وثائق خدام: عندما أدرك الأسد أن مغادرة أوجلان أفضل للجميع

اعترفت سوريا في اتفاق أضنة ان زعيم "الكردستاني" كان موجودا لديها

Getty Images
Getty Images
صورة لزعيم "حزب العمال الكردستاني" عبدالله أوجلان على تل في ريف الحسكة شمال شرق سوريا

وثائق خدام: عندما أدرك الأسد أن مغادرة أوجلان أفضل للجميع

تقدم قصة المجلة المنشورة في 29 مارس/آذار 2023 (محضر اجتماع أوجلان-خدام: أدمعت عيناه...وغـادر سوريا) نظرة تاريخية على بعض الأحداث الرئيسية التي وقعت في عام 1998، عندما أوشكت تركيا وسوريا على الدخول في خضم الحرب.

في الثمانينيات والتسعينيات، كانت مشاكل سوريا الرئيسية مع تركيا تتمحور حول مسألة المياه (القادمة من نهري الفرات ودجلة)، وتطور العلاقات بين تركيا وإسرائيل.

ثمّ احتضنت سوريا على أراضيها وفي بعض مناطق لبنان عبد الله أوجلان وحزبه، حزب العمال الكردستاني، فضلاً عن بعض المنظمات اليسارية التركية المتطرفة واستخدمتها كطريقة لمواجهة تركيا. ولكن دمشق ظلّت تنفي ذلك بشكل رسمي.

وثمة قصة شهيرة تروي عن لقاء جرى بين وزير الداخلية التركي عصمت سيزجين والرئيس حافظ الأسد في دمشق في أبريل/نيسان 1992، حين قدم له الوزير مستندات تؤكد دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني وطالب بوقف ذلك. وعندما حاول الأسد أن ينفي أي تورط لبلده في المسألة، دعاه سيزجين لينظر عبر النافذة في قصر قاسيون، الذي يطل على دمشق، وأشار بيده إلى أطول برج في المدينة، قائلاً إنّ أوجلان موجود هناك.

نجح الجانبان في توقيع اتفاقية على بروتوكول أمني التزمت فيه سوريا بمحاربة الإرهاب، وأغلقت سوريا معسكرا معروفا لحزب العمال الكردستاني في وادي البقاع في لبنان، ولكنها سرعان ما أقامت له معسكرا جديدا في مكان آخر.

في أكتوبر 1998، وبعد أن سئمت تركيا من الألعاب والإنكار، وجهت رسالة علنية واضحة لسوريا، مفادها: "توقفوا عن حماية أوجلان وإلا ...". وكانت سوريا أميل للاعتقاد بأن تهديدات تركيا لم تكن تشكل خطراً ذا بال. غير أن الرئيس المصري حسني مبارك أدرك بحسّه السياسي العالي خطورة الوضع وعزم تركيا على تنفيذ وعيدها، وتمكن من إقناع سوريا بخطورة الوضع.

وأدركت سوريا في النهاية، حسبما أورده عبد الحليم خدام ومدير شعبة الأمن السياسي اللواء عدنان بدر حسن، أن مغادرة أوجلان للبلاد هي أفضل للجميع.

وزير الداخلية التركي قدم للأسد في دمشق في أبريل/نيسان 1992، مستندات تؤكد دعم سوريا لـ "حزب العمال الكردستاني". وعندما نفى الأسد ذلك، دعاه الوزير لينظر عبر النافذة في قصر قاسيون، وأشار إلى أطول برج في دمشق، قائلاً: أوجلان موجود هناك.

ثمة تفصيلان في ذاك الاجتماع في مكتب بدر حسن لفتا نظري. الأول هي الطريقة التي حلل بها خدام نفسية أوجلان، إذ يقول إنه عندما دخل مكان الاجتماع، "اندفع أوجلان يحاول تقبيل يده لكنه لم يسمح له، وعانقه" بدلا من ذلك، قبل أن يضيف أن أوجلان كان يبدو خائفا وقلقا، وأنه عينيه فاضتا بالدموع في نهاية الاجتماع.

ذكرتني رواية خدام هذه بما جرى عندما نُقل أوجلان إلى تركيا بعد أن قُبض عليه في نيروبي، وثمة مقطع فيديو شهير التقطه فريق الأمن التركي في الطائرة، ويصور الحوار بين أوجلان وأحد الضباط. وهذا جزء من الحوار:

الضابط: أنت ضيفنا الآن. أريد أن أطرح عليك بعض الأسئلة. استرخِ. لا تقلق. هل تحتاج إلى أي شيء؟

أوجلان: أنا أحب بلدي، وأمي كانت تركية. وإذا احتاجت تركيا لخدماتنا، فنحن مستعدون للقيام بها. أما ما خلا ذلك، فلا تسألني عن أي شيء.

الضابط: الإجابة على أسئلتنا هي خدمة بحد ذاتها.

أوجلان: سأخدم عندما أعود إلى تركيا، إذا منحتموني الفرصة.

الضابط: نحن نقوم بالتسجيل.

أوجلان: سجل، وانشر التسجيل. أشهد أنكم لم تعذبوني. أنا أحب تركيا وأحب الشعب التركي،  وأعتقد أنني سأخدمهم بشكل جيد. إذا منحتموني الفرصة، فسأفعل ذلك".

أدركت سوريا في النهاية، حسبما أورده عبد الحليم خدام ومدير شعبة الأمن السياسي اللواء عدنان بدر حسن، أن مغادرة أوجلان للبلاد هي أفضل للجميع.

انتهاء الأزمة وتعهدات سوريا

إذا قرأنا هذا الحوار، الذي يتحدث فيه أوجلان عن "حبه لتركيا" و"تقديم خدماته،" ورواية خدام عن سلوكه في دمشق، سيكون لدينا فكرة واضحة عن موقف أوجلان.

أما التفصيل الثاني فهو اختيار أوجلان قبرص أو اليونان كوجهة يرغب بالذهاب إليها عند مغادرته سوريا، ثم يذكر العراق أيضا، ولكن خدام يستبعد خيار العراق، قائلاً إن "سوريا ليس لديها علاقة سياسية مع العراق وليس هناك ثقة متبادلة بين البلدين." واقترح خدام أرمينيا كخيار آخر، ووافق أوجلان.

على أن خيار أوجلان استقر أخيرا عند قبرص واليونان، اللتين لم تكونا فقط داعمتين بل كانتا راعيتين أيضا. وبالفعل، انتقل أوجلان من دمشق إلى أثينا، ولكن بسبب الضغط المفروض على اليونان من تركيا وكذلك الولايات المتحدة، لم يتمكن من البقاء هناك، فنُقل إلى روسيا، ثم إلى إيطاليا، وأخيرا إلى كينيا. وكان برفقته على طول الخط عضو من خدمة المخابرات اليونانية. وفي كينيا، أقام أوجلان في مقر السفير اليوناني، وتم القبض عليه مغادراً المقر في طريقه إلى المطار.

وعندما أُعلِنَت أنباء اعتقال أوجلان في 15 فبراير/شباط 1999، حاول مقاتلو حزب العمال الكردستاني في دمشق الهجوم على السفارة التركية، ولكن السلطات السورية فضّت الاشتباكات وفرّقتهم. ولكن قبل توجههم إلى السفارة التركية، حاول المقاتلون اقتحام السفارة اليونانية، وتعرض السفير اليوناني لإصابات خطيرة، خلال هذه المحاولة. وبعد مرور سنوات، في ديسمبر/كانون الأول 2020، نشر وزير الخارجية اليوناني في تلك الفترة، ثيودوروس بانغالوس، كتابا يكشف عن العلاقات الوثيقة بين اليونان وأوجلان ومنظمته.

انتهت الأزمة في 1998 بتوقيع اتفاق أضنة في 20 أكتوبر/تشرين الأول، حيث تعهدت سوريا بالتزامات تتعلق بأوجلان وحزب العمال الكردستاني (PKK). وتقول المادة الأولى من الاتفاق إن "أوجلان غير موجود في سوريا حالياً ولن يسمح بوجوده فيها." وتشير كلمة "حالياً" إلى اعتراف السوريين بأنه "كان" هناك قبل ذلك.

 

انتهت الأزمة في 1998 بتوقيع اتفاق أضنة في 20 أكتوبر/تشرين الأول. وتقول المادة الأولى من الاتفاق إن "أوجلان غير موجود في سوريا حالياً ولن يسمح بوجوده فيها." وتشير كلمة "حالياً" إلى اعتراف السوريين بأنه "كان" هناك قبل ذلك.

عيّن كل طرف مسؤولا رفيع المستوى لتنفيذ اتفاق أضنة – فعينت تركيا الجنرال أيتاج يلمان، قائد الجيش الثاني في حين اختارت سوريا الجنرال عدنان بدر حسن، رئيس المخابرات السورية، الذي كان يتعامل مع أوجلان طوال هذه السنوات عندما كان الأخير يتخذ من سوريا ملجأ له.

في هذه المرحلة الجديدة من العلاقات، قام كل من المسؤولَين بعمل جيد، وأفسحت الاتفاقية في المجال أمام تحسين العلاقات بين البلدين.

تتناول مذكرات خدام الحوار مع رئيس الوزراء التركي في ذلك الوقت، نجم الدين أربكان. ولا بدّ من الإشارة أنه لم يتم الكشف عن تلك الاتصالات التي يشير إليها خدام للجمهور التركي. في وقت لاحق، أكتوبر/تشرين الأول 2009، أكد أحد أعضاء برلمان حزب أربكان في مقابلة صحفية أن أربكان كان يعتزم بدء حوار (مع حزب العمال الكردستاني)، وأن محادثات عُقدت مع سوريا حول ذلك، بل إن اجتماعات جرت مع عبد الله أوجلان نفسه، من خلال وسطاء.

نقل عبد الله أوجلان إلى تركيا، حيث واجه محاكمة، قضت عليه بالإعدام. ولكن الحكم خُفّض إلى السجن مدى الحياة بعدما ألغت تركيا عقوبة الإعدام في 2004.

واليوم، في 2023، يقضي عبد الله أوجلان حكمه في السجن. وبعد عام 1998، ازدهرت العلاقات السورية التركية، لكنها الآن في أسوأ حالاتها بسبب الظروف التي خلفتها الحرب الأهلية السورية.

وأصبحت وحدات حماية الشعب (YPG) التي تمثل امتداد حزب العمال الكردستاني في سوريا عنصرا رئيسيا في الأزمة بين تركيا وسوريا، كما عادت اتفاقية أضنة إلى الواجهة، حيث تقترح روسيا العودة لتنفيذها، في محاولة لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا.

font change

مقالات ذات صلة