبره غالبية اللبنانيين محاولة جديدة لطيّ صفحة الانفجار قبل معرفة الحقيقة، وهدم للعدالة والذاكرة بأسلوب

مقيت جاء الرد عليه من قبل أهالي الضحايا، الذين نفذوا وقفة احتجاجية رفضاً لقرار مجلس الوزراء، ملوّحين بالتصعيد عبر التوجه إلى منازل الوزراء والمعنيين بالملف في حال عدم الرجوع عن القرار.

أكد وليم نون (شقيق الشهيد جو نون) باسم أهالي الشهداء لـ«المجلة» أن «الأهالي كانوا في انتظار إمضاء التشكيلات القضائية وليس هدم الإهراءات، فالقرار الظني لم يصدر بعد وهناك دراسات عدة لاستبدال هدم الإهراءات بتدعيمها، كونها الشاهد الوحيد على الجريمة».

 واعتبر أن «القرار يعني طمس الحقيقة ووضعها في مرمى النسيان، والتحرك ضد رفض الهدم هو لقول (لا) لمحو معالم الجريمة قبل زج قتلة الشهداء خلف القضبان وتبيان الحقيقة».

ولفت إلى أنه «في الوقت الذي انتظر فيه الأهالي قراراً من مجلس الوزراء يحثّ فيه وزير المال على توقيع التشكيلات القضائية الاستثنائية ليتمكن قاضي التحقيق طارق البيطار من استكمال تحقيقاته، إذ بالحكومة، بحسب نون، تصدر قراراً يقضي بمحو آثار الجريمة التي أودت بأشقائنا وأهلنا، الأمر الذي لن نقبل به أبداً»، كاشفاً عن «تحرك باتجاه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في الأيام المقبلة».

وشدد على أن «هناك لجنة من أهالي الضحايا ومن نقابة المهندسين إلى جانب قانونيين، وظيفتها إعداد دراسة عن وضع الإهراءات وطريقة تدعيمها وتقريرها أصبح على نهايته».

وقال: «كل هدفنا أن تبقى هذه الإهراءات حتى انتهاء التحقيقات، وما حصل باعتراف كل دول العالم جريمة دموية بكل ما لها من معنى، فيجب على الأقل المحافظة على الإهراءات لكي تبقى الذكرى، تماماً كما حصل في هيروشيما حيث تمت المحافظة على المبنى منذ 100 عام، وعلى الدولة أن تقوم بذلك وليس نحن من يطالب به».

 ولفت نون إلى أنه «في حال لم تستجب الحكومة لمطالب الأهالي، فستكون هناك مواجهة بينهم وبين المتعهدين الذين سيقومون بهدم الإهراءات، هذا بكل بساطة وصراحة».

وأكد أن «الأمر محسوم بالنسبة لأهالي الضحايا لقناعتهم بأن الدولة تريد طمس التحقيق في الانفجار كما في المشهد العام الذي يراه الناس على المرفأ، فكان هناك قرار منهم بالإجماع بأن الحل الأخير في حال إصرار الحكومة على هدم الإهراءات ونزول المتعهدين إلى المرفأ، بأن يقوموا مع عائلاتهم وكل الناس لمنع التنفيذ ومصادرة الآليات».

وعن قول الحكومة بأن الإهراءات تشكل خطراً على السلامة العامة، أشار نون إلى أن «الدراسة السويسرية تؤكد أن سقوط الإهراءات من الناحية الشرقية يحتاج إلى ما يقارب 10 سنوات، لذلك من الواضح أن الغاية هي عرقلة التحقيق».

وشدد على أنه «في حال تم حجب المشهد عن ذاكرة الناس فستُنسى القضية بحكم المصائب التي يرزح تحت وطأتها الشعب اللبناني، لذلك فإن أهالي الضحايا سيبقون يناضلون من أجل قضيتهم، وقرار الهدم لن يمر»، لافتاً إلى أنه «ليس فقط أهالي الضحايا هم من خسروا، وإنما كل الناس».

مازن حطيط

 

علامات استفهام والتباس

أثار القرار الكثير من الريبة والتساؤلات، وفي هذا الإطار أكد الوكيل القانوني لعدد من أهالي ضحايا حادثة مرفأ بيروت المحامي مازن حطيط لـ«المجلة» أن «الدولة مساهمة قضائياً وفعلياً بتوقيف التحقيق، وعليها شبهة في أي قرار تأخذه متعلق بالتحقيق أو ما يدور بفلك التحقيق».

ولفت إلى أن «المسؤولين يتغطّون بأن هناك قرارا تم اتخاذه من المحقق العدلي، بينما فعلياً هذا غير صحيح، فلا قرار تم اتخاذه في هذا الإطار، والاتجاه هو لمحو معالم الجريمة في ظل هذه الظروف الموجودة في البلد والتي تتماهى مع وقف التحقيق، وهذا يثير العديد من علامات الاستفهام والالتباس حول القرار المستعجل لهدم الإهراءات الهادف إلى طمس معالم الجريمة وإقفال ملف المرفأ».

وشدد حطيط على أنه «على الحكومة، قبل الحديث عن هدم الإهراءات، السير بالملف وخصوصاً في موضوع التشكيلات القضائية الجزئية العالقة حالياً لدى وزير المالية الموجود في الحكومة والذي يُمثّل طرفاً، أي الوزيرين السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر المدّعى عليهما، وبالتالي هناك شبهة بالموضوع».

وقال: «إذا أراد الأهالي الذهاب إلى إجراء قانوني وقضائي هل هناك ثقة؟ هذا السؤال الذي يُطرح، وهل سيكون له طابع العجلة؟»، مشيراً إلى أن «هناك فقدان ثقة ببعض القضاة وبآلية مراجعة القضاء».

وسأل حطيط: «من سيحسم هذا الموضوع وما هي طبيعة القرار الصادر للطعن به، فلا يوجد أي وضوح فيما يحصل لأن العمل في الملف لا يندرج ضمن إطار قانوني وحسب وإنما مع مافيا، وكل المسار المتبع والتعامل مع الإطار القضائي لا يوحي بالثقة مطلقاً ويثير الريبة».

من جهته، قال نقيب المهندسين في بيروت عارف ياسين خلال مشاركته الأهالي وقفتهم الاعتراضية على القرار من أمام المرفأ: «كل بناء قابل للتدعيم ليبقى شاهداً على المأساة، ومبنى الإهراءات غير قابل للاستخدام ونطالب بإبقائه شاهداً تذكارياً لثالث أكبر تفجير في العالم ولكي يتصالح الناس مع جراحهم»، مشدداً على أن «كلفة هدم الإهراءات أكبر بكثير من كلفة تدعيمها، كما أن مساحة الإهراءات ليست كبيرة نسبةً إلى مساحة المرفأ».

تجدر الإشارة إلى أنه تم بناء الإهراءات نهاية ستينات القرن المنصرم، من خلال قرض مقدّم من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، وتمكنت الإهراءات البالغ ارتفاعها 48 متراً وكانت قدرتها الاستيعابية تزيد على 100 ألف طن، وفق خبراء، من امتصاص الجزء الأكبر من الانفجار، ما أدى إلى حماية الشطر الغربي من العاصمة من دمار أكبر.

font change

مقالات ذات صلة