المرأة المخرجة تنافس الرجال على المهنة الصعبة

المخرجة كاثرين بيغلو خلال التصوير

المرأة المخرجة تنافس الرجال على المهنة الصعبة

لندن: منذ أن سادت أجواء صناعة السينما في العالم الغربي وضرورة أن يكون للمرأة مجالات عمل متساوية في حقل الإخراج السينمائي، ازداد عدد الأفلام المعروضة في الصالات وفي المهرجانات وعلى منصّات العروض المنزلية التي هي- بالفعل- من إخراج إناث.


في سنة 2020 بلغ عدد الأفلام الأميركية (فقط) التي تم تحقيقها من قِبل نساء 84 فيلما طويلا (روائيا وغير روائي).


في العام التالي، 2021، نجد 326 فيلماً من أنحاء العالم من إخراج نساء. والعام الحالي لم ينته بعد لكن الرقم المعلن حتى الآن هو 269 فيلماً.
المهرجانات السينمائية رفعت عدد الأفلام المحققة من قِبل نساء وتباهت. مهرجان لندن السينمائي أعلن قبل عامين أن 70 في المائة من عروضه أفلاماً من إخراج نساء.


المهرجانات الثلاثة الأولى، برلين وكان وفنيسيا، تواكب في الفترة ذاتها ما معدله 35-40 في المائة من الأفلام من إخراج نساء.

أكشن نسائي
وحده الجمهور الكبير لا يفرّق إذا ما كان الفيلم الذي سيشاهده هو من إخراج رجل أم امرأة، أو لون بشرته أو معتقداته. هذا باستثناء جمهور من المثقفين والباحثين الذين لا يتجاوز عددهم 20 في المائة من الجمهور السائد. ما يعني هذا الجمهور هو ما يدفعه لقاء ما يتوخّاه. يريد الترفيه ولا يكترث كثيراً من يؤمّنه.


لكن السبب في هذا الانتشار يعود إلى حالة رائجة من الدعوة إلى المساواة التي هي، ويجب أن نقول، دعوة لا غُبار عليها من حيث المبدأ، لكن هناك ما يُقال حول نسبة تبدو مفروضة عوض أن تكون طبيعية. ومحاولات مهرجانات السينما إرضاء الجمهور الذي يحضرها تدفعها إلى انتخاب أفلام نسائية حتى ولو لم تكن تصلح للعرض في المهرجانات، وغالباً على حساب أفلام «رجالية» أفضل لكن تم رفضها حتى يتسع المجال لعرض الأعمال النسائية.


ما يُثير الملاحظة أن هناك مخرجات جيّدات لم نعد نسمع عنهن إلا من حين بعيد لآخر مثل الأيرلندية أندريا أرنولد وأنجلينا جولي وجودي فوستر وجولي دبلي وجولي تايمور وكاثرين بيغلو وكيلي رايكهارت وكمبرلي بيرس. وماري هارون من بين أخريات.


لحين بدا أن الأفلام القائمة على البطولة الرجالية أو تلك المقتبسة من مجلات الكوميكس هي من نصيب الرجال أمثال جيمس كاميرون، وريدلي سكوت، وجون وو، وجوس ويدون، وغيرهم الكثير. في الواقع، كانت هناك امرأة واحدة فقط أدمنت تحقيق أفلام الأكشن والتشويق المبني على حبكات معقّدة هي كاثرين بيغلو التي حققت كل أفلامها من هذا النوع بداية من «قرب الظلام» (1987)، و«بلو ستيل» (1990) و«أيام غريبة» (1995) وصولاً إلى «خزنة الألم» (2008)، و«زيرو دارك ثيرتي» (2012).

المخرجة الغائبة جولي دبلي


لم تكن معتدية على «الكار» أو المهنة، بل تصدّت لمهماتها بكل خبرة وإجادة. كذلك فعلت، مثلاً  ميمي لَدر عندما قامت بتحقيق فيلمين أحدهما أكشن بعنوان «صانع السلام» سنة 1987 والثاني من النوع الكوارثي عنوانه Deep Impact سنة 1990.


أما ماري هارون فأنجزت واحداً من أفضل أفلام الرعب في السنوات الثلاثين الأخيرة وهو American Phsyco في العام 2000.
لكن الصورة مختلفة هذه الأيام والمخرجات اللواتي يتسلمن مهام تحقيق الأفلام غير الأنثوية أو غير الرومانسية أو الاجتماعية في ازدياد. وعلى سبيل المثال فقط هناك باتي جنكنز التي حققت فيلمين من سلسلة Wonder Woman (بالإضافة إلى فيلم تلفزيوني من السلسلة نفسها) وآنا بودن التي حققت قبل ثلاثة أعوام Capten Marvel، ولِن رامزي التي انتقلت من إخراج أفلام اجتماعية إلى أخرى مرعبة.‬

مخرجات من السينما الصامتة
من الخطأ الاعتقاد بأن العقود القريبة الماضية  هي التي شهدت وقوف المخرجات وراء الكاميرا لأول مرّة. البدعة ليست جديدة لا في هوليوود ولا في فرنسا، بل هي تمتد إلى مطلع سنوات السينما حين كان هذا الفن ما زال يحبو ولا يتكلم.


يفيد الرجوع إلى ذلك الحين كيف أن السينما عرفت رائدات فعليات في العقد الثاني من القرن الماضي (1910-1919) توزعن على هذه الشـؤون الفنية التي باتت لاحقاً حكراً على الرجال في أغلب الأحيان.


ولا بد من التذكير هنا بأننا لا نتحدث عن الممثلات فهن رصعن الشاشة منذ العشرية الأولى لها (1900-1909) بل عن اللواتي  وقفن وراء الكاميرا ككاتبات أو مخرجات أو منتجات،  وبرعن   لسنوات عدة قبل أن يتحوّل التاريخ عنهن ويسود الرجال هذه المجالات لتبدو السينما (لكثيرين)  كما لو أنها من صنع الذكور وحدهم من دون الإناث.

لقطة من «ووندر وومان» (1984) لباتي جنكنز


إحدى الرائدات هي الفرنسية المولد لويز وَبر التي أمّت العمل السينمائي عندما قامت بإخراج أفلام لحساب شركة اسمها ركس، كانت من بين تلك الشركات النيويوركية الكثيرة التي تأسست في السنوات الباكرة من القرن الماضي ثم انضوت. قبل ذلك عملت تحت مظلة شركة غومون الفرنسية عندما افتتحت لنفسها فرعاً أميركياً في سنة 1904. في العام 1912 طلبتها شركة يونيفرسال (التي ما زالت إحدى مؤسسات هوليوود الكبرى إلى اليوم) لتكون من بين أوائل العاملين فيها.


اللافت أن أفلامها كانت من أول الأعمال التي يمكن تسميتها بـ: الدراما الاجتماعية، كونها تناولت مسائل مثل الاضطهاد تبعاً للدين والفقر، ومواضيع مثل الإجهاض وقانون الإعدام. وهي اشتغلت على أكثر من 160 فيلما بين كتابة وإخراج وإنتاج من بينها 138 فيلما من إخراجها أوّلها كان سنة 1911، وآخرها «سخونة بيضاء» سنة 1934.‬‬


ومن فرنسا إلى نيويورك وبعدها إلى هوليوود انطلقت كذلك مخرجة تعتبر إحدى الأوائل بين الرائدات نسبة لأسبقية عملها في السينما اسمها أليس غي، فرنسية المولد كذلك والتحقت بالفرع الرئيسي لشركة غومون في باريس خلال منتصف العقد الأول من القرن العشرين قبل أن تترك فرنسا إلى الولايات المتحدة قبيل سنة 1910. مع حلول ذلك العام أسست شركة باسم Solax وبدأت الإنتاج سريعاً.


الفيلم الأول لأليس غي في أميركا كان «تضحية طفل». وبين 1910 و1913 انتجت شركة «سولاكس» 325 فيلما من بينها 35 فيلما من إخراج أليس غي نفسها. بين هذه الأفلام التي حققتها فيلمان من نوع الأوبرا (الصامتة، تصوير الحدث وكتابة الحوار المغنّـى على الشاشة) هما Mignon التي تم تقديمها على المسرح الفرنسي أول مرة سنة 1866، وFra Diavolo وهي بدورها من أعمال القرن التاسع عشر إذ ظهرت لأول مرة على خشبة المسرح الفرنسي. وآخر فيلمين من إخراج غي كانا «المغامرة الكبرى» (1918)، و«سمعات ملطخة» ( (1920.

صورة نادرة لإحدى رائدات الإخراج أليس غي


هذه النظرة الموجزة لدور المرأة في ولادة السينما ليست حكراً على السينما الأميركية بل تمتد لتشمل سينمات عدة خارجها في تلك الأزمنة الأولى.
الحال أن السينمات العالمية خارج هوليوود عرفت انخراطاً مماثلاً للمرأة في بواكير التاريخ السينمائي. في روسيا القيصرية وما بعد الثورة عليها، برزت أسماء عدّة لمخرجات وكاتبات منهن نوتيا دانيلوفا وفيرا إيلي وأولغا فيشنفسكيا وتاتيانا تولستايا.


ولعل أبرزهن عملاً وأثراً هي أولغا رحمنوفا التي ولدت سنة 1871 وتوفيت في الثالث والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) 1943 بعد حياة حافلة عمدت فيها إلى الإخراج والتمثيل وكتابة السيناريوهات وتعليم التمثيل، كذلك نشرت مواهبها في هذه الجوانب إلى المسرح فكتبت وأخرجت مسرحيات عدّة.


مثل كثيرات غيرها من بينهن الروسية أولفا رحمانوفا التي انتقلت من المسرح إلى السينما كممثلة ثم كتبت وأخرجت أفلاماً ما بين 1915 و1920.

من الفيلم الفرنسي «سانت أومير»

مزايا
أما ما يحدث الآن فهو متمتع بشبكة أكبر من النشاطات وفي زمن متعدد الجبهات التقنية والمعرفية والإعلامية. وكل هذا انعكس مرات كثيرة في مختلف المهرجانات وآخرها مهرجان تورنتو الكندي الذي شهد حشداً غير مسبوق (بالنسبة إليه على الأقل) من المخرجات.
شاهدنا هناك أفلاماً متنوعة الاهتمامات من نان غولد الذي جيء به من مهرجان فنيسيا وهو تسجيلي من إخراج نان غولدن، وLoiuis Armstrong'‬s Black &‬ Bleues وهو بدوره فيلم تسجيلي حققته ساشا جنكننز.‬‬
وبأسلوب شبه تسجيلي فيلم Saint Omer للمخرجة الفرنسية Alice Diop حول محاكمة جرت في الواقع لامرأة أفريقية متهمة بالتسبب في موت ابنتها الصغيرة عندما تركتها على الشاطئ وحدها.  


والممثلة فرنسيس أو كونور قدّمت، كمخرجه، «إميلي» عن حياة إميلي برونتي. ومن بين العائدات إلى الإخراج بعد عشر سنوات من الغياب في هذا الحقل سارا بولي التي قدّمت فيلماً جيداً (كعادتها) بعنوان «نساء يتكلمن». هذا ليس فقط فيلماً من إخراج امرأة بل تتوزع بطولته على 13 امرأة من بينهن فرنسيس مكدورمنت، وروني مارا وإميلي ميتشل.

من فيلم سارا بولي «نساء يتكلمن»


بعض المخرجات يحققن نجاحات تجارية وفنية كبيرة كما حدث مع زاو كليوو التي كانت أخرجت فيلماً متواضع القيمة عنوانه Nomadland لكن النقاد الغربيين احتفوا به أكثر مما استحق. زاو بعد ذلك انتقلت إلى سينما الكوميكس في العام الماضي عبر The Enternlals.
كذلك استفادت من النقد والإعلام النيوزيلندية جين كمبيون منذ سنوات طويلة وحتى العام الماضي عندما قدّمت فيلمها الأخير The Power of the Dog.


وفي «شباك التذاكر» هذا الأسبوع دلالة أخرى على أن المخرجات لا تمانعن في استلام مهام تحقيق أفلام اعتاد الرجل عليها. ففيلم The Woman King من إخراج جينا برينس بايثوود، من بطولة فيولا دافيز التي تنوب عن الرجال في حربها ضد الاستعمار الأبيض لأفريقيا.
بعد كل ما سبق لا بد من التساؤل عما إذا كانت هناك مزايا أو خصائص معيّنة للأفلام التي تحققها النساء. هل يمكن اعتبارها نسائية؟ هل هي أفضل (أو أسوأ) من الأفلام التي يقوم الرجال بتحقيقها؟ هل نصف الفيلم الذي تخرجه امرأة على نحو مختلف؟
الإجابات على هذه الأسئلة بالنفي غير المطلق. أي إن هناك استثناءات يكون فيها الفيلم المنفّذ من قِبل امرأة  يحمل خصائص في المعالجة لا يمكن لرجل أن يتوجّه إليها. لكن في العموم فإن الفيلم بقدرة مخرجه بصرف النظر عن جنسه.

 

font change