لماذا اندلعت اشتباكات مخيم عين الحلوة في لبنان؟

ما دور "حزب الله"

Reuters
Reuters

لماذا اندلعت اشتباكات مخيم عين الحلوة في لبنان؟

يوم السبت الماضي، انفجر الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا جنوب لبنان، وذلك على خلفية قيام الشاب محمد زبيدات بإطلاق النار على ثلاثة أشخاص ينتمون الى فصيل إسلامي متشدد، بهدف الانتقام لمقتل شقيقه في وقت سابق. فقتل واحد منهم وهو عبد فرهود، وجرح الإثنان الآخران: محمود خليل الملقب بـ"أبو قتادة"، وعيسى حمد، وكلاهما من المطلوبين للقضاء اللبناني بمذكرات توقيف بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي.

AFP
مسلحون من حركة "فتح" قرب مدخل مخيم عين الحلوة اثناء الاشتباكات في 30 يوليو

مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين هو الأكبر في لبنان، أنشئ عام 1948 عقب النكبة الفلسطينية، ويضم أكثر من 63 ألف لاجئ فلسطيني بحسب الأمم المتحدة، وإن كانت التقديرات تشير الى أن العدد أكثر من ذلك بكثير، ويعد أكثر المخيمات الفلسطينية في لبنان تعقيداً من الناحية السياسية والأمنية. لا يخضع المخيم لسلطة قوى إنفاذ القانون في لبنان، حيث تتولى الأمن فيه مجموعات من مختلف الفصائل الفلسطينية تحت مسمى "القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة"، والتي بدورها تقوم بالتنسيق مع الجيش اللبناني واستخباراته.

المخيم وجواره ساحة حرب

غداة ذلك تحولت أحياء المخيم وشوارعه الى ساحة حرب بين حركة "فتح" والإسلاميين الذين كانوا ينتمون سابقاً الى جماعة "جند الشام"، ويشكلون مجموعة تنشط في المخيم تحت اسم "الشباب المسلم"، ثم تسمى عناصرها قبل مدة باسم "الناشطين الإسلاميين".

ورغم أن الشرارة التي أشعلت فتيل المواجهات قد تبدو فردية محضة، إلا أن القضية أعقد من ذلك بكثير. فمحمود زبيدات لم يقتل إثر حادث فردي، بل غداة اشتباكات بين "فتح" والإسلاميين مطلع مارس/ آذار الفائت.

علاوة على ذلك، فإن الجيش اللبناني كان قد عزز قبل أيام قليلة فقط إجراءاته حول مداخل المخيم بعد حصول استخباراته على معلومات عن عودة بعض المطلوبين الخطرين الى المخيم من سوريا حيث كانوا يقاتلون مع "جند الشام"، ما يرسم الكثير من علامات الاستفهام ويثير العديد من التساؤلات حول خلفيات ما حصل في واحد من أعقد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والذي تعتبر بعض أحيائه بؤرة للخارجين عن القانون.

ما كادت جهود بعض الأطراف اللبنانية والفلسطينية تثمر عن اتفاق للهدنة ليل السبت انعكس هدوءاً نسبياً، حتى عاد القتال واشتعل بشكل عنيف للغاية ظهيرة اليوم التالي عقب قيام الإسلاميين باغتيال العميد أبو أشرف عرموشي بكمين محكم، حيث تعرض لإطلاق نار كثيف في أحد المواقف العمومية أثناء انتقاله سيراً على الأقدام من مقر إقامته الى مقر الأمن الوطني في حي آخر داخل المخيم.

ويعتبر العرموشي العقل المدبر لحركة "فتح" داخل المخيم، وأحد صقورها الذي نشط في ملاحقة الإسلاميين المتشددين منذ سنوات بهدف الحد من قدرتهم على الحركة وتجنيد الشباب الفلسطيني للقتال في سوريا، ما أدى الى تعرضه الى عدة محاولات اغتيال سابقة. وتجدد القتال في اليوم التالي بعنف شديد، في ظل فشل جميع جهود التهدئة، حيث بلغت الحصيلة مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 40 آخرين بجروح مختلفة.

يعتبر العرموشي الذي سبب اغتياله اندلاع الاشتباكات، العقل المدبر لحركة "فتح" داخل المخيم، وأحد صقورها الذي نشط في ملاحقة الإسلاميين المتشددين منذ سنوات بهدف الحد من قدرتهم على الحركة وتجنيد الشباب الفلسطيني للقتال في سوريا

اشتداد وطيس المعارك دفع بالعشرات من العوائل الفلسطينية المقيمة الى المخيم الى النزوح منه نحو أماكن أخرى خارجه، وأدى كذلك الى تضرر عدد من المنازل والأحياء المتاخمة للمخيم، وإصابة عدد من الجنود في الجيش اللبناني نتيجة الرصاص المتطاير، بالإضافة الى سقوط قذيفة في أحد المراكز العسكرية القريبة. وهو ما اعتبرته بعض القيادات العسكرية اللبنانية أمراً متعمداً، لذا أصدر الجيش اللبناني بياناً هدد فيه بالرد على مصادر النيران، بالتوازي مع تحليق مكثف لطائرات استطلاع له في سماء المخيم وجواره.

شبهات حول "حزب الله"

هذا وتشير المعلومات الى أن حركة "فتح" هي من ترفض وقف إطلاق النار، وتصر على محاصرة الإسلاميين وبالتحديد أسماء معينة منهم، وصولاً إما الى تصفيتهم، أو تسليم أنفسهم ليصار من بعدها الى تسليمهم الى السلطات اللبنانية، وذلك حفاظاً على هيبة الحركة، وللحد من تغلغل الإسلاميين داخل المخيم. 
ما يثير الريبة، هو صمت "حزب الله" وابتعاده عن الواجهة بشكل تام، على الرغم من علاقته الوثيقة بمختلف الفصائل الفلسطينية في لبنان، وهو ما أثار العديد من الشبهات حول ضلوع الحزب في ما يحصل داخل المخيم، ولا سيما أنه سعى في السنوات الأخيرة الى بسط نفوذه داخل المخيمات. 
وتتحدث تقارير إعلامية عن تغلغل "حزب الله" في المناطق الشعبية الفقيرة في مدينة صيدا ذات الغالبية السنية، وتركيزه على استمالة واستقطاب مجموعات وأفراد من ذوي السوابق الإجرامية والذين كانوا يحظون بحماية عدد من الشخصيات والتيارات السياسية السنية، مستغلاً في ذلك تراجع الحضور السياسي للسنة، وتزايد حاجات الناس وتوقف تقديمات الدولة وأيضاً الأحزاب والتيارات السياسية.

Reuters
نازحون داخل مخيم عين الحلوة بفعل الاشتباكات بين المجموعات المسلحة في 30 يوليو


ويعتبر مراقبون أن "حزب الله" يحاول تخريب المساعي التي تبذلها مصر لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتعزيز الوحدة الوطنية، والتي أثمرت أخيراً عن اجتماع للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية قبل أيام قليلة فقط في مدينة العلمين المصرية. سبقه قبل أيام فقط حصول تقارب بين "فتح" و"حماس" غداة لقاء ثنائي بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في تركيا برعاية وحضور رئيسها رجب طيب إردوغان.

تتحدث تقارير إعلامية عن تغلغل "حزب الله" في المناطق الشعبية الفقيرة في مدينة صيدا ذات الغالبية السنية، وتركيزه على استمالة واستقطاب مجموعات وأفراد من ذوي السوابق الإجرامية والذين كانوا يحظون بحماية عدد من الشخصيات والتيارات السياسية السنية

وأتى التأكيد على هذه الشبهات في بيان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، والذي رأى أن توقيت الاشتباكات مشبوه، كما أن تزامنها مع الجهود التي تبذلها مصر لوقف الخلافات الفلسطينية – الفلسطينية هو في سياق الرسائل التي تستخدم الساحة اللبنانية منطلقاً لها. 

AFP
جنديان لبنانيان يحتميان من نيران الاشتباكات بين المسلحين الفلسطينيين في مخيم عين الحلوة في 30 يوليو


أبعد من ذلك، فإن المعركة داخل المخيم حصلت في توقيت محلي بالغ الدقة، حيث تتصدر قضية اللاجئين وخاصة السوريين واجهة الأحداث السياسية في بلد يرزح تحت وطأة سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية المعقدة، ما يعيد قضية المخيمات الى التداول من جديد، حيث دأبت العديد من القوى السياسية وخاصة المسيحية بينها على المطالبة بالتخلص من هذا السلاح الذي لم يعد له دور بعد تحرير جنوب لبنان لمنع تحول المخيمات الى جزر أمنية خارجة عن الدولة والقانون.

"فتنة" ماجد فرج

في موازاة ذلك، رد "حزب الله" عبر وسائل إعلامية مقربة منه باتهام رئيس الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج بالوقوف خلف ما اسمته الفتنة داخل مخيم عين الحلوة. وكان فرج قد زار بيروت الأسبوع الماضي بهدف ترتيب الأوضاع الداخلية للمخيمات ولحركة "فتح". 
لكن وسائل الإعلام المقربة من الحزب رأت أن الهدف الأساسي من زيارة فرج كان كبح جماح الفصائل الفلسطينية ومنعها من قصف المستوطنات الإسرائيلية مثلما حصل غير مرة في الآونة الأخيرة. 
وتحدثت تقارير إعلامية عن صفقة حاول فرج القيام بها مع السلطات اللبنانية وتقضي بضبط السلاح المتفلت في المخيمات وتسليم جميع المطلوبين فيها مقابل التضييق على النشاط السياسي والعسكري لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في لبنان. ويندرج ذلك حسب الإعلام المقرب من "حزب الله" ضمن مساعي ماجد فرج الى خلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في السلطة وحركة "فتح"، ومحاولته الحصول على دعم أميركي وإسرائيلي. 
بيد أن ذلك يبدو مبالغ فيه كثيراً، خصوصاً أن العميد العرموشي الذي جرى اغتياله هو من المقربين من رئيس الفرع المالي في فتح منذر حمزة المحسوب بدوره مع سفير فلسطين في لبنان أشرف دبور على فرج نفسه. علاوة على نفوذ "حزب الله" الواسع داخل دوائر صنع القرار اللبناني، بما يصعب من إمكانية عقد صفقة من هذا النوع.
وبين هذا وذاك تستمر المعارك لتزيد من حجم مآسي الفلسطينيين في لبنان الذين يعانون من آثار أزماته، وكذلك من تطرف نخبه السياسية التي تحد من قدرتهم على العمل والتعلم، وتمنعهم من التملك، وتفرض عليهم الإقامة في مخيمات شديدة الاكتظاظ أقرب الى علب الصفيح المزدحمة بكل مظاهر الفقر والحرمان.

font change

مقالات ذات صلة