آراء أميركية: القوات الروسية «أسلحة دون ذكاء» فشلت دون أن تنهزم

قللوا من وطنية الأوكرانيين... واحتقروهم تاريخياً

خسائر فادحة للجيش الروسي في أوكراني

آراء أميركية: القوات الروسية «أسلحة دون ذكاء» فشلت دون أن تنهزم

واشنطن: فشلت القوات الروسية في احتلال كييف، عاصمة أوكرانيا، لكنها تظل أقوى كثيرا من القوات الأوكرانية، رغم أن نواياها تظل غير واضحة، وفقا لتحليلات أميركيين خلال الأسابيع القليلة الماضية.


لكن الفشل في احتلال كييف (بعد تحذيرات روسية استمرت شهورا، وبعد صور مئات الدبابات التي تحركت نحو كييف، ثم توقفت، ثم انسحبت)، جعل كثيرا من المؤرخين، والمعلقين السياسيين والعسكريين الأميركيين، يتفقون على أن ما حدث كشف العيوب الأساسية في المجتمع الروسي: سياسيا (غياب الديمقراطية)، وثقافيا (الإحساس بالنقص في مواجهة الغرب)، وعسكريا (هرجلة، رغم الأسلحة المتطورة).


تصور هذا الوضع مقتطفات من آراء أميركيين، مأخوذة من تغريدات أصحابها، أو مواقعهم في الإنترنت، أو تصريحاتهم لوسائل الإعلام:

أولا: «لا يعرف الروس الأوكرانيين، وليس فقط الأوكرانيين الذين أظهروا حاليا وطنية قوية، ودفاعا مستميتا عن وطنهم، ولكن، أيضا، عبر التاريخ، لم يعرف الروس الأوكرانيين لأنهم نظروا إليهم نظرة دونية»، هكذا جادل رومان سولشانيك، خبير في العلوم السياسية في مركز «راند» (ولاية كاليفورنيا). ومؤلف كتب عن الموضوع، منها: «أوكرانيا: من تشيرنوبل إلى السيادة»، و«أوكرانيا وروسيا: تحولات ما بعد الاتحاد السوفياتي».
ثانيا: «لم تثبت القوات الروسية فشلها الواضح في إسقاط أوكرانيا فقط، ولكن، أيضا، عبر تاريخها، اشتهرت بثقافة مختلة، وهرج ومرج في تكتيكاتها العسكرية»، هكذا جادل ماكس بوت، زميل كبير في مجلس العلاقات الخارجية، ومؤلف كتاب «نصائح لم تسمع: إدوارد لانسديل ومأساة أميركا في فيتنام». وهو، أيضا، كاتب عمود في صحيفة «واشنطن بوست».

سولشانيك: «جهل بالأوكرانيين»
تاريخيا، لم يوجد خبراء روس متخصصون في شؤون أوكرانيا، ولا مراكز دراسات، ولا حتى اهتمام شعبي. طبعا، في غياب الاحترام، لماذا الاهتمام؟...  

رومان سولشانيك


ألاحظ أنه، عبر عقود، ظل رأي الروس السلبي في الأوكرانيين أكثر كثيرا من رأي الأوكرانيين السلبي فيهم. ويتعلق هذا الرأي الروسي بعدة قضايا، منها:
أولا: ميول الأوكرانيين الغربية، وإعجابهم بالغرب، وحماسهم للانضمام إلى حلف الناتو، وإلى الاتحاد الأوروبي.
ثانيا: اتهامات الأوكرانيين بأن الروس وراء «هولودومور» (الجوع الذي أودى بحياة ملايين الأوكرانيين خلال ثلاثينات القرن الماضي). وأن الزعيم الروسي جوزيف ستالين، وهو من جمهورية جورجيا كان يحتقر الأوكرانيين، وربما لأسباب إثنية، وربما بسبب عقدة نفسية نحوهم.ثالثا: زيادة قوة ميليشيات آزوف اليمينية والنازية. يعود تاريخها إلى سنوات الحكم الشيوعي السوفياتي في أوكرانيا. وسميت بهذا الاسم لأن قيادتها على بحر آزوف. ويشير إليها كثيرا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويحذر بأنها بداية نازية جديدة، مثل نازية الزعيم الألماني أدولف هتلر...
يجب أن لا ننسى أنه في عام 1991، عندما صوت أكثر الأوكرانيين مع الاستقلال، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وصفهم الإعلام الروسي بأنهم «قوميون»، استعملوا «أساليب ملتوية» لإخفاء «شغف الأوكرانيين للوحدة مع روسيا».


ولا بد أن يلاحظ القراء، مثلما لاحظت أنا، مقررات المدارس في روسيا فيما يخص الشأن الأوكراني، تحتوي هذه المقررات (وهي تعكس الثقافة الروسية العامة) على الآتي:
أولا: ليست اللغة الأوكرانية إلا لهجة من لهجات اللغة الروسية.
ثانيا: تاريخيا، كانت أوكرانيا (وبيلاروسيا) من مناطق روسيا، ولا بد أن تعودا.
ثالثا: تاريخ أوكرانيا ليس إلا جزءا من تاريخ روسيا...


في عام 2010، قال السفير الروسي في أوكرانيا: «الروس والأوكرانيون شعب دولة واحدة، مع بعض الاختلافات الصغيرة، والخاصة».  
في عام 2011، في استطلاع شعبي، بعد 20 عاما من انهيار الاتحاد السوفياتي، قالت نسبة 66 في المائة من الروس إنهم حزينون على ما حدث. وقالت نسبة 48 في المائة إنهم يتمنون أن يتوحد الأوكرانيون معهم...
لكن، طبعا، ليست هذه نسبة كبيرة لتحقيق هذا الاتحاد. بالإضافة إلى أنه، في استطلاع شعبى آخر، قال ما نسبته 55 في المائة إنهم يؤيدون «علاقات صداقة بين الدولتين المستقلتين».


وفي عام 2014، وجدت دراسة استقصائية أجرتها جامعة أوسلو، في النرويج، أن أكثر الروس لا يعتبرون أوكرانيا دولة مستقلة.
وعندما سئل الروس: «كيف تكون علاقتكم مع الأوكرانيين؟»، قالوا: «نريد علاقات جوار جيدة. جزيرة القرم روسية، لا أوكرانية. منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو. والإطاحة بحكومة أوكرانيا لأنها تعادى روسيا»...
وأخيرا، في استطلاع شعبى قبل ثلاث سنوات قال 82 في المائة من الروس إنهم راضون عن الأوكرانيين كشعب، لكن قال 34 في المائة فقط إنهم راضون عن أوكرانيا كدولة.
أرى أن هذا يوضح تعالي الروس على أوكرانيا كدولة مستقلة، ورفض حكومتها، وقادتها. بما فيهم الرئيس الحالي زيلينسكى. يرفضونه بنسبة 93 في المائة. لكن، ها هو زيلينسكى يبرهن، يوما بعد يوم، على بطولة تاريخية ضد غزو روسيا...
-----------------------

ماكس بوت: «ثقافة عسكرية مختلة»

تظل روسيا تخسر الحروب التي تتدخل فيها بسبب ثقافتها العسكرية المختلة...
أعتقد أن هذه الحرب في أوكرانيا ستكون طويلة الأمد. لكن انتصار أوكرانيا على القوات الروسية في معركة كييف كان انتصارا تاريخيا، ستتناقله أجيال بعد أجيال.

 

ماكس بوت


ستكون معركة كييف مثالا تاريخيا جديدا على أن صلابة الضعيف يمكن أن تهزم القوى:
في سنة 1588، هزيمة «الارمادا الإسبانية» (من قبل البريطانيين).
وفي سنة 1781، في يوركتاون، في فرجينيا، هزيمة المستعمرين البريطانيين (من قبل الأميركيين).
في سنة 1954، في ديان بيان فو، في فيتنام، هزيمة المستعمرين الفرنسيين من قبل ثوار فيتنام...
أرى أن ميزة الأوكرانيين الحقيقية في عالم الثقافة العسكرية ليست إلا انعكاسا لحضارتهم. في الجانب الآخر، أرى أن القصور الفضائحي وسط القوات الروسية يعكس، أيضا، تراثا قديما.


في الواقع، قبل مائة وسبعين سنة تقريبا، في سنة 1854، وصف تقرير في مجلة «إيكونوميست» البريطانية هذا القصور الفضائحي. وتحث عن «القوة الاستبدادية»، وعن «الغش، والرشوة، والمضاربة، على كل مستويات القيادة العسكرية». وأضافت الصحيفة: «تبدو هناك حقيقتان مؤسفتان: الأولى، غياب الضمير. والثانية، الاعتراف بذلك».


وأقول للذي يريد قراءة التاريخ أن يقرأ تاريخ الهزائم الروسية:
فقدت روسيا حرب شبه جزيرة القرم (1853-1856). والحرب الروسية اليابانية (1904-1905).  والحرب العالمية الأولى (1914-1918). وحرب أفغانستان (1979-1989). والحرب الشيشانية الأولى (1994-1996).


قد يسأل سائل: ماذا عن الانتصارات العسكرية الروسية الكبرى؟ ماذا عن انتصارات حروب نابليون؟ وانتصارات الحرب العالمية الثانية ضد هتلر؟
نعم، لكن، أولا، كانت حروبا دفاعية، لا هجومية. وثانيا، ساعدتها دول غربية، مثل تحالف الحلفاء ضد ألمانيا الهتلرية...


أرى أنه، في نهاية المطاف، ستظل روسيا أقوى من أوكرانيا، دفاعا وهجوما. وربما ستعيد روسيا الكرة وتهاجم كييف مرة ثانية. لكن، سيستغرق ذلك وقتا طويلا، وستدمر كثيرا من المدن، وسيقتل كثير من الناس، في الجانبين.


لكن، لن تقدر روسيا على تغيير ثقافتها العسكرية بين يوم وليلة. لهذا، أتوقع أن يواصل الأوكرانيون انتصاراتهم لحماية وطنهم. ومع استمرار إرسال الأسلحة والذخيرة لهم من الغرب، تظل ثقافتهم العسكرية، وهي انعكاس لثقافتهم الحضارية، سلاحهم السري.

font change