العالم يودع أيقونة القرن العشرين ليحيا في ظل الأسطورة

عاشت أميرة وماتت كالأسطورة

الأميرة ديانا

العالم يودع أيقونة القرن العشرين ليحيا في ظل الأسطورة

د. عماد عبد الرازق  - لندن: ديانا الأميرة التي شغلت الصحافة العالمية ردحا طويلا من الزمن ستشغل العالم أيضا بعد وفاتها. من مؤتمر حظر الألغام إلى عشرات الجمعيات الخيرية وعلاقاتها الشخصية وأزيائها ومستقبل التاج البريطاني ولا ننسى ذكرياتها العربية أيضا.. إنها حديث لا ينقطع.

«نحن اليوم أمـة روعتها الصـدمـة. نحن في حـالة حـداد وحـزن مـوجـع في الأعماق. هنا كانت إنسانة دافئة المشاعر ورائعة، لقد خيمت على حـيـاتـهـا روح مـأسـاويـة في أغلبـهـا، لكنهـا أثرت في حـيـاة الكثيرين في بريطانيا وحول العالم، ومنحتهم فرحا وطمأنينة. لقد كانت «أميرة الشعب»، وستظل هكذا في قلوبنا وذاكرتنا إلى الأبد»..


بهـذه الكلمـات نعی رئیس الوزراء البريطاني توني بلير ديانا صباح الأحد وهو في طريقه إلى الكنيسة في بلدة سيدجفيلو حيث دائرته الانتخابية، وكادت الدمـوع تتساقط من عينيه، فـروح المأساة التي خيمت على حياة ديانا اكتملت مأساة حقيقية برحيلها الخاطف في فجر ذلك اليوم. موت ديانا لم يضع نهاية لحياتها فقط، بل وأنهى أيضا الحدوتة الخيالية أو الـFairy tale التي كانتها في وجدان الملايين. هذه الحكاية التي نسجت خيوطها الروماسية الأولى في التاسع والعشرين من يوليو عـام 1981. حين شهدت بريطانيا والعالم زواج القرن لديانا وتشارلز في كنيسة سانت بول في لندن، لم تضع نهايتها الأخيرة بانهيار الزواج، وإعلان الطلاق رسميا في الثامن والعشرين من أغسطس عام 1996، وإنما كان إعلان الطلاق إيذانا ببدء فصل جديد في مسيرة أميرة الأحلام بحثا عن السعادة والحب الحقيقيين بعد أن دلفت إليهما من باب قفص ذهبي ملكي، لتغادره بعد خمسة عشر عاما وقد أثخنتها الجراح وفاضت دموعها مدرارا طوال عـام كـامل وثلاثة أيام وحتى لحظة رحيلها في فجر الواحد والثلاثين من أغسطس (آب)، حاولت ديانا أن تلملم أحزانها وتعيد ترتيب أوراق حياتها، بعد أن تخلصت من قيود القصر. هكذا خيل إليها مصممة على أن تضع ماضيها المفعم بالأحزان خلفها وحتى بعد الطلاق ورغم انکشاف «زواج القرن» في فشل ذريع، لم يـتـوقـف الـعـالـم لحظة عن اهتـمـامـه بالأمـيـرة، بل ازداد افـتتانا بـامـرأة لم تـقـعـدها تجربتها المريرة عن البدء من جديد بحثا عن السعادة، والاستمرار في بذل كل ما في وسـعـهـا مـن أجل قضايا كانت قد تبنتها طواعية مثل
قضية المشردين، الأطفال ضحايا الأمـراض المستعصية والفـقـر والحروب، ومرضى الإيدز وضحاياه كبارا وصغارا. 

نهاية الحدوتة ونهاية الأسطورة
وضع الموت نـهـايـة لـقـصـة ديانا كحكاية خيالية ظلت احتمالات أن تجد خاتمة سعيدة لها قائمة، ولم لا وكل الخـيـوط التي يمكن أن تصنع تلك الخـاتمـة مـاثلة في شخص بطلتـهـا، جـمـال وجـاذبيـة وأنوثة ناضجـة وقدر لا بأس به من الثروة والعشرات من طلاب ودها.
بموت ديانا اكـتـمـلت المأساة فصولا، لتبدأ الأسطورة التي ستحيا بلا أدنى شك لسنوات طوال، فلم تكن كلمات تونی بلیر مجرد محاولة لتسكين النفس وطلبا في العزاء، بل إنه قد لمس وترا حقيقيا في قصة ديانا حين توجها «أميرة للشـعب» وفي هذا الوقت بالذات يـكـمـن سـر هيـام الملايين بديانا في حـيـاتـهـا وسـر ديمومـة هذا الغـرام لسنوات قادمة.


إن دیانا فرانسیس سبنسـر المولودة في أول يوليو (تموز) عـام 1961 في بلدة سـانـدريـنـجـهـام (شرق) تتـبـدى الآن كبطلة لإحـدى المأسي الإغـريـقـيـة. ولدت وقـدرها المأساوي مسلط عليها، ومـحـال أن تجد فكاكا منه مهما كانت براعتها في المراوغـة، أو تسلحت بإرادة فولاذية للسيطرة على مـصـيـرها.


ومثل كل البطلات المأساويات كانت ديانا نبيلة المحتد فهي تتـحـدر من سلالة الملك جيمس الأول الذي تولى العرش خلفا للملكة إليزابيث الأولى. 
في مطلع القرن السـابـع عـشـر انفصل والدها ایرل اوف سبنسر عن أمها فرانسیس ستاندكيد وهي بعد في السادسة من عمرها، هذا المصير ذاته سيتكرر مع ديانا بعد تسـعـة وعـشـريـن عـامـا حين يتم طلاقها من تشارلز في عام 1996.
فالطفلة التي جاءت من بيت تحطم بانفصال الأبوين، عاشت لـتـعيد تجربة والديها في الزواج الفاشل.
وليست ديانا وحيدة في هذا القدر بل هو مصير الآلاف إن لم يكن الملايين حول العالم.


كانت الإجابة التلقائية المباشرة للكثيرين الذين وجه إليهم مراسلو المحطات التلفزيونة المخـتـلـفـة هذا السـؤال عن مـا كـانت ديانا تمثله بالنسـبـة لهم، هي أنهم كـانـوا يشـعـرون أنهـا «واحـدة منا». وهي إجابة تكاد أن تلخص في مـجـازها سر المكانة التي تمتعت بها ديانا في قلوب الملايين، وتلخص في الوقت ذاته خمسة عشر عاما من المعاناة تكبدتها مع العائلة الملكية، وفيها أيضا يكمن السبب الرئيسي الذي سيجعل قصة حياتها وموتها تعيش أسطورة في أذهان الناس. لقد كانت ديانا تنتمي لأصول أرستقراطية. إلا أنها كانت في الوقت ذاته مـجـبـولة على فطرة طبيعية جعلتها دائما تنصت لصـوت الصــدق في مـشـاعـرها. ولم تكن لهـا أي خـبـرة بالتقاليد الأرستقراطية الملكية حتى اقـتـرنت بالأمـيـر تشـارلز. وطيلة سنوات زواجها كانت تلك مشكلتها الكبرى، إذ لم تستطع أبدا أن تتخلى عن طبيعتها كفتاة بسيطة عملت مدرسة في حضانة للأطفال حتى قبل زواجها. وكانت تلك أيضا نقطة الخلاف الأساسية التي وضعتها في جـانب وزوجـهـا ومن ورائه العائلة الملكية في الجانب الآخر. 


إن واحدا من أهـم أسـرار نجـاح آل ويندسـور واسـتـمـرارهـم كـواحـدة من أعـرق الملكيـات في أوروبا، يكمـن كـمـا لخصه خبير في الشؤون الملكية، في قـدرتـهـم الفـائقـة على التـضـحـيـة بالمشاعر الشخصية مهما كان عنفـوانـهـا فـي سـبـيـل الـحـفـاظ على صورة العائلة المتماسكة التي تتربع على قمة هرم السلطة أمام الرعية.


وهو ما لم تستطع ديانا أبدا أن تتقبله أو تتبناه، لأنه كان ضد جبلة شخصيتها التي فطرت عليها. ولم يساعدها في شيء إدراكها أنها كانت أول امراة إنجليزية الأصل والمنشـأ تقترن بوريث للعرش طوال القرون الثلاثة الأخيرة من تاريخ آل وندسـور. حيث كانت المصاهرة من عائلات أرستقراطية أوروبية أخرى هي السـمـة السـائدة طوال هذه القرون. نـقـل الـزواج ديـانـا بين ليلة وضـحـاها نقلة عـمـلاقـة، وهي التي كـانـت قـد تـجـاوزت العـشـريـن عـامـاً بأسابيع قليلة. وكـمـا أسـرت إلى بعض صـديقـاتهـا المقربات بعد أن بدأت تنوء بعبء مـشـاكل حـيـاتـهـا الزوجية: كنت فتاة مجهولة تماما لم يسـمع بهـا أحـد. كنت لا أحـد. وفي لحظة أصـبـحـت أمـيـرة ويلز، وأمـا ولعبة مفضلة لدى الإعلام، وعضوا في العائلة الملكية، وهو عبء أثقل بكثير من أن يـتـحـمـلـه أي إنسـان بمفرده.


ولـم يمـض وقـت طـويـل عـلـى الزواج حتى بدأت المشاكل تتراكم، والـهـوة تـتـسـع بين عـالمي دیانا وتشارلز. هي تصرخ طلبا للالتفات لاحتياجاتها الوجدانية ومشاعرها الشخصية الحميمة كزوجة وأم، وتشارلز ومن ورائه القصر ماضون إلى الـتـشـبـت بـتـقـالـيـدهـم الأرستقراطية التي تقدم متطلبات الدور الملكي على مـا عـداهـا مـن متطلبات شخصية. ومضى كل في طريقه، وبدأ مسلسل الخـيـانات الزوجية، عـاد هو إلى حـبـه القـديم كاميلا باركر بولز، وعاشت هي قصة حب مـع ضـابـط سـلاح الـفـرسـان السابق جيمس هيويت الذي رشحه القصر لتدريبها على الفروسية، إذ اعـتـرفت هي أنها لم تنجـرف إلى العـلاقـة إلا بعد أن علمت بـعـودة تشارلز إلى كاميلا. 


إلى هنا وقصة الزواج الفاشل، والهوة التي تتسع بين الزوجين، وهي الخيـانـات الزوجـيـة، لا تختلف كثيرا عن مثيلاتها من مئات الزيجات. لكن ديانا لم تستطع أن تمضي في لعب هذا الدور المزدوج الفصامي، وكان لا بد من أن تتسرب أخبار تفاصيل «الطلاق» الفـعلي المتـواري خلف واجـهـة الزواج الملكي، إلى خارج القـصـر، وكان طبيعيا أن تتلقف وسائل الإعلام، والصحف الشعبية بالذات، التي لم تتوقف لحظة عن مـلاحـقـة الأمـيـرة، أن تتلقف هذه الشائعات التي تلتبس على الحقائق لتصنع منها عناوين ساخنة وتحقق من ورائها الملايين، وليس الإعـلام وحده ملوما، لأن كلا الزوجين لعب دورا في استدراج الإعلام إلى حلبة الصـراع الخـفي الدائر بينهـمـا، وكلاهما استخدم الإعلام لتسجيل نقاط ضد الآخر. وتلك كانت خطيئة ديانا الكبـرى التي لـم يـغـفـرهـا القصر لها أبدا، أن تسعى عن عمد لإظهـار الـشـقـوق والأخاديد التي أخذت تزداد عمقا في صورة العائلة الملكية المتماسكة. كـان تشارلز يرى في ذلك التباعد بينه وبين زوجـتـه أمـرا لا يسـتـأهل اهتماما كبيرا طالما ظل مـخـبـوءا خلف دهاليز القصر، لأن ذلك جزء من التقاليد المتوارثة، وشرط لازم للدور الملكي. أمـا ديانا فـفـاض بها الكيل، حين رأت خطورة ما سمته اخـتـلافـات يصعب تجاوزها على مستقبل ولديـهـمـا، وتطايرت اتهاماتها للأب بالجفوة في معاملة ولديه، وبأنه يترفع عن إظهار مشاعر الأبوة وإسـبـاغ الحب والحنان عليهما، بينما كان هو يتبع تقاليد راسخة في التنشئة الملكية.


ونتـيـجـة الصراع الذي طفح تدريجيا على صفحات الصحف الشعبية، بدت وكأنها متعادلة بين الخصمين. لكن النتيجة النهائية كـانت تصب لصـالـح ديانا. 
في بريطانيا كانت الغالبية متعاطفة مع ديانا الأم والزوجـة التي تطالب بحقوق هي في صلب دسـتـور العلاقة الأسرية، وجعلها هذا تبدو كـأمـيـرة إنسانة عادية مثل المئات غيرها من الأمـهـات والزوجـات وازداد إعـجـاب الناس بتـصـديهـا للنفاق الذي يلف الحيـاة الزوجيـة باسم الحـفـاظ على التقاليد. 
أمـا خارج بريطانيا، فلم يكن أحد يعبأ بتقاليد القصـر ونواميسه، ورأی الناس ديانا كامرأة عادية، واحدة منهم، تحب وتكره وتـغـار وتصـاب بالقلق والانهيار العصبي وفقدان الشهية العصبي، بل وتقـدم على الانتحار.

أميرة العالم
كـانت الخـصـال التي يجـسـدها تشارلز كأمير وولي للعهد، تتقاطع إلى حد كبير مع سمات عرفت عن الشخصية الإنجليزية بشكل عام القدرة الفائقة على كبت المشاعر والتحكم فيها في أحرج المواقف وما يعرف في الأوساط العامة بالبرود الإنجليزي. وقد جعل هذا ديانا تبدو أقل إنجليزية، كامرأة تتمرد على تقاليد أفرزتها خصال يراها الملايين حول العالم ضد الطبيعة البشرية.


وبالنسبة لديانا لم يكن ذلك تمردا على التقاليد، بمثل ما کان إصرارا على أن تحيا في تناغم وانسجام مع طبيعتها الوجدانية هذا الدفء في المشاعر، والحساسية التي أكسبتها عمقا في إدراكها وتفهمها لآلام الآخرين، هما اللذان دفعاها إلى تبني الكثيرين هموم ومعاناة فئات مختلفة من التعساء حول العالم، ونجحت عبر عدد من المشروعات والجمعيات الخيرية التي تبنتها في أن تعطي قوة دفع للرأي العام وتسلط أضواء قوية على هذه القضايا. 
لم تكن تفتعل دورا، كما تفعل الكثيرات من السيدات الأوائل من زوجات الرؤساء حول العالم بل كان نشاطها الخيري يشبع فيها تلك الحاجات الوجدانية لمشاركة الآخرين آلامهم، وكان ذلك أيضا مقرونا بإحساس متأصل بالواجب في شخصيتها كما ذكرت في حديث لها قبل مصرعها بقليل.. أن كوني في بؤرة اهتمام الرأي العام دائما: وضع على كاهلي مسؤولية خاصة «أن أستغل هذا الحضور لتوصيل رسالة إلى الناس، لأجعل العالم مدركا لقضايا هامة، ولكي أقف مدافعة عن قيم بعينها».


ولم تفرق ديانا في اهتماماتها الإنسانية بين المشردين في شوارع بريطانيا، أو أطفالها الفقراء وضحايا الأمراض المختلفة، وبين أطفال المجاعات في أفريقيا، أو ضحايا الحروب في البوسنة وفقراء الهند وضحايا الألغام وجابت العالم شرقا وغربا، سفيرة بالإنسانية للإنسانية. وأعلنت في الحوار الذي خصت به تلفزيون البي بي سي قبل عام، وأجراه معها مارتن بشير أنها تود لو تصبح سفيرة لبلدها. وكانت سفارتها قد تجاوزت في الحقيقة بريطانيا إلى العالم أجمع. وفي الحوار ذاته قالت إنها لا ترى نفسها ملكة لهذا البلد في يوم من الأيام- كان ذلك قبل إعلان الطلاق بشهور- لكنها تود لو صارت ملكة للقلوب، وقد تحقق لها الحلم أخيرا بعد رحيلها.

الصحافة في أزمة
بعد مرور الصدمة الأولى التي أثارها مصرع الأميرة ديانا أثناء مطاردتها من قبل مصورین، بدأ يتبلور في بريطانيا إجماع على ضرورة تعزيز ميثاق السلوك الصحافي من دون أن يصل ذلك إلى حد المطالبة بقانون لحماية الحياة الخاصة من الصحافة. 


انقسمت الصحافة والسلطات بين داع لتعزيز قواعد السلوك والآداب المهنية التي غالبا ما تتعرض للانتهاك من جراء السعي إلى السبق الصحافي، وبين محذر من المساس بحرية الصحافة التي هي في بريطانيا بمثابة قدس الأقداس. 


وهذا التحذير من المساس بالحرية تعززه حجتان قويتان تتناقضان مع الدعوات التي صدرت بعد إعلان نبأ الفاجعة إلى إصدار قانون يحمي الحياة الخاصة. الأولى تقول إن مطاردة المصورين للأميرة ديانا جرت في فرنسا حيث تحمي القوانين الحياة الخاصة للناس بشكل كبير. والثانية ترفض محاولة جعل المصورين كبش فداء، وتقول إن هناك مسؤولية جماعية تتحملها الصحف كافة سواء الشعبية منها أو تلك المسماة «رصينة»، وكذلك ملايين القراء الذين يشترون هذه الصحف.


وأعلن وزير الخارجية البريطاني روبن كوك أثناء زيارته لسنغافورة «أنه يؤيد عملية مراجعة الضمير، وقال إن القضية يجب أن تطرح على الصحافيين وعلى رؤساء التحرير. عليهم أن يراجعوا سلوكهم الأخير ويقرروا إلی أي مدی ساهموا فعلا في المأساة» ووعد بدراسة النتائج التى سيتوصلون إليها قبل أن تقر الحكومة ما يتوجب عمله وبكثير من الحذر يفكر حزب العمال، وعلى رأسه رئيس الوزراء توني بلير، بطرح من شأنه أن يحد قليلا من الحريات المدنية المطلقة لكن الإجراء الأول على هذا الطريق ليس قريبا وهو لن يبصر النور إلا مع انضمام بريطانيا إلى المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، الأمر الذي سيؤدي إلى إقرار قوانين أقل تسامحا مع انتهاك الحريات الشخصية وفي انتظار ذلك تبقى سیاسة وسائل الإعلام محكومة بمدونة سلوك اختيارية طالما أنه ليست هناك قيود قسرية ويبقى دور الشرطي موكلا إلى لجنة تنظيم مهنة الصحافة وتقتصر مهمتها على توبيخ وسائل الإعلام التي تنتهك القواعد التي وضعتها لنفسها بنفسها وهذه الصيغة لم تحل حتى الآن دون حصول انتهاكات كانت تبرر دائما بحق الجمهور في المعرفة والاطلاع.


يذكر أن الصحافة البريطانية هي واحدة من أقوى الصحافات في العالم، ويبلغ حجم إصدارها اليومي أكثر من 15 مليون نسخة ويبلغ عدد الصحف الصادرة في بريطانيا تسعا بين يومية وأسبوعية تخوض منافسة ضارية فيما بينها، لكن هذه الصحف التي لم تتوقف عن ملاحقة أخبار ديانا ودودي الفايد طيلة الصيف، كانت أكثر رصانة في أول يوم بعد الحادث. 


وفي باكستان، نقلت صحيفة «ذا نايشن» في أول سبتمبر عن إمام المسجد الملكي في لاهور (باكستان) عبد القادر آزاد أن الأميرة ديانا كانت تحب الديانة الإسلامية وتريد اعتناقها. وقال الإمام آزاد کانت تمیل إلی الإسلام وبسبب ذلك كانت تتعرض لانتقادات في الغرب.


وأضاف أنه كان طلب إلى أميرة ويلز أثناء زيارتها المسجد الملكي في لاهور في العام 1991 أن تختار الإسلام ديانة لها لكنها أرادت القيام بذلك بدعم رجل «مسلم» كما قال. ولم يعط الإمام أي إيضاحات في هذا الخصوص، كما لم يذكر اسم صديق ديانا المصري دودي الفايد الذي لقي حتفه معها في حادث السيارة أمس في باريس.

====================
ديانا والعرب

الشعبية التي حظيت بها ديانا لم تترك بلدا من بلدان العالم حتى تلك التي لم تقم بزيارتها. وربما لم تحظ شخصية بريطانية في العصر الحديث بهذا الإجماع الذي تحقق حول ديانا. حتى في تلك البلدان التي لا يحظى فيها التاج البريطاني بالحب أو التقدير، وأقرب مثال على ذلك أستراليا التي تؤيد الأغلبية من سكانها الانفصال عن التـبـعـيـة للتاج البريطاني- كـإحـدى دول الكومنولث- لتصبح جمهورية. كانت ديانا الشخصية البريطانية التي أجمع الملكيون والجمهوريون على حبها. وأيرلندا الشمالية مثال آخر، كما بدا واضحا من تدفق الناس هناك لتسجيل تعازيهم، أو وضع باقات الزهور أمام مبنى بلدية بلفاست.


إن بريطانيا ذات الإرث الاستعماري العتيد، كانت رموزها الملكية دائما ما تثير مشاعر متناقضة بين سكان مستعمراتها السابقة، وحدها ديانا بسماتها الآسرة وصدق إخلاصها في القضايا التي تطوعت للدفاع عنها كانت قادرة على تجاوز ذلك التناقض. هذه المفارقة الكامنة في انتمائها للعائلة الملكية من جانب، وتجسيدها لمواقف ومـثل تتجـاوز بريطانيا كوطن قـومي وإمبراطورية سابقة تدعمت أکثر بعد انفصالها رسميا عن العائلة بالطلاق، وتحولت بالفعل في عامها الأخير إلى رمـز عـالمي في عصر أصبحت الكونية أهم سـمـاته بفضل التـفـوق الهائل لوسائل الاتصال التي أذابت الحدود. 


وفي العالم العربي كانت ديانا تتمتع بشعبية كبيرة لا تقل عن مثيلاتها في أي بلد آخر بل إن الدور الذي لعبته كسفيرة لبلدها إلى جوار زوجها تشارلز- في السنوات السابقة لانهيار الزواج- في تمتين العلاقات التاريخية بين عدد من البلدان العربية، ومن بينها دول الخليج العربي ومصر، لكن هذه العلاقة احتلت بؤرة الضـوء في الأسابيع الأخيرة السابقة على وفاتها بسبب علاقتها مع عماد الفايد المصري- العربي المسلم. وجزء كبير مما تداولته الصحافة البريطانية في شأن هذه العلاقة، لا يقر بالمرة الكيفية التي رأت بها ديانا العلاقة بقدر ما أنه كان يعكس جانبا من التعصب القـومي الإنجليزي. وفي أحاديثهـا التي أسـرت بها لعدد من صـديقـاتهـا المقربات، وتسربت إلى الصحافة اعترفت بأنها كانت تحمي قصة حب صادقة، ولم يكن الأمر مجرد تحد أو إغاظة لمشاعر الإنجليز القوية وعلى رأسهم مؤسسة التاج الملكية. لكن الصحافة البريطانية لم تبذل أدنى جهد في إخفاء هذا التعصب وكانت الحملة الشـعـواء التي شنتها على ديانا وملاحقتها المستمرة لكل تحركاتها بصحبة «دودي» الفايد، إفرازا لهذا التعصب. 
ولم يقتصر الأمر للأسف على صحـافـة الفضائح الشعبية، إذ كتب أحـدهم مقالا في «الديلي تلجراف» وهي صوت اليمين التقليدي المحافظ في بريطانيا، مقالا بعنوان «ألم يكن في وسعها أن تجد رجلا إنجليزيا مهذبا».


لا يمكن بالطبع إغفال الجانب الخاص بمحمد الفايد- الأب- في إمداد هذه الحملة بوقـود جعلها تتلبس ثوب المدافع عن سمعة بريطانيا وعائلتها الملكية، في مواجهة رجل أعمال مثير للجدل، لكن الخلط بين الأمرين، أن علاقة ديانا بالفايد الابن، وسمعة والده، يفتقر إلى الأسس البسيطة للموضوعية.
على الجانب الآخـر بدا أن الصـحـافـة- المصرية بالذات من بين الصـحـافـة العربية- تبنت مـوقـفـا قد لا يقل تعصـبـا في مبايعتهـا للعلاقة. وقد مثلت الصحافة الشعبية المصرية ذلك بالاتجاه الأقرب لمشاعر مشجعي كرة القدم، والذي رأى في العلاقة انتصارا للفايد الذي أبت الحكومة البريطانية منحه جـواز سـفـر بـريطانيا، وهو الذي يملك أفـخـر وأعـرق مـتـاجـرهـا- هارودز- ويستثمر الملايين فيها ولم ينل مع ذلك حق الجنسية الذي يناله الآلاف من البسطاء والفقراء الذين يهاجرون إلى هذا البلد في غضون سنوات خمس.


قصة الحب التي جمعت بين ديانا ورجل غير بريطاني- عربي مسلم، تعد هي الأخرى تجسيدا لتلك الصورة العالمية ذات الطابع الإنساني المتجـاوز لفروق الأعراق والديانات والثقافات التي كانت هي أصدق تمثيل لها.

====================

ورود لديانا المناضلة ضد الألغام 
مؤتمر لحظر الألغام يبدأ بلحظة صمت من أجل ديانا

    
وقف مندوبون من 100 دولة تقريبا في مؤتمر دولي لحظر الألغام دقيقة حدادا على وفاة الأميرة ديانا. وقال بيورن تور جودال وزير الخارجية النرويجي وهو يفتتح المؤتمر أن وفاة الأميرة أبرز المشاركين في حملة حظر الألغام أحدث تاثيرا عميقا. 


وقال جودال: «منذ ثلاثة أسابيع زارت ديانا حقول الألغام في البوسنة وأظهرت مرة أخرى اهتمامها العميق بملايين الضحايا الأبرياء وأبرزت مدى حرصها على حظر الألغام. وأضاف: «لن ندخر جهدا في هذا المؤتمر لإنجاز الأهداف التي وضعتها نصب عينيها وأصبحت ديانا أشهر المساندين لحملة حظر الألغام وجذبت انتباه وسائل الإعلام عندما زارت ضحايا الألغام في البوسنة وأنجولا. 


ودعيت ديانا لحضور المؤتمر الذي يستمر 19 يوما وستعمل فيه 100 دولة تقريبا لوضع مسودة اتفاقية لحظر استخدام الألغام الأرضية التي تستهدف الأفراد وتصديرها وإنتاجها وتخزينها. وستوقع المعاهدة النهائية في أوتاوا عاصمة كندا في حالة الاتفاق عليها في سبتمبر (أيلول) الحالي، وتبين أرقام للأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر أن شخصا واحدا يقتل أو يصاب بعاهة كل 20 دقيقة بسبب الألغام الأرضية وبذلك يصل الضحايا إلى 26 ألفا كل عام. ويزرع 20 لغما جديدا مقابل لغم واحد يتم تطهيره، وقال جودال إن المؤتمر يتيح فرصة تاريخية للتوصل إلى اتفاق يحد بشكل ملموس من المعاناة الناجمة عن الألغام.


وقد وضعت ورود بيضاء تحية للأميرة ديانا أمام قصر الأمم في جنيف بعد يوم واحد من رحيلها المفاجئ تحت كرسي يبلغ ارتفاعه 12 مترا وقد نزعت إحدى أرجله رمزا لبشاعة الألغام المضادة للأفراد. ورافقت الورود التي وضعها مجهولون رسالة مقتضبة: «شكرا لليدي ديانا على ما فعلته ضد الألغام». 


وكانت الأميرة التزمت قبل وفاتها بالمطالبة بالحظر الشامل للألغام التي تقتل أو تشوه حوالي 2000 شخص شهريا في مختلف أنحاء العالم. 
يذكر أن مؤسسة هانديكاب إنترناشيونال، كانت قد وضعت هذا الكرسي الخشبي الذي نزعت إحدي أرجله أمام مقر الأمم المتحدة في جنيف للفت النظر إلى المعاناة التي تسببها هذه الأسلحة.


====================

دودي الفايد

ولد عـام 1955 في القـاهـرة، وهو ابن البليونير المصري محمد الفايد صاحب المتجر البريطاني الشهير «هارودز». وأمه سعودية، وهي سـمـيـرة خـاشـقـجي، أخت رجل الأعـمـال عـدنان خاشقجي. توفيت في حادث سيارة.
تعليمه: مدرسة لاروزي في سويسرا، والأكاديمية العسكرية البريطانية «ساند هيرست».
خبرته العملية: عمل ملحـقـا بسفارة الإمارات العـربيـة المتـحـدة في لندن، وشارك في إنتـاج وتمويل عدد من الافلام، منهـا: «تشـاريوت أوف ناير»، الحائز للأوسكار عام 1981.
الحالة الاجتماعية: تزوج عام 1987 من عارضة الأزياء الأميركية سوزان جريجارد، واستمر الزواج ثمانية أشهر فقط.
العائلة: والدته انفصلت عن والده بعد شهور من ميلاده.
علاقتة بالأميرة ديانا: قابلها لأول مرة في 86 أثناء مباراة «بولو»، واجتمعا ثانية في يوليو 97 عندما دعتها عائلة الفايد مع ابنيها في سانت تروبيز، وقضى دودي وديانا عـدة أسابيع مـعـا إلى أن لقـي مـصـرعـه فـي حـادث السيارة.

font change