ماهي صعوبات تقديم المساعدات الى السوريين؟

تبعات الزلزال قد تشمل موجة نازحين ضخمة من المناطق السورية المنكوبة الى أوروبا

ماهي صعوبات تقديم المساعدات الى السوريين؟

لم يكن الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في الساعات المبكرة من صباح يوم الإثنين ليأتي في توقيت أسوأ، أو يصيب منطقة أضعف من التي أصابها. فنتيجة لعقود طويلة من عمليات البناء التي ضربت بالمواصفات والمعايير عرض الحائط في تركيا، تهاوت آلاف المباني لتتحول إلى أطلال، في حين أنّ أكثر من عقد من النزاع القاسي في شمال سوريا جعل العديد من المباني في حال يرثى لها. وبعد مرور ثمان وأربعين ساعة، أكدت التقارير وفاة 8,000 شخص، في حين أُصيب عشرات الآلاف.

ويُرجّح أن ترتفع هذه الأرقام أكثر من ذلك بكثير مع مرور الوقت. وبلغ الأمر ببعض التقارير إلى حد احتمال وصول عدد العالقين تحت الأنقاض في تركيا إلى أكثر من 180,000 شخص.

في أعقاب هذه الطامة الكبرى، بدأ المجتمع الدولي يشمر عن ساعديه لتقديم يد العون، فيتوالى هبوط الطائرات المحمّلة المعونات وخبراء الإغاثة في تركيا. أما بالنسبة إلى النظام السوري، فقد تلقى تعهدات من روسيا وسبع حكومات شرق أوسطية بتقديم المساعدة. ولكن، كما هي الحال دائما، نسي الجميع على ما يبدو المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في الشمال الغربي من البلاد، على الرغم من أنها أكثر المناطق تضررا داخل سوريا.

فقد تحملت هذه المنطقة الجزء الأكبر من وطأة "حملة الأرض المحروقة" التي شنّها النظام السوري على مدار اثني عشر عاما، حتى أن 3 ملايين من سكانها البالغ عددهم 4.5 ملايين شخص صاروا بلا مأوى. قبل وقوع الزلزال، كانت نسبة 65 في المئة من البنية التحتية في المنطقة قد تعرضت بالفعل للتدمير، حتى بدا الخراب فيها كأنه مشهد من مشاهد يوم القيامة.

على مدار يومين كاملين، تفانى المنقذون من ذوي الخوذ البيضاء في العمل ليل نهار في سعي حثيث لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض. وعلى الرغم من إنقاذ الكثيرين، إلّا أن عددا أكبر منهم لا يزال يرزح تحت ركام المباني. وكانت فرق الخوذ البيضاء قد شُكِّلت للتعامل مع آثار الغارات الجوية، لا لمواجهة كارثة كبرى كالزلازل. إلّا أن هؤلاء وحدهم يحملون على أكتافهم مهمة عمليات الإنقاذ في شمال غرب سوريا. وقد صُدِم كثيرون عندما تبادر إلى علمهم أنّ أيّ اتصال من مسؤولي الأمم المتحدة لم يحصل (إلى حينه) بقائدهم رائد الصالح المعروف من الجميع.

زاد الطين بلة، أن أقل القليل او شحنة واحدة من مواد الإغاثة لم تصل إلى منطقة شمال غرب سوريا وسكانها البالغ عددهم 4،5 مليون شخص. قبيل وقوع الزلزال، كان السواد الأعظم من سكان المنطقة يعولون على المساعدات الخارجية التي ستصلهم عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا. لكن حتى هذه المساعدات توقفت في الوقت الحالي بسبب الضرر الشديد الذي أصاب الطرق الرئيسة الموصلة إلى الحدود، بالإضافة إلى تضرر منشآت الإغاثة التابعة للأمم المتحدة في جنوب تركيا وإلى حالات الوفاة والإصابات التي ألمّت بموظفيها. كما أن غياب المساعدات الإنسانية اليومية، وكذلك أي نوع من الإغاثة لمنكوبي الكارثة لهو حقا سيناريو كارثي.

 

في مقدور المجتمع الدولي أن يرفع وتيرة عمليات الإغاثة من الكوارث والمساعدات المقدمة لمنطقة الشمال الغربي، إلّا أن هذا الأمر مرهون بوجود نية حقيقية لذلك وسيتطلب ذلك بذل جهود إغاثة أحادية دون مرورها عبر آلية الأمم المتحدة


وأعلن مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة استعداد نظام الأسد لاستقبال المساعدات الدولية الموجهة إلى السوريين كافة، شرط أن تمر عبر دمشق أولا، وذلك لإدراكه ما أصاب المنطقة من وهن وضعف. ويتفق ذلك تماما مع المخطط الأزلي لنظام الأسد الساعي إلى وقف مرور المساعدات عبر الحدود، بحيث تقتصر الأولوية على مرور المساعدات عبر خطوط التماس من خلال العاصمة السورية.

ويبدو الأمر للناظر من خارج سوريا بأن ذلك بديل مجدٍ، بيد أن النظام قد أمضى بصورة ممنهجة اثني عشر عاما في الاستيلاء على المساعدات أو تحويلها إلى سلاح مسلط على رقاب المعارضة. بالإضافة إلى ذلك، فإن حجم المساعدات عبر خطوط التماس لا يُقارن بما يمر عبر الحدود. ففي عام 2022، بلغت الشحنات المعدودة التي سمح النظام بعبورها عبر هذه الخطوط إلى 0.5 في المئة فقط من الجهود الإنسانية الضخمة التي تمر عبر الحدود إلى مناطق الشمال الغربي من سوريا.


في مقدور المجتمع الدولي أن يرفع وتيرة عمليات الإغاثة من الكوارث والمساعدات المقدمة لمنطقة الشمال الغربي، إلّا أن هذا الأمر مرهون بوجود نية حقيقية لذلك. وعلى الرغم من العوائق التي تواجه باب الهوى في الوقت الحالي والمتمثلة في الافتقار إلى الطرق الصالحة للسير، إلا إن هناك معبرين آخرين في باب السلامة وجرابلس استخدمهما الغرب في ما مضى في تقديم المساعدات. 
لكن، سيتطلب ذلك بذل جهود إغاثة أحادية دون مرورها عبر آلية الأمم المتحدة – وهو أمر ممكن بكل تأكيد. أما إن لم يؤخذ بهذا الأمر، فإننا إذا نكون نتعامل مع الكارثة التي أصابت المنطقة بسطحية. وفي عام 2022، ارتفع معدل نزوح اللاجئين السوريين إلى أوروبا ارتفاعا صاروخيا وصل إلى 100 في المئة. غير أن وقوفنا موقف المتفرج سيؤدي في عام 2023 فقط إلى موجة أكبر بكثير من النزوح.
 

font change