تبون في الصين... توافقات سياسية ومكاسب اقتصادية

الصين اليوم من بين أهم المتعاملين الاقتصاديين والتجاريين مع الجزائر

Reuters
Reuters

تبون في الصين... توافقات سياسية ومكاسب اقتصادية

شكلت الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الصين، أحد أهم المواضيع التي أخذت حيزا كبيرا من النقاش داخل البلاتوهات التلفزيونية والإذاعية بين رجال الإعلام والسياسة، لا سيما وأنها جاءت بعد زيارته إلى روسيا منتصف يونيو/حزيران الماضي، كما أنها تأتي قبيل نحو شهر واحد فقط من انعقاد قمة مجموعة "بريكس" في جنوب أفريقيا، حيث أظهر الرئيس تبون اهتماما كبيرا بالانضمام إلى هذه المنظمة التي تتشكل من روسيا والصين وجنوب أفريقيا والبرازيل والهند.

وصاحبت زيارة تبون إلى جمهورية الصين الشعبية أسئلة عديدة عن خلفياتها وأهدافها وعن الثمار والمكاسب التي سيجنيها البلدان اللذان تجمعهما شراكة تجارية قديمة، فالصين تعتبر اليوم من بين أهم المتعاملين الاقتصاديين والتجاريين مع الجزائر، إذ قفز مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى ما قيمته 7.42 مليار دولار عام 2022.

التوجه نحو الشرق

وتبرز جولة تبون الأخيرة التي شملت كلا من روسيا والصين تباعا الانفتاح على الشرق في عالم سريع التحول والتحرر من المحور الغربي الذي تمثله فرنسا، ويقول في هذا المضمار الدكتور نور الصباح عكنوش، أستاذ التعليم العالي في العلوم السياسية بجامعة بسكرة، في حديث مع "المجلة": "هناك ثلاثة عناصر يمكن عبرها تحليل الأداء الدبلوماسي للجزائر بشكل علمي: المنهجية، الرؤية والوضوح حيث نلاحظ وجود منحى تصاعدي في بيان عمل الجهاز الدبلوماسي على صعيد السياسة الخارجية وهو يرتفع موضوعيا جهة الشرق كبعد حضاري وقيمي وتنموي تريد من خلاله الجزائر منح صبغة استراتيجية لحركيتها انطلاقا من مبدأ رابح– رابح، حتى تتحرر البلاد من تبعات منظومة اقتصادية وهيكلية ارتبطت بالغرب عموما وفرنسا خصوصا وتنطلق اليوم في إطار نموذج حكامة جديد يراعي مصالح البلاد قبل كل شيء، فزيارات الرئيس الجزائري إلى موسكو والصين وقطر مدروسة بشكل علمي دقيق وتحمل رسائل قوية وذكية للعالم".

وفي الوقت الذي يشهد فيه النظام الدولي حركية غير معهودة وتنافسا قويا بين أميركا والصين وروسيا تحاول الجزائر مواكبة هذا التحول استنادا إلى حلفائها التاريخيين مثل روسيا والصين، ويوضح عكنوش مسعى الجزائر قائلا إنها "لا تريد أن تبقى معزولة بل تسعى للحصول على دعم من روسيا والصين لتيسير انضمامها إلى مجموعة "بريكس"، كما تراهن على الوجود في منظمة شنغهاي كخيار استراتيجي يحقق لها السيادة والاستقلالية الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية".

وتؤشر الزيارة الرسمية التي قادها عبد المجيد تبون إلى بكين حسب وجهة نظر المحلل السياسي المختص في الشؤون الأمنية عمار سيغة، على رغبة الجزائر في "تنويع شركائها وعدم الارتهان إلى القوى التقليدية".

تؤشر الزيارة الرسمية التي قادها عبد المجيد تبون إلى بكين على رغبة الجزائر في "تنويع شركائها وعدم الارتهان إلى القوى التقليدية"

ومن الأسباب التي جعلت الجزائر تنحاز إلى الصين، يشير سيغة إلى "تطابق وجهات النظر بين البلدين والذي يمتد إلى عدة مسائل دولية ودعم الصين لقضايا التحرير سواء على الفضاء الأفريقي أو العربي وخير مثال على ذلك تأكيدها المستمر لإيجاد تسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية ونجاح الوساطة الدبلوماسية في التقريب بين إيران والمملكة العربية السعودية، أضف إلى ذلك الثقة المتبادلة بين البلدين على الصعيد السياسي".

ومن مؤشرات التوافق السياسي بين البلدين، تأكيد الجزائر على الالتزام بمبدأ الصين الواحدة وعلى أن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية ومعارضة استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال فضلا عن دعم الموقف الصيني في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان وشينغيانغ وهونغ كونغ والتبت وغيرها، ومعارضة محاولات تسييس قضية حقوق الإنسان أو استعمالها كوسيلة ضغط في العلاقات الدولية".

وتوافقت الصين والجزائر على ضرورة حل القضية الفلسطينية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية التي تكرّس حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأكدا دعمهما مساعي دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتحدة والمنظمات ذات الصلة، وإيجاد حلول سياسية وسلمية للقضايا الساخنة وللأزمات الأخرى بالمنطقة العربية، وخاصة في كل من سوريا وليبيا واليمن والسودان، وذلك عبر الحوار، واحترام سيادة دول المنطقة.

ولعل أبرز قضية حصل بشأنها التوافق، قضية الصحراء الغربية، إذ أكد الجانبان دعمهما للجهود الرامية للوصول إلى حل دائم وعادل في إطار الشرعية الدولية، لا سيما قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده.

ولا يشكل هذا التوافق أمرا جديدا بين البلدين الحليفين، فالعلاقات الجزائرية الصينية تعود جذورها إلى الدعم التاريخي الذي أبدته الصين تجاه الجزائر في مرحلة الكفاح من أجل الاستقلال.

من مؤشرات التوافق السياسي بين البلدين، تأكيد الجزائر على الالتزام بمبدأ الصين الواحدة وعلى أن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، فضلا عن دعم الموقف الصيني في المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، ومعارضة محاولات تسييس قضية حقوق الإنسان أو استعمالها كوسيلة ضغط في العلاقات الدولية

في المقابل، اتخذت الزيارة طابعا اقتصاديا بالدرجة الأولى، إذ استهدفت تحديث اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين البلدين عام 2014، ووضع إطار أوسع للتعاون بين البلدين وخلق مجلس أعمال مشترك صيني-جزائري، ويقول في هذا المضمار هادف عبد الرحمن مستشار دولي في التنمية الاقتصادية في تصريح لـ"المجلة" إن "الزيارة تأتي لترجمة اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين الجزائر وبكين عام 2014"، وهنا يشير هادف إلى رغبة الجزائر في تسريع آليات تنفيذ عدد من مشاريع البنية التحتية الحيوية والمنشآت القاعدية كالموانئ لا سيما إنجاز ميناء الوسط في منطقة الحمدانية بشرشال (120 كلم غربي العاصمة الجزائرية) الذي يضعه الصينيون في قائمة المشاريع المهمة لتصدير سلعهم نحو الضفة الشمالية وعمق أفريقيا.

وسيصبح الميناء من بين أكبر الموانئ العالمية وسينافس ثلاثة موانئ أوروبية كبرى وهي كل من ميناء روتردام (أكبر ميناء في أوروبا وأكبر ميناء خارج آسيا، يقع في مدينة روتردام جنوبي هولندا)، وميناء أنفير ببلجيكا وميناء هامبورغ (أكبر ميناء في ألمانيا وثالث أكبر ميناء في أوروبا يحتل المرتبة 18 في قائمة أكبر موانئ الحاويات في العالم).

AFP
الرئيسان بوتين وتبون في الكرملين في 15 يونيو

ومن الملفات الاقتصادية الأخرى التي تراهن الجزائر على تطويرها وفقا لعبد الرحمن هادف قطاع الطاقة والمناجم، ويشير محدثنا في هذا السياق إلى "مشروع الفوسفات في منطقة الحدبة بمنطقة جبل العنق في محافظة تبسة (شرقي العاصمة الجزائرية)، فالجزائر حاليا تستحوذ على احتياطات منجمية هائلة تجعل منها رقما فاعلا في العالم بأسره".

وإلى جانب هذا تعول الجزائر على الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون كعضو مراقب، وهي المنظمة الدولية التي تأسست عام 2001 وتضم حاليا 8 دول وهي: روسيا والصين والهند وكازخستان وقيرغيزستان وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وأربع دول بصفة مراقب هي أفغانستان وإيران وبيلاروسيا ومنغوليا.

وعن المكاسب التي يمكن أن تجنيها الجزائر من وراء الانضمام إلى هذه المنظمة، يقول عبد الرحمن هادف إن "الوجود ضمن هذه المنظمة يتيح لها فرصة نقل التكنولوجيا أهمها التقنيات المستعملة في تثمين المواد الخام، وهي الطريقة المعمول بها حاليا بين البلدين في منجم غار جبيلات في إطار الشراكة مع جمهورية الصين الشعبية.

لعل أبرز قضية حصل بشأنها التوافق، قضية الصحراء الغربية، إذ أكد الجانبان دعمهما للجهود الرامية للوصول إلى حل دائم وعادل في إطار الشرعية الدولية

وفي سياق متصل، تريد الجزائر رفع حجم التبادل التجاري وتسهيل صادرات الجزائر غير النفطية إلى الصين، وزيادة حجم الاستثمارات النوعية الصينية بين البلدين في ظل الامتيازات المتعددة التي يقدمها قانون الاستثمار الجديد بالجزائر، إذ يبلغ مستوى إيرادات الجزائر من الصين 6.35 مليار دولار سنويا، في مقابل 1.08 مليار دولار صادرات جزائرية إلى الصين، وتأتي التجهيزات والعتاد والمنتجات الكهربائية والإلكترونية والسلع الاستهلاكية قائمة الصادرات الصينية، في المقابل تقتصر صادرات الجزائر إلى الصين على المحروقات ومشتقات الطاقة من البترول والمواد الغازية.

font change

مقالات ذات صلة