طريق السودان محفوف بالمخاطر... منها عودة "البشير 2.0"

مخاطر الانزلاق نحو حرب قبلية فوضوية

طريق السودان محفوف بالمخاطر... منها عودة "البشير 2.0"

بينما كان الدبلوماسيون يحاولون ترتيب هدنة إنسانية في الخرطوم، دمّر القتال الذي بدأ يوم 15 أبريل/نيسان بين الفصائل القبلية، التي تَسلّم بعضها – أو سرق- أسلحة من ترسانة للشرطة، وسط الجنينة، عاصمة غرب دارفور.

انتهى الاسبوع الثاني من القتال بين القوات المسلحة السودانية وخصومها في "قوات الدعم السريع". وحتى الآن، لم يسر الصراع كما توقع الفصيلان، إذ استولت قوات الدعم السريع على بعض الأهداف المهمة في اليوم الأول للقتال لكنها لم تستطع توسيع مناطق سيطرتها بعد ذلك.

واستطاع الجيش إحراز بعض التقدم، ولكن، وعلى الرغم من تصريحات القادة الميدانيين بأن الحرب ستنتهي في غضون أيام قليلة، فإن هذا لم يحدث حتى الآن.

ولكن، سينتصر أحد الطرفين في مرحلة ما. فمن الواضح أن الجيش ينتصر ببطء، إلا أن خصمه ما زال يقاوم حتى الآن. ويعاني كلا الطرفين من نقاط ضعف، فقوات "الدعم السريع" اليوم جزء من المشروع الطموح لعائلة دقلو بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، حيث تعتمد قيادتها في الغالب على عدد قليل من الأفراد الذين تجمعهم روابط أسرية.

أما بالنسبة إلى القوات المسلحة السودانية، فهي تمتلك فصائل داخلية مؤسسة على مبادئ الولاءات الفردية والإقليمية والسياسية. بالإضافة إلى ذلك، لم تتخلص هذه القوات من علاقاتها بنظام البشير الإسلامي كليا. ولم يكن مفاجئا أن يكون قادة النظام السابق المسجونون في سجن كوبر، وقناة "الطيبة" الفضائية الإسلامية الرائدة من أهم مؤيدي الجيش، الذي يعتبرونه أفضل أمل لهم بالعودة إلى السلطة.

سينتصر أحد الطرفين في مرحلة ما. فمن الواضح أن الجيش ينتصر ببطء، إلا أن خصمه ما زال يقاوم حتى الآن

حرب قبلية فوضوية 

إن أسوأ ما يمكن حدوثه اليوم للسودان هو انزلاقه نحو حرب قبلية فوضوية كما حدث في الصومال أو في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي كانت بمثابة "حرب عالمية أفريقية".

وقد رأينا ما يمكن أن ينتج عن هذه الحرب من خلال نتائج القتال في الجنينة. فلعقود طويلة، كانت سياسة النظام في الخرطوم هي استخدام قبيلة أو مجموعة عرقية ضد أخرى في المناطق المهمشة في البلاد. وقام الجيش السوداني والمخابرات بتنفيذ السياسة ذاتها، الأمر الذي خلّف آثارا سلبية في وسط البلاد، أو كما يقول المثل العربي: "انقلب السحر على الساحر".

لكن ثاني أسوأ شيء يمكن أن يحدث للسودان هو عودة نظام البشير، أو كما هو مرجح، عودة نظام (البشير 2.0) بأسماء جديدة تتبع التوجهات القديمة ذاتها، التي، وعلى مدى أكثر من ثلاثين سنة، أفقرت ودمرت بلدا غنيا. إذ على الرغم من أن البشير حكم لمدة 29 سنة، إلا أن الأنظمة السابقة اتبعت بعض تلك السياسات أيضا.

يجب أن تكون عودة أي شيء مشابه لنظام البشير عن طريق الجيش السوداني خطا أحمر واضحا بالنسبة إلى المجتمع الدولي. فبمجرد انتهاء هذه الحرب- وأمنياتنا أن يكون ذلك قريبا- سيحتاج السودان إلى مساعدات طارئة وإنسانية وتنموية أكثر مما كان يحتاج قبل الحرب. إذ يفرّ كثير من أصحاب ألمع العقول السودانية وأكثرها موهبة هربا من الموت والدمار، ما يشكل خسارة كبيرة للبلد تماما كالدمار المادي.


وفي حين أن الوضع المثالي قد يشهد عودة السودان إلى الديمقراطية لأول مرة منذ عقود، وهو هدف متوسط إلى طويل الأمد يجب العمل من أجله، إلا أن المهمة العاجلة اليوم قد تكون أكثر تشاؤمية وواقعية. إذ يجب التأكد من تلبية الطرف المنتصر في النزاع لتطلعات محددة، شرط عدم تفكك الطرفين وانقسامهما إلى فصائل متعددة مما يسهم في استمرار الحرب.

Getty Images
الرئيس السابق عمر البشير يصل الى المحكمة في 21 يوليو 2020

ستشمل هذه التطلعات الاستمرار في محاكمة قادة النظام السابق (وإرسالهم إلى المحاكم الدولية في أقرب وقت ممكن)، بالإضافة للاستمرار في حظر حزب المؤتمر الوطني السابق– النسخة السودانية من جماعة الإخوان المسلمين- وأن تظل التغييرات القانونية الليبرالية التي أجراها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك سارية المفعول، وأن يستمر منع قادة حزب المؤتمر الوطني غير المسجونين من المشاركة في السياسات الانتخابية. وعموما، يحتاج الطرف المنتصر في (حرب الجنرالات) إلى معرفة أن الانزلاق نحو الإسلام السياسي أمر غير مقبول.

يجب أن تكون مثل هذه الأجندة المحددة والبسيطة مقبولة على نطاق واسع من قبل الدول المهتمة باستقرار الوضع في السودان والأكثر قدرة على مساعدته، مثل دول الغرب ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وهو الحد الأدنى من الشروط التي يجب أن تُنقش على الحجر. ونظرا إلى الضرر الذي سببه النظام الإسلامي السابق في السودان (إقليميا، وليس فقط بالنسبة إلى شعبه)، فإن هذه المطالب تبدو معقولة للغاية، وللمجتمع الدولي كل الحق في مطالبة حكام السودان بتنفيذها.

يجب أن تكون عودة أي شيء مشابه لنظام البشير عن طريق الجيش السوداني خطا أحمر واضحا بالنسبة إلى المجتمع الدولي

سيكون هناك رد فعل- رهيب ولكنه مفهوم- من قبل الجانب المنتصر، الذي سيدّعي الوطنية وكأن الدولة هي من انتصرت في هذه الحرب، أو أن السودان هو من انتصر. في الواقع، نحن نشهد منذ الآن محاولات دعائية كهذه من قبل كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. لكن الخطر هنا يكمن في امكان أن تُشعل غطرسة الطرف المنتصر المزيد من الصراعات حتى وإن هزم الطرف الآخر هزيمة نكراء.

Getty Images
سودانيون يتظاهرون ضد الحرب في لندن في 29 ابريل

ما زال السودان بحاجة لإجراء انتقال ديمقراطي مهم، إلا أن تحقيق هذا الأمر ما زال يحتاج سنوات عديدة. فليكن الله في عون أولئك الذين يعملون على تحقيق هذا الأمر وليساعدهم على تحقيقه بسرعة. 

 

لكن المهمة العاجلة ستكون إدارة هذا الانتقال من الوضع الحالي حتى الوصول إلى الشكل النهائي، أي من حرب الجنرالات إلى شيء آخر تماما. وسنسقط في الفخ فيما إذا تجاهلنا هذا التحدي القريب والمتوسط المدى وركزنا فقط على التحديات الفورية (المتمثلة في وقف الحرب ومساعدة أولئك الذين يعانون) والتي تعتبر أمرا ضروريا، أو التحديات المستقبلية (أي الانتقال الديمقراطي)، والتي تُعدّ أمرا مرغوبا فيه ومتوقعا من الشعب السوداني. 

* ألبرتو إم فرنانديز، ديبلوماسي أميركي سابق في السودان.

font change

مقالات ذات صلة