السعودية... مركز لوجستي عالمي

"موانئ" تستهدف إنشاء ثماني مناطق متكاملة لقطاع النقل البحري

Andrei Cojocaru
Andrei Cojocaru

السعودية... مركز لوجستي عالمي

تعمل المملكة العربية السعودية بشكل حيوي وجاد على رفع جهوزية الموانئ في البلاد، الأمر الذي يجعل مساهمة هذه الموانئ في الناتج المحلي تنمو بشكل ملحوظ بين عام وآخر، بالإضافة إلى أن السعودية باتت تستثمر بكل قوّة في العديد من الميزات التنافسية التي تمتلكها، ويأتي في مقدمها الموقع الجغرافي المميز الذي يربط القارات الثلاث (آسيا – أفريقيا – أوروبا).

ستزيد هذه الخطوات النوعية التي تتخذها السعودية في سبيل تطوير الموانئ المحلية، الحيوية الاقتصادية للبلاد ومكانتها كمركز لوجستي عالمي، كما أنها ستمنح في الوقت ذاته قطاع الأعمال، والحركة التجارية، مرونة كبرى تزيد قدرات القطاع الخاص على تلبية الطلب العالمي في مختلف المنتجات والسلع، بما يتناغم مع حاجة الاقتصاد العالمي إلى تعزيز قدرات قطاع النقل والخدمات اللوجستية.

اتخذت المملكة العربية السعودية في ضوء "رؤية 2030" خطوات نوعية نحو تطوير منظومة قطاع النقل والخدمات اللوجستية، لأن هذا القطاع يعتبر الذراع الأهم في دعم الحركة التجارية وانسيابيتها في العالم أجمع، هذا بالإضافة إلى حزمة كبرى من المشاريع النوعية والضخمة، منها على سبيل المثل ما يخص قطاعات الموانئ، والمطارات، والطرق، والمنافذ الجمركية، والخدمات اللوجستية.

أعلنت "موانئ" مباشرة أكثر من 100 مشروع خلال السنوات المقبلة لتنفيذ مبادرات أساسية تهدف إلى الارتقاء بموانئ المملكة، منها 11 مشروعا رائدا

"موانئ" و"رؤية 2030"

في هذا الاطار أطلقت "موانئ"، وهي الهيئة العامة للموانئ، استراتيجيتها المؤسسية كرؤية ترمي إلى تعزيز قطاع النقل البحري والموانئ، وتوجيه خططها ومبادراتها لتصبح منظومة رائدة تدعمها عمليات موثوق بها وفعّالة، مما زاد مشاركتها في الناتج الإجمالي البالغ حاليا نحو 30 مليار ريال (نحو 8 مليارات دولار)، فيما من المتوقع لها أن تصل إلى 45 مليار ريال (نحو 12 مليار دولار) مع نهاية السنة الجارية.

وتلتزم "موانئ" من خلال استراتيجيتها التزاما كاملا تمكين النمو الذي رسمته "رؤية 2030"، مستهدفة زيادة الطاقة الاستيعابية في الموانئ من 20 مليون حاوية حاليا إلى أكثر من 40 مليون حاوية سنويا، ورفع الحصة السوقية من المسافنة الإقليمية من 31,63 في المئة حاليا إلى 45 في المئة، إضافة إلى رفع نسبة إشغال الموانئ إلى 70 في المئة من طاقتها الاستيعابية الإجمالية، وتحسين التصنيف الدولي للمملكة في مؤشر الأونكتاد لترابط  شبكة خطوط النقل البحري من 71,33 نقطة حاليا إلى 80 نقطة، وكذلك تحقيق تقدّم في ترتيب المملكة ضمن مؤشر أداء الخدمات اللوجستية من المرتبة 49 إلى المرتبة 10 عالميا وضمان ريادتها إقليميا، ورفع عدد مراكز الخدمات اللوجستية لإعادة التصدير من 7 حاليا إلى 30 مركزا، وتحسين تصنيف المملكة في مؤشر التجارة العابرة للحدود ورفعها إلى المرتبة 35 عالميا.

 Diana Estefania Rubio

في سياق ذلك، أعلنت "موانئ" مباشرة أكثر من 100 مشروع خلال السنوات المقبلة لتنفيذ مبادرات أساسية تهدف إلى الارتقاء بموانئ المملكة، منها 11 مشروعا رائدا. فقد شهد عام 2022 توقيع 10 اتفاقات مع أبرز الشركاء الوطنيين والدوليين، أثمرت عن إطلاق مبادرة الموانئ الذكية بتقنية الجيل الخامس (G5) ونظام مجتمع "موانئ" الجديد، وعدد من البرامج والمشاريع النوعية والتطويرية، كما تم توقيع عقدين مع "شركة قادة البناء الحديث المحدودة" بالتضامن مع "شركة هوتا هيجر فيلد" السعودية، و"شركة المشروعات للخدمات البحرية" بقيمة تتجاوز 640 مليون ريال (نحو 170,4 مليون دولار)، لتنفيذ مشروع تعميق قناتي الاقتراب وحوض الدوران والممرات البحرية وحوض المحطة الجنوبية في ميناء جدة الإسلامي، بما يسهل استقبال سفن الحاويات العملاقة التي تصل حمولتها إلى 24 ألف حاوية قياسية، ويساهم في زيادة القدرة التنافسية للميناء.

أطلقت "موانئ" عددا من المبادرات لتطوير القطاع البحري، وزيادة الشراكة مع القطاع الخاص، وذلك بتوقيع اتفاقات مع الشركاء الاستراتيجيين لإنشاء 8 مناطق لوجستية متكاملة مع شركات وطنية ودولية باستثمارات تتجاوز ثلاثة مليارات ريال.

الشراكة مع القطاع الخاص

علاوة على ذلك، أطلقت "موانئ" عددا من المبادرات لتطوير القطاع البحري، وزيادة الشراكة مع القطاع الخاص، وذلك بتوقيع اتفاقات مع الشركاء الاستراتيجيين لإنشاء 8 مناطق لوجستية متكاملة مع شركات وطنية ودولية باستثمارات تتجاوز ثلاثة مليارات ريال (نحو 800 مليون دولار) توفر أكثر من 16 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة مع "Maersk وCMA CGM وLogiPoint ودي بي وورلد والبحري وجلوب وميد لوج وغرفة جدة".

وعملت "موانئ" على تعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع كبرى الخطوط الملاحية العالمية لتعميق ارتباط المملكة بموانئ الشرق والغرب، وهو ما أسفر عن إضافة 24 خدمة ملاحية جديدة خلال عامي 2021 و2022 حتى نهاية شهر فبراير/شباط لعام 2023.

وحجزت "موانئ" موقعا رائدا على خريطة الشحن البحري العالمي تماشيا مع النمو الذي تشهده الحركة التجارية، وذلك بتحسين الكفاءة التشغيلية وتطوير البيئة التنظيمية والتشريعية من طريق إعادة هندسة الإجراءات وأتمتة العمليات، إلى جانب تحسين تجربة العميل باستخدام أحدث التقنيات، وذلك بتقليص معدل دوران الحاوية من 16 يوما في عام 2016 إلى 3,4 أيام حاليا، فيما من المستهدف الوصول إلى يومين في حلول عام 2030، كما تم تقليص مدة تفريغ السفينة من 60 إلى 15 دقيقة بعد ترصيفها، وجرى العمل مع الشركاء الاستراتيجيين على تقليص مدة الفسح من أسبوعين إلى ساعتين حاليا، وخفض فترة السماح لإعادة الحاويات من 10 إلى 7 أيام، وذلك تمكينا للقطاعات الحيوية وتأمين سلاسل الإمداد. 

تتويجا لتلك النقلات النوعية في مسيرة الموانئ السعودية، حققت المملكة الصدارة عالميا في "مؤشر أداء كفاءة موانئ الحاويات لعام 2021" الصادر عن البنك الدولي، حيث جاء ميناء الملك عبدالله في المركز الأول بعدما كان في المركز الثاني، وأحرز ميناء جدة الإسلامي المركز الثامن صعوداً من المركز 53، وتقدم ميناء الملك عبدالعزيز بالدمام إلى المركز الــرابع عشر بعدما كان في المركز 102، كما حققت السعودية المرتبة الخامسة كأسرع دُوَل العالم في التعامل مع سفن الحاويات، وفق مؤشر "UNCTAD" السنوي الصادر من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية للعام نفسه.

ونالت "موانئ" ممثلةً بميناء جدة الإسلامي جائزة "أفضل ميناء في عام 2022"، وفازت بجائزة "التحول الرقمي" ضمن جوائز القمة العالمية للشحن الأخضر "International Green Shipping Summit Awards"، وحصلت على شهادتَي الأيزو (1SO 31000) و(ISO22301) بعد تطبيقها كل المعايير الدولية في مجالي إدارة الأخطار واستمرارية الأعمال.

يعتبر ميناء جدة الإسلامي أكبر ميناء على مستوى المملكة في مناولة البضائع والحاويات حيث تَرد عبره 57 في المئة من أحجام التجارة البحرية والمسافنة الواردة عبر الموانئ.

ذراع النمو الاقتصادي

ويعمل قطاع النقل البحري على دعم النمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية بشكل حيوي. على سبيل المثل تواصل "موانئ" دورها المحوري والاستثنائي الذي تضطلع به من خلال المساهمة في دعم عجلة النمو الاقتصادي وتنمية الصادرات والواردات الوطنية وعائدات الدولة غير النفطية، فضلا عن دورها في تطوير الأعمال التجارية الإقليمية والدولية، التي تعتمد عليها المملكة العربية السعودية في استكمال خططها التنموية المتلاحقة، كونها العامل الرئيسي في عملية التبادل التجاري والصناعي بين المملكة ودول العالم.

ولأن النمو الاقتصادي في المنطقة والعالم ينعكس على نمو اقتصادات الدول، تعمل الموانئ السعودية على تحفيز هذا النمو وضمان سلاسل الإمداد. فميناء رأس تنورة (شرق السعودية) يصدر أكثر من 20 في المئة من مبيعات النفط في العالم، فيما ترتبط الخدمات الملاحية المباشرة في موانئ المملكة بـ 112 ميناء عالميا، والخدمات غير المباشرة ترتبط بـ 250 ميناء عالميا.

AFP
رافعات وحاويات الشحن في رصيف التحميل في ميناء جدة الإسلامي على الساحل الغربي للبحر الأحمر بالمملكة العربية السعودية، في 1 مارس 2022.

ويعتبر ميناء جدة الإسلامي أكبر ميناء على مستوى المملكة في مناولة البضائع والحاويات حيث تَرد عبره 57 في المئة من أحجام التجارة البحرية والمسافنة الواردة عبر الموانئ، فيما يعدّ ميناء الجبيل الصناعي أكبر ميناء صناعي متخصص في العالم لتصدير المنتجات البتروكيميائية والمشتقات النفطية والمواد الصلبة وتصل طاقته الاستيعابية إلى 63 مليون طن.

يشار إلى أن السعودية كانت أطلقت في ضوء "رؤية 2030"، الاستراتيجيا الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، التي تسعى إلى تقديم الرؤية والتوجّه الاستراتيجي للقطاع لتطوير استراتيجيات أنماط النقل والخدمات اللوجستية، وتوفير حوكمة فعّالة ما بين هذه الأنماط لتسهيل الربط والتفاعل في ما بينها، وذلك لتحقيق الطموحات العالية لهذا القطاع الحيوي، من خلال تحديد المبادرات ذات الأهمّية وتمويلها، بالإضافة إلى تحقيق طموحات رؤية المملكة 2030.

وتمّ الأخذ بأبرز المتغيرات والمستجدات التي دفعت الاستراتيجيا إلى تحديث خططها وتوجهاتها. أول هذه الدوافع هو التسارُع التقني في المجالات كافة، خصوصا في ما يتعلق بمستقبل النقل والتنقل والخدمات اللوجستية، والدافع الثاني هو المتغيرات الإقليمية، إذ أدت المنافسة الحادة إقليميا في القطاع إلى تجديد سقف الطموح وإلى تبوؤ المملكة مكانتها في قيادته إقليميا، وأمَّا الدافع الثالث والأخير فيتعلّق بالمتغيّرات الوطنية، إذ تمَّ اعتماد عدد من الاستراتيجيات الوطنية والمشاريع الكبرى ذات الطموحات العالية لتلبيتها وتمكينها.

وتقوم الاستراتيجيا على مجموعة من الركائز الداعمة والمحفّزة والطموحة، وهي: ترسيخ مكانة المملكة كمركز لوجستي عالمي، والارتقاء بجودة الحياة في المدن السعودية، وتحقيق توازن الموازنة العامة، وتحسين أداء الجهاز الحكومي.

font change

مقالات ذات صلة