شي يزور بوتين في وقت صعب 

شي يزور بوتين في وقت صعب 

ينظر كثرٌ من المتابعين الى زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ هذا الأسبوع إلى موسكو باعتبارها عرض دعم مرحّباً به يقدمه أحد حلفاء روسيا الرئيسيين، في حين يجد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه تحت ضغط متزايد من الجبهات بسبب طريقة ادارته الحرب أوكرانيا.

لم يتطرّق بوتين أثناء الزيارة إلى تداعيات المجهود الحربي الروسي المتعثر في أوكرانيا فحسب، بل كان عليه مواجهة قرار المحكمة الجنائية الدولية توجيه اتهامات ضدّه بارتكاب جرائم حرب، الذي شكّل ضربة قوية لهيبته الدولية.

تتعلق مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بادعاءات مفادها أن بوتين كان مسؤولا عن الإشراف على عمليات الاختطاف الجماعي للأطفال الأوكرانيين. وجاءت المذكرة إثر اتفاق لجنة من القضاة على وجود "أسباب معقولة" للاعتقاد بأن بوتين ومفوّضته لحقوق الأطفال، ماريا ألكسييفنا لفوفا -بيلوفا، يتحملان مسؤولية "الترحيل غير القانوني" للأطفال الأوكرانيين.

لا شك في أن إصدار مذكرة التوقيف من المحكمة الجنائية الدولية أمر بالغ الخطورة بالنسبة إلى الزعيم الروسي، حيث تضعه تلك المذكرة في الفئة نفسها التي ضمّت الزعيم الليبي السابق العقيد معمر القذافي، والرئيس السوداني السابق عمر البشير.

لا تعترف روسيا بولاية المحكمة الجنائية الدولية، وتزعم أنها لن تتأثر بأوامر التوقيف. مع ذلك، فإن تلك الأوامر لا تبشّر ببداية جيدة لبوتين إن نحن قسنا البداية هذه بالمصائر التي حلّت بالمتلقين السابقين لأوامر التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. فقد تمت إطاحة القذافي وقتل في غضون أشهر بعد توجيه اتهام المحكمة الجنائية الدولية، بينما أُزيح البشير من منصبه وهو يقبع الآن في زنزانة السجن في السودان.

أنكر الكرملين لائحة الاتهام وتظاهر بأنه لا يوليها أية أهمية، وزعم ناطقٌ باسمه أن "قرارات المحكمة الجنائية الدولية لا تحمل أي معنى بالنسبة إلى بلدنا". سوى أنها – مع ذلك – سوف تحدّ من قدرة بوتين على السفر إلى الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية التي يبلغ عددها 123، وهو الأمر الذي سيزيد عزلة بوتين الدولية.

ردّ بوتين على إصدار المذكرة بزيارة مفاجئة لمدينة ماريوبول الأوكرانية التي احتلتها القوات الروسية العام الماضي بعد قتال عنيف. لكن الزعيم الروسي اضطر إلى القيام بالزيارة تحت جنح الظلام لتفادي انكشاف زيارته أمام القوات الأوكرانية، كما جرى توليف لقطات زيارته التلفزيونية بعناية بالغة كيلا تُظهِر تلك اللقطات الدمار الواسع النطاق الذي عانت منه المدينة نتيجة القتال.

لا شك في أن إصدار مذكرة التوقيف من المحكمة الجنائية الدولية أمر بالغ الخطورة بالنسبة إلى الزعيم الروسي، حيث تضعه تلك المذكرة في الفئة نفسها التي ضمّت الزعيم الليبي السابق العقيد معمر القذافي، والرئيس السوداني السابق عمر البشير.


لا ريب في أن وصول الزعيم الصيني إلى موسكو في زيارة دولة في ظروفٍ كهذه، لقي ارتياحا لدى بوتين المحاصر، حتى لو أدى وجود شي في العاصمة الروسية إلى إبراز ضعف موقف الرئيس الروسي.


إنّ زيارةَ شخصيةٍ في مكانة الرئيس الصيني شي تستوجب في العادة أن يذهب الرئيس بوتين إلى المطار لاستقباله شخصيا. لكن المخاوف في شأن أمنه الشخصي اقتضت أن ينتدب الرئيس نائب رئيس الوزراء للسياحة والرياضة والثقافة والاتصالات، ديمتري شيرنيشينكو لاستقبال الرئيس شي، حيث يُزعم أن الرئيس الروسي يسافر فقط على متن قطاره المدرع.


وبدا غريبا أن بوتين، الذي كان شخصية مهيمنة على المسرح العالمي لفترة طويلة، ظهر في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس شي شخصيةً هزيلة إلى حدّ ما. وفي هذا المجال، لفت الأنظارَ قولُه في المؤتمر الصحافي: "لقد قفزت الصين قفزةً هائلةً إلى الأمام في السنوات العشر الماضية" قبل أن يردف: "نغبطكم على هذا قليلاً".
ساعد تعليق بوتين هذا بالتأكيد على تسليط الضوء على ثروات بلديهما المتفاوتة. إذ برزت الصين بسرعة كبيرة كواحدة من القوى الاقتصادية والعسكرية المهيمنة في العالم، في حين تكافح روسيا للتعامل مع نكساتها العسكرية والمالية التي عانت منها نتيجة قرار بوتين شنّ عملٍ عسكري ضد أوكرانيا العام الماضي.


ولعلّ في ذلك ما يفسر حرص بوتين على تأمين دعم الصين للجهد الحربي الذي تبذله موسكو في أوكرانيا، حتى ولو كانت حماسة بكين لاستمرار القتال محطّ تساؤلٍ كبير.


فبينما حرص بوتين على إبلاغ شي خطته القاضية بغزو أوكرانيا عندما التقى الزعيمان في بداية دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين العام الماضي، جاء رد شي الأوليّ بأنه طلب منه تأجيل العمل العسكري إلى ما بعد انتهاء الحدث الرياضي.


لكن بكين تستخدم معظم طاقتها في ابتكار حلٍّ ديبلوماسي للنّزاع، بدلا من استجابة طلب موسكو تقديم المساعدة العسكرية التي هي في أمسّ الحاجة إليها.


في حقيقة الأمر، كان الغرض الرئيس من زيارة شي لموسكو هذا الأسبوع هو الضغط على بوتين في شأن مقترحات بكين لإنهاء النزاع، التي تضم أساسا مساعدة الصين في التفاوض على وقف إطلاق النار واستئناف محادثات السلام.


تقوم الصين بدورٍ ديبلوماسي متزايد وأكثر فاعلية في غياب قيادة إدارة بايدن الفعالة في شأن القضايا الأمنية العالمية الرئيسة، كما أنها لعبت أخيرا دورا مركزيا في الجهود المبذولة لاستعادة العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران.


وتشير جميع المؤشرات إلى أن الصين مصممة الآن على تحقيق اختراق ديبلوماسي مهم آخر في الصراع الأوكراني يبدأ بتنفيذ وقف إطلاق النار.


سوى أن بكين ستحتاج إلى إقناع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي لكي تحرز المبادرة الصينية النجاح. لكن زيلنسكي لا يزال غير مطمئن حيال اتفاق السلام المقترح مع الصين، إن نحن حكمنا على ذلك من خلال رد فعل كييف على زيارة شي لموسكو. إذ أعرب الأوكرانيون عن قلقهم من أن أي وقفٍ لإطلاق النار سيسمح ببساطة للجيش الروسي، الذي واجه سلسلة من الانتكاسات في الأشهر الأخيرة، بإعادة تجميع صفوفه حتى يتمكن من شنّ سلسلة من الجرائم الجديدة في وقت لاحق من هذا العام.


لم يتحدث شي إلى زيلنسكي منذ بدء الأعمال العدائية العام الماضي، وهو تجاهلٌ لا يوحي بالثقة في صفوف الأوكرانيين بأن الصين تضع مصالحهم في صميم اهتماماتها. فإذا قُيّض لمبادرة السلام الصينية الخاصة بأوكرانيا أن تحظى بأي فرصة من فرص النجاح، فستكون الخطوة الأولى المهمة هي الموافقة على طلب زيلنسكي لقاء الرئيس الصيني لمناقشة خطته الخاصة بالسلام.

font change