زيلينسكي في قمة جدة: جرأة دبلوماسية ازاء استقطاب دولي

استقلالية صانع القرار السعودي

SPA
SPA

زيلينسكي في قمة جدة: جرأة دبلوماسية ازاء استقطاب دولي

أحدثت دعوة الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى المشاركة في القمة العربية الثانية والثلاثين في جدة، مفاجأة كان لها صداها في عواصم القرار والمحافل الدولية.

وأظهرت هذه الخطوة في قمة جدة مدى الجرأة الدبلوماسية السعودية إزاء الاستقطاب العالمي الحاد، و القدرة على القيام بمبادرات متوازنة وهادفة، مما يؤكد على الدور السعودي المحوري في الشرق الاوسط والعالم.

وصل فولوديمير زيلينسكي إلى المملكة العربية السعودية قادماً من بولندا على متن طائرة رسمية تحمل شعار الجمهورية الفرنسية.

ومع ان الاوساط الفرنسية المعنية لم تشأ كشف التفاصيل عن إسهام باريس ومواكبتها لهذا الحدث، كان هناك ترحيب بصوت خافت في محيط قصر الاليزيه واشادة بهذا التوجه الذي ربطه البعض بقيام الدبلوماسية الفرنسية بدور مباشر في تحفيز مشاركة زيلينسكي " المهمة" في قمة مجموعة السبع في اليابان والتي وصل اليها على متن نفس الطائرة التي اقلته الى جدة .

أياً كان الدور الفرنسي في تسهيل مشاركة زيلينسكي في قمة جدة، رحبت الاوساط السياسية والاعلامية الفرنسية والاوروبية بهذه الخطوة واعتبرتها "ضربة دبلوماسية " ناجحة قام بها رئيس القمة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان .

أياً كان الدور الفرنسي في تسهيل مشاركة زيلينسكي في قمة جدة، رحبت الاوساط السياسية والاعلامية الفرنسية والاوروبية بهذه الخطوة واعتبرتها "ضربة دبلوماسية " ناجحة قام بها رئيس القمة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان

ووصف مصدر دبلوماسي اوروبي في بروكسيل ان هذه المبادرة في دعوة الرئيس الاوكراني تأتي تتمة للنهج السعودي في اعتماد  الحياد البراغماتي في الصراع بين أوكرانيا وروسيا، بالرغم من اختراق موسكو  في الشرق الأوسط، والتعاون السعودي - الروسي ضمن منظمة اوبك بلاس. 

والجدير بالذكر ان المملكة العربية السعودية قامت بالوساطة في سبتمبر 2022 بين موسكو وكييف بشأن تبادل عشرة من أسرى الحرب، وكان موقفها المحايد محط الانظار، اذ أيدت الرياض قرارات الأمم المتحدة التي أدانت  الغزو الروسي وضم الأراضي الأوكرانية، وقدمت اربعمائة مليون دولار بمثابة مساعدات انسانية الى كييف، لكنها قاومت في نفس الوقت  الضغط الأمريكي لزيادة إنتاج البترول  من أجل تقليص الإيرادات الروسية.

اقرأ أيضا: "رسائل عربية" من الأسد وزيلينسكي إلى الحلفاء... والأعداء

سياسة تصفير المشاكل

تندرج خطوة الامير محمد بن سلمان في سباق عمله من اجل تحييد المنطقة عن صراعات القوى الاقليمية والكبرى، وتأكيده في خطابه الافتتاحي عن عدم السماح بتحول المنطقة الى "منطقة صراعات ".

من هذه الزاوية ، تعتبر قمة جدة مختلفة عن سابقاتها لانها شهدت محاولة اعادة ترتيب للبيت العربي المشترك  مع عودة دمشق لملء مقعدها ونتيجة الاجواء الاقليمية الجديدة في "تصفير المشاكل" وعدم التحول الى مسرح صراعات الاخرين على حساب شعوب المنطقة وتنميتها وازدهارها. 

SPA
ولي عهد المملكة العربية السعودية رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان مستقبلا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي

 

تعتبر قمة جدة مختلفة عن سابقاتها لانها شهدت محاولة اعادة ترتيب للبيت العربي المشترك مع عودة دمشق لملء مقعدها ونتيجة الاجواء الاقليمية الجديدة في "تصفير المشاكل" وعدم التحول الى مسرح صراعات الاخرين على حساب شعوب المنطقة وتنميتها وازدهارها

من خلال اخذ القرار بشأن دعوة زيلينسكي او من خلال مسعى لم الشمل العربي بما في ذلك سوريا، كانت الرسالة واضحة بان القيادة السعودية الطامحة للعب دور ريادي عربي واقليمي تفكر قبل كل شيء وفقاً لمصالحها الخاصة، وانها تحاول ايجاد الاسلوب المناسب في التعامل مع باقي اللاعبين الاقليميين والدوليين. 

يعكس  تواجد العديد من اصدقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (وعلى رأسهم الرئيس بشار الاسد) في قاعة واحدة مع خصمه اللدود الرئيس الاوكراني زيلينسكي، وبدعوة سعودية، توجه الرياض نحو تطوير دورها في حل النزاعات ومواكبة  مجريات الاحداث البارزة الاقليمية والدولية.  

ومن الواضح ان التوجه السعودي حيال احتواء التوترات  وتسوية المشاكل او تنظيم الاختلافات، يهدف لبلورة قواعد "نظام المصلحة العربية المشتركة" الذي يبتعد عن الاستقطاب الدولي ويعتمد على التنمية والتعاون والاستثمارات واعادة بناء الدول الوطنية العربية. 

وفي الفترة الاخيرة، أفلحت الرياض في لعب دور دبلوماسي فاعل على الصعيد الاقليمي، مع إعادة العلاقات مع إيران، والعمل من أجل عودة  سوريا إلى جامعة الدول العربية، والتوسط في الصراع السوداني من خلال الجرأة الدبلوماسية المتمثلة في دعوة الرئيس الاوكراني والاهتمام بابرز قضية تشغل العالم، شكلت قمة جدة منعطفا برهن على اهمية العالم العربي على المسرح الدولي وعن استقلالية المملكة العربية السعودية ودورها الجديد.

font change

مقالات ذات صلة