"ما هي المرأة؟"... فيلم وثائقي يهز العالم

شاهده 170 مليونا خلال ساعات

"ما هي المرأة؟"... فيلم وثائقي يهز العالم

يبدو الصراع العالمي على القناعات، من أبرز ثيمات الحداثة وما بعدها، فامتد الجدل حول الأحداث والتحولات الإنسانية، بشكل لافت خلال العقود الماضية، بفعل العولمة والتدفق الهائل للثقافات، لمختلف أنحاء العالم.

كثيرة هي التحولات الطارئة على الذات الإنسانية، حتى صار من الممكن الخوض في تعريفات جديدة، لقناعات ثبتت مطولا داخل الصناديق، وإن كان خروج المعنى الجديد إلى السطح، بالطبع، يسهم في خلخلة النظام الاجتماعي العالمي ولوقت طويل.

وتعد صيحات التحول الجنسي، والعبور الجندري، بكافة الشوائب التي تحملها، مثار جدل في كافة المجتمعات المشبوكة بأسلاك العولمة.

ثمة أسئلة سهلة، ساذجة، لكنها صادمة، وتفتح المجال لحراك فكري لا يتوقف، كأن يسأل أحدهم الناس في الشوراع، والخبراء النفسيين، والأخصائيين الاجتماعيين: ما هي المرأة؟

إنه سؤال صادم، بالرغم من سطحيته، أو اعتيادية تركيبه، هذا ما قام به الإعلامي الأميركي "مات والش" خلال جولة قام بها، لكن هذا السؤال كان عربة أولى، في قطار كبير من النقاشات حول قضايا أخرى.

فقد كان السؤال مفتتحا تحايليا، من أجل الوصول إلى سرد قصصي مع المشاركين، سواء كانوا متحولين جنسيا، أو شهدوا وقائع كهذه، ممتدا بجولته إلى قبائل الماساي الإفريقية.

النتيجة فيلم وثائقي، يمتد لخمسة وتسعين دقيقة، يطرح من خلالها عدة قضايا، منها مهاجمة السرد الجندري الحداثي، وانتشار فكرة التحول الجنسي بين الشباب والأطفال، فقط لأن الطابع السياسي للعولمة يدعم تلك الفكرة، فكان محور الحوارات التي قام بها والش، يذهب إلى تقديم رؤية تفكيكية للطريق الذي اتخذه الإنسان الحديث.

يطرح الفيلم عدة قضايا، منها مهاجمة السرد الجندري الحداثي، وانتشار فكرة التحول الجنسي بين الشباب والأطفال، فقط لأن الطابع السياسي للعولمة يدعم تلك الفكرة

بعثرة المرتّب

المفاتيح التي يحملها الفيلم، بشأن تعريف المرأة، تدور في دوامات لا تتوقف عن الاتساع، فهل المرأة وعاء خصوبة وإنجاب؟ أم أنها جسد للمتعة الجنسية؟ أم هي مركز لاهتمام العولمة وتفاصيلها الإعلانية؟ أم هي المربية؟ فجميع الذين تعرضوا للسؤال، لم يجدوا تعريفا واضحا للمرأة، كونها لا تملك تعريفا، لكنها تملك جوهرا، يجب البناء عليه.

ويتمكن والش في فيلمه من إعادة بعثرة المرتّب، من خلال تساؤلات حول هوية المرأة المتحولة جنسيا، فهل النساء المتحولات جنسيا نساء حقيقيات؟ وهل عاد علم الأحياء مهما في زمننا هذا؟

وخلال جولته هذه، والتي تحمل الطابع الكوميدي معظم الوقت، يتمكن والش من حفر حفرة في الصورة، من خلال تسليط العيون على سياسات ممنهجة، بالتركيز على التحول الجندري للمرأة والطفل في المجتمعات، كاشفا عن لعبة كبيرة تدور في هذا الإطار، من أجل توجيه المجتمع البشري نحو شيء لا أخلاقي، أو لربما صورة جديدة للعالم بعدد أقل من البشر.

 

ولد وبنت

في البدء يظهر الفيلم مشهد طفلين توأمين، يحتفلان بعيد ميلادهما، وتكون هدية الولد كرة قدم وبندقية، فيما هدية البنت طاقم شاي وتاج ملون. وأثناء لعب الطفلين خلال الحفلة، يتساءل والش: ما الفارق بين الولد والبنت؟ ثم يستدرك: إن جعل ابني سعيدا، يختلف عن جعل ابنتي سعيدة. ومن ثم ينتقد أولئك الذين يقولون إن الولد كالبنت، لا فارق بينهما، ويصفهم بالأغبياء، ويقول: "أحب أن أفهم الأشياء، لكن فهم الإناث، أمر مختلف تماما".

ينطلق والش إلى الشارع، يسأل امرأة متحولة جنسيا، ما هي المرأة، هل من حقيقة، لكن المرأة لا تجد إجابة، وتقول: "أعرف أنني امرأة، لكنني لا أجد إجابة عن سؤالك".

ويسأل والش العديد من الأطباء النفسيين، وأطباء التحول الجنسي، حول هوية المرأة، وهوية الإنسان، جميع الإجابات تبدو مرتبكة حول النوع والجنس، ولا أحد يقدم الحقيقة المطلقة، لكن الحوارات تكشف عن أن معظم الذين يخضعون لعمليات التحول الجنسي، يتحولون إلى انتحاريين بعد عدة سنوات، فجميعهم يقع ضحية للمشاكل الصحية المترتبة.

كما يكشف الفيلم عن أن 67% من العمليات المجراة للأطفال المتحولين، تترك آثارا شديدة الخطورة، فيما تكمن الفضيحة في جني المؤسسات الصحية الأميركية، الأموال الطائلة من إجراء مثل هذه العمليات، ما بين أجرة الأطباء، وأثمان الأدوية.

صانع الفيلم مات والش في حدث أقيم في دالاس، تاكسس 2022.

قصص ذاتية

لقد كان سؤال "?what is woman" (ما هي المرأة)، المحفز الذي اعتمده "والش"، لمفاجأة الأشخاص المشاركين بأسئلة لاحقة، حول العبورالجندري، ومن ثم سماع قصصهم الذاتية، ليكشف عن كارثة متعلقة بتشجيع التحول الجنسي للأطفال، وتسهيل حصولهم على الهرمونات اللازمة لذلك، وإعطاء الموافقات على عمليات التحول، في أوقات غير منطقية من حياة الطفل، يكون فيها فاقدا الأهلية للتفكير بشكل سليم في قضية تحدد مصير حياته فيما بعد.

كما يظهر الحوار داخل الفيلم، تلميحات من والش حول فساد الدراسات العلمية الصادرة في إطار التحول الجنسي، وأن هنالك بيانات موضوعة، تبالغ في تصدير الظاهرة، من أجل زجها وكأنها مكون اعتيادي من مكونات المجتمعات، بحيث يصبح اسم "ترانس" اسما مألوفا في وعي الأطفال.

تشويه الجسد

أحد المشاركين، ويدعى "ترانس مان سكوت"، يتساءل بعد استرسال في الحوار، عن جدوى التحول الجنسي للأطفال، مبرزا أن هذه سن غير قانونية، تتطلب عمليات صعبة، وأدوية تغرق الجسد في الفوضى، ويستغرب، من المسؤول عن هذا؟

في النقاشات المتعدّدة، يظهر مدى الظلم الذي يتعرض له الأطفال جراء تلك العمليات، التي تتسبب بتشويه الجسد والذات، كما تتناول جراحات الأعضاء التناسلية للأطفال، وجراحات بتر الثدي، تبعا لأسباب نفسية، يعاني منها المراهقون.

يجيب الطبيب جوردان بيترسون والش أنه لا يوجد شيء اسمه "معالج تأكيد النوع الاجتماعي". يقول عالم النفس الإكلينيكي: "ليس من شأنك تأكيد مشاعر المريض، وميوله". يتابع بيترسون: "هذا ختم مطاطي".

ويكمل: "الجنس البيولوجي ثنائي، وكان دائما ثنائيا. ويضيف أن الجنس مصطلح غامض ولا يمكن قياسه. وبالتالي، عندما يتحدث الناس عن الجنس، فإنهم في الواقع يتحدثون عن المزاج والشخصية".

ويستدرك الطبيب: "يمكن أن يكون للمرأة مزاج ذكوري، على سبيل المثال، أو العكس، هذا لا يعني أن يقوم الأطباء بقطع أجسادهم".

في النقاشات المتعدّدة، يظهر مدى الظلم الذي يتعرض له الأطفال جراء تلك العمليات، التي تتسبب بتشويه الجسد والذات، كما تتناول جراحات الأعضاء التناسلية للأطفال، وجراحات بتر الثدي، تبعا لأسباب نفسية، يعاني منها المراهقون


العودة للطبيعة

أما المشاركون من قبائل الماساي الإفريقية، فإنهم يبدون ضحكات ساخرة عندما يُسألون: هل من الممكن أن يتحول الرجل إلى امرأة؟ أو العكس، هذه الإجابة هي الطريقة التي عرضها الفيلم، وتابع بعض الأشخاص من القبيلة القول إن هذا الأمر إن حدث، فهنالك إشكالية كبيرة. وفي هذا الطرح يتبين هدف والش،  بتقديم رؤية بقاء الانسان ملاصقا للطبيعة، وتمسكه بقناعته حول الهوية الجنسية الذاتية، التي يحاول الأطباء المختصون في هذا الإطار التلاعب بها، عبر إنشاء مجتمع من الأطفال، يكرسون حياتهم للفكرة. 

إن تلك الرؤية التي يطرحها الفيلم، تكشف عن الاستبداد السياسي الذي يطاول مجموعات مختلفة من الأطفال والنساء، ويورطهم في تشخيصات لا عقلانية، وما يلحقها من تشويش فكري، من قبل أطباء متنفعين ماديا ضمن أيديولوجية التحول الجنسي.

كما يطرح الفيلم صورة أخلاقية، قابلة للتأمل والنقاش، حول مصير العالم، بعد رواج قناعات التحول الجنسي، ويغرف بقوة داخل تلك الموجات، من خلال التوغل في أعماق الأشخاص الذين خضعوا للتجربة القاسية مع التحول، وإظهار حجم المعاناة التي يلقونها نتيجة القسوة في التعامل من قبل الأطباء، وكذلك نتيجة لفشل العمليات في الكثير من الأحيان.

فيما تظهر خلال الحوارات، الرؤية الدينية للموضوع، التي تحرّم هذا الفعل وتبغضه، وتصفه بالخارج عن المألوف البشري.

منصة وحيدة

لكن من الغريب أن يكون هذا الفيلم متاحا على منصة "The daily wire"، فقط، وأن تتخلى منصات عالمية أخرى عن عرضه، لأهداف سياسية، لأنه يسهم في تفكيك قناعات المجتمع البشري، التي تحمل في معظمها التعاطف في إطار التحول الجنسي. 

ثمة إثارة سردية بدت واضحة في تقديم الفيلم على المنصة، مثلما يفعل الروائي في بدء روايته، فيتم وضع جملة تعريفية: الفيلم الوثائقي الذي لا يريدونك أن تشاهده، وذلك لرفع مستوى الفضول.

هذا الفيلم، من إخراج جاستن فولك، بطولة والاش وجوردن بيترسن، إنتاج شركة "ذا دايلي واير"، بمجرد وضعه على منصة تويتر حقق عددا مهولا من المشاهدات والتفاعلات، إذ وصل عدد المشاهدين إلى ما يقارب 170 مليون مشاهد. ولقد أثار المحتوى اهتمام رجل الأعمال الكندي الأميركي ومالك تويتر إيلون ماسك الذي كتب تغريدة يقول فيها إنه يجب على الآباء والأمهات مشاهدة هذا الفيلم.

font change