مآلات عودة سوريا... إقليمياً ودولياً

مراحل تطور الموقف العربي وأسبابه منذ بدء الاحتجاجات في العام 2011 وصولا إلى قرار الجامعة العربية إعادة دمشق لعضويتها

أندريه كوجوكارو
أندريه كوجوكارو

مآلات عودة سوريا... إقليمياً ودولياً

كانت مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية في الرياض، تأكيدا لعودة سوريا إلى محيطها العربي الطبيعي. والآن يبدأ العمل الجاد لتحقيق الاستقرار في سوريا، وهي مسألة معقدة بسبب المصالح الإقليمية والدولية المتعارضة.

استغرقت رحلة خروج سوريا وعودتها إلى الجامعة العربية اثني عشر عاما، وهي فترة تمثل– للأسف– فشل جامعة الدول العربية في التعامل مع أزمة يواجهها أحد أعضائها. لذلك قد يكون من المناسب البحث في ملابسات وأسباب تعليق عضوية سوريا ثم إعادتها فيما بعد. ومن المهم أيضا خلال ذلك تسليط الضوء على كيفية تطور الموقف العربي.

ثلاث مراحل للموقف العربي

في المرحلة الأولى (مارس/آذار2011- فبراير/شباط 2012)، قادت الدول العربية الجهود الرامية إلى إنهاء الاقتتال والتوصل إلى تسوية سياسية.

بدأت المرحلة الثانية (مارس/آذار 2012- 2018) بتعيين الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان مبعوثا مشتركا لكل من الأمم المتحدة والجامعة العربية في مارس/آذار 2012. وتجلّت هذه المرحلة بتخلّي العرب عن المبادرة وتركها إلى الأمم المتحدة و"مجموعة أصدقاء سوريا" (FSG)، و"المجموعة الدولية لدعم سوريا" (ISSG)، ومنصة آستانة.

أما المرحلة الثالثة، فقد بدأت ظاهريا عام 2018، عندما قام وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم بزيارة سلطنة عُمان. ولكن كان قد سبق ذلك مؤشرات على أن إعادة تقييم العلاقات مع الحكومة السورية كانت تجري بالفعل في عواصم عربية بدءا من العام 2015.

استغرقت رحلة خروج سوريا وعودتها إلى الجامعة العربية اثني عشر عاما، وهي فترة تمثل– للأسف– فشل جامعة الدول العربية في التعامل مع أزمة يواجهها أحد أعضائها

خلال المرحلة الأولى، التي تزامنت مع ذروة "الربيع العربي"، بادرت الدول العربية بالدفع في اتجاه وقف إطلاق النار والتسوية السياسية. وجاء التدخل الأول لجامعة الدول العربية في أغسطس/آب 2011، أي بعد ستة أشهر تقريبا من اندلاع الأزمة، عندما تبنت "المبادرة العربية" ووضعت خطة عمل لتنفيذها. ودعت المبادرة، من بين أمور أخرى، إلى إيفاد الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى دمشق، ووقف إطلاق النار، وإجراء اتصالات بين الحكومة والمعارضة، ومطالبة حزب البعث بالتخلي عن دوره القيادي وتشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية للتحضير للانتخابات.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، زار وفد وزاري دمشق لمتابعة تنفيذ خطة العمل. مع عدم وجود رد فعل إيجابي من الحكومة السورية تجاه جهود جامعة الدول العربية، تم اعتماد قرار "تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة" في 12 نوفمبر/تشرين الثاني. ورغم قرار التعليق، استمرت الاتصالات بين مختلف العواصم العربية ودمشق، وتمخضت عن النجاح في إقناع الأخيرة بقبول مراقبين عرب لمتابعة تنفيذ خطة العمل.

أندريه كوجوكارو

 وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، طلب مجلس جامعة الدول العربية من الأمين العام للجامعة "نشر بعثة المراقبة في سوريا من أجل تنفيذ ولايتها بموجب بروتوكول إنشاء ونشر بعثة في سوريا تضم خبراء مدنيين وعسكريين من الدول العربية ومنظمات حقوق الإنسان العربية غير الحكومية فور التوقيع عليها". ثم بعد بضعة أيام في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، فرضت الجامعة عقوبات على سوريا. وعلى الرغم من هذا القرار، فقد وقعت الحكومة السورية على البروتوكول يوم 19 ديسمبر/كانون الأول. وفي 20 ديسمبر، تم تعيين اللواء محمد الدابي من السودان رئيسا لبعثة المراقبة، الذي وصل دمشق في 24 ديسمبر وانضم إليه باقي أعضاء البعثة بعد أيام قليلة. غير أن المراقبين لم يوجدوا في سوريا سوى مدة لم تتجاوز الخمسة أسابيع وتم سحبهم بشكلٍ مفاجئ، الأمر الذي أكده لاحقا قرار مجلس الجامعة العربية في 12 فبراير/شباط 2012. وبذلك انتهى أى دور مستقل للجامعة وتم نقل إدارة الأزمة السورية إلى الأمم المتحدة. ولا شك أن التسلسل والإيقاع السريع للتطورات، لا سيما الدوافع والظروف المحيطة بقرار الانسحاب المفاجئ للمراقبين، مسألة مثيرة للجدل وما زالت تخضع لتفسيرات متباينة ولذلك تحتاج إلى مراجعة وتمحيص للتوصل إلى حقيقة الأمر. ولكن مما لا شك فيه أن اللواء الدابي لم يوصِ بإنهاء مهمة المراقبين.

وخلال هذه الفترة، اتخذت الدول العربية مواقف متباينة تجاه التطورات في سوريا، فمنها من كانت ترغب في ركوب تيار "الربيع العربي" من أجل التغيير السياسي، ومنها من كانت ترى في سوريا ساحة معركة أساسية لمواجهة طموحات الهيمنة الإيرانية في العالم العربي، ولكن كانت هناك دول أخرى ترى أن إطالة الصراع ستؤدي إلى نتيجة معاكسة، أي زيادة ترسيخ النفوذ الإيراني في سوريا. ولا شكّ أن الرأي الأخير ظلّ الأضعف حتى عام 2018، حين بدأ يكتسب ثقلا، إلى أن أصبح يمثل الاتجاه الغالب.

باختصار، على الرغم من أن قرارات الجامعة العربية من المفترض أنها تعكس موقف الدول العربية، إلا أنه في الحقيقة لم يكن هناك موقف عربي موحد بشأن سوريا. تمثلت مظاهر هذا الالتباس في الأشكال المختلفة للتمثيل الدبلوماسي العربي في دمشق. فلم تغلق بعض الدول سفاراتها وحافظت على مستوى متباين من التمثيل؛ فالجزائر والعراق والسودان وفلسطين استمرت في الحفاظ على تمثيلها على مستوى السفراء. أما مصر فخفضت التمثيل إلى مستوى القائم بالأعمال، وذلك في الوقت الذي أغلقت سفاراتها كل من دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب وتونس. وقد أدى عدم وجود موقف عربي مشترك إلى شلل في الجهود العربية في العملية السياسية في سوريا.

تم اعتماد قرار "تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة" في 12 نوفمبر/تشرين الثاني. ورغم قرار التعليق، استمرت الاتصالات بين مختلف العواصم العربية ودمشق، وتمخضت عن النجاح في إقناع الأخيرة بقبول مراقبين عرب لمتابعة تنفيذ خطة العمل.


مبعوث مشترك

في المرحلة الثانية (2012-2018)، والتي بدأت في مارس/آذار 2012 عندما أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة منصب المبعوث المشترك للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسوريا، الذي أدى عمليا إلى إنهاء الدور العربي المستقل في سوريا، واكتفت الدول العربية بممارسة نشاطها من خلال مشاركتها في جهود الأمم المتحدة و"مجموعة أصدقاء سوريا"، و"المجموعة الدولية لدعم سوريا"، وكانت النتيجة امتناعها عن تقديم أي مقترحات بشكل فردي أو جماعي من أجل تسوية سياسية.

وخلال هذه المرحلة، ركز العرب على تقديم المساعدات الإنسانية، سواء بشكل ثنائي أو من خلال الأمم المتحدة، ودعم المعارضة السياسية في أشكالها المختلفة (المجلس الوطني السوري، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وهيئة التفاوض السورية)، ومباشرة انتقال سياسي على النحو الذي دعا إليه بيان جنيف لعام 2012 وقرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015. وذلك في الوقت الذي قامت فيه بعض الدول العربية بدعم بعض الجماعات المسلحة المعارضة، والتي قام مجلس الأمن فيما بعد بتصنيف بعض منها على أنها جماعات إرهابية.

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أنه عندما عيّن الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان مبعوثا مشتركا، عُيّن معه- بناء على ترشيح من جامعة الدول العربية- نائبه وزير خارجية فلسطين الأسبق ناصر القدوة. ولكن مع تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، لم تكن دمشق مستعدة للعمل مع القدوة، كما أن كون القدوة عضوا في حركة "فتح" وابن شقيقة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وكلاهما لم يكن لديه علاقات مع دمشق، زاد من رفض دمشق التعامل مع القدوة. ومما يؤسف له أن عدم استقبال القدوة من قبل الحكومة السورية طوال فترة عمله التي انتهت في فبراير/شباط 2014، كان من شأنه المزيد من انحسار دور الجامعة.

أندريه كوجوكارو
لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان في دمشق في 10 مارس 2012.

ومع استقالة كل من القدوة في فبراير/شباط 2014 والأخضر الإبراهيمي (الذي خلف عنان) بعد بضعة أشهر، أصرت دمشق على أنها لن تقبل مبعوثا مشتركا للأمم المتحدة والجامعة العربية، وأصرّت على أن يكون اسم منصب المبعوث "مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا"، ولكن على أن يكون نائبه مرشحا من جامعة الدول العربية ويحظى بقبول دمشق. وبناء على هذا الترتيب، تم تعييني نائبا للمبعوث الخاص في سبتمبر/أيلول 2014.

خلال شغلي لمنصبي الذي استمرّ حتى مارس/آذار 2019، فتحت لي الأبواب بشكل جيد في دمشق، حيث كان لي عدة لقاءات ثنائية مع وزير الخارجية وليد المعلم، غير أن محاوري الرئيس آنذاك كان نائب وزير الخارجية فيصل المقداد (وزير الخارجية الحالي)، كما تمكنت من إقامة شبكة واسعة من العلاقات على المستوى الحكومي وغير الحكومي.

وكان من الممكن أن يكون هذا بمثابة فرصة للبلدان العربية المهتمة بإعادة التواصل مع دمشق، ولكن للأسف لم تبدِ الأخيرة اهتماما. وكذلك لم تُبدِ دمشق اهتماما حقيقيا بمساعدة عملية الوساطة الأممية، لاقتناعها بأن هدف العملية كان تغيير النظام. ولو أن الدول العربية استفادت من الترحيب الذي تلقيته والعلاقات التي تمكنت من نسجها في دمشق لتأكيد الطابع المشترك للوساطة، لكان بإمكانها تقديم أفكار حول التسوية السياسية إلى مكتب المبعوث، ولكنها– مرة أخرى- اختارت أن لا تقوم بذلك.

مع مغادرتي في مارس/آذار 2019، وبسبب قلة الاهتمام من قبل الدول العربية بالوساطة الأممية، لم تتقدم الجامعة العربية بمرشح يخلفني ومن ثم قامت الأمم المتحدة بتعيين أعضاء من الأمانة العامة يحملون جنسيات عربية في منصب نائب المبعوث، الأمر الذي ألغى أية صبغة سياسية عن المنصب ومن ثم فقد مكتب المبعوث الخاص أي ارتباط مباشر مع الجامعة العربية.

لم تُبدِ دمشق اهتماما حقيقيا بمساعدة عملية الوساطة الأممية، لاقتناعها بأن هدف العملية كان تغيير النظام

 

أما خلال المرحلة الثالثة، فقد تم تمهيد الطريق لعودة سوريا إلى الساحة العربية، من خلال عملية تدريجية تأثرت بالتطورات الدولية والإقليمية وبدرجة أقل بتطور الوضع الميداني. ففي خلال هذه الفترة بدأت الحكومة السورية تدريجيا في السيطرة على معظم الأراضي. وفي نفس الوقت كانت تتم على قدم وساق عملية إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية، فانتهت مقاطعة قطر، وبدأ التقارب بين إيران وتركيا من جهة، والإمارات والسعودية من جهة أخرى، وذلك على خلفية تراجع الاهتمام الأميركي بالمنطقة.

عملية تدريجية

في يناير/كانون الثاني 2015، بدأ الموقف السعودي يتغير. وبينما ظلت مواجهة إيران هدفا رئيسا، فإن قضية تغيير النظام في دمشق بدأت تتراجع. فتواترت أنباء عن أن موسكو نجحت في ترتيب زيارة لمدير مجلس الأمن الوطني السوري علي مملوك إلى السعودية في يوليو/تموز 2015، كما تردد أن مملوك قام بزيارة القاهرة عدة مرات.

كما بدأت السعودية في إبداء اهتمام متزايد بالمعارضة السياسية السورية، التي كانت- حتى ذلك الحين- ممثلة بالمجلس الوطني السوري ثم بائتلاف قوى الثورة والمعارضة، خاضعة لنفوذ كل من قطر وتركيا. وكانت الخطوة الأولى التي اتخذتها الرياض في هذا الصدد، استضافة مؤتمر للمعارضة في ديسمبر/كانون الأول 2015 بهدف تشكيل وفد موحد للمشاركة في المحادثات السياسية السورية التي دعا إليها القرار 2254، وبالفعل وافق المؤتمر على تأسيس الهيئة العليا للمفاوضات ومقرها الرياض لتمثيل المعارضة في محادثات جنيف. غير أنه بتراجع فاعلية المعارضة مع الوقت، بدأت الرياض تفقد الاهتمام بدعمها.

في عام 2018 بدأت تتسارع وتيرة الاتصالات مع الدول العربية، حيث قام وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم بزيارة سلطنة عمان في مارس/آذار، وهى الأولى إلى دولة عربية منذ عام 2011.

رويترز
الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات يستقبل الأسد في أبوظبي.

وأعقب ذلك زيارة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد إلى دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وخلال تلك الفترة، شاركت وفود سورية رسمية وغير رسمية في لقاءات عربية في دول عربية مختلفة. كذلك لم تنقطع الاتصالات بين الأجهزة الأمنية السورية والعربية. كما حاولت الجزائر، بصفتها الدولة المضيفة للقمة العربية عام 2022، إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، إلا أن جهودها لم تنجح.

وفي غضون ذلك، قام الرئيس الأسد بزيارة أبوظبي في مارس/آذار 2022، في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ عام 2011، أعقبتها بعد عام زيارة رسمية.

لكن يبدو أن نقطة التحول في الموقف العربي حدثت في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في فبراير/شباط 2023. فكان وزير الخارجية الإماراتي أول مسؤول عربي يزور دمشق، ثم تبعه وزيرا خارجية الأردن أيمن الصفدي ومصر سامح شكري. كما قام وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في وقت لاحق بزيارة كل من القاهرة وعمان وجدة.

غيتي
لقاء وزير خارجية مصر سامح شكري مع نظيره السوري فيصل المقداد في القاهرة.

علاوة على ذلك، عُقدت ثلاثة اجتماعات في تتابع سريع، اثنان في جدة في أبريل/نيسان، وواحد في مايو/أيار في عمّان، جمعت وزير الخارجية السوري مع عدد من وزراء الخارجية العرب، ونتج عن الاجتماع الذي عُقد بين وزيري الخارجية السوري والسعودي في جدة يوم 12 أبريل/نيسان بيان سعودي- سوري مشترك حدد الأولويات المتفق عليها، وهي عودة اللاجئين والنازحين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين، ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، وضمان وحدة وسلامة الأراضي السورية، وذلك بالإضافة إلى إعادة العلاقات القنصلية بين البلدين.

وسرعان ما تبع ذلك اجتماع عُقد في عمّان يوم 1 مايو/أيار، اعتمد إعلانا يتضمن خارطة طريق لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، مع تحديد الأولوية للشؤون الإنسانية، ولا سيما في ما يتعلق باللاجئين والنازحين، وأمن الحدود، ومكافحة الإرهاب، ومساعدة الحكومة السورية على ممارسة سيادتها على كامل أراضيها، وبدء عملية إعادة الإعمار والعملية السياسية بناء على الاقتراح الأردني "خطوة مقابل خطوة"، نحو تنفيذ القرار 2254.

في عام 2018 بدأت تتسارع وتيرة الاتصالات مع الدول العربية، حيث قام وزير الخارجية السوري الراحل وليد المعلم بزيارة سلطنة عمان في مارس/آذار، وهى الأولى إلى دولة عربية منذ عام 2011.



ما بعد إلغاء التجميد

ومتابعةً للاجتماع، عقد اجتماع وزاري طارئ لجامعة الدول العربية في جدة يوم 7 مايو/أيار الماضي، اعتمد قرارا يؤكد إعلان عمّان ويلغي تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات جامعة الدول العربية، الأمر الذي يعني عمليا عودة سوريا إلى الجامعة والحضن العربي. وتوجت الجهود العربية في قمة جدة التي اعتمدت قرارا بتأكيد تفعيل الدور العربي في تحقيق التسوية في سوريا.

 

أندريه كوجوكارو

كما دعا القرار إلى اتخاذ خطوات عملية ومتدرجة نحو حل الأزمة بما يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها ويلبي طموحات شعبها ويخلصها من الإرهاب ويسهم في تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين ويفضي إلى خروج القوات الأجنبية غير الشرعية منها ومواصلة الخطوات التي تتيح إيصال المساعدات الإنسانية، ودعم استئناف أعمال اللجنة الدستورية في سياق الخطوات السياسية الهادفة إلى تحقيق المصالحة الوطنية. كما دعا القرار لجنة الاتصال العربية لمتابعة تنفيذ بيان عمان وفق منهجية "خطوة مقبل خطوة" وبما ينسجم مع القرار 2254.

والآن، بعد أن عادت سوريا إلى الحضن العربي، وتم تفعيل الدور العربي واتخاذ زمام المبادرة لإيجاد التسوية السياسية، فإن التحدي الذي سيواجهه العرب هو كيفية إقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى المسار الذي اختاروه لإيجاد التسوية السياسية في سوريا. ولكن العقبة الرئيسة ستكون، كيفية التعجيل ببدء عملية إعادة الإعمار، الأمر الذي يمكن البدء فيه من خلال تحديد وتعريف مروحة الأنشطة لإعادة الإعمار بدءا من تعزيز الاستقرار والتعافي المبكر وإعادة التأهيل، وربط ذلك بالإصلاحات السياسية والاقتصادية التي ستقوم بها الحكومة السورية.

أندريه كوجوكارو

ودون إعادة الإعمار، لن تكون هناك إمكانية للاستقرار في سوريا ولا فرصة لإنهاء التدخل العسكري الأجنبي. فالدول العربية، ولا سيما الخليجية، ستحتاج إلى إدارة هذا الوضع في ظل العقوبات المفروضة من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، خاصة أن من بين هذه العقوبات "قانون قيصر" الذي أقره الكونغرس الأميركي بفرض عقوبات مباشرة على الحكومة السورية وعقوبات ثانوية ضد أولئك الذين يتعاملون معها. ولكن حقيقة الأمر أن هناك بعض الدول العربية لديها قدر لا بأس به من النفوذ في واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى لإقناعها بإبداء المرونة اللازمة لبدء عملية إعادة إعمار سوريا.

الآن، بعد أن عادت سوريا إلى الحضن العربي، فإن التحدي الذي سيواجهه العرب هو كيفية إقناع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى المسار الذي اختاروه لإيجاد التسوية السياسية في سوريا

أخيرا، ونظرا لطبيعة الأزمة السورية التي تتقاطع فيها مظالم الشعب مع التدخلات الخارجية وتتجاذب فيها المصالح الإقليمية والدولية، فمن الأهمية الإسراع في تفعيل دور عربي نشط بإيجاد تسوية سياسية لتكون نقطة انطلاق نحو بلورة رؤية عربية مشتركة لنظام أمني إقليمي شامل ومتكامل يقوم على توازن مصالح جميع الأطراف الإقليمية، وهي عملية معقدة وطويلة الأمد، الأمر الذي يتطلب أن تبدأ الحكومات العربية في مشاورات حول تحديد التهديدات المشتركة ونوع البنية الأمنية التي من شأنها حماية مصالحها، بالإضافة إلى الاتفاق على كيفية التعاون في وضع آليات من شأنها تعزيز موقفهم التفاوضي تجاه الدول الإقليمية الأخرى لتكون في نهاية المطاف جزءا من هيكل الأمن الإقليمي.

font change

مقالات ذات صلة