جون بولتون: نُجرب كل شيء ثم نقوم بالصحيح

جون بولتون لا يشعر بأي ندم من قرار غزو العراق

AFP
AFP
جون بولتون أثناء مؤتمر صحفي للرئيس السابق دونالد ترامب، عندما كان مستشارا للأمن القومي في إدارته.

جون بولتون: نُجرب كل شيء ثم نقوم بالصحيح

كان جون بولتون أحد مهندسي القرار المثير للجدل الذي أخذته إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بالإطاحة بالديكتاتور العراقي صدام حسين قبل عشرين عاما. اليوم، يصرّ بولتون على أنه لا يشك مطلقا في صحة قرار غزو العراق، باعتباره المسار الصحيح الذي كان يجب أن يحدث.

ولئن اعترف بولتون، المعروف بأنه من أكثر الصقور تشددا في الإدارة الأميركية، بوقوع أخطاء مؤسفة بعد الإطاحة بصدام من السلطة، إلا أنه لا يخفي دفاعه عن القرار الأصلي بالسعي لتغيير النظام في بغداد.

وأوضح بولتون في مقابلة حصرية لـ «المجلة» بمناسبة الذكرى العشرين لغزو العراق أنه "من الخطأ التعامل مع العشرين عاما الماضية كما لو كانت كتلة من الجرانيت الأصم، ووضعها كلها في خانة واحدة، إما أبيض أو أسود، جيد أو سيئ. فالكثير مما حدث منذ ذلك الحين، مثل الربيع العربي، كان ربما سيحدث سواء أقمنا بالغزو أم لا."

وأضاف: "كان الهدف النهائي هو منع صدام حسين من الحصول على أسلحة الدمار الشامل، وقد أطيح بصدام خلال فترة العمليات القتالية الكبرى والتي كانت حملة رائعة حققت أهدافها. ثم اتُّخِذت بعد ذاك قرارات أخرى يمكنك مناقشة أنها لم تكن جيدة."

في الوقت الذي شن فيه التحالف بقيادة الولايات المتحدة غزوه للعراق في مارس/آذار 2003، كان بولتون وكيل وزارة الخارجية للحدّ من التسلح والأمن الدولي. ومع أن منصبه كان صغيرا نسبيا في إدارة بوش مقارنة بشخصيات بارزة أخرى مثل نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، فقد كان أحد المؤيدين الأكثر حماسا لتغيير النظام في بغداد.

Getty Images
جندي أميركي يدرب مهندسين في الجيش العراقي في بغداد 6 ديسمبر / كانون الأول 2015

من الخطأ التعامل مع الأعوام العشرين الماضية كما لو كانت كتلة من الجرانيت الأصم، ووضعها كلها في خانة واحدة، إما أبيض أو أسود، جيد أو سيئ. فالكثير مما حدث منذ ذلك الحين، مثل الربيع العربي، كان ربما سيحدث سواء أقمنا بالغزو أم لا

جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق

فشل صدام

ويجادل الجمهوري المخلص الذي سبق أن خدم في إدارتي رونالد ريغان وجورج إتش دبليو بوش (الأب)، والبالغ من العمر الآن أربعة وسبعين عاما، بأن فشل صدام في الامتثال لشروط اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى الاتفاق عليه في نهاية حرب الخليج الأولى عام 1991 كان أحد المبررات الرئيسية لإسقاط نظامه عام 2003.

وكان صدام حسين قد وقّع على اتفاقية مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بعد التحرير الناجح للكويت، التزاما بشروط قرار مجلس الأمن رقم 687، وبموجب هذه الاتفاقية وافق صدام على تقديم وصف تفصيلي لبرامج أسلحة الدمار الشامل العديدة في العراق.

ولكن على الرغم من قيام مفتشي الأمم المتحدة بمحاولات متكررة لزيارة المواقع العسكرية الرئيسية خلال التسعينيات، لم تقدم بغداد مطلقا أي سرد كامل لأنشطتها. وبقدر ما كان بولتون معنيا، فإن عبء إثبات عدم وجود مخزون من أسلحة الدمار الشامل كان يقع على عاتق صدام ومسؤوليه، وقد برر فشلهم في القيام بذلك، في نهاية المطاف، غزوَ 2003.

وأوضح بولتون: "بالنسبة لي، كان الأمر يتعلق بإنهاء ما كان يجب أن يتمّ بعد حرب الخليج الأولى،» فبعد كل شيء، أظهر صدام أنه مستعد لاستخدام الأسلحة الكيماوية في هجماته ضد الأكراد."

اقرأ أيضا: العراق ليس وحيداً

بالنسبة لي، كان الأمر يتعلق بإنهاء ما كان يجب أن يتمّ بعد حرب الخليج الأولى، فبعد كل شيء، أظهر صدام أنه مستعد لاستخدام الأسلحة الكيماوية في هجماته ضد الأكراد

جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق

غزو وقائي

في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، كانت إحدى الأولويات الرئيسية لإدارة بوش هي ضمان أن الجماعات الإرهابية مثل «القاعدة» لن تتمكن من الوصول إلى أسلحة الدمار الشامل.

وبينما لم يكن صدام مسؤولا شخصيا عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، فإن تاريخه الطويل في الارتباط بالجماعات الإرهابية جعله موضع قلق رئيسي لإدارة بوش.

ويتذكر بولتون: "لم يكن الأمر مرتبطا فقط بالوضع في عام 2003، ولكن بالتهديد المستقبلي. كان الجانب الإرهابي هنا هو أنه إذا حصل (صدام) على أسلحة الدمار الشامل مرة أخرى، فإن احتمالات تقديمه تلك الأسلحة للإرهابيين كانت عالية للغاية، في ضوء دعمه للإرهاب في جميع أنحاء المنطقة."

ويقول: "لا أتردد في توصيف الغزو بأنه كان وقائيا. لقد كان كذلك، لضمان ألا نشهد سحابة انفجار نووي ترتفع فوق مدينة أميركية أو حليفة لأميركا."

وفيما يتعلق بمحو التهديد الأمني الذي كان يشكله نظام صدام، يعتقد بولتون أن مهمة تغيير النظام قد نجحت، حتى لو جرى ارتكاب أخطاء في وقت لاحق.

"النقطة الأساسية هي أن صدام حسين أطيح به من السلطة وأن خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية قد قُضي عليه إلى الأبد."|

ولا يشعر بولتون بأي ندم على رحيل صدام ولا من تأثير حرب العراق على بقية منطقة الشرق الأوسط. "يقول الناس، انظروا إلى ما وصل إليه الشرق الأوسط الآن، كما لو أنه لو سُمح لصدام حسين بالبقاء في السلطة، لكان كل شيء جميلا وسهلا. وهذا ببساطة ليس صحيحا."

وبينما يعتقد بولتون أن الحملة العسكرية للإطاحة بصدام قد نجحت نجاحا باهرا، وحققت أهدافها في غضون شهر، إلا أنه انتقد أداء إدارة بوش بعد الإطاحة بصدام حسين، وخاصة فشلها في إشراك العراقيين في إدارة بلدهم ما بعد الحرب. ويرى بولتون أن التحالف كان يجب أن ينشئ السلطة المؤقتة التي تشمل السياسيين العراقيين مباشرة بعد الإطاحة بصدام، بدلا من إعطاء مسؤولية إدارة العراق لبول بريمر، الذي انتقاه الرئيس جورج دبليو بوش شخصيا.

اقرأ أيضا: سيناريوهات الخروج من "جمهورية الفوضى" العراقية

لا أتردد في توصيف الغزو بأنه كان وقائيا. لقد كان كذلك، لضمان ألا نشهد سحابة انفجار نووي ترتفع فوق مدينة أميركية أو حليفة لأميركا

جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق

وحين عاد بذاكرته إلى الوراء، رأى بولتون أن "بول بريمر أصبح مجرد فصيل سياسي آخر داخل العراق"، مؤكدا أن "قرار عدم تشكيل السلطة المؤقتة فور تنحية صدام كان خطأ."

إلى ذلك، ينتقد بولتون سياسات «المحافظين الجدد» الذين كانوا يسيطرون على قرارات صنع السياسة في واشنطن في أعقاب الغزو، ونفذوا سياسة اجتثاث «البعث» التي لا تحظى بشعبية كبيرة، وراح ضحيتها مئات الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين الذين طردوا من أعمالهم. ووفق بولتون، كان "تسريح الجيش دون التفكير في العواقب خطأ آخر."

AFP/Getty Images
الرئيس  الأسبق جورج دبليو بوش مع جون بولتون في 4 ديسمبر/كانون الأول 2006

أسوأ قرار

لكن بولتون وفّر أكبر انتقاداته، مع ذلك، لباراك أوباما وقراره الأحادي الجانب بسحب قوات التحالف من العراق عندما كانت البلاد لا تزال تكافح للتأقلم مع التداعيات العنيفة للإطاحة بصدام.

يقول بولتون: "أسوأ قرار اتخذته الولايات المتحدة كان في عام 2011، عندما سحب باراك أوباما القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها. وكان هذا نقضا كليا لقرار بوش بالغزو. كان وجود قوات التحالف في العراق مهيمنا على الحلبة مع السماح للعراقيين بتشكيل حكومتهم التمثيلية، يشلّ الإيرانيين والسوريين، ويشكل قوة للاستقرار الاجتماعي داخل العراق.

"لذلك عندما يتحدث الناس عن عدم الاستقرار الذي خلقناه... لقد خلقنا حالة عدم الاستقرار هذه عمليا عندما انسحبنا».

بل إن بولتون يعتقد أن إحدى النتائج الرئيسية لقرار أوباما بسحب قوات التحالف من العراق كانت ظهور «داعش»، الذي شكل ما يسمى بـ «الخلافة» المزعومة في شمال غربي العراق وشمال شرقي سوريا.

ولا ينتقد بولتون قرار أوباما بالانسحاب من العراق فحسب، بل يعتقد أن فشله في الوفاء بوعده بشن عمل عسكري ضد الرئيس السوري بشار الأسد في عام 2013 كان بمثابة "كارثة للغرب".

ويقول: "بعد طرد القوات العراقية من الكويت عام 1991، شعرنا أننا تغلبنا على متلازمة فيتنام، وأثبتنا أنه ليس صحيحا أن علينا قبول الحقائق التي كانت تهددنا وتهدد أصدقاءنا، مثل العدوان غير المبرر على الكويت. لكن لسوء الحظ، أدت تداعيات حرب الخليج الثانية إلى التأثير المعاكس، خالقة متلازمة جديدة تقول إن تغيير النظام أمر سيئ دائما وأنه لا يمكنك استخدام القوة العسكرية."

قرار عدم تشكيل السلطة المؤقتة فور تنحية صدام كان خطأ، وكان تسريح الجيش دون التفكير في العواقب خطأ آخر

جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق

بعد أن خدم في إدارة بوش، عيّنه الرئيس دونالد ترامب مستشارا للأمن القومي، لكنه استقال في عام 2019 بعد خلافات حول قضايا سياسية رئيسية، بما في ذلك محاولات ترامب للتفاوض مع «طالبان» في أفغانستان.

ويوضح: "أسوأ مثال على ذلك كان قرار الانسحاب من أفغانستان في عام 2021، وهي كارثة قائمة بذاتها، وكان هذا القرار أحد العناصر التي رَفَدت تفكير بوتين عندما قرر غزو أوكرانيا."

Reuters
جنود أميركيون يستعدون للانسحاب من العراق في 15 أغسطس/آب، 2010

وقد لا نستغرب أن يكون بولتون من أشد المنتقدين لإدارة بايدن وتعاملها مع أزمة أوكرانيا، مدعيا أن البيت الأبيض ليس لديه خطة واضحة لحل الصراع. ويقول: "النموذج الذي أوجدناه في أوكرانيا الآن هو أن إدارة بايدن تريد بشكل أساسي خسارة روسيا ولكنها لا تريد فوز أوكرانيا. وهكذا فليس لدينا استراتيجية لماهية النصر لأننا لا نعرف ما هو النصر، ولا نوفر الموارد المالية لما تحتاجه أوكرانيا. كل هذا جرح جماعي صنعناه بأنفسنا."

كما أنه قلق من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية منذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه، وهي حالة يأمل أن يتم حلها بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، وتجاوز طريقة تعامل الإدارة الحالية.

ويقول: "لدى السعوديين مخاوف مشروعة بشأن معاملتهم من قبل إدارة بايدن، وعلينا انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية".ويضيف بولتون: "في هذا العالم المتغير، يجدر بنا أن نتذكر أن التحالف العسكري بين الولايات المتحدة والسعودية عمره 80 عاما. ويجب عدم التخلي عن ذلك بسهولة.".

ويختم: "أفضل نصيحة لدي هي أن تتذكر تعليق ونستون تشرشل أنه يمكنك دائما الاعتماد على الأميركيين لفعل الشيء الصحيح، عادة بعد أن يجربوا كل شيء آخر."

font change

مقالات ذات صلة