انتفاضة إيران مستمرة... هل اقتربت نهاية «الجمهورية الإسلامية»؟

المظاهرات في إيران تتواصل منذ 4 أسابيع، للاحتجاج على وفاة الشابة مهسا أميني (الأناضول)

انتفاضة إيران مستمرة... هل اقتربت نهاية «الجمهورية الإسلامية»؟

طهران: تشکل موجة الاحتجاجات التي أشعلت شرارتها وفاة الشابة الكردية مهسا (جينا) أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق كابوسا حقيقيا وتحديا كبيرا، وحتى يمكن القول إن أكبر تحد لنظام الجمهورية الإسلامية منذ قيام الثورة.
وبات تحدي الشعب الإيراني للنظام مثيرا للدهشة، حيث يستمرون في كافة أشكال النضال على غرار إطلاق هتافات «الموت للديكتاتور» و«الموت لخامنئي» وأنهم يهتفون بصوت عال بأن «هدفنا هو كل النظام» أي إن مطلب المحتجين خلال هذه الاحتجاجات هو سقوط كل أركان النظام.
وتشهد الاحتجاجات في إيران زخما أكبر في كل يوم في مناطق مختلفة على غرار طهران وكرج والمدن الكبرى والصغيرة. وانضم بازار طهران وأسواق وتجار عدة مناطق العاصمة ومحافظة كردستان وأجزاء أخرى وعدد من الدوائر والمصانع والمعامل وبعض شركات النقل إلى الاحتجاجات تحت راية «سقوط الديكتاتور» وهتاف «المرأة الحياة الحرية». يمكن القول إن موجة التضامن والدعم والانضمام والاتحاد تحت راية «المرأة الحياة الحرية» في بداياتها وأن إيران تقف على عتبة تحول وتطورات عظيمة ومدهشة في حال استمر هذا التعاضد والتلاحم بين مختلف الفئات.
وكان خبر انضمام الآلاف من عمال مصنع بوشهر للبتروكيماويات في عسلوية بمثابة ضخ دماء وروح جديدة لهذه الحركة الثورية.
لم يكتف المحتجون بالاحتجاجات في الشوارع بل تستمر مبادرات فردية وجماعية للعصيان المدني على غرار كتابة الهتافات على الجدران وإطلاق الهتافات من البيوت وأسطح المنازل وإطلاق أبواق سياراتهم. إن هذه المبادرات الفردية والجماعية لا تعني أن الاحتجاجات في الشوارع انتهت لأن المحتجين يدركون جيدا أن هذه الحركة هي أكثر الحركات الاحتجاجية قوة واقتدارا منذ قيام الثورة وأن هذه الحركة تشكل فرصة مناسبة لهم للتخلص من الجمهورية الإسلامية.

لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص
ويعتمد النظام الذي يسوق لرواية «أعمال الشغب» في وصف الاحتجاجات المندلعة القتل بلا هوادة في محافظة كردستان ويزعم أن القنوات الفضائية المعارضة له هي التي تحرك هذه الانتفاضة. فمدينة سنندج، مركز محافظة كردستان التي لم تتذوق في فترة الجمهورية الإسلامية إلا طعم التمييز والإعدام والرصاص والقمع أصبحت شوارعها تنام وتستيقظ على صوت الرصاص الذي يطلق عشوائيا وبلا هوادة من قبل قوات الأمن. لم ينقطع هدير الرصاص ولم ينقطع هدير الهتافات هناك. تجوب قوات الأمن التي تحترف القمع والقتل في أحياء المدينة وتصوب أسلحتها صوب البيوت واحدا تلو الآخر وعندما تفيق المدينة من ليل صعب لم يهدأ فيه صوت الرصاص يطل علينا رئيس السلطة القضائية في نظام الجمهورية الإسلامية ليعلن أمام الكاميرات عن استعداده للحوار مع المحتجين!
وحذر نشطاء سياسيون وحقوقيون من وقوع مجزرة في مدينة سنندج الكردية في وقت عمدت السلطات فيه إلى قطع الإنترنت وقمعت الأصوات المنتقدة. وقبل سنندج تسببت السلطات وقواتها القمعية في حمام دم في مدينة زاهدان في محافظة بلوشستان ذات الغالبية السنية بعد صلاة الجمعة راح ضحيته 90 مواطنا بلوشيا.
وفيما تستمر الاحتجاجات الشعبية تواصل السلطات سياساتها الرثة في إجراء المقابلات الإجبارية تحت الضغط مع عائلات الضحايا من أجل التستر على جرائمها وإخفاء حقيقة قتل الضحايا على يد القوات الأمنية.

تصاعدت دعاية النظام الإيراني ضد الاحتجاجات (غيتي)

سوابق في قمع الاحتجاجات
شهدت إيران العديد من الموجات الاحتجاجية الشعبية قبل هذه الحركة الجارية ولكن الفارق المهم هنا أن الموجات الاحتجاجية في ديسمبر (كانون الأول) 2017 ويناير (كانون الثاني) 2018 ونوفمبر (تشرين الثاني) 2019 اندلعت لأسباب تتعلق بتحسين الظروف المعيشية والأوضاع الاقتصادية المتدهورة غير أن المحتجين خلال الاحتجاجات التي بدأت في سبتمبر (أيلول) 2022 ليس لديهم مطالب سياسية أو اقتصادية في إطار النظام بل إنهم يطالبون برحيل هذا النظام بأكمله محاولين الإطاحة بـ«الحجاب» كرمز حيوي للسلطة الحاكمة.
وتمكنت السلطة الحاكمة من قمع الحركات الاحتجاجية الشعبية السابقة على غرار الحركة الخضراء والاحتجاجات في ديسمبر 2017 ويناير 2018، ونوفمبر 2019. وشكلت الاحتجاجات العارمة التي استغرقت 10 أيام في ديسمبر 2017 ويناير 2018 مصدر قلق كبير وتحديا واضحا للنظام.
وكان قمع الاحتجاجات في نوفمبر 2019 الأكثر دموية في تاريخ الاحتجاجات الشعبية في البلاد. وتعرضت الانتخابات الرئاسية في يونيو (حزيران) 2021 والتي فاز فيها إبراهيم رئيسي لحملة مقاطعة شعبية واسعة. وشهدت إيران احتجاجات عمالية أطلق شرارتها عاملون بعقود عمل مؤقتة في قطاع النفط في يونيو 2021.
ولكن ما هو مصير هذه الموجات الاحتجاجية الشعبية العارمة التي باتت باستمراريتها تشكل تهديدا وجوديا للجمهورية الإسلامية؟ یقول محمود صادقي النائب السابق لوكالة أنباء العمال الإيرانية (إيلنا) إن «السياسات الراهنة لا تؤدي إلى تحسين الظروف المعيشية وأن الموجات الاحتجاجية آخذة في التصاعد خلال الأشهر القادمة في حال لم تتخذ الحكومة قرارات تحافظ على المصالح والعزة الوطنية وتقلل من منسوب التوتر السائد في المجتمع والأسواق وتحل مشاكل الشعب بشكل ملموس».

تتواصل الاحتجاجات في إيران للأسبوع الرابع (أ.ف.ب)

انزلاق نحو الهاوية
إن الموجات الاحتجاجية الشعبية في 2017 و2018 و2019 تشير إلى أن الجمهورية الإسلامية تنزلق بسرعة نحو الهاوية والانهيار لأن هذه المنظومة الحاكمة لا تتبنى إلا مقاربة أمنية عنيفة في مواجهتها مع المحتجين كافة ولم تنجح في إيجاد خيارات أخرى لتهدئة الاحتجاجات العارمة والتوتر السائد في المجتمع. ويواجه النظام الحاكم أزمات متلاحقة ومستعصية ومتراكمة في كل القطاعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية والسياسة الدولية. وباتت الجمهورية الإسلامية في مواجهة مفتوحة مع الغالبية الساحقة من الشعب الذي ضاق ذرعا بهذا النظام ومبدأ ولاية الفقيه وفقد أمله من الحركة الإصلاحية ولا يرغب في أن يكون في موقف المتفرج الذي لاحول له ولاقوة.
ومع ذلك فإنه لايمكن التنبؤ بآفاق هذه الموجات الاحتجاجية التي يزداد منسوب حدتها وغضب المشاركين فيها كل مرة غير أن هناك إشارات تدل على أن إيران على أعتاب تحول كبير وجوهري حيث إن تكرار هذه الموجات الاحتجاجية سيؤدي إلى طريق لا رجعة فيه بالنسبة للجمهورية الإسلامية.
لقد خاض المجتمع الإيراني تطورات عميقة للغاية خلال الـ44 عاما الماضية حيث أصبح غالبية المواطنين الآن من خريجي الجامعات وبات مستوى وعيهم بحقوقهم أكبر بكثير وبالتالي هؤلاء المواطنون يطالبون بسقوط الجمهورية الإسلامية وإجراء الاستفتاء وانتخابات حرة ونزيهة.
لم تنجح الجمهورية الإسلامية في إيجاد مقاربة تمكنها من التعامل مع الاحتجاجات الشعبية العارمة وتصر في كل الموجات الاحتجاجية على قمع المحتجين حيث قام النظام الإيراني بتحويل حرسه الثوري وهو رمز لقوته الآيديولوجية المنظمة والخاضعة لولي الفقيه إلى منظومة تمتهن قمع المنتقدين والمحتجين عبر إمكانياتها غير المحدودة وغير المشروطة. يبدو أن حرس خامنئي الثوري لا يستطيع أن يقوم بالقمع والقتل أكثر مما فعله سابقا لأن ارتفاع حجم القمع والقتل وتزايد الانشقاقات في صفوف العسكر قد يفجر الوضع الحالي إلى تمرد شعبي يضم الشرائح الأكثر هشاشة وفقرا، فالنظام حاليا يتخبط وماكينته القمعية تتعرض للاستنزاف بسبب نقص القوات.

تتواصل الاحتجاجات في إيران للأسبوع الرابع (أ.ف.ب)


إلى ذلك، يواجه النظام الإيراني جيلا ولد منذ عام 2000 فصاعدا خلال الاحتجاجات الجارية وهؤلاء يرفعون هتاف «المرأة الحياة الحرية» لأنهم لم يعودوا يطيقون أسلوب الحياة المفروض عليهم من قبل النظام الحاكم كما أن أغلب ضحايا الاحتجاجات هم من هذا الجيل الجديد.
کما أن الضغوط التي تمارسها الدول الغربية على غرار بريطانيا والولايات المتحدة وكندا من خلال فرض عقوبات على مسؤولين إيرانيين متهمين بقتل مهسا أميني وقمع الاحتجاجات ستؤثر سلبا على قوة الجمهورية الإسلامية وتؤدي إلى ضعف النظام أكثر من ذي قبل.
ويرى المراقبون أن الجمهورية الإسلامية التي تجد نفسها هذه الأيام محشورة في الزاوية وتسير في طريق لا رجعة فيه ستواصل «سياسة القمع الأقصى» حيث سيصل البلد إلى الانسداد السياسي وتشديد القبضة الأمنية والعسكرية في الأمد القصير وقد يؤدي بالنظام إلى الإقرار بعدم رفع العقوبات وفشل المفاوضات النووية في الأمد المتوسط.

font change