سوريا تعود بجروحها... وتطلعاتها

صفحة عربية قد طويت في العلاقة مع دمشق

سوريا تعود بجروحها... وتطلعاتها

قرار الجامعة العربية إعادة سوريا إلى مقعدها ومؤسساتها بعد أكثر من عقد، وحضور الرئيس بشار الأسد القمة العربية في جدة يوم 19 مايو/أيار، ولقاؤه ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، خطوات كافية للتدليل على أن صفحة عربية قد طويت في العلاقة مع دمشق.

ليست الصفحة الأخيرة في الأزمة، بل إنها محطة مهمة ونقطة انعطاف. سوريا عادت إلى الاهتمام بعدما كانت في "الثلاجة" لعقد، وكان أهلها منسيين لسنوات. عادت بماضيها وآلامها وجروحها، بطموحاتها وتطلعاتها وأسئلتها الكثيرة. مخاوفها ومخاوف أهلها والآخرين منها.

طبيعي أن تكون سوريا قصة غلاف عدد يونيو/حزيران. هذا الشهر الذي شهد أحداثا سورية كثيرة، بينها "نكسة حزيران" في الخامس من يونيو/حزيران العام 1967، عندما احتلت إسرائيل الجولان السوري، أيضا وفاة الرئيس حافظ الأسد في العاشر منه، وانتقال الحكم إلى الرئيس بشار قبل 23 سنة.

سوريا لم تفارق اهتمامات وسائل الإعلام العربية والأجنبية منذ 2011، لكن مع عودتها العربية تستحق أن تكون قصة غلاف لمجلتنا. نقلب القضية من جوانبها. نجري مراجعة للدور العربي في العقد الأخير. محاولاته وخيباته وعثراته الماضية ورهاناته الحالية والآتية.

سوريا عادت إلى الاهتمام بعدما كانت في "الثلاجة" لعقد، وكان أهلها منسيين لسنوات


كان لا بد من التوقف عند ثلاثة أمور: قصة "الخط الأحمر" الذي وضعه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ثم تراجعه عن الخيار العسكري بعد هجوم "الكيماوي" في 2013. قصة صعود "داعش" في السنة اللاحقة وانتشاره على جانبي الحدود السورية- العربية، وانحساره، والمخاطر التي يشكلها. الدور التركي بدءا من "الخريطة" التي قدمها وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو للأسد صيف العام 2011، وانتهاء بالوجود العسكري في الشمال السوري، ومحاولات التقارب بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخارج من جولة انتخابية رابحة.

هذا عن الماضي. المستقبل أسئلته مختلفة. تعالج مجلتنا مآلاته. أولا، عودة اللاجئين من دول الجوار. وجودهم بات عبئا على الدول المضيفة. عودتهم مقلقة. ثانيا، الكبتاغون. ملف جديد ومرعب. بات أولوية لدول قريبة وبعيدة. ثالثا، وحدة سوريا ومصير القوات الأجنبية في شمالها الشرقي والغربي وقلبها... وحضنها. رابعا، العقوبات الأميركية والأوروبية تضع سقفا للتطبيع العربي. سيكون سياسيا ورمزيا دون رافعات اقتصادية. العنصر الأخير، كان مناسبة لتسليط الضوء على خسائر الخراب. ما كلفة الإعمار، هل إمكاناته متوفرة سورياً، هل الأموال موجودة عربياً؟

كان لا بد من التوقف عند: قصة "الخط الأحمر" الذي وضعه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما... قصة صعود "داعش" في السنة اللاحقة وانتشاره على جانبي الحدود السورية- العربية، وانحساره، والمخاطر التي يشكلها... الدور التركي بدءا من "خريطة" داود أوغلو، وانتهاء بالوجود العسكري في الشمال السوري، ومحاولات التقارب بين الأسد وأردوغان

لم تكن هذه هي الأسئلة الوحيدة. هناك سؤال كبير، يتعلق بالحل السياسي ومصير القرار الدولي 2254. حملتُ هذه الهواجس إلى المبعوث الأممي غير بيدرسون داخل مكتبه في جنيف. بين ما قاله، إن المبادرة العربية، و"مسار موسكو" الذي يضم روسيا وإيران وتركيا وسوريا، والجهود الأوروبية والأميركية، مسارات تشكل فرصة يجب عدم إضاعتها كما حصل مع المبادرات السابقة، وقد يكون مفتاح الحل في تفعيل مقاربة "خطوة مقابل خطوة". تبدأ ببناء الثقة وتنتهي بحل يرضي السوريين ويلبي مصالح الفاعلين الخارجيين. ومع تجدد الدور العربي، ننشر استعادة تاريخية لـ"الخيار السعودي" لدى آباء الاستقلال السوري بداية القرن الماضي.

تحديات عودة سوريا، على كثرتها وأهميتها، ليست الأسئلة الوحيدة التي تحاول مجلتنا الإجابة عنها. هناك أخرى ساخنة حاولنا الغوص فيها. ومع اقتراب الذكرى السنوية للانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان، أجريت مقابلة مع أحمد مسعود نجل القيادي البارز أحمد شاه مسعود وخليفته. لديه عتب على الدول التي تخلت عن "دعم" جبهته، تحذير من أن "طالبان" تبتز الغرب بـ"تنظيمات إرهابية"، وأمل بالاستماع إلى "صوت العقل" قبل فوات الأوان.

مع تجدد الدور العربي، ننشر استعادة تاريخية لـ"الخيار السعودي" لدى آباء الاستقلال السوري بداية القرن الماضي


في العدد أيضا، إطلالة دولية على بريطانيا التي باتت أنظارها تتجه إلى الانتخابات المقبلة، ووراثة "حزب العمال" لـ"حزب المحافظين"، فكانت مناسبة لرسم بروفايل رئيس الوزراء المقبل "العمالي" كير ستارمر، بالإضافة إلى استعراض المشروع المغربي لـ"إضاءة" بريطانيا عبر مياه المحيط.

في الثقافة، هناك منارات مضيئة. أول مغنية أوبرا سعودية سوسن البخيتي تتحدث لنا عن مشروعها ورؤيتها في كون الأوبرا مكونا أساسيا من "مشروع التحديث السعودي". ونعرض سيرة محزنة لمدينة طرابلس في التيه اللبناني، ونغوص في الرواية المغربية وننهل من الأدب العالمي ومخاوف الأديب المكسيكي خوان فيلورو من "اضطراب" التاريخ... والرواية.

في الصفحة الأخيرة، يقارن محمد الديري بين تجربته "الإنسانية" في الأمم المتحدة، و"السياسية" وزيرا لخارجية ليبيا في سنوات مضطربة.

font change