مستقبل واعد للسياحة في العالم العربي

السعودية والإمارات إجتهدتا وعززتا مكانتهما على الخريطة السياحية العربية والعالمية

Shutterstock
Shutterstock
مشهد من مهرجان منطاد الهواء الساخن فوق موقع مدائن صالح، العلا في السعودية، في مارس 2020

مستقبل واعد للسياحة في العالم العربي

يؤرخ لبداية السياحة في القرن السابع عشر في أوروبا حيث كان النبلاء والأثرياء يطوفون في عدد من البلدان المجاورة من أجل التمتع بزيارة مناطق جديدة والاسترخاء في مقابل دفع قيمة الخدمات. ربما توسعت أعمال السياحة في السنوات والعقود والقرون اللاحقة وشملت بلدانا خارج نطاق أوروبا، ويمكن اعتبار الزيارات الدينية والحج إلى أماكن مقدسة من النشاط السياحي. في العالم العربي يجب أن نتعرف إلى جاذبية وخصوصيات البلدان العربية للسياح من مختلف مناطق العالم. من المعالم التاريخية والآثار الى الشواطئ البحرية الدافئة، والأطعمة والمناسبات والمهرجانات.

مزارات ومعالم أثرية وشواطئ عربية

لطالما برزت دول لبنان وسوريا ومصر وتونس والمغرب كبلدان ذات أهمية سياحية، ونشطت فيها الفعاليات الجاذبة للسياحة بالاضافة إلى توفر معالم أثرية ومزارات وشواطئ عززت تلك الجاذبية. وأشارت تقارير عديدة، صدرت خلال السنوات المنصرمة، إلى أن المداخيل السياحية في هذه البلدان كانت مرتفعة قبل "الربيع العربي" عام 2011، وكذلك بعد جائحة كوفيد-19 في عام 2020. لكن هناك أيضا دول عربية، خليجية، أصبحت ذات أهمية على الخريطة السياحية العربية والعالمية، من أهمها السعودية والإمارات.

غيتي

كيف يمكن أن تعزز الحكومات العربية مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الاجمالي في بلدانها؟

تختلف الهياكل الاقتصادية وتتنوع الأعمال الاقتصادية. في البلدان الخليجية، كما هو معلوم، تعتمد على قطاع النفط والغاز منذ مطلع خمسينات القرن الماضي، لذلك يظل القطاع السياحي من الأنشطة الحديثة والمستجدة، أما في مصر وتونس والمغرب شكلت السياحة أهمية اقتصادية منذ زمن طويل، وعملت هذه البلدان على الترويج للنشاطات السياحية في العديد من أوروبا وأميركا الشمالية لجذب السياح من تلك البلدان البعيدة.

تقدر إحصاءات منظمة السياحة العالمية دخل الإمارات من القطاع السياحي بـ 19,5 مليار دولار في عام 2021، وجنت السعودية 11,1 مليار دولار، والمغرب 6,6 مليار دولار، ومصر 2.6 مليار دولار وتونس 1,2 مليار دولار في السنة نفسها.

تقرير منظمة السياحة العالمية في يناير 2022

أين الدول العربية في الترتيب السياحي؟

 في تقرير لمنظمة السياحة العالمية صدر في يناير/كانون الثاني 2022 احتلت فرنسا المرتبة الأولى في ترتيب الدول من حيث أعداد الزوار أو السياح القادمين إليها الترتيب بعدد 82,7 مليون زائر، تليها الولايات المتحدة بـ 76,4 مليون زائر، واسبانيا في المرتبة الثالثة بـ 75,3 مليون زائر. أين الدول العربية من هذا الترتيب؟

تبين أن السعودية حلت في المرتبة التاسعة عشرة بـ 18 مليون زائر وجاءت الإمارات في المرتبة الخامسة والعشرين بـ 14,8 مليون زائر. أما المغرب فقد كان ترتيبه الخامس والثلاثين بـ10,5 ملايين زائر وحظيت تونس بالمرتبة التاسعة والأربعين بـ 5,7 ملايين زائر وبعدها مصر في المرتبة الثانية والخمسين بـ 5,3 ملايين زائر. 
هذه نتائج احصاءات عام 2021 وهي قد تبدو مثيرة للاهتمام، علما أن الإجراءات الوقائية كانت تعطل الزيارات للعديد من البلدان ومنها البلدان العربية. وربما تكون الأرقام في عام 2022 أفضل بعد تحسن الأمور والانفتاح الصحي.

وتقدر المنظمة دخل الإمارات من القطاع السياحي بـ 19,5 مليار دولار، وجنت السعودية 11,1 مليار دولار، والمغرب 6,6 مليار دولار، ومصر 2.6 مليار دولار، وتونس 1,2 مليار دولار. لكن يجب التعامل مع البيانات، سواء ما يتعلق منها  بأعداد الزوار أو المداخيل، لأي من البلدان العربية، بشكل حذر في ظل أوضاع احصائية تفتقر إلى الصدقية في العديد من البلدان العربية. وينبغي التعامل مع المعلومات كمؤشرات استدلالية لوضع تصورات حول مستقبل السياحة في العالم العربي. غني عن البيان أن مصر والمغرب وتونس حققت نتائج مهمة في هذا القطاع قبل عام 2011، ومثّل القطاع أهمية اقتصادية بما عزز الاستثمار في الفنادق والمنتجعات وعزز الخدمات السياحية.

ستتمكن السعودية من جذب المزيد من الزوار بعد تحديث القطاع السياحي وتعزيز الزيارات الدينية، الحج والعمرة، وستؤدي عملية الانفتاح الثقافي والاجتماعي إلى تعزيز النشاط الترفيهي في البلاد بما يجذب المزيد من الزائرين، خصوصاً من دول الخليج الأخرى.

استثمارات سعودية وإماراتية في السياحة

تجتهد السعودية والإمارات من أجل تعزيز مكانتهما على الخريطة السياحية العالمية. هناك مشاريع للمنتجعات والفنادق ومراكز الترفيه يضطلع بها القطاع الخاص وأخرى تتكفل بها الحكومات، ومنها ما يتعلق بالبنية التحتية مثل الموانئ والمطارات والطرق وتوفير الكهرباء وتمديدات المياه وغيرها من مرافق حيوية. يجب التأكيد أن السعودية ستتمكن من جذب المزيد من الزوار بعد تحديث القطاع السياحي وتعزيز الزيارات الدينية، الحج والعمرة، وسوف تؤدي عملية الانفتاح الثقافي والاجتماعي إلى تعزيز النشاط الترفيهي في البلاد بما يجذب المزيد من الزائرين، وخصوصاً من بلدان الخليج الأخرى.

تؤكد وزارة الاستثمار في السعودية أن الإنفاق على المشاريع السياحية بلغ 7,2 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2022. واشارت الوزارة إلى أن الاستثمار في الفترة المذكورة زاد على مستوياته في الفترة التي سبقت جائحة كورونا. تهدف السعودية إلى جذب استثمارات قيمتها 220 مليار ريال سعودي أو 59 مليار دولار في العام الحالي. لا شك في أن هناك الكثير من المشاريع السياحية المحدودة في مختلف مناطق المملكة، كما أن الطموحات عالية لتوفير منتجعات وفنادق وشواطئ مناسبة لجذب السياح في كل أوقات السنة، وتسعى السعودية لجذب ما يقارب 100 مليون زائر سنوياً في نهاية هذا العقد.

في البحرين

في تقرير صدر بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 لمجلس التنمية الاقتصادية في البحرين، تبين أن البلاد تمكنت من جذب 291 مليون دولار للاستثمار في قطاع السياحة خلال الفصول الثلاثة الأولى من عام 2022. وقد سبق لمجلس التنمية الاقتصادية في البحرين أن أشار إلى أن حجم الاستثمار في قطاع السياحة بلغ 13 مليار دولار في نهاية عام 2017، وشمل 14 مشروعاً رئيسياً تهدف إلى تعزيز دور القطاع في الاقتصاد الوطني. وذكرت المصادر البحرينية الرسمية أن قطاع السياحة يساهم بنسبة 5 في المئة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي، حيث أكدت وزيرة السياحة فاطمة بنت جعفر الصيرفي في تصريح لها في فبراير/شباط المنصرم أن قطاع السياحة تمكن من جني 4 مليارات دولار في عام 2022. يُذكر أن البحرين تمثل نموذجاً مفيداً للانفتاح الذي يعزز التطور والنمو في القطاع السياحي. فهي اعتمدت فلسفة اجتماعية ملائمة ومتسامحة مع الحريات الشخصية منذ أمد طويل، وتعتبر هذه الفلسفة من العناصر الأساسية المشجعة على الجاذبية السياحية. تعمل في القطاع أعداد مهمة من العمالة الوافدة، وهناك جهود تبذل لرفع مساهمة العمالة الوطنية في أعمال القطاع السياحي. لا شك في أن مسألة توظيف العمالة في هذا القطاع يمثل تحدياً اقتصادياً للبحرين.

الامارات: 27 مليار دولار استثمارات للسياحة

أما الامارات العربية المتحدة فقطعت شوطاً مهماً في تنمية السياحة وتحسين الإيرادات منها وعززت الأنشطة ذات المرود السياحي ومنها المعارض والمهرجانات والتسوق وتطوير المنتجعات والفنادق. وأفاد وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري في مقابلة لقناة "العربية" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأن مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي تعادل 11,9 في المئة، مؤكدا أن الإمارات تستهدف استثمارات جديدة في القطاع تقدر بـ 100 مليار درهم أو ما يعادل 27 مليار دولار. أصبحت الإمارات بمدنها الرئيسية دبي وأبو ظبي والشارقة، معبراً مهماً بين الشرق والغرب وارتفعت الطاقة الاستيعابية للمطارات إلى ما يزيد على 84 مليون مسافر سنوياً.

 
من جانب آخر، كشفت دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي عن زيادة في أعداد الزوار الدوليين إلى الإمارة خلال عام 2022 حيث بلغت 14,4 مليون زائر. هذا في إمارة دبي وحدها، كما أن أبو ظبي والشارقة والإمارات الأخرى تستقبل العديد من الزوار من بلدان الخليج والبلدان الأخرى. لكن دبي تستأثر بغالبية الزوار نظراً إلى مكانتها التجارية وتوسع قطاع الخدمات فيها بالإضافة إلى الأنشطة المتخصصة بالتسويق والمعارض النوعية. تؤكد المؤشرات أن قطاع السياحة في دولة الإمارات سيكون من أهم القطاعات الاقتصادية المساهمة في الناتج المحلي، ويأتي ذلك بعدما بذل المسؤولون فيها جهوداً مضنية لتعزيز التنوع الاقتصادي والارتقاء بمستوى المنشآت السياحية والارتقاء بمستوى البنية التحتية المتمثلة في المطارات والطرق والموانئ والطاقة الكهربائية.

مصر وانعاش السياحة

تظل مصر من أهم البلدان الجاذبة للسياح في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن عوامل عديدة بعد أحداث الربيع العربي 2011 أدت إلى تراجع أعداد الزوار وتدني مداخيل السياحة. كما أن أعمال الارهاب عطلت جاذبية البلاد مثلما حدث في ثمانيات القرن الماضي عندما استهدف المتطرفون حافلات السياح ومراكز تجمعهم في المناطق الأثرية في صعيد مصر أو في المدن مثل القاهرة والاسكندرية. كذلك تعطلت نشاطات سياحية في مصر وفي مناطق مثل شرم الشيخ أو الغردقة بعد اسقاط الطائرة الروسية خلال العقد الماضي وأعمال ارهابية أخرى في سيناء.

 

تسعى الحكومة المصرية إلى تنشيط السياحة ودعم الاستثمار الخاص في المنتجعات والفنادق والمزارات السياحية، في إطار سعيها الحثيث لزيادة الإيرادات بالعملات الأجنبية. 

الآن تسعى الحكومة المصرية إلى تنشيط السياحة ودعم الاستثمار الخاص في المنتجعات والفنادق والمزارات السياحية. وأكد منير فخري وزير السياحة المصري السابق، وهو خبير في أعمال السياحة، ضرورة اتخاذ الاجراءات المناسبة لتطوير قطاع السياحة، وبيّن امكان رفع تقديرات الدخل من السياحة من 11 مليار دولار إلى 30 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. وتسعى السلطات المصرية كما هو معلوم إلى زيادة الإيرادات من مختلف الأنشطة بالعملات الأجنبية وتمكين البلاد من مواجهة الاستحقاقات مثل تسديد خدمة الديون والوفاء بمتطلبات الاستيراد من المواد الغذائية والسلع والبضائع الأساسية.

من الواجب انعاش السياحة العربية وتطوير المنشآت والمرافق ذات الصلة وتعزيز الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي بما يساهم في تطوير بيئة سياحية جاذبة وآفاق المستقبل تبدو واعدة.
 

font change