دريد لحام: "غوار" اعتزل... وهذه قصتي مع عادل إمام

جديده فيلم "يومين"

ملصق مسلسل "صح النوم"

دريد لحام: "غوار" اعتزل... وهذه قصتي مع عادل إمام

دمشق: على طاولة النجم السوري دريد لحام اليوم ملفان، ولهما له علاقة بالتشطيبات النهائية لفيلمه الجديد "يومين"، الذي كتب قصته بنفسه وكتب السيناريو تليد الخطيب ومن المفترض أن يُعرض في دمشق هذا العام، وهو من إخراج المخرج الفلسطيني باسل الخطيب. الملف الثاني هو مسوّدة نص فيلم آخر بعنوان "زيتونة"ـ وضع دريد تصوره العام وتدور أحداثه حول متسوّل نبيل في حارات دمشق القديمة، اسمه زيتونة. لو تحقق "زيتونة" فسيكون الفيلم رقم 36 في مسيرة دريد لحام المهنية، المستمرة دون انقطاع منذ سنة 1960.

بدايات

استقبلنا دريد لحام في مكتبه الأنيق وسط العاصمة السورية، المليء بالأوسمة ودروع التكريم وشهادات التقدير من شتى دول العالم، ومنها دكتوراه فخرية منحته إياها الجامعة الأميركية في بيروت قبل سنوات. استوقفتنا شهادة فريدة من Clio Awards الأميركية، تعود إلى العام 1974، وهي بمثابة الأوسكار في عالم الإعلانات. سألناه عنها فابتسم وقال: "في سنة 1969 أسسنا أنا والمخرج الصديق خلدون المالح شركة شمرا لإنتاج الإعلانات ونلنا هذه الشهادة في أميركا لإعلان: سينالكو كولا" الألمانية الذي قمنا بتصويره في غوطة دمشق. كلفة الإعلان كانت أقل من عشرة آلاف دولار يومذك، وقد فاز على إعلانات عالمية كلّفت عشرة أضعاف هذا المبلغ".

المسلسل السوري "صح النوم" عام 1972

انتقلت شركة شمرا بعدها للإنتاج التلفزيوني وكانت باكورة أعمالها مسلسل "صح النوم" الشهير، الذي ظهر فيه دريد في شخصية غوار الطوشة المحببة والمعروفة عربيا، وكان أول مسلسل عربي من جزءين، أنتج الثاني بعد النجاح الكاسح الذي حققه الجزء الأول سنة 1971، وجاء بعده فيلم سينمائي بالعنوان نفسه سنة 1975. وقد ظهرت في هذه الأعمال شخصيات كوميدية عدة عاشت أطول بكثير من الفنانين الذي لعبوا أدوارها، مثل "حسني البورظان" للراحل نهاد قلعي (1928- 1993) و"أبو عنتر" للفنان الراحل ناجي جبر (1940- 2009) و"فطوم حيص بيص" للفنانة الراحلة نجاح حفيظ (1941-2017) وياسين بقوش (1938 -2013) وعبد اللطيف فتحي (1916-1986). وقد أنتج عمل متمّم للمسلسل بعوان "ملح وسكر" سنة 1973، وفيه كانت أغنية "يامو" الشهيرة التي أداها غوار من السجن، لمناسبة عيد الأم.

"كان مسلسل صح النوم نقلة نوعية، بالنسبة إليّ كفنان، وبالنسبة إلى شركة شمرا المنتجة. كانت الشوارع تخلو من المارة في العواصم العربية التي عرض فيها. سُجّلت أغانيه على أسطوانات، وجرت محاولات أخيرا لتحويله إلى عمل كرتوني، لم يرَ النور بعد".

قبل غوار، قدمت شخصية عازف الغيتار الإسباني كارلوس، التي لم يتقبلها الجمهور السوري عند ظهورها على الشاشة يوم افتتاح التلفزيون سنة 1960 فطالبوا بوقفها 

دريد لحام

غوار الطوشة

"شخصية غوار ليس لها تاريخ ميلاد. فقد ولدت بشكل تدريجي ابتداء من العام 1960 بعد فشل الشخصية الأولى التي قدّمتها على الشاشة، وهي شخصية عازف الغيتار الإسباني كارلوس التي لم يتقبلها الجمهور السوري عند ظهورها على الشاشة يوم افتتاح التلفزيون سنة 1960 في زمن الوحدة السورية المصرية. اتصل الناس بالمدير المؤسس للتلفزيون الدكتور صباح قباني (شقيق الشاعر نزار قباني) وطلبوا منه إيقاف هذه الشخصية، التي لا تشبههم لا من حيث المضمون أو الشكل".

حزن دريد لحام من فشل هذه التجربة، وهو الذي غامر بكل شيء من أجلها.

"كنت قبل ذلك التاريخ مدرّسا في قسم الكيمياء بجامعة دمشق، وهي مهنة محترمة جدا ومرموقة قرّرت التخلي عنها لأجل الفن. مع ذلك كانت الخطوة الأولى في طريق الفن محبطة جدا للآمال". فكر دريد في إيجاد شخصية جديدة تكون أقرب إلى الواقع الشعبي، من هنا جاءت شخصية غوار، بطربوشه الأحمر وقبقابه الخشبي وسرواله، وهي ملابس رائجة في حارات الشام القديمة يومذاك. 

"استعرت اسم غوار من حارس على أبواب التلفزيون السوري، أصله من الجولان ويُدعى غوار الجدعان وظهرت شخصية غوار بداية في بعض لوحات "سهرة دمشق" في خريف العام 1960، ثم انتقلت إلى بعض البرامج اللبنانية ومن ثم إلى مسلسل مقالب غوار مع شريكي الفني الراحل الكبير نهاد قلعي، صاحب شخصية حسني البورظان". 

دريد لحام والراحل نهاد قلعي

دخل الثنائي دريد ونهاد إلى إدارة التلفزيون السوري وعرضا نص مسلسل "مقالب غوار" الذي رُفض في سوريا وقُبل في لبنان، فكانت نسخته الأولى لبنانية، ليس فيها من ممثلين سوريين إلا دريد ونهاد وزميلهما رفيق سبيعي "وعندما نجح العمل في لبنان وحقّق نسبة مشاهدة فاقت كل التوقعات، طلب التلفزيون السوري إعادته في دمشق، بنسخة سورية". كرّت السبحة، وجاء بعده مسلسل "حمّام الهنا" سنة 1968، المأخوذ عن رواية روسية عُدّلت من قصور القيصر نقولا الثاني إلى حارات دمشق القديمة. 

"ذات يوم لاحظ رئيس الحكومة في حينها يوسف زعيّن تغيّب الكثير من الوزراء عن جلسات الحكومة الأسبوعية وعندما سأل عن السبب، قالوا له إنها تتعارض مع وقت عرض "حمام الهنا"، فكان أمامه إما تعديل وقت اجتماع مجلس الوزراء، وإما وقت عرض "حمام الهنا"، وكان القرار تأجيل المجلس، بدلا من تأخير المسلسل".

كان غوار الطوشة حاضرا في كل أعمال الثنائي دريد ونهاد، حتى إنّ اسمه أقحم في بعض عناوين الأفلام السينمائية، وإن لم تكن شخصية غوار موجودة فيها، لأن اسمه كان كفيلا بشراء الفيلم وتوزيعه عربيا. "فعلنا ذلك في المسرح أيضا، فمسرحية 'ضيعة تشرين' كانت في الأصل خالية من شخصية غوار، وبطلها شخصية باسم أبو صالح، تم التخلي عنه لصالح غوار عند تصويرها للتلفزيون، لكي تحقّق المسرحية الرواج المطلوب في الخليج العربي". في مسلسل "وادي المسك" ظهر غوار بلهجة خليجية، مع خليط من العراقية وقليل من الليبية واللبنانية والتونسية، علما أن الجمهور العربي ألف اللجهة السورية، أو بالأصح "الشامية" بسبب أعمال غوار القديمة. 

 

استعرت اسم غوار من حارس على أبواب التلفزيون السوري، أصله من الجولان ويُدعى غوار الجدعان وظهرت شخصية غوار بداية في بعض لوحات "سهرة دمشق" في خريف  1960 

دريد لحام

آخر ظهور فعلي لغوار الطوشة كان في مسلسل "عودة غوار" سنة 1998، وكان دريد قد بدأ يتخلّى عنها بشكل تدريجي منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي لصالح شخصيات أكثر جديّة، تتناسب مع أعماله السياسية الهادفة ومع تقدّمه في العمر. يقول دريد: "غوار فتى مشاكس ولد في حارات الشّام القديمة، وكانت أحلامه بسيطة: أن يغني في مقهى أو يحصل على وجبة طعام بطريقة ملتوية. أما اليوم، فمن المفترض أن يقوم غوار بسرقة بنك، لا تفاحة، لكي يتناسب مع هذا الزمان، وهو طبعا أمر غير ممكن. أنا كبرت ولم أعد قادرا على تأدية شخصية غوار. عندما لعبت دور غوار للمرة الأولى كان عمري 26 سنة. أنا اليوم دخلت في عامي التسعين، ومن الأفضل أن يحافظ غوار على شكله ومضمونه في ذاكرة المشاهد العربي. غوار الذي تعرفونه وتحبونه مات من زمان".

ملصق "غوار الطوشة"

 لكنّ المصادفة قدّرت له أن يولد من جديد قبل أشهر، عندما عثر دريد على أعمال إذاعية مفقودة له بشخصية غوار، تعود إلى مطلع الثمانينات، تجمعه مع شريكه نهاد قلعي تارة ومع النجم ياسر العظمة في مسلسل "غوار يخترق الجدار". وقد أخذت هذه الأعمال من أرشيف إذاعة دمشق وعرضت على صفحة دريد لحام الرسمية على "فيسبوك"و"يوتيوب" مطلع العام 2023. 

بدأت مع عادل إمام بفكرة فيلم مشترك بعنوان "الحدود 2"، تدور أحداثه في طائرة ركاب تُختطف في سماء العالم العربي، لكن العمل لم يرِ النور لأسباب مختلفة 

دريد لحام

الحدود

"في العام 1964 قرر المنتجان تحسين قوادري ونادر أتاسي تحويل مسرحية "عقد اللولو" إلى فيلم سينمائي، والمسرحية كنتُ قد كتبتها سنة 1961 احتفاء بمرور سنة على افتتاح التلفزيون السوري أيام الوحدة بين سوريا ومصر، ومثلت فيها إلى جانب نهاد قلعي وفهد بلان، لكنّ الجهة المنتجة للفيلم وباعتبار أنّ الثنائي دريد ونهاد غير معروف إلا في سوريا ولبنان آنذاك، اقترحت أن تشارك الفنانة صباح في الفيلم ليسهل توزيعه، وقلت لهم إن هي قبلت فسيكون ذلك حلما يتحقّق بالنسبة إلينا، فمن منا لا يحلم أن يقف إلى جانب الصبوحة في فيلم؟". 

قبلت صباح مشاركة دريد ونهاد فيلمهما الأول بترحاب كبير وكان "عقد اللولو" أول فيلم سينمائي، وحقق الفيلم نجاها باهرا واستمرّ عرضه في صالات السينما عاما كاملا، وتلته أعمال عربية مع نجوم كبار، مثل سمير غانم ونبيلة عبيد وشادية ومريم فخر الدين ونجلاء فتحي وناديا لطفي وكمال الشناوي وفريد شوقي وغيرهم، إضافة إلى تجربة فريدة مع فاتن حمامة في فيلم "رمال من ذهب" إخراج يوسف شاهين. ظلت تربط دريد علاقة طيبة مع نجوم مصر، وفي مقدمتهم عبد الحليم حافظ، الذي كان كلما زار دمشق حلّ ضيفا على دريد في منزله. وفي سنة 1984 كان فيلم "الحدود،" وهو نقلة نوعية في مسيرة دريد لحام المهنية، من إخراجه وبطولته مع الفنانة السورية المقيمة في مصر رغده، واستمر عرضه في صالات السينما عاما كاملا. 

الفنان السوري دريد لحام والفنان المصري عادل إمام

تجربة مع عادل أمام لم تكتمل

يقول دريد: "شارك الحدود في مهرجان تونس السينمائية وحضره النجم الكبير عادل إمام. قال لي يومها: عاوز أعمل فيلم زي ده. وبالفعل، بدأنا بفكرة فيلم مشترك بعنوان "الحدود 2: وطن في السماء" كان من المفترض أن يكون متمما للحدود، تدور أحداثه في طائرة ركاب يتم اختطافها في سماء الوطن العربي، لكن العمل لم ير النور لأسباب مختلفة"، وقد استغني عنه لصالح جزء ثان من "الحدود"، جاء بشكل مسلسل إذاعي أنتجته إذاعة "صوت العرب" المصرية سنة 2001، حمل عنوان "عبد الودود على الحدود" من بطولة دريد ورغده والنجم أحمد راتب.

عندما لعبت دور غوار للمرة الأولى كان عمري 26 سنة. أنا اليوم دخلت في عامي التسعين، ومن الأفضل أن يحافظ غوار على شكله ومضمونه في ذاكرة المشاهد العربي

دريد لحام

كسر الحصار

دُعي "الحدود" إلى المشاركة في مهرجان السينما الدولي في القاهرة منتصف الثمانينات، علما أن العلاقات السورية - المصرية كانت مقطوعة بسبب اتفاقية كامب ديفيد وتجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية. "قررنا المشاركة وكسر الحصار عن مصر الشقيقة، وكان استقبال الجمهور المصري مذهلا. احتشدوا في شوارع القاهرة لمشاهدة "الحدود،" بعدما سمعوا عن نجاحه الكبير في تونس، وامتلأت الصالة بطلاب جامعيين مصريين استقبلونا بأغنية "والله زمان يا سلاحي" و"وحدة ما يغلبها غلّاب".

Getty Images
الممثل السوري دريد لحام

ثمكانت مشاركة دريد لحام في المهرجان الأول لسينما الأطفال في مصر سنة 1990، فور عودة العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث شارك بفيلم "كفرون" الذي تنافس مع فيلم ديزني الأميركي Honey I Shrunk the Kids وفاز بالجائزة الذهبية، واستمر عرضه في صالات السينما عاما كاملا. 

font change

مقالات ذات صلة