"الإدارة الذاتية" شرق سوريا... فرص النجاح والتحديات

بين عزل سوريا عربيا وعودتها طرأ الكثير على المشهد في سوريا والشرق الأوسط

Majalla/Shutterstock
Majalla/Shutterstock

"الإدارة الذاتية" شرق سوريا... فرص النجاح والتحديات

قدمت "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا، مبادرة للحل تزامنت والذكرى الـ75 للاستقلال، تؤكد قبل أي شيء حاجة سوريا للاستقلال الثاني، وبأن البنود التسعة التي تألفت منها "مبادرة الإدارة الذاتية" هي مفاصل أساسية للحل السوري ودعوة صريحة لإنهاء الأزمة ومحاولة مهمة في إنهاء حالة الانسداد الكلي للعملية السياسية السورية.

وبعد إحدى عشرة سنة من خطوة تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، يمكن القول إنها لم تنصف سوريا. في نظر كثيرين أسهمت هذه الخطوة في فتح صندوق باندورا على شعب سوريا الذي وجد نفسه أمام تدخل إقليمي ودولي كبيرين، مما أكسب مطلب التغيير المحقّ الذي نادى به شعب سوريا منتصف مارس/آذار 2011 من القنيطرة وحوران وصولا للقامشلي، الكثير من التعقيد، لدرجة بات ينظر إليه بوصفه مطلبا يحتاج كثيرا من التوازنات. مرة بسبب أن هذه الخطوة صبت في صالح تعويم ما سمي وقتها "المجلس الوطني السوري" الذي تحول إلى "الائتلاف"؛ والذي سُمِح له بشغل مقعد سوريا في القمة العربية في الدوحة في 2013.

أما الائتلاف بكل مكوناته السياسية وبغالبية شخوصه والدعم المقدم له فإنه لم يمتلك القدرة على الحل والمبادرة وإنما وجده كثيرون في ضفة غير سوريّة.

عند القول بأن تلك الخطوة لم تكن منصفة فإنه لا يعني بالضرورة أن خطوة استئناف العضوية الآن تعني إصرارا عربيا على تعويم السلطة السورية بصيغتها شديدة المركزية غير المناسبة لطبيعة التنوع السوري، أو أنها خطوة تأتي على حساب تطلعات شعب سوريا في التغيير.

طرأ بين خطوة عزل سوريا واستئناف العضوية في الجامعة العربية الكثير من التطورات على المشهد السوري. دون أن نغفل أن تأسيس "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" جاء عشية انعقاد مؤتمر جنيف الأول في 30 يونيو/حزيران 2012

إننا نجد هذه المبادرة محاولة جادة لإغلاق باب التدخل ورفع الحائط عاليا أمام أي رؤية تضع سوريا ضمن مخططاتها التوسعية. وربما كان تصريح سليمان صويلو وزير الداخلية التركية بأن حلب ضمن ميثاقه الملي، وأنهم لا ينظرون إلى سوريا إلّا ضمن هذا المنظور؛ في غاية التحدي لهذه المبادرة.

وقد طرأ بين خطوة العزل واستئناف العضوية الكثير من التطورات على المشهد السوري. دون أن نغفل أن تأسيس "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" جاء عشية انعقاد مؤتمر جنيف الأول في 30 يونيو/حزيران 2012. ولحق ذلك عقد أكثر من عشر "جنيفات" وقرابة الضعف لمسار آستانة دون أن يستطيع كلا المسارين تحقيق الاختراق المأمول في الأزمة السورية. واللحظة السورية الراهنة التي يرى فيها السوريون أن سوريا منقسمة إلى ثلاث أو أربع (سوريّات) فإن تأسيس "الإدارة الذاتية" ومستقبلها له أسباب ذاتية وموضوعية تؤكد أن تأسيسها كان صحيحا بسبب مساهمته في الحفاظ على المكونات السورية الإثنية القومية والدينية الطائفية في هذا الجزء المهم من الجغرافيا السورية؛ وبأن "الإدارة الذاتية" مثّلت معادلة الحل السوري مرتين: الأولى في تصدي قواتها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تلقت الدعم من التحالف الدولي العربي بقيادة أميركا ضد الإرهاب، ما أدى إلى القضاء على "دولة داعش" المزعومة، كأخطر ظاهرة هددت البشرية بعد الحرب العالمية الثانية، ودون أن نغفل هنا أن خطر "داعش" ما زال موجودا ومؤثرا ويحتاج أيضا إلى جهود وطنية سورية لتجفيف مصادر دعم "داعش" المادية والمالية والفكرية؛ وهنا بيت القصيد.

 خطر "داعش" ما زال موجودا ومؤثرا ويحتاج أيضا إلى جهود وطنية سورية لتجفيف مصادر دعم "داعش" المادية والمالية والفكرية؛ وهنا بيت القصيد

كما مثلت "الإدارة الذاتية" معادلة الحل السوري مرة أخرى، في أنها نموذج فعال لتحقيق التغيير الديمقراطي، وأفضل ترجمة لمسألتين متداخلتين: مطلب شعب سوريا الذي نادى بالتغيير، وفي الوقت نفسه كترجمة مهمة ومتقدمة للقرار الدولي 2254 للعام 2015 الذي يؤسس لسوريا كدولة لامركزية ديمقراطية وغير طائفية.

وهنا يجب التنويه إلى أن "الإدارة الذاتية" تؤكد أنها منفتحة على التغيــير والتطوير والتعديل نحو الأفضل بما يحقق أقوى حــــالات المجتمعية والبعد الوطني الســـوري وترى أن تفضي الحـــــوارات السورية والعملية الســياسية في جانب منها بالــنظر إلى الإدارة الـذاتية كجزء من النظـام الإداري العام الذي يؤدي إلى دورة متكامـلة لتحقيق حالات متقدمة من المشــاركة عبر ســلطة المناطق ضمن نظام لامركزي يقر بصلاحيات الحــــكومة المركزية المعهودة والمتعارف عليها في القانون الدولي ذي الصلة، وبصلاحيات فعلية للإدارة الذاتية وبصلاحيات مشتركة بينهما.

وإذا ما حدث هذا وبدور للجامعة العربية وبمباركة منها، فيعني أن مطلب ورؤية الإدارة الذاتية، وحزبنا (حزب الاتحاد الديمقراطي) قد تحقق؛ نعني بالحرص الذي أبديناه منذ البداية الأولى للأزمة السورية أنه يجب عدم إغفال أن سوريا جزء من محيطها العربي والإقليمي، وخطواتنا العملية وتحذيرنا من أي تدخل واحتلال.

أن تكون الإدارة الذاتية جزءا من النظام الإداري السوري العام فهو الشيء المأمول بالنسبة لقوات الإدارة (قوات سوريا الديمقراطية) التي تنظر لنفسها كجزء من مؤسسة الجيش السوري عند الحل. وأن تتسم هذه الجزئية ببعض الخصوصية ضمن رؤى وصيغ يتم الاتفاق عليها بين المعنيين، فإن ذلك قبل أي شيء يعني تحصين الوظيفة الوطنية لمؤسسة الجيش في حماية الكل السوري وسيادة سوريا وسلامة ترابها وإنهاء الاحتلال التركي لمناطق في شمالها، وإنهاء كل وجود أجنبي على الجغرافيا السورية.

وبالأساس فإن مبادرة الإدارة الذاتية للحل السوري التي تزامنت والذكرى الـ75 للاستقلال تؤكد قبل أي شيء حاجة سوريا للاستقلال الثاني.

font change

مقالات ذات صلة