"إكسبو" الرياض: ثقافة سعودية مستقبلية بملامح كونية

بالتوازي مع رؤية 2030

AFP
AFP
خلال حفل الاستقبال الرسمي لترشيح الرياض لاستضافة "إكسبو 2030"، في 19 يونيو/ حزيران 2023.

"إكسبو" الرياض: ثقافة سعودية مستقبلية بملامح كونية

يقول الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، في رسالة الترشح الرسمية إلى المكتب الدولي للمعارض لاستضافة معرض "إكسبو 2030": "تمثل هذه الرؤية طموح المملكة للمستقبل، وهي رؤية اعتمدت على الطاقة اللامحدودة لشبابنا بهدف إيجاد مستقبل أكثر استدامة لمصلحة الأجيال القادمة، حيث ينهض جميع المواطنين بأحلامهم ويتجاوزون آمالهم ويتخطون طموحاتهم".

فالمشروع وفق ما حدّده الأمير محمد بن سلمان في كلمته قائم على "الطاقة اللامحدودة للشباب السعودي"، مما يدفع إلى الاستنتاج أن المقصود بالشباب ليس مجرد فئة عمرية أو مرحلة زمنية محددة، بل نسق عمل ونمط تفكير، يمكن أن يشمل كل من يؤمن به ويحرص على الدخول في عالمه ويسعى إلى تحقيق متطلباته التي تفترض التزام الشعار الجامع "معا نستشرف المستقبل".

راكمت السعودية تحقيق المستحيلات في شتى الميادين: في الثقافة، والأمن، والسياسة، والاقتصاد، والتطوير الاجتماعي، وكان حضورها في كل ميدان مرتبطا بإيجاد الحلول وفض النزاعات وإنهاء الصراعات ودعم التطوير والتنمية


تفجير الطاقات

ذلك المستقبل المنشود يفترض تفجير الطاقات ودفعها إلى تجاوز نفسها والنظر إلى المستحيل بوصفه ممكنا، انطلاقا من تجارب واقعية نجحت السعودية في مراكمتها عبر تجربتها التاريخية المديدة، ونرى أحد تجليات هذا النجاح في العاصمة الرياض التي تحولت خلال فترة قياسية، إذا ما قيست بعمر التطور العمراني والسكاني، إلى واحدة من أبرز المدن العالمية بعدد سكان يتجاوز الثمانية ملايين، يحتل الأجانب نسبة الثلث من عددهم الإجمالي. 

راكمت السعودية تحقيق المستحيلات في شتى الميادين: في الثقافة، والأمن، والسياسة، والاقتصاد، والتطوير الاجتماعي، وكان حضورها في كل ميدان مرتبطا بإيجاد الحلول وفض النزاعات وإنهاء الصراعات ودعم التطوير والتنمية في المحيط العربي، والحرص على وصل المنطقة بأكملها بسياقات عالمية.

مشروع استضافة معرض "إكسبو 2030" العالمي العريق في الرياض يشي بالتكامل بينه وبين بنية التطوير السعودية الشاملة ذات الطابع الكوني مثلما تجلت في رؤية السعودية 2030، ويكشف عن عمق البنية الثقافية السعودية وقدرتها على الإحاطة بمجموعة متكاملة من العناوين التي تشكل صلب تحديات عالمنا المعاصر، كما أن عرض آليات الحلول وطرق الافادة من الإمكانات السعودية ودمجها مع النشاط العالمي سعيا  لتحقيق الازدهار للجميع، يعطي زخما لمشاريع السلام وإنهاء الصراعات وتمكين التعاون.

Saudi Press Agency
وصول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمشاركة في استقبال المملكة الرسمي لترشيح الرياض لاستضافة معرض إكسبو 2030، في باريس، فرنسا، 19 يونيو/ حزيران 2023.

تكامل الرؤى

تطرح رؤية السعودية 2030 ثلاثة عناوين عريضة هي "مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح" وفي مشروع ترشيحها الرسمي لاستضافة معرض "إكسبو" العالمي في الرياض تطرح، إضافة الى العنوان الرئيسي "معا نستشرف المستقبل"، عناوين ثلاثة موازية هي "غد أفضل، العمل المناخي، الازدهار للجميع".

التكامل الواضح بين المشروعين يجعل منهما كتلة واحدة ناطقة باسم مشروع سعودي رائد ينطلق من المحلية ليشمل العالمية عبر طرح شامل متعدد الجوانب، شبكي العناوين، غزير الأطروحات واقتراحات الحلول، وشديد الوضوح في توجهاته ومنطق بنائه وخططه التنفيذية.

الإطار الجامع للمشروعين يتجلى في العناوين بحيث يظهر مشروع استضافة "إكسبو 2030" بوصفه تفسيرا أو تمثيلا ميدانيا للنتائج المتوقعة لرؤية السعودية 2030.

التطوير المتسارع الذي وظف إمكانات المجتمع وطاقاته، يشهد لتجربة فريدة في هذا المجال من تطوير القوانين والأنظمة والانفتاح والاستثمار في الطاقات الشابة في كل الميادين، ومحاربة جميع أنواع التطرف، والدفاع عن الاعتدال

مجتمع حيوي لغد أفضل

المجتمع الحيوي يقود حتما إلى غد أفضل، والاقتصاد المزدهر يفترض قطعا العمل على مواجهة مشاكل التغيّر المناخي، والوطن الطموح سيقود من دون أدنى شك إلى تحقيق الازدهار للجميع. 

سبق أن بادرت السعودية إلى السير في الإطار التنفيذي لكل هذه المشاريع عبر نشر ثقافة التطوير وتعميمها بحيث باتت ناطقة باسم الوطنية السعودية ومعبّرة عنها وتمثّل الصورة التي تفيض منها إلى العالم وتتكامل معه. التطوير المتسارع الذي وظف إمكانات المجتمع وطاقاته، يشهد لتجربة فريدة في هذا المجال من تطوير القوانين والأنظمة والانفتاح والاستثمار في الطاقات الشابة في كل الميادين، ومحاربة جميع أنواع التطرف، والدفاع عن الاعتدال وبناء خطاب يوازن بين الخصوصية والانفتاح على العالم.

كل ذلك أنتج مجتمعا حيويا ديناميكيا أتاح ظهور حشد كبير من الطاقات الكامنة في شتى الميادين فخرج إلى النور نتاج ثقافي وعلمي سعودي بارز وصار بمثابة جسر للحوار  مع العالم. لم تعد علامة التحديث تتطابق مع فكرة شائعة وبالية قائمة على الاستيراد وحسب، بمعنى استجلاب كل أنواع المنتجات بما فيها المنتجات الثقافية، بل كانت النقلة النوعية في هذا الصدد قائمة على التفاعل بين المنتج الثقافي المحلي الذي نما بصورة سريعة وبدا متماسكا وصلبا، وبين المنتجات العربية والعالمية.

ينطلق تمكين حيوية المجتمع من الإيمان بثقافة الفرصة والاهتمام بالصحة البدنية والنفسية والترفيه وتحسين أنماط العيش، وربط كل ذلك بخصوصية الدين الإسلامي الذي يحض على الإتقان كما ورد في الحديث الشريف الذي يقول "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه". حيوية المجتمع المنشودة قائمة على أسس صلبة ومسبقة كأحد أعمق الروافد الثقافية العميقة للمجتمع السعودي، باعتبارها أصلا ومرجعا للعمل.

Nash Weerasekera

يكتسب النشاط الهادف إلى اقامة أكبر متحف إسلامي في العالم الوارد في رؤية 2030 مداه العالمي أيضا في مشروع استضافة فعاليات "إكسبو 2030" حيث تشمل الفترة المقترحة للاستضافة التي تمتد من 1 أكتوبر/تشرين الأول 2030 إلى 31 مارس/آذار 2031 الاحتفال بشهر رمضان المبارك وعيد الفطر السعيد وعيد الميلاد ورأس السنة الميلادية ورأس السنة الصينية. تطمح السعودية من خلال "إكسبو 2030" إلى أن تعرض للعالم إسلاما عالميا عابرا للحدود متفاهما مع سائر الديانات والثقافات ومنسجما مع التكنولوجيا ومشاركا أساسيا في إنتاج الأفكار، ومصدرا لا غنى عنه للقيم المشتركة، يصدر عن مجتمع حيوي فعال ومنفتح، يحافظ على تقاليده وأخلاقياته ويروج لها بوصفها بنية ذات طابع خصوصي، لكنها قادرة في الوقت نفسه على أن تشكل جسرا بين مختلف الثقافات، فالأخلاق كما يحدّدها الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط "ليست مبدأ يعلمنا كيف نجعل أنفسنا سعداء، بل كيف نجعل أنفسنا جديرين بالسعادة".

ما يقوله مشروع المجتمع الحيوي السعودي الذي ينتج الغد الأفضل، يحمل في عمقه دعوة ليكون الناس والمجتمعات في كل مكان جديرين بالسعادة عبر المشاركة في صناعة ظروفها وخلق إطار عالمي تبذل من خلاله الدول جهودا متناسقة ومنسجمة لخلق سياسات اجتماعية وصحية أكثر إنسانية، تساهم في القضاء على الآفات التي تنخر المجتمعات، وتولّد العنف والتطرف والجريمة، وتنشر روح التخلف.

يقول الخطاب السعودي إن السعادة ليست فكرة مستحيلة بل خطة عمل معروضة بشكل اضح وسلس يبني على ما تحقق في فترة وجيزة، وما تطمح السعودية إلى تحقيقه في القريب العاجل كنماذج منجزة يثبت واقعية هذا الطرح وإمكان تحققه.

 

مواجهة التغيّر المناخي

في اللحظة التي ينحو فيها المنطق الاقتصادي السائد في العالم إلى التوحش والسعي إلى مراكمة الأرباح بمعزل عن الشروط الإنسانية أو على حسابها، تدافع السعودية عن توجّه مغاير ومعاكس وتطمح إلى بناء اقتصاد مزدهر ينطلق من تعزيز إنسانية الاقتصاد من خلال شبكة أهداف تطال في جوهرها العنصر البشري في إطار تفعيل طاقات البيئة، والافادة من خصوصية المكان، والعمل على مواجهة التغيّر المناخي.

تربط الخطة السعودية التعلم بالعمل، فاتحة بذلك المجال لتحويل التعليم إلى استثمار ناجح وطويل الأمد، كما تساهم فكرة دعم كل طبقات الإنتاج في الحضّ على الإقدام على تنفيذ المشاريع من دون امتلاك رساميل ضخمة.

شبكة الالتزامات التي تحاول من خلالها تحقيق الازدهار الاقتصادي، كثيفة ومتنوعة وتشمل الحدّ من البطالة، ومحاربة الفقر، ورفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتنويع الاقتصاد، وتوسيع القدرة الاستثمارية،  كما أن الأهداف التي تعد بتحقيقها في الرؤية عريضة وتتضمّن على سبيل المثل رفع حجم الاقتصاد إلى المراتب الـ 15  الأولى، ورفع نسبة الصادرات غير النفطية من 16 إلى 50 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

AFP
الجناح السعودي في اليوم الأخير من إكسبو 2020، في دبي، في 31 مارس/ آذار 2022.

في تقديم مشروع استضافة "إكسبو"، تطلق السعودية ربطا مع مشروع الازدهار الاقتصادي، أفكارها ومشاريعها الخاصة بحماية البيئة وتحسينها ومكافحة التغيّر المناخي ضمن خطة عمل واسعة تتضمّن العمل على خفض إنتاج ثاني أكسيد الكربون، وحماية التنوع البيولوجي، والاستثمار في الطاقة النظيفة، وتعد بتوظيف فعاليات المعرض العالمي للترويج للتقنيات التي تتضمنها رؤية 2030 والخاصة بهذا المجال، التي سيكون من ضمنها، وفقا للتخطيط القائم حاليا، إطلاق أكبر محطة إنتاج على مستوى العالم تستخدم طاقة الرياح والطاقة الشمسية لإنتاج الهيدروجين النظيف في عام 2026، وكانت السعودية قد أنشأت مبادرة الرياض الخضراء الهادفة إلى زيادة المساحات الخضراء المخصّصة للفرد، كما أطلقت المركز السعودي لكفاءة الطاقة ومركز الذكاء الاصطناعي للطاقة ودعمت سياسات تشجع التدوير وإعادة الاستخدام، والإصلاح البيولوجي، وصيانة النظم البيئية، وحوكمة المياه.

المناخ مرآة تعكس الازدهار الاقتصادي والعكس صحيح. ذلك كله يشير إلى ما يمكن أن نسميه خلق الوعي بامتلاك المكان والانتساب إليه. والمنطق الذي يحكم كل هذه المعادلات يعمل على تأكيد ملكية السعوديين للمكان السعودي وربط حياتهم واقتصادهم وازدهارهم الشخصي والعام بعملية التطوير التي تحدث فيه ومن خلاله، وبذلك تتحوّل عملية التطوير من فعل يتم إسقاطه من الخارج إلى نوع متطوّر من مشاريع النمو الذاتي بالنسبة لكل فرد.

نمو المكان بما يحمله من إمكانات في الاقتصاد والاستثمار في تحسين الظروف البيئية، وتفعيل سياسات مكافحة التغيير المناخي، يصبح نوعا من السيرة الذاتية المتصلة بسياسات الدولة، مما يعمّق مفهوم الدولة الراعية ويعززها، ويسمح بنشوء آلية عمل تقوم على إشاعة التناغم بين الناس والدولة والمكان. هكذا تكون رؤية 2030 ومشروع استضافة "إكسبو"، طموح دولة وشعب.

تطمح السعودية من خلال "إكسبو 2030" إلى أن تعرض للعالم إسلاما عالميا عابرا للحدود متفاهما مع سائر الديانات والثقافات ومنسجما مع التكنولوجيا ومشاركا أساسيا في إنتاج الأفكار، ومصدرا لا غنى عنه للقيم المشتركة


وطن طموح

تعتمد إستراتيجيا الوطن الطموح على نشر ثقافة الأداء وتعميمها على المجالات كافة بحيث تصبح الصيغة المعيارية التي تتحرّك من خلالها مفاهيم الشفافية، والحفاظ على الموارد الحيوية، والتفاعل مع الجميع، ودعم المرونة، وتتبلور خطط زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية، والوصول إلى المراكز الأولى في مؤشرات فاعلية الحكومة ومؤشر الحكومات الإلكترونية، والسعي إلى رفع نسبة مدّخرات الأسر ورفع مساهمات القطاع غير الربحي ودعم الثقافة التطوعية. 

يقود ذلك إلى تعزيز منطق الازدهار العام الذي يشمل الجميع كما تتوق السعودية للتعبير عنه في فعالية "إكسبو" سعيا لتحقيق حالة من التنمية المستدامة والمساواة في الفرص بغية الوصول إلى القضاء على الفقر والجوع، وتأمين الصحة والرفاه والتعليم للجميع، والمساواة بين الجنسين وعقد الشراكات.

وكان لافتا ذلك السعي الحثيث لخلق جو عالمي يعزز إستراتيجيات دعم المهاجرين واللاجئين وإدماجهم في إطار من التعاون الدولي، ويضيء على جهود المملكة الحثيثة في هذا المجال، إضافة إلى العمل على تقليل العزلة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد الفقيرة.

العالمية في الفكر السعودي لها مدخل أساسي يقوم على تعزيز الداخل الوطني وتمكينه حتى يصبح قادرا على تشكيل نموذج ديناميكي وفعال قادر على التواصل مع العالم وتبادل الخبرات معه عبر خلق مهارات وطنية يمكنها قيادة مشاريع التطوير. فيغدو الطموح في هذا المقام عنوانا للوطنية وشكلا من أشكال تأكيد المواطنة والانتماء، إذ يتشكل الوطن الطموح من الكتلة العامة لطموحات أبنائه الذين يدعوهم الأمير محمد بن سلمان إلى توسيعها وتجاوزها على الدوام، وإلى الإيمان بأنفسهم وبقدراتهم على قيادة رحلة الطيران نحو المستقبل.

تلك الحماسة التي تعمل على توكيد الذات من خلال الاندماج في الجهد الجماعي، تعود بالفائدة على الجميع وتجعل الكلّ شركاء يرتبطون بعضهم ببعض، إضافة الى الاشتراك في الجنسية والهوية، بشبكة مصالح كبرى وعريضة لا تطالهم في لحظتهم وحسب بل تقدّم وعودا بتحقيق مسار ازدهار متواصل ومستمر يطال الأجيال القادمة.

تدعو السعودية العالم إلى بناء إطار كوني يحقّق الازدهار للجميع انطلاقا من تجربتها ومن وحدة المصالح وتقدّم التعاون بديلا من الصراعات، ولعلّ روح الخطاب الذي يحكم منطق مشروع استضافة معرض "إكسبو 2030" تكمن في وضع كل سياقات التطوّر التقني الحالية وإمكاناته المستقبلية في خدمة إنتاج حلول للمشاكل التي يعاني منها العالم، والدعوة إلى التنافس في هذا المضمار، وليكن الأكثر مكانة هو الأكثر قدرة على تعميم الازدهار ونشره على امتداد مساحة المستقبل المنشود.

font change

مقالات ذات صلة