جذور صراع العسكر في السودان وميزان القوى

خلفية الصراع بين الجيش و"قوات الدعم السريع"

جذور صراع العسكر في السودان وميزان القوى

اندلعت اشتباكات في السودان، السبت، بين الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان و "قوات الدعم السريع" بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي). لكن ماهي الخطوط العريضة للصراع على السلطة؟ وماهو ميزان القوى؟

من الذي يتولى زمام الأمور في السودان؟

بدأ السودان مسيرة التحول إلى الديمقراطية بعد احتجاجات شعبية أطاحت في أبريل/نيسان عام 2019 بحكم الرئيس عمر حسن البشير الذي حكم البلاد لنحو ثلاثة عقود، حسب تقارير لوكالتي "رويترز" و "فرانس برس".

وبموجب اتفاق أُبرم في أغسطس/آب 2019، وافق الجيش على تقاسم السلطة مع مدنيين ريثما يتم إجراء انتخابات، لكن ذلك الترتيب تعطل فجأة نتيجة انقلاب عسكري في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 تسبب في سلسلة من الاحتجاجات الحاشدة المطالبة بالديمقراطية في أنحاء السودان.

ما هي "قوات الدعم السريع"؟

الفريق أول محمد حمدان دقلو (المعروف بـ "حميدتي") هو قائد "قوات الدعم السريع"، ويشغل في الوقت الحالي منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم. ويقدر محللون عدد "قوات الدعم السريع" بنحو 100 ألف فرد لهم قواعد وينتشرون في أنحاء البلاد.

انبثقت مما يُسمى تنظيمات"الجنجويد" المسلحة التي قاتلت في مطلع الألفية في الصراع بدارفور واستخدمها البشير الحاكم آنذاك في مساعدة الجيش لإخماد ما وصفها حينها بت "التمرد". وشُرد 2.5 مليون شخص على الأقل وقُتل 300 ألف في المجمل في الصراع، واتُهمت "الجنجويد" بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

نمت القوات بمرور الوقت واستُخدمت كحرس حدود على وجه الخصوص لتضييق الخناق على الهجرة غير النظامية.

Reuters
قائد "قوات الدعم السريع" الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) في مقر "القوات" في الخرطوم، في فبراير/شباط 2023.

وفي 2017، تم إقرار قانون يمنح "قوات الدعم السريع" صفة قوة أمن مستقلة. وقالت مصادر عسكرية إن قيادة الجيش طالما عبرت عن قلقها إزاء نمو قوات "حميدتي"، ورفضت دمجها في صفوفها.

وفي أبريل/ نيسان 2019، شاركت "قوات الدعم السريع" في الانقلاب العسكري الذي أطاح بالبشير. وفي وقت لاحق من ذلك العام، وقع "حميدتي" اتفاقا لتقاسم السلطة جعله نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الحاكم الذي يرأسه الفريق البرهان.

قبل التوقيع في 2019، اتُهمت "قوات الدعم السريع" بالمشاركة في استهداف عشرات المحتجين المناصرين للديمقراطية. واتُهم أيضا جنود "قوات الدعم السريع" بممارسة العنف القبلي، مما أدى إلى رفع "حميدتي" الحصانة عن بعضهم للسماح بمحاكمتهم.

و شاركت "قوات الدعم السريع" في حركة أكتوبر/ تشرين الأول 2021 التي عطلت الانتقال إلى إجراء انتخابات. ويقول "حميدتي" منذئذ إنه يأسف لـ "حدوث الانقلاب"، وعبر عن موافقته على إبرام اتفاق جديد لاستعادة الحكومة المدنية الكاملة.

وطالب الجيش السوداني والجماعات المناصرة للديمقراطية بدمج "قوات الدعم السريع" في صفوف الجيش. وصارت المفاوضات بهذا الشأن مصدرا لتوتر تسبب في تعطل عملية توقيع كانت مقررة في الأصل في الأول من أبريل/ نيسان.

اقرأ أيضا: الجيش و "الدعم السريع" في السودان... صراع نفوذ أم وجود؟

انبثقت "قوات الدعم السريع" من تنظيمات "الجنجويد" المسلحة التي قاتلت في مطلع الألفية في الصراع بدارفور واستخدمها نظام عمر البشير الحاكم آنذاك في مساعدة الجيش في إخماد تمرد.

إلى من يميل ميزان القوى؟
يمثل الجيش قوة مسيطرة في السودان منذ استقلاله عام 1956 إذ خاض حروبا داخلية وقام بانقلابات متكررة ولديه حيازات اقتصادية ضخمة.
 

وخلال الفترة الانتقالية التي بدأت بالإطاحة بالبشير وانتهت بما سمي بـ "انقلاب عام 2021"، زاد عمق هوة انعدام الثقة بين الجيش والأحزاب المدنية.
واستمد الجانب المدني شرعيته من حركة احتجاج صامدة ودعم من أطراف من المجتمع الدولي.
وحظي الجيش بدعم داخلي من فصائل متمردة استفادت من اتفاق السلام في 2020 ومن المخضرمين في حكومة البشير الذين عادوا إلى الخدمة المدنية بعد الانقلاب.

Reuters
تصاعد دخان المعارف في سماء الخرطوم. 15 أبريل/نيسان، 2023.


وأعاد الانقلاب زمام الأمور إلى الجيش، لكنه واجه احتجاجات أسبوعية وتجدد العزلة وتفاقمت المتاعب الاقتصادية. غير أن "حميدتي" أيد خطة الانتقال الجديدة، مما دفع بالتوترات مع البرهان إلى السطح.

ما هي أسباب الخلاف بين العسكر والمدنيين؟

أحد الأسباب الرئيسية هو ضغط المدنيين من أجل الرقابة على الجيش ودمج "قوات الدعم السريع" شبه العسكرية التي لها وضع قوي في الجيش النظامي.


ويطالب المدنيون أيضا بتسليم حيازات الجيش المربحة في قطاعات الزراعة والتجارة والقطاعات المدنية الأخرى، وهي مصدر رئيسي للنفوذ لجيش طالما عهد بالأعمال العسكرية إلى الفصائل المسلحة.

وتتعلق إحدى نقاط التوتر بالسعي لتحقيق العدالة بشأن مزاعم ارتكاب الجيش وحلفائه جرائم وانتهاكات في الصراع في دارفور منذ عام 2003. وتسعى المحكمة الجنائية الدولية إلى محاكمة البشير وسودانيين آخرين مشتبه بهم.


نقطة أخرى، هي التحقيق في قتل متظاهرين مطالبين بالديمقراطية في الثالث من يونيو/ حزيران 2019، في واقعة جرى الحديث عن اتهامات لقوات في الجيش. ويثير التأخر في نشر نتائج هذا التحقيق غضب الناشطين وجماعات مدنية.

وتطالب القوى المدنية بتحقيق العدالة بشأن مقتل أكثر من 125 شخصا على يد قوات الأمن خلال احتجاجات منذ الانقلاب.

يمثل الجيش السوداني قوة مسيطرة في السودان منذ استقلاله عام 1956 إذ خاض حروبا داخلية وقام بانقلابات متكررة ولديه حيازات اقتصادية ضخمة.

ماذا عن الاقتصاد؟

كانت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، التي تسببت في تهاوي العملة والنقص المتكرر للخبز والوقود، بمثابة الشرارة التي أدت لسقوط البشير.


ونفذت الحكومة الانتقالية بين عامي 2019 و2021 إصلاحات قاسية وسريعة تحت إشراف "صندوق النقد الدولي" في محاولة نجحت في جذب تمويل أجنبي وتخفيف الديون.

Reuters


لكن تم تجميد مليارات الدولارات من الدعم الدولي وتخفيف عبء الديون بعد انقلاب 2021، مما عطل مشاريع التنمية وأثقل كاهل الميزانية الوطنية وفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل


ماذا عن العلاقات بدول الجوار؟
 

يقع السودان في منطقة مضطربة يحدها البحر الأحمر ومنطقة الساحل والقرن الأفريقي. واستقطب موقع السودان الاستراتيجي وثرواته الزراعية قوى إقليمية، مما أدى إلى تعقيد فرص نجاح الانتقال.


وتأثر عدد من جيران السودان، مثل إثيوبيا وتشاد وجنوب السودان، بالاضطرابات السياسية والصراعات. وعلاقة السودان بإثيوبيا على وجه التحديد متوترة بسبب نزاع على أراض زراعية على الحدود والصراع في إقليم تيجراي، الذي دفع بآلاف النازحين إلى السودان، وسد النهضة الإثيوبي.


وتشكل السعودية والإمارات مع الولايات المتحدة وبريطانيا "الرباعي" الذي رعى، مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، الوساطة في السودان. وتخشى قوى الغرب احتمال إنشاء قاعدة روسية على البحر الأحمر، وهو أمر أعرب قادة جيش السودان عن انفتاحهم عليه.

font change

مقالات ذات صلة