الرمال البيضاء... شريان حياة العالم الرقمي

احتياطيات مصرية تصل إلى 20 مليار طن

الرقائق الإلكترونية

الرمال البيضاء... شريان حياة العالم الرقمي

القاهرة: لا يحمل وصف الرمال البيضاء بأنها نفط العالم الرقمي أي مبالغة، إذ تعتبر المادة الخام في صناعة الخلايا الشمسية، والرقائق الذكية، التي تدخل بدورها في مختلف التقنيات الإلكترونية، وتعتمد عليها الحياة اليومية للبشر بدءاً من ريموت التلفاز وحتى الهواتف الذكية والأجهزة المنزلية.
ظلت الرمال البيضاء ثروة مهملة في مصر لعقود وفي سنوات طويلة كان يتم تصديرها بعشرين دولارا فقط للطن، حتى جاء عام 2016 حينما أصدرت الحكومة حظرا على التصدير للحفاظ على هذا المورد غير المتجدد واحتياطي مصر منه.


بدأت مصر تتبنى خطوات في طريق الاستفادة من الرمال البيضاء وإدخال قيمة مضافة عليها، بدلاً من تصديرها كخام، فالرمال المصرية الأجود عالميا بنسبة تركيز لخام السيليكا يصل إلى 99.79 في المائة وشوائب أكسيد الحديد بنسبة 0.01 في المائة فقط.


وتشجع مصر على إقامة مصانع لمنتجات السيليكون والزجاج، خاصة أن سعر الطن من الأخير  يتجاوز ألف دولار، وحال الوصول إلى إنتاج وتصدير السيليكون المستخلص من الرمال، يصبح سعر الطن 10 آلاف دولار.

تصنيع الخلايا الشمسية


ويبلغ احتياطي مصر من الرمال البيضاء نحو 20 مليار طن، موزعة بين شمال سيناء التي تضم احتياطي يبلغ 120 مليون طن، ومنطقتي وادي الجنة وأبو زنيمة بجنوب سيناء، باحتياطيات مؤكدة 268 مليون طن، واحتياطي جيولوجي أكثر من مليار طن.


كما تضم وادي قنا احتياطيات تصل إلى 260 مليون طن، مصحوبة بأكثر من 40 مليون طن، وجنوب غرب الزعفرانة بالصحراء الشرقية، بسمك 100 متر بدون غطاء صخري، ما يقلل من تكلفة الإنتاج وسهولة استخراجها.


وبحسب المركز الإقليمي لعلوم الفضاء في الأمم المتحدة، فإن مصر وصلت إلى مرحلة جيدة جدًا في تصنيع الخلايا الشمسية؛ ووصل سعر الطن في مصر إلى 10 آلاف دولار، ما يبشر بمكاسب كبيرة مستقبلا إذ يتجه العالم لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، بدلاً من الوقود الأحفوري.

خطة لتوطين صناعة الرقائق الإلكترونية في مصر

اهتمام حكومي
أكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري أخيراً، أهمية الاستفادة المُثلى من مواردنا الطبيعية، ومن بينها: «الرمال البيضاء والكوارتز»، عبر تعظيم القيمة المضافة لهذه الخامات، لافتا إلى أن ذلك يأتي في إطار التوجه نحو توطين صناعة الرقائق الإلكترونية في مصر.
وأصدرت الحكومة أخيراً، توجيهات للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بالتنسيق مع الجهات المعنية التابعة لوزارة البترول والثروة المعدنية، بدراسة آليات تحفيز القطاع الخاص وتقديم حوافز للاستثمار في مجال إنشاء تجمعات صناعية لخام الرمال البيضاء.


من المقرر أن تضم تلك التجمعات الصناعية مصانع الزجاج عالي الجودة، والكريستال، ورمال التكسير الهيدروليكي في آبار البترول لزيادة الإنتاجية، فضلا عن إنشاء كيانات معالجة خام «الكوارتز والرمال البيضاء» لزيادة تركيز الخام ورفع قيمته المضافة.
وأعلنت هيئة الاستثمار عن حوافز الاستثمار لإنشاء تجمعات صناعية لخام الرمال البيضاء من بينها الحوافز الضريبية، والحوافز الخاصة بالصناعات المرتبطة بخام الرمال البيضاء، وذلك في قطاعي الصناعة والبترول والثروة المعدنية.

الرمال المصرية عالية الجودة

تقنيات تصنيعية
في الوقت ذاته تسعى مصر للدخول في تصنيع الرقائق الإلكترونية للاستخدامات البسيطة المستخدمة في أجهزة قياس ضغط الدم، ونسبة السكري، بعد إنهاء الغرفة النظيفة في مدينة زويل، المزمع افتتاحها رسميا خلال عدة أسابيع.


والغرفة النظيفة، هي مكان شبيه بمعامل الأبحاث يتم فيه تصنيع رقائق السيليكون، وسميت بهذا الاسم نظراً لاحتياجها إلى معايير قياسية فيما يتعلق بالنظافة والتحكم في كميات الغبار، فالعاملون فيها يرتدون ملابس شبيهة بمعامل الأوبئة، من أجل تجنب تلوث المنتج بخصيلات الشعر المتساقطة من العاملين أو أي جزيئات غبار ملتصقة بأيديهم والتي قد تهدد بفساد الرقاقة كلها.


تحتاح الغرف النظيفة إلى تقنيات خاصة في ضبط  الهواء تقوم بتدويره باستمرار لإزالة أي جزيئات تتسرب من ملابس الفنيين والتقنيين والمهندسين، خاصة أن الرقاقة الواحدة تتكون من عدة طبقات، وتحتاج إلى تقنيات ضخمة.

مستقبل مصر في الطاقة النظيفة

دعم كبير
المهندس محمد سالم، رئيس مجلس إدارة إحدى شركة سيكو للإلكترونيات، يقول إن تصنيع الرقائق الإلكترونية من الرمال البيضاء موضوع استراتيجي يحتاج إلى دعم جميع الجهات في الدولة المصرية من أجل تنفيذه في ظل احتياجه لتقنيات وتدريب كبير للعاملين به.


يؤكد خبراء أن مصر اختارت العمل على الرقائق البسيطة أولا لأن تلك الصناعة معقدة تحتكرها شركات عالمية، حتى الصين رغم إمكانياتها الضخمة لا تمتلك إلا 5 في المائة من حجم صناعة السيليكون عالمياً، بينما صناعة الويفرز (عجينة السيليكون) متوافرة بالدرجة الأولى فى تايوان.


يضيف سالم، لـ«المجلة»، أنه كلما تم إجراء قيمة مضافة على الرقائق ترتفع قيمتها ويتم تصنيعها من الرمال البيضاء؛ حتى إن حبة الرمل الواحدة قد يصل سعرها إلى 500 دولار، حال تحويلها إلى صناعة الإلكترونيات.


تمتلك تايوان 65 في المائة من صناعة الرقائق التي تدخل في صناعتها الرمال البيضاء، وفي ظل التوترات الجيوسياسية بينها وبين الصين حاليا، فإن بعض المصانع تبحث حاليا عن البديل، ومصر مرشحة لاستضافة بعض المصانع التي تخشى من إمكانية اندلاع حرب في المنطقة.
يضيف سالم أن جائحة كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية أظهرت أن مصر لديها فرصة لاستقدام المصانع التي تصنع الرقائق، والتي قد تبحث عن توافر المادة الخام من الرمال البيضاء، فخريطة الاقتصادات العالمية ستتغير في المرحلة المقبلة، ومصر تملك ما يؤهلها لأن تصبح أحد مراكز التصنيع حول العالم.

مطالبات بمنع تصدير الرمال البيضاء

جدل مستمر
الاهتمام العالمي المتزايد بالرقائق، خلق حالة جدل محلي حول الخسائر التي تكبدتها البلاد من جراء تصدير الرمال وإعادة شرائها، في صورة منتجات بسيطة كالزجاج الذي يتم استيراده من تركيا وإيطاليا، اللتين ظلتا لسنوات طويلة تستوردان الرمال البيضاء المصرية بشكل مباشر وغير مباشر.
تراهن مصر أيضاً، على أزمة الطاقة الحالية في جذب صناعات الخلايا الشمسية من الاتحاد الأوروبي إليها، والرمال البيضاء تمثل العصب الأساسي لتلك الخلايا، فضلا عن اهتمام سياسي مصري، بزيادة مكون الطاقة المتجددة من مزيج الطاقة إلى 42 في المائة.


وحسب الدراسات، فإن الإشعاع الشمسي متوافر في أغلب أوقات العام ما يعطي مساحة لإنتاج الكهرباء بكميات كفيلة بتحقيق الخطط المحلية لإنتاج الهيدروجين الأخضر النظيف، الذي يعتمد على الطاقة المتجددة في المقام الأول في إنتاجه وتتسابق الدول على تعزيز صناعته حاليا.
يطالب رجال الأعمال في مصر حالياً، بتيسير الإجراءات الحكومية فيما يتعلق بصناعات المستقبل وفي مقدمتها الرمال البيضاء والسيليكون، خاصة أن بعض المعالجات البسيطة تزيد من القيمة المضافة للصناعة، فغسل الرمال البيضاء وتخليصها من الشوائب وتحسين النقاوة  يرفع العائد على الطن أكثر من البيع خام.

إجراءات طويلة
رغم حجم الاحتياطات الكبرى من الرمال البيضاء، لا يوجد في مصر سوى 5 مصانع زجاج كبرى فقط لا تكفي احتياجات السوق المحلية، ولا تتناسب مع سهولة استخراج الرمال البيضاء المتواجدة بقشرة الأرض، ولا تحتاج لتقنيات حفر، بينما تضم سيناء مصنعا واحدا في مدينة بئر العبد لمعالجة الرمال البيضاء وفصلها.


الدكتور صلاح الدين فهمي، رئيس وحدة الأبحاث العلمية في المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية، يقول إن الحديث عن الرمال البيضاء وضرورة استثمارها يدور في مصر منذ ما يزيد على 7 سنوات، لكن لا يشهد الأمر تحركات على أرض الواقع، تتناسب مع حجم الطموحات.
ويضيف أن تعقيد الإجراءات والتأخر في منح التراخيص، لا يزال حائلاً دون تحقيق التنمية في ذلك المجال رغم اقتراب مناطق الرمال في سيناء واحتياطياتها من منطقة قناة السويس التي تضم مناطق صناعية بإجراءات وحوافز خاصة، مطالباً بتسهيل الإجراءات، وإزالة جميع العقبات التي تقف في طريق اقتحام التصنيع للخامات المصرية.

font change