الإحصاء السكاني السعودي: حيوية شبابية وفرص اقتصادية

قاعدة انطلاق موثوقة لرسم السياسات ضمن "رؤية 2030"

ديانا استيفانيا روبيو
ديانا استيفانيا روبيو

الإحصاء السكاني السعودي: حيوية شبابية وفرص اقتصادية

حفلت المملكة العربية السعودية طوال النصف الأول من السنة بالكثير من الأحداث الاقتصادية والمبادرات الاستثمارية. التنوع الاقتصادي والانفتاح هو العنوان، وقاعدة الاقتصاد هي الأرقام، بناء على دقتها وشفافيتها تنهض الدول.

من هنا تأتي أهمية الاحصاء السكاني الذي نشرته أخيرا الهيئة العامة للإحصاء للسعودية، وهو يشكل أهمية استراتيجية في ترسيخ العلم والرقم كأساس للنهضة الاقتصادية الجديدة للبلاد، ويعتبر أحد النماذج الرائدة في التعداد السكاني الحديث، وُصف بأنه على درجة عالية جدا من الدقة تصل إلى 95 في المئة، الأمر الذي يؤكد حرص المملكة على تعزيز الشفافية والمهنية والانفتاح الاقتصادي العالمي الرصين، تحقيقا لأهداف رؤيتها 2030.

يتفق خبراء الديموغرافيا على أن إحصاء السكان هو منارة تعكس تقدم الدول وحضارتها، وتكمن أهميته في كونه اللُبنة الأساسية التي تبنى عليها بقية الاحصاءات والمؤشرات. منه تنطلق الأبحاث والهندسات لتقييم مختلف الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الوطنية ورسم الرؤية المستقبلية الواضحة والشاملة لواقع أي دولة.

يُنظر إلى الاحصاء السكاني عادة كمصدر رئيسي لبيانات النمو والازدهار. وتبني الوزارات والهيئات الرسمية ومراكز الدراسات والشركات توقعاتها على أساسه، لزيادة حجم القوة العاملة ورأس المال البشري الذي يعدّ مكوّنا رئيسا للنمو الاقتصادي والانتاج، ولما يعنيه من إدارة أفضل لموارد الدولة، واختيارها الأمثل للمشاريع ذات الأولوية لمواكبة النمو واحتياجات البلاد.

فما هي أبرز مؤشرات تعداد السعودية 2022 وكيف تمكنت المملكة من الارتقاء بمعاييرها الإحصائية في هذا المجال وما أهمية هذا الإنجاز في تعزيز الثقة العالمية بالمملكة؟

يشكل أهمية استراتيجية في ترسيخ العلم والرقم كأساس للنهضة الاقتصادية الجديدة للبلاد، ولتعزيز الشفافية والمهنية تحقيقا لأهداف رؤية 2030

تعتبر الأرقام والبيانات الخاصة بالتركيبة السكانية ركيزة أساسية في جلب الاستثمارات، وتطوير القطاعات الاقتصادية كافة، ورسم سياسات سوق العمل، كما أنها توفر مستوى عاليا من الشفافية، يساهم في تعزيز المؤشرات وتحقيق الأهداف التي تسعى إليها الدول، خصوصا إذا ما اتسمت هذه الأرقام والبيانات بالدقة العالية والمنهج السليم في جمعها وإعدادها.

اختارت المملكة العربية السعودية هذا المنحى في تعدادها السكاني الأخير سعيا إلى رفع جودة البيانات ودقتها من خلال تضافر الجهود بين مختلف الجهات الحكومية واستخدام التقنيات الحديثة وفق أعلى المعايير العالمية. وكانت الهيئة العامة للإحصاء في السعودية أعلنت في أواخر مايو/أيار الماضي النتائج الرئيسية لتعداد السعودية 2022 حيث بلغ عدد سكان المملكة 32,2 مليون نسمة، في خطوة جديدة تثبت عزم المملكة على المضي قدما في تحقيق أهداف رؤية 2030 في القطاعات كافة، وما يتطلبه ذلك من بيانات حديثة ودقيقة وشفافة.

تركيبة سكانية شابة

تتميز المملكة بتركيبتها السكانية الشابة، حيث بلغ متوسط عمر السكان بين سعوديين ووافدين 29 عاما، في مقابل 25 عاما للسعوديين، ووصلت نسبة السعوديين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما إلى 63 في المئة من عدد السعوديين الإجمالي. 
وأفادت نتائج التعداد أن عدد السعوديين بلغ 18,8 مليون نسمة، يشكلون 58,4 في المئة من السكان، بينما بلغ عدد غير السعوديين 13,4 مليون نسمة، أي ما نسبته 41,6 في المئة. وتشير الأرقام إلى أن عدد الذكور بلغ 19,7 مليون نسمة بنسبة 61 في المئة من السكان، في حين بلغ عدد الإناث 12,5 مليون نسمة بنسبة 39 في المئة، ومثَّل عدد السكان في المدن الرئيسية، الرياض، مكة المكرمة، والمنطقة الشرقية، ما نسبته 68 في المئة من عدد سكان المملكة الإجمالي، علما أن الرياض تعد أكبر المدن السعودية من حيث عدد السكان، تليها جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة والدمام.

وتطرق التعداد إلى عدد الأسر وتركيبتها، إذ بلغ عدد الأسر السعودية 4,2 ملايين أسرة، بمتوسط 4,8 أفراد للأسرة الواحدة، حيث تقاربت نسبة الذكور السعوديين عند 50,2 في المئة مع نسبة الإناث السعوديات عند 49,8 في المئة. فيما بلغ متوسط عدد أفراد الأسرة غير السعودية 2,7 أفراد، ووصلت نسبة الذكور إلى 76 في المئة من مجمل غير السعوديين في المملكة.

ديانا استيفانيا روبيو

تنعكس الشفافية والدقة في إعلان البيانات والأرقام الخاصة بالتركيبة السكانية إيجابا على تقييم الخبراء، كما لمسنا في البيان الختامي لخبراء صندوق النقد الدولي حول مشاورات المادة الرابعة للعام 2023، وجاء فيه أن السعودية هي أسرع اقتصادات مجموعة العشرين نموا في عام 2022، وأن معدلات البطالة بين السعوديين شهدت انخفاضا إلى أدنى مستوياتها التاريخية، في إشارة إلى فرص العمل التي جرى توفيرها تبعا للنمو الاقتصادي الذي حققته المملكة.  كما أشار البيان إلى ارتفاع معدل مشاركة المرأة في سوق العمل إلى نحو 36 في المئة في عام 2022، متجاوزا بذلك الهدف الذي وضعته رؤية السعودية 2030.

تكمن أهمية نتائج تعداد السعودية 2022 وفقا لوزير الاقتصاد والتخطيط، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للإحصاء، فيصل بن فاضل الإبراهيم، في توفيرها قاعدة بيانات إحصائية دقيقة يمكن الاعتماد عليها كأساس موثوق به لرسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، ودعم صنّاع القرار في تطوير الخطط التنموية لمختلف القطاعات، وقياس أداء الأجهزة الحكومية، وإجراء المقارنات المحلية والإقليمية والدولية بدقة وشفافية، فضلا عن تزويد القطاع الخاص والمستثمرين المحليين والدوليين بيانات دقيقة تدعم بيئة الاستثمار في المملكة.

الأكثر  شمولية 

وكان للهيئة العامة للإحصاء دور مهم في تعزيز جودة البيانات ودقتها بشكل كبير منذ انطلاقتها، بحسب رئيس الهيئة، فهد بن عبدالله الدوسري، الذي أكد مساهمة الهيئة الفاعلة في رفع مستوى التكامل والتشاركية بين الجهات الحكومية، وتطوير البنية التحتية الرقمية في المملكة. مكن ذلك الهيئة من اتباع أفضل المنهجيات العالمية بشهادة عدد كبير من الخبراء الدوليين، والافادة من أحدث التقنيات مثل الأقمار الصناعية وتقنية العد الذاتي في تنفيذ تعداد السعودية 2022 الذي يعتبر الأكثر شمولية والأعلى دقة في تاريخ المملكة، وقد وصلت نسبتها إلى 95 في المئة. وجرى التعاون مع الجهات الحكومية المختلفة والتكامل والدمج بين بيانات السجلات الإدارية، وبيانات التعداد الإحصائية، للخروج ببيانات دقيقة وموثوق بها. 

ارتفع معدل مشاركة المرأة في سوق العمل إلى نحو 36 في المئة في عام 2022، متجاوزا بذلك الهدف الذي وضعته رؤية السعودية 2030

كما عمدت الهيئة إلى تخصيص فريق متكامل للمراجعة والتـــدقيق، واســــــتــــخـــدام تقنيات رصــــــــد الأخطـــــاء وتصحــــيح البــــيـــــانات بشــــكل آلي، وإجــــراء أكثر من مليون مكالمة هاتفــــية والقيــــام بنحو 900 ألف زيارة ميـــــدانية إضــــافية للتـــأكد من جـــــودة البيـــــانات ودقـــتهــــا، إضافة إلى استخدام أساليب متقدمة في تحليل البيانات والإحصاء، شملت المقارنات بين خمسة مصادر مختلفة للبيانات، كما تمت مراجعة البيانات من خلال أكثر من 200 مؤشر لتأكيد دقتها.

من 24 الى 32 مليون نسمة

لم تكتف الهيئة بإنجاز تعداد عام 2022، فقد أعادت الهيئة تقدير أعداد السكان في الأعوام السابقة بناء على النتائج الحديثة كأساس أكثر دقة، تماشيا مع أفضل الممارسات العالمية.  يعود ذلك للتطور والتغيير الذي طرأ على المنهجية المتبعة في تنفيذ تعداد 2022 مقارنة بتعداد 2010، الذي اعتمد بشكل أساسي على العمل الميداني والورقي، إضافة إلى كون الأرقام المنشورة سابقا من 2010 إلى 2022 تقديرية، كما أوضح رئيس الهيئة العامة للإحصاء.  

ديانا استيفانيا روبيو

 مقارنة بتعداد 2010، نما عدد السكان الإجمالي من 24 مليون نسمة عام 2010 إلى 32,2 مليون نسمة عام 2022، وذلك بمتوسط معدل نمو سنوي وصل إلى 2,5 في المئة، فيما زاد عدد السعوديين من 14 مليون نسمة إلى 18,8 مليون نسمة، بزيادة إجمالية قدرها 4,8 ملايين نسمة، وارتفع كذلك عدد السكان غير السعوديين من 9,9 ملايين نسمة إلى 13,4 مليون نسمة بزيادة إجمالية قدرها 3,5 ملايين نسمة.

الأسر  والمساكن

حرصت الهيئة على اتباع أعلى معايير أمن المعلومات والبيانات وسلامتها، لضمان سريتها وحمايتها بالمواءمة والتنسيق مع الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، والتزام الهيئة العامة للإحصاء أعلى مستويات الخصوصيّة والسرّية تجاه بيانات المشاركين. 

وشمل إعلان نتائج تعداد السعودية 2022 بيانات تفصيلية لثلاثة محاور رئيسة هي: التركيبة السكانية، والأسر، والمساكن، فيما سيتم إعلان النتائج الخاصة بالتعليم، والصحة، والعمل، والدخل، والهجرة، والتنوع خلال الأشهر القليلة المقبلة، وستكون النتائج متاحة لجميع الجهات والأفراد على موقع خاص بالتعداد.

تُمكِّن هذه البيانات الإحصائية الدقيقة المسؤولين والمخططين وراسمي السياسات من وضع إستراتيجية شاملة تساير النهضة العمرانية، وتفي بالاحتياجات المستقبلية للزيادة السكانية المتوقَّعة، كما تساهم في وضع خطط التنمية، وتوفير المزيد من الخدمات العامة للسكان كالخدمات الصحية والتعليمية، وخدمات النقل والمواصلات وغيرها.

وتعتبر الهيئة العامة للإحصاء المرجع الإحصائي الرسمي الوحيد للبيانات والمعلومات الإحصائية في المملكة، وتقوم بتنفيذ الأعمال الإحصائية كافة، إضافة إلى الإشراف الفني على القطاع الإحصائي الذي يضم منظومة متعددة من المراكز والوحدات الإحصائية المقررة ضمن الهياكل الإدارية للأجهزة الحكومية وعددا من مؤسسات القطاع الخاص.

توفير فرص العمل

تعكس الأرقام الحديثة حول التعداد السكاني في السعودية قدرة اقتصاد البلاد على توفير مئات آلاف فرص العمل، دفعت بمعدلات البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوياتها التاريخية. 
في هذا الإطار، يبرز دور القطاع الخاص إلى جانب العديد من القطاعات التي تتخذ مسارا متصاعدا من حيث معدلات النمو والمساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، من ضمنها قطاع الصناعة، قطاع السياحة، قطاع الترفيه، القطاع الصحي، قطاع الرياضة، قطاع النقل والخدمات اللوجستية، القطاع التقني، قطاع الإنشاءات والتشييد، والقطاع المالي.
ووفقا لتقديرات الهيئة العامة للإحصاء، حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسعودية ارتفاعا بنسبة 3,8 في المئة خلال الربع الأول من السنة الجارية، مقارنة بالربع الأول من العام المنصرم، ويعود هذا النمو إلى الارتفاع الذي حققته الأنشطة غير النفطية بنسبة 5,8 في المئة، إضافة إلى الارتفاع الذي حققته أنشطة الخدمات الحكومية بنسبة 4,9 في المئة، وكذلك الأنشطة النفطية بنسبة 1,4 في المئة.

يعكس النمو القوي للأنشطة غير النفطية في الربع الأول من السنة الجارية، مدى قدرة الاقتصاد السعودي على استحداث فرص الاستثمار، وفرص العمل، واستقطاب الكفاءات والأيدي الماهرة، كما يؤكد جدوى الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي عملت عليها البلاد خلال السنوات الماضية من عمر رؤية 2030، هذه الرؤية الوطنية الطموحة والداعمة والمحفّزة.
 

font change

مقالات ذات صلة