هل استلهم أردوغان من رضا شاه تغيير اسم إيران في 1935

في تسمية فارس وتركيا

Getty Images
Getty Images
رضا شاه ومصطفى كمال اتاتورك اثناء زيارة الشاه الى انقرة في يونيو 1934

هل استلهم أردوغان من رضا شاه تغيير اسم إيران في 1935

استعادت إيران تسميتها عام 1935. إذ أعلن رضا شاه أنه غيّر رسميا اسم بلاده من "بلاد فارس" إلى "إيران" في مستهلّ السنة الفارسيّة الجديدة الموافق لـ 21 مارس/آذار من عام 1935، منوّها بأن اسم بلاد فارس كان استعماريا وشرقيا وعتيقا للغاية. إذ ارتبط ذلك الاسم في أذهان الناس بالحروب التي لا نهاية لها، وبالديون المتعثّرة التي راكمها الفشلُ الذريع لإدارة أسلافه القاجاريين.

كانت تسمية "فارس" تنطق بالماضي، ولم تكن تنطق بالمستقبل. في حين كان رضا شاه مصلحا متحمسا يتوق للّحاق بركب العالم الحديث، فيما كان يشعر أنّ بلاده كانت متخلفة في كل المجالات تقريبا. وكانت تلزمها عملية تجميل وتسمية جديدة للّحاق بالرَّكْب.

الشاه نفسه كان شبهَ أميّ، وقد أحيطت ولادته بشيء من الغموض. ترعرع يتيما، ما جعله رجلا عصاميا في كل المعايير، وكان يتمتع بإرادةٍ حديدية وكان في منتهى الطموحِ. شبَّ رضا شاه في حال من الفاقة، وترقّى سلَّم مراتب المؤسسة العسكرية حتى قام بانقلابه في فبراير/شباط من عام 1921. ومن ثمّ أصبح رئيسا للوزراء في عام 1923، وفي نهاية المطاف أصبح شاها في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1925، منهيا بذلك سلالة القاجاريينِ، عندما أمر آخر ملوكها ببقائه في أوروبا وعدم عودته إلى طهران مطلقا.

شرع رضا حالَ تسلّمه السلطة في برنامجٍ إصلاحيّ عظيم تضمَّن إقامة مشاريع ضخمة كإنشاء خطّ للسكة الحديد يربط بحر قزوين بالخليجِ العربي، وافتتح أول إذاعة، وبنى أوّل متحف في إيران، واستضاف مؤتمرا نسائيا في طهران في عام 1932. أسَّس جامعة طهران بعد ذلك بعامين، وفرض إلزامية التعليم للبنين والبنات، ونقب عن الآثار في المدن القديمة كعاصمة بلاد فارس القديمة برسيبوليس، وأرسل آلاف الشباب الإيرانيين للدراسة في الولايات المتحدة وأوروبا في منحٍ دراسية حكومية.

وكان يعي أهمية الصورة العامة لبلاده تمام الوعي إلى الحدّ الذي جرّم فيه التقاط صورٍ لأشياء تبدو متخلّفة في إيران – كأحياء الغيتو والجِمال ولباس المرأة التقليدي (الشادور). شرعَ الشاهُ بعد تغيير اسم بلاده عام 1935 في المشروع الأكثر طموحا بين مشاريعه ألا وهو: كشفُ الحجاب، وهو مرسومٌ يحظر الحجاب والشادور صدر في يناير/كانون الثاني من عام 1936، الامر الذي وضعه مباشرة في مواجهةٍ مباشرة مع الملالي.

كانت تسمية "فارس" تنطق بالماضي، ولم تكن تنطق بالمستقبل. في حين كان رضا شاه مصلحا متحمسا يتوق للّحاق بركب العالم الحديث، فيما كان يشعر أنّ بلاده كانت متخلفة في كل المجالات تقريبا. وكانت تلزمها عملية تجميل وتسمية جديدة للّحاق بالرَّكْب

لكنَّ الحداثة كانت بحاجة إلى جذور قوية تضرب عميقا في التاريخِ والثقافة. لذلك اختار لنفسه عندما وصل إلى السلطة اسم عائلة "بهلوي"، وهو اسمٌ مستلهمٌ من لغة السلالة الساسانية الرسمية قبل الإسلام.

وكان هذا هو اسم السلالة التي حكمت إيران حتى اطاحة ابنه في عام 1979. وكان رضا شاه نفسه قد أطيح به قبل وقت طويل، في 1941، على يد غزو أنغلو-سوفياتي، حين اتهمه الحلفاء بقربه الشديد من ألمانيا النازية، وهي أكبر شريك تجاري له. والحقّ أن ألمانيا كانت تحوز بالفعل إعجاب الشاه بسبب انضباطها الصارم، وبسبب شعبها الدؤوب في العمل، وبراعتها الصناعية، ولكن لا يزال من غير المؤكّد ما إذا كان أدولف هتلر قد لقىي هوى في نفسه أم لا.

Getty Images
الشاه رضا مستقبلا ملك العراق فيصل الثاني أثناء زيارة الى طهران

تمثلت جريمته الرئيسة في رفضه طرد آلاف المستشارين والمهندسين الألمان الذين كانوا يعملون في إيران منذ أوائل ثلاثينات القرن الماضي، والذين كانوا على حدّ زعم بريطانيا العظمى والاتحاد السوفياتي جواسيس سرييّن يعملون لصالح الرايخ الثالث. وذهب البعض إلى الحدّ الذي زعم فيه أن هتلر هو من أوحى له بتغيير اسم بلاده، الأمرُ الذي لم يرد ذكره في مذكّرات الشاه ولا في مذكّرات أيٍ من كبار مستشاريه التي كتبوها لاحقا.

لاقى مرسوم الشاه قبولا حسنا في إيران نفسها. فقد كانت تلك هي الطريقة التي يسمي بها الإيرانيون بلدهم. وكان الغرب هو الذي أطلق اسم "بلاد فارس"، إذ طلب رئيس الوزراء البريطانيّ ونستون تشرشل أن تعود طهران إلى الاسم القديم، "بلاد فارس"، للفترة المتبقية من الحرب العالمية الثانية لتجنب الخلط بين اسمَي إيران والعراق البلد المجاور، اللذين قد يختلطان في ذهن الإنسان الغربي غير المطّلعِ. وسمح ابن الشاه وخليفته باستخدام كلا الاسمين في التبادل عام 1959: "بلاد فارس" للإشارة إلى السياق التاريخي، و"إيران" كإشارةٍ حديثة.

لكنَّ الحداثة كانت بحاجة إلى جذور قوية تضرب عميقا في التاريخِ والثقافة. لذلك اختار لنفسه عندما وصل إلى السلطة اسم عائلة "بهلوي"، وهو اسمٌ مستلهمٌ من لغة السلالة الساسانية الرسمية قبل الإسلام.

قفزة سريعة إلى الأمام، إلى ديسمبر/كانون الأول، 2021


أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومن دون سابق إنذار مرسوما يقتضي بأن تحل تسمية "Türkiye" محلَّ "Turkey"، سواء وردَ ذلك الاسم في الأمم المتحدة أم في جميع المعاهدات والمراسلات الرسمية. 
ما لا نعرفه، هو ما إذا كان أردوغان قد استوحى قراره من قرار الشاه الذي كان اتخذه قبلَ ستة وثمانين عاما. بدا الأمر كأنه قرارٌ غريب، وفي غير مكانه، نظرا إلى تورط تركيا في مجموعة من قضايا القرن الحادي والعشرين التي كانت تتصف بإلحاحٍ وضغط أكثر، كقضية شمال قبرص، وقضية حزب العمال الكردستاني، وقضية الحرب في سوريا المجاورة. 


فالاسم الذي قرر أردوغان التخلي عنه، أي "Turkey"، إنما هو مشتقٌ من الفرنسية القديمة "Turquie" واللاتينية في العصورِ الوسطى "Turquia" أي (أرض الأتراك). فقد قرر أردوغان البحث عن لفظٍ يتصف بعمق تاريخيّ أكثر لاسم بلاده، كجزءٍ من سعيه المستمرِ لإعادة العلامة التجارية الأوسع منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة قبل عقدين من الزمن. لقد كانت العثمانية الجديدة جزءا من تلك العلامة، مع التركيز على استعادة النفوذ التركيّ (السياسيّ والاقتصاديّ والثقافيّ) في المدن والبلدات السابقة التي كانت ذات يوم جزءا من الأمبراطورية العثمانية. 


غيّر رضا شاه اسم بلاده وهو يتطلع نحو المستقبل، في حين أقدم أردوغان على تغيير اسم بلده وهو ينظر إلى الوراء، إلى الوراء، واستمدّ إلهامه القوي من ماضيه العثمانيّ. أقدم الرجلان على تغيير تسمية بلديهما لأسباب مختلفة تماما، على الرغم من أن النتيجة النهائية كانت هي نفسها من ناحية الأساسِ. 
يجدر أن نتذكّر أيضا أن رضا شاه كان من أشد المعجبين بالرئيس التركي كمال أتاتورك. في حين أن أردوغان لم يكن يوما معجبا بأتاتورك في حقيقة الأمر، بل عادةً ما كان يُتّهَم بكراهيّته له. ووصل الأمر برضا خان إلى حدّ إيلاء الاهتمام الجادّ بتحويل إيران إلى جمهورية مستوحاة من جمهورية أتاتورك منذ عام 1925. لكنه اكتفى بالحفاظ على النظام الملكيّ لعلمه بأنَّ رجال الدين لن يسمحوا بذلك بتاتا زاعمين أن الإسلام لا يعرف شيئا من قبيل الجمهورية.


لم تكن إيران وتركيا فريدتين في تغيير اسميهما، فقد قامت دولٌ أُخرى بخطوات مماثلة لتغييرِ أسمائها في السنوات الأخيرة، لكن لم تلقَ أيٌ منها القدر نفسه من الاهتمام الذي لَقِيَه تغيير أردوغان والشاه لاسمي بلديهما. 

ففي يناير/كانون الثاني من عام 2020، أسقطت الحكومة الهولندية رسميا اسم "Holland" واستقرت على اسم "the Netherlands". وفي وقت سابق أعادت سوازيلاند تسمية نفسها بـ "إيسواتيني" في عام 2018 وأصبحت سيلان كذلك سري لانكا. في العالم العربيّ، غيّرت إمارة شرق الأردن اسمها إلى المملكة الأردنية الهاشمية في عام 1946، في حين ينخرط السوريون في نقاش أبديّ حولَ ما إذا كان يجب كتابة اسم بلدهم باستخدام الألف "سوريا" أو باستخدام التاء المربوطة "سورية". 


وهناك حالات لتغيير الأسماء تبقى مع تقادم الزمن من دون إضفاء طابعٍ رسمي كتابيٍّ عليها. فغزة التي انفصلت عن دولة فلسطين هي دولة مقتطعة بالفعل منذ استيلاء "حماس" على السلطة في عام 2007، وهي إحدى تلك التسميات. إذ يشير الكثيرون الآن إلى القطاعِ ببساطة باسم "غزة"، وليس باسم فلسطين، ويشيرون إلى شعبها على أنهم سكّان غزة وليسوا سكان فلسطين.


 

font change