معضلة الناتو وأوكرانيا

مستقبل الأمن الأوروبي يعتمد على النتيجة النهائية للنزاع الأوكراني

معضلة الناتو وأوكرانيا

على الأغلب ستترتب جملة من العواقب إذا كانت أوكرانيا ستمنح العضوية الكاملة في حلف شمال الاطلسي (الناتو) أم لا. وستكون مثل هذه العواقب بعيدة المدى على أمن أوروبا في المستقبل، بقطع النظر عن كيفية حسم هذه المشكلة في نهاية المطاف.

لقد كانت هذه المسألة مصدرا لتوترٍ كبير بين روسيا والغرب منذ أن طلبت أوكرانيا الانضمام إلى الحلف عام 2008. فمن وجهة نظر موسكو، يُشكل احتمال انضمام بلدٍ لطالما شكّل جزءا هاما من الاتحاد السوفياتي السابق، دليلا إضافيا على أن الغرب مصمم على تحجيم مكانة روسيا في العالم، خاصّة وأن أوكرانيا كانت مقرّا لنسبة كبيرة من ترسانة موسكو للأسلحة النووية.

أما بالنسبة لقادة الغرب، فقد اعتبرت مسألة انضمام أوكرانيا المحتملة للناتو مسألة مبدأ وقيمة مضافة لكونها مكسبا استراتيجيا. فمنذ انهيار الستار الحديدي، تمثل موقف الناتو في أنه إذا رغبت الدول التي كانت في الماضي أعضاء في الاتحاد السوفياتي بالتعبير عن حقها الديمقراطي في الانضمام إلى الحلف، فيتعين أن يُسمح لها بذلك، لكن بشرط أن تستوفي معايير العضوية ذات الصلة بالطبع.

وقد أفضى ذلك إلى انضمام نسبة كبيرة من دول الكتلة السوفياتية السابقة إلى الحلف، من بلغاريا إلى دول البلطيق، الأمرُ الذي يكمن في جوهر التوتر الحالي القائم بين روسيا والغرب بشأن أوكرانيا.

لقد كانت المسألة مصدرا لتوتر كبير بين روسيا والغرب منذ أن طلبت أوكرانيا الانضمام إلى الحلف عام 2008. فمن وجهة نظر موسكو، يُشكل احتمال انضمام بلدٍ لطالما شكّل جزءا هاما من الاتحاد السوفياتي السابق، دليلا إضافيا على أن الغرب مصمم على تحجيم مكانة روسيا في العالم

نتيجةً لذلك، شكّل تصميم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي على المضي قدماً في سعي أوكرانيا للحصول على العضوية معضلة في غاية الصعوبة للتحالف في الآونة الأخيرة، وهي مشكلة احتلت مركز الصدارة في المؤتمر السنوي لقادة الناتو والذي عقد في العاصمة الليتوانية فيلنيوس هذا الأسبوع.

يعتقد زيلنسكي تمام الاعتقاد أنه بعد التضحيات التي قدمتها بلاده للدفاع عن أراضيها من العدوان الروسي، فإنها جديرة بأن تُمنح عضوية كاملة في حلف الناتو. وأحد الجوانب المهمة في حجته هو أنه نظرا لاعتماد الجيش الأوكراني بنحوٍ كبير على الأسلحة التي تزوده بها دول الناتو للدفاع عن أوكرانيا، فإنه يقاتل في الواقع حربا بالوكالة نيابة عن الناتو.

وسيكون كنتيجة لهذا الصراع تبعات عميقة على حلف الناتو بغض النظر عن الجانب الذي سينتصر في الحرب. فإذا نجحت أوكرانيا في هزيمة جارتها الأكبر والأكثر تجهيزا، فإن النصر سيبعث برسالة واضحة إلى موسكو بأن أي عمل عدائي مماثل ضد دولة أوروبية محكوم عليه بالفشل، وهو ما يجب أن يقنع الكرملين بتغيير موقفه العدائي. أما إذا انتصرت روسيا في ساحة المعركة الأوكرانية، فسيكون بوسع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاستنتاج– على الرغم من كل التضحيات التي ينطوي عليها ذلك الانتصار– بأن حلمه بإعادة بناء الإمبراطورية الروسية وإعادة تأسيس روسيا كقوة مهيمنة لا يزال ممكنا.

لذلك، ليس من المبالغة في شيء القول إن مستقبل الأمن الأوروبي يعتمد على النتيجة النهائية للنزاع الأوكراني، ولهذا السبب أصبحت قضيةُ السماح لأوكرانيا بالعضوية الكاملة في الناتو قضية شائكةً، بل إنها باتت القضيةَ الأكثر إلحاحا في الحلف في وقتٍ تتجادل فيه الدول الأعضاء المختلفة لصالح نتائج مختلفة.

فمن جهة، ثمة تحالف قوي من البلدان يضم بريطانيا، وبولندا، ودول البلطيق، يعتقد أنه يجب مكافأة كييف على مقاومتها الشجاعة للعدوان الروسي من خلال الانضمام في نهاية المطاف إلى التحالف.

لكن اقتراح هذا الحلف يواجه معارضة شديدة من الولايات المتحدةِ، وألمانيا، وفرنسا؛ إذ تعتقد واشنطن أن أوكرانيا بحاجة إلى تنفيذ إصلاحات كبيرة في نظامها السياسي والقضائي قبل النظر في انضمامها إلى عضوية الناتو، في حين تجادل ألمانيا وفرنسا بأن السماح بعضوية كييف من شأنه أن يزيد من استفزاز روسيا، إذ يبدو أن انضمام أوكرانيا يبرر مزاعم بوتين بأن هدف الناتو النهائي هو تهديد أمن الوطن الروسي من خلال توسيع بنيته الدفاعية باتجاه الشرق.

يعتقد زيلنسكي تمام الاعتقاد أنه بعد التضحيات التي قدمتها بلاده للدفاع عن أراضيها من العدوان الروسي، فإنها جديرة بأن تُمنح عضوية كاملة في حلف الناتو

إلى ذلك، ثمة عامل حيوي آخر يستبعد أي احتمال فوري لانضمام أوكرانيا إلى الحلف، يتمثل في حقيقةِ أنه في حالة انضمام أوكرانيا كعضو كامل إلى الناتو، في وقت لا يزال الصراع في أوكرانيا دائرا، ستلتزم بقية دول الحلف بالدفاع عن سلامة الأراضي الأوكرانية وفقاً للمادة الخامسةِ من ميثاق الناتو، وهو الأمرُ الذي يزيد من احتمالية نشوب حرب شاملة بين روسيا والغرب.

من الواضح أنّ جميعَ قادة حلف الناتو الذين اجتمعوا في فيلنيوس هذا الأسبوع سيحاولون بشدة تجنب حدوث مثل هذه النتيجة، ولهذا السبب فإن أي عرض مقدم لكييف بشأن علاقاتها المستقبلية مع حلف الناتو لن يرتقي لتقديم عضوية كاملة.

ومع ذلك، أعلنت واشنطن، التي تظل أكبر مساهمٍ عسكريٍ ومالي في حلف الناتو، موقفها الصريح في نهاية الأسبوع عندما قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه لا يعتقد أنّ أوكرانيا "مستعدة للانضمام إلى حلف الناتو"، مشيرا إلى أنه لا يوجد اتفاق داخل التحالف "بشأن ما إذا كان يجب إدخال أوكرانيا إلى عائلة حلف الناتو أم لا، في هذه اللحظة وفي خضم الحرب".

أعلنت واشنطن، التي تظل أكبر مساهم عسكري ومالي في حلف الناتو، موقفها الصريح في نهاية الأسبوع عندما قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه لا يعتقد أنّ أوكرانيا "مستعدة للانضمام إلى حلف الناتو"

ثمة أيضا تلميحات بأن معارضة البيت الأبيض لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، تستند إلى آمال إدارة بايدن بالتفاوض في نهاية المطاف على اتفاقٍ مع موسكو لإنهاء القتال. فقد واصل المسؤولون الأميركيون الحفاظ على اتصالات سرية مع الكرملين منذ اندلاع القتال في فبراير/شباط من العام الماضي، وأفادت التقارير الأسبوع الفائت بأنَّ وفدا كبيرا من كبار المسؤولين الأميركيين السابقين والذين تربطهم علاقات وثيقة بإدارة بايدن، قد اجتمعوا مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في نيويورك في أبريل/نيسان لوضع أسسٍ للتفاوض من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا.

ومن المستبعد وجود احتمال كهذا طالما أن العملية العسكرية الحالية في أوكرانيا لتحرير الأراضي الأوكرانية من سيطرة روسيا مستمرةٌ في تحقيق تقدمٍ، ويصرّ زيلنسكي على أن هدفه النهائي هو تحرير جميع الأراضي الأوكرانية من الاحتلال الروسي، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.

وكنتيجة لذلك، سيظل قادة "الناتو" منقسمين حول أفضل السبل للتعامل مع القضية الإشكالية لعضوية أوكرانيا في الحلف، حيث يتقدم ذلك عددٌ من الإجراءات المؤقتة، كتزويد كييف بعدد من "الضمانات الأمنية"، حتى تنتهي الحرب في أوكرانيا أخيرا.

font change