سوريا... معابر التهريب تثير الخلافات بين قوات النظام والميليشيات الإيرانية

ميليشيا «الدفاع الوطني» تخسر عدداً من مقرّاتها لصالح ميليشيا حزب الله

قوات من ميليشيا حزب الله في سوريا

سوريا... معابر التهريب تثير الخلافات بين قوات النظام والميليشيات الإيرانية

القامشلي: رغم حالة الهدوء النسبي التي تعيشها مختلف المناطق السورية، إلّا أن الكثير من الخلافات بدأت تظهر على العلن بين قوات النظام السوري وميليشيات محلية وأجنبية تحظى بدعمه وكانت تقاتل إلى جانبه طيلة السنوات الماضية، حيث اضطرت تلك الميليشيات على الانسحاب من عددٍ من مقرّاتها وتسليمها لأخرى أجنبية مدعومة من إيران، من ضمنها حزب الله اللبناني، والتي تحاول فرض سيطرتها بقوة السلاح منذ دخولها على خط الأزمة السورية قبل سنوات، فما هي أسباب هذه التوترات وكيف ستؤثر على الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد وما هو الموقف الرسمي مما يحصل؟
أوضح الباحث في قضايا الأمن الإقليمي محمد فوزي أن «جوهر الخلاف الذي بدأ يظهر للعلن بين النظام السوري من جانب وحزب الله من جانب آخر، يرتبط بنظرة النظام السوري إلى الحزب على أنه فاعل ويسعى إلى تعزيز نفوذه داخل سوريا، بما يتجاوز سلطة النظام نفسه، وكذلك هناك جملة من الأسباب التي تدفع باتجاه تنامي الخلافات بين الجانبين، ومنها ملف المعابر الحدودية، وتحصين الحزب للعديد من مواقعه العسكرية، وتبني تحركات تهدد مساعي سوريا لتطبيع علاقاتها مع دول الجوار العربي».

طهران تحاول تهدئة حلفائها
وأضاف فوزي في تصريحات خاصة لـ«المجلة» أن «هذه الخلافات قد تؤثر في حال احتدامها وتحولها إلى صدام أو مواجهات بين الجانبين على الدعم الإيراني للنظام السوري، لكن طهران تحاول احتواء هذه الخلافات وتهدئة الأجواء بين حليفيها، لأن أي تصعيد في الخلافات بين الجانبين في الوقت الراهن سوف يكون على حساب نفوذها الجيوسياسي في سوريا، وسوف يكبدها خسائر كبيرة».


وتلعب المعابر الحدودية غير الشرعية الدور الأبرز في الخلافات بين قوات النظام وحزب الله وميليشيات أخرى متواجدة على الأراضي السورية ومدعومة من طهران، حيث تختلف هذه الميليشيات فيما بينها على عوائد التهريب، علاوة على محاولاتها تخطي دور النظام وقواته، وهو ما كان سبباً في انتشارها بكثافة على مواقع جديدة تقع بالقرب من محافظتي الرقة ودير الزور القريبة من الحدود العراقية خلال الأيام الماضية.
 
معابر التهريب أحد أبرز أسباب الخلاف
وفي هذا الصدد، قال فوزي إن «أحد محاور الخلاف الرئيسية بين الحزب وقوات النظام السوري وحلفائه المتواجدين في المناطق الحدودية، هي عوائد عمليات التهريب غير الشرعية التي تتم عبر الحدود، والتي يشرف عليها الطرفان، لكن حزب الله سعى إلى الاستحواذ على الجزء الأكبر من هذه العوائد، لكي يعمل من خلالها على تعزيز قدراته العسكرية، في ظل التضييق المفروض عليه وتحجيم مصادر تمويله، وتوظيف هذه الأموال في أنشطته الاستثمارية التي تضمن له مصادر دخل متجددة وكبيرة».

حاجز لقوات الفرقة الرابعة في سوريا


وأضاف أن «الميليشيات الإيرانية تسعى من خلال فرض سيطرتها على مقدرات ومقرات بعض القوى الموالية للنظام كقوات الدفاع الوطني إلى زيادة مساحة نفوذها في سوريا، بما يضمن تحقيق هدفين استراتيجيين: الأول هو زيادة مساحة نفوذها بما يضمن السيطرة على المقدرات الاستراتيجية لسوريا، والثاني هو تحجيم ديناميكية تحركات القوات الموالية للنظام، خصوصاً مع تزايد حجم الخلافات بين الجانبين، ومن أهم القوات التي تسعى الميليشيات الإيرانية إلى تحجيم تحركاتها ونفوذها، قوات الدفاع الوطني، والفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، فهناك خلافات كبيرة بين هاتين القوتين وحزب الله، وصلت إلى حدّ الدخول في صدام مسلح».
 
طهران تعول على الانشغال الروسي

وتابع أن «طهران تُعوّل للغاية على الأزمة الروسية- الأوكرانية وتحاول استغلال الانشغال الروسي لتوسيع نفوذها في سوريا، وهو توجه ظهرت معالمه مع التقارير التي تحدثت عن نقل طهران أسلحة إلى مناطق متفرقة من المحمية الإيرانية غرب الفرات وتدمر بريف حمص، وإنشاء مراكز ومعسكرات تدريبية هناك، علاوة على مساعي الميليشيات الإيرانية إلى توسيع نفوذها في ريف محافظة حماة أيضاً، عبر تحويل اللواء 47 الموجود بجبل معرين بريف المحافظة الجنوبي إلى قاعدة عسكرية خاصة بفيلق القدس مع العلم أن اللواء 47 هو لواء دبابات يتبع للفرقة 11 في الجيش السوري، لكنه بات خاضعاً للسيطرة الإيرانية على نحو مطلق».


كما شدد على أن «الولايات المتحدة الأميركية لها دور كبير في مواجهة عمليات التهريب التي تتم عبر الحدود السورية، وما يرتبط بها من جرائم وممارسات غير شرعية، خصوصاً في ضوء زيادة تحركات قواتها العسكرية في سوريا خلال حقبة الرئيس الحالي جو بايدن، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تمثل حلقة وصل بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والنظام السوري، في مجال مكافحة التهريب، بما يضمن تعزيز قدرة الطرفين على الحدّ من هذه الظاهرة، لكن ما يحول دون فاعلية دور واشنطن في القضية هو انشغالها بالحرب الروسية-الأوكرانية».
 
إخلاء عدد من المقرات لصالح ميليشيا مدعومة إيرانياً

وعلى أثر تصاعد الخلافات بين ميليشيا حزب الله وقوات الدفاع الوطني، قام مقاتلو الحزب بمهاجمة حواجزٍ لتلك القوات، الرديفة لقوات النظام في ريف دمشق واحتجزت عدداً من عناصرها، بحسب ما أفادت مصادر محلية من المنطقة لـ«المجلة».


وذكرت مصادر محلية لـ«المجلة» أن عدد عناصر قوات الدفاع الوطني المحتجزين بلغ 7 عناصر على الأقل تمّت مصادرة أسلحتهم بالكامل. وعلى أثرها تراجع بقية العناصر، ومن بعدها نصب حزب الله حاجزاً على الحدود السوريةـ اللبنانية، إلا أن هذا الوضع لا يختلف كثيراً عن الأوضاع السائدة في ريف دمشق، إذ تستمر الخلافات بين قوات النظام وحزب الله هناك أيضاً.


كذلك أشارت مصادر لـ«المجلة» إلى أن ميليشيا الدفاع الوطني في الغوطة الشرقية قامت بخطوة غير مسبوقة عبر تسليم مقر عسكري تابع لها، إلى الحزب بعدما قامت بتفريغه من جميع عناصرها وعتادها العسكري، وذلك في منطقة شبعا الواقعة بالقرب من طريق مطار دمشق الدولي. وهو ما ينذر بمزيد من التصعيد في الفترة المقبلة إذا ما حاولت ميليشيا حزب الله السيطرة على مقرّات أخرى في المنطقة ذاتها رغم وجود اتفاق بين الجانبين في حمص.

عناصر من ميليشيا الدفاع الوطني في سوريا


ففي الأسبوع الماضي، اتفق كل من ميليشيا الدفاع الوطني وحزب الله، على أن ينتشر عناصر الأخير في النقاط المحيطة بمدينة القريتين بريف حمص الشرقي، على أن تسمح لعناصر الدفاع الوطني بالتنقل من مدينة القريتين إلى البادية السورية، وفي المقابل يفرج حزب الله عن المعتقلين من عناصر الدفاع الوطني الذين احتجزهم يوم 19 أبريل (نيسان) الحالي.


وكانت أجهزة النظام الأمنية قد اعتقلت يوم 10 أبريل 3 عناصر جديدة  من قوات الدفاع الوطني من بلدة السخنة بريف حمص الشرقي، بتهمة التواصل مع ‎خلايا تنظيم داعش وذلك بعد أيام من اعتقال قيادي في الدفاع الوطني من مدينة السخنة لذات السبب، وفق ما ذكرت مصادر محلية لـ«المجلة».


ويشار إلى أن هذا التوتر الأمني ليس الأول من نوعه، فقد سبق ذلك توتر حذر بين حزب الله وميليشيا الدفاع الوطني في عدة مقرات لهما، في الغوطة الشرقية والقلمون الغربي. وقد تزامن ذلك مع محاولات حثيثة من الحزب لتوسيع رقعة سيطرته ونفوذه على تلك المناطق، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بينهما وقُتل عناصر من كلا الطرفين.


وكانت الميليشيات العراقية والأفغانية المدعومة من إيران قد عززت من تواجدها في نقاط التماس بين مناطق سيطرة النظام السوري ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الريف الشرقي لمحافظة الرقة، وعند المعابر البرية النظامية في مدينة الطبقة وبلدة العكيرشي، وذلك على خلفية التوترات الأمنية الأخيرة بين «قسد» وقوات النظام، إذ تبادل الطرفان الحصار في مناطق سيطرتهما في محافظتي حلب والحسكة.
 
ميليشيات مدعومة من إيران تدخل أرياف الرقة
وأكدت مصادر محلية من المنطقة لـ«المجلة» وصول شحنات إيرانية خلال الشهر الماضي، بعضها محمل بالأسلحة والذخائر المتنوعة، والبعض الآخر عبارة عن معدات لوجستية خاصة بالتدريب، إضافة إلى وصول عناصر من ميليشيا الحرس الثوري الإيراني إلى نقاط التماس بين مناطق النظام و«قسد» في ريف الرقة، حيث قاموا بإنشاء عدد من الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش على الطرقات الرئيسية والفرعية لمراقبة حركة عبور المدنيين والشاحنات.


وتسببت هذه التحركات في غضب واستفزاز الأهالي، الذين يصفون دخول الميليشيات الإيرانية إلى بلداتهم وقراهم في ريف الرقة بمثابة «احتلال» جديد، متهمين النظام السوري بتسهيل هذه المهمة، على اعتبار أنها المرة الأولى التي تدخل فيها القوات الإيرانية بهذه الطريقة إلى تلك المنطقة.
وفي منتصف الأسبوع الحالي، أفادت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن الميليشيات التابعة لإيران، عمدت إلى استقدام قافلة تضم عشرات الشاحنات من الأراضي العراقية إلى مناطق نفوذها التي تقع غربي نهر الفرات.

جنود عراقيون يعززون تحصين الشريط الحدودي مع سوريا بعد انتشار الميليشيات المدعومة من إيران عند الحدود العراقية السورية


وبحسب مصادر المرصد الذي يتخذ من بريطانيا مقرّاً له، فإن عدد الشاحنات بلغ نحو 34 شاحنة مغطاة بالكامل، وتوجهت نحو مطار دير الزور العسكري وأماكن أخرى في منطقة المزارع بريف الميادين، شرقي دير الزور. وكانت تلك الشاحنات تضم أسلحة وذخائر بينها صواريخ متوسطة المدى إيرانية الصنع، بالإضافة لمعدات لوجستية أيضاً.


وجاء ذلك على وقع النشاط الإيراني المتصاعد ضمن الأراضي السورية في ظل انشغال موسكو بحربها ضد أوكرانيا.


وفي 13 أبريل الحالي أيضاً، نقلت ميليشيات مدعومة من طهران، بينها «لواء فاطميون» الأفغاني شحنتين من السلاح والذخائر إلى منطقة الشبلي الأثرية الواقعة في ريف دير الزور الشرقي، غرب نهر الفرات. كما نقلت شحنتين إلى بادية حمص الشرقية.

font change