فضيحة إغلاق حسابات فاراج المصرفية

يزعم السياسي البريطاني المثير للجدل أن بعضا من حساباته المصرفية أُغلقت انتقاماً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست"

AFP
AFP
Former Brexit champion and now anti-Brexit campaigner Nigel Farage, and former leader of the Reform UK political party, speaks during a press conference in central London on March 20, 2023.

فضيحة إغلاق حسابات فاراج المصرفية

احتل السياسي السابق الشهير نايجل فاراج عناوين الصحف مرة أخرى عندما أضحى متورطا في جدل يُعرف باسم "فضيحة إزالة المعاملات المصرفية". وبغض النظر عن مدى تقدير أو انتقاد الناس له، فقد كان فاراج شخصية بارزة في السياسة البريطانية لسنوات عديدة، إذ إنه ترك بصمة واضحة على الأحداث الرئيسة، كإنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ورغم أنّ شهرته قد لا تمتد إلى ما هو أبعد من وطنه، فقد شعر الاتحاد الأوروبي بتأثيره على نحو مباشر خلال الفترة التي أمضاها في البرلمان البريطاني.

وفي الآونة الأخيرة، واجه فاراج عقبةً غير متوقعة عندما قرر بنك كوتس، وهو مؤسسة خاصة تابعة لشركة "ناشيونال ويستمنستر بنك"، إغلاق حسابه، وهو الإجراء الذي ستكون له عواقب واسعة النطاق. وقد أشار كوتس، المعروف بعملائه الحصريين من الأفراد الأثرياء، إلى المخاطر المالية الكامنة خلف قراره هذا، إذ كان رهنُ فاراج قيد التجديد، إلا أنه لم يستوفِ شروطهم المالية الصارمة.

وعلى ما يبدو فقد حَسِب البنك أن التخلص من فاراج، سيلقى قبولا حسنا لدى جزء كبير من الجمهور البريطاني، وهو الذي يعتبر شخصية شعبوية تميل للتدخين وزيارة الحانات. ولكن إداريي البنك لم يأخذوا في الحسبان شهرة فاراج وتصميمه وميله للوقوف ضد المؤسسات مجهولة الهوية. فبعد قهره للبيروقراطيين مجهولي الهوية في بروكسل، لم يكن فاراج الشخص الذي قد يفكر بالانسحاب من أي صراع، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بمؤسسة اعتبرها متعالية ومزعجة للأشخاص العاديين.

مع انتشار أخبار الإغلاق المصرفي، ازداد الجدل، وهو الأمر الذي جذب انتباه مختلف الأطراف. وتسلط هذه الحادثة الضوءَ على العلاقة الحساسة بين الشخصيات البارزة والمؤسسات المالية، وتثير أسئلة حول التأثير والسلطة اللذين تمارسهما هذه البنوك؛ ففي ظل وجود شخصية فاراج الصريحة ونفورها من النخبوية، فإن هذه الفضيحة أبعد ما تكون عن الانتهاء، ومن المرجح أن تكون تداعياتها كبيرة على كلا الطرفين المعنيين.

لقد حصل نايجل فاراج على ملف أعده البنك بشأن قضيته، وذلك من خلال طلب للوصول إلى المعلومات الشخصية، وكان للاكتشافات التي احتواها الملف تأثير عميق. فعلى الرغم من تلقيه تأكيدا من مصدر مجهول، يُشتبه بأنه الرئيس التنفيذي لشركة "ناشيونال ويستمنستر بنك"، حيث يفيد هذا التأكيد بأن المسألة مرتبطة بالشؤون المالية فقط، إلا أن هذا الملف قد كَشَف عن أسباب إضافية عديدة تَحْمِلُ البنك على اعتبار فاراج خَطِرا على سمعته. إذ بدا الملف وكأنه سجل لأفعال فاراج، كملاكه الحارس الخاص تقريبا.

تسلط هذه الحادثة الضوء على العلاقة الحساسة بين الشخصيات البارزة والمؤسسات المالية وتثير أسئلة حول التأثير والسلطة اللذين تمارسهما البنوك

وقد صوره الملف على أنه "مخادع محتال"، فيما ألمح إلى احتمال وجود صلة تربطه بالأموال الروسية. وعلاوة على ذلك، أُدرجت سلسلة من التجاوزات السياسية في الملف، متهمة إياه بالترويج النشط والعلني لآراء تتعارض مع قيم البنك. وانتقده الملف لاستخدامه لغة متطرفة وبغيضة وعاطفية، وهو الأمر الذي دفع بالبعض إلى حد وصفه بأنه "كاره للأجانب وقواد للعنصريين". وبالتالي، خلص البنك إلى أنّ وجود فاراج كعميل يتعارض مع التزامه بالشمولية.

أدى الوضع الذي بدأ بالظهور في أعقاب فضيحة إلغاء المعاملات المصرفية إلى اهتمام كبير بتصرفات الحكومة ومشاركة شركة "ناشيونال ويستمنستر بنك" ومصرف كوتس.

ويجب الاعتراف بأن منظور كوتس حول فاراج يتطابق مع مشاعر أعدائه الكثيرين. ومن ناحية أخرى، أشار أولئك الذين يدعمون فاراج بسرعة إلى ما يرونه "أجندةً حذرةً" تكمن وراء إعداد الملف.

فهم يفسرون ذلك على أنه يعكس وجهة نظر ليبرالية تعارض تشويه أفرادٍ لسمعة اللاجئين مثلما قامت به وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافيرمان، ومن ثمّ تدعم وجهة النظر الليبرالية هذه حركات مثل "حياة السود مهمة".

AFP
أدى إغلاق حساب نايجل فاراج في أحد المصارف الخاصة التابعة لـ"نات ويست" إلى استقالة الرئيسة التنفيذية للمجموعة المصرفية، بعد أن أدلت بتصريحات لمراسل لهيئة الإذاعة البريطانية عن حسابات السياسي المثير للجدل

لقد أدى الوضع المتصاعد في أعقاب فضيحة إغلاق الحسابات المصرفية إلى جذب اهتمام كبير بإجراءات الحكومة وتورط نات وست وكوتس.

فمع اقتراب موعد الانتخابات العامة، استغلت الحكومة التي لا تتمتع بالشعبية هذه القضية لتأجيج ما يبدو أنه "حرب ثقافية"، وهو الأمر الذي يصرف الانتباه عن افتقارها إلى سياسات إيجابية.

وعلى الرغم من أن الحكومة لم تعد تمتلك حصة الأغلبية في "ناشيونال ويستمنستر بنك"، إلا أن ذلك لم يمنع ريشي سوناك، وزير الخزانة وقتها، من التعبير عن استيائه من الحادث.

ومما زاد من تعقيد القصة، تأكيد هيئة الإذاعة البريطانية عن "مصدر مجهول الهوية" أنَّ الأمر الذي بدا روتينيا وماليا بحتا تبين أنه خاطئ. فقد تم الكشف لاحقا عن أن المصدر ليس سوى السيدة أليسون روز، الرئيسة التنفيذية لشركة "ناشيونال ويستمنستر بنك"، منتهكة بذلك السرية التي يُتَوَقّع من البنوك حمايتها لصالح عملائها. فقد أدى هذا الكشف إلى استقالتها، وأعقب ذلك رحيل المسؤول التنفيذي الأعلى في مصرف كوتس. وقد حاول السير هوارد ديفيز، رئيس شركة "ناشيونال ويستمنستر بنك"، الاحتفاظ بمنصبه، مدعيا أنه كان يخطط للتقاعد على أي حال وأن وجوده سيعيد الاستقرار.

أثار هذا الوضع جدلا واسع النطاق حول ما إذا كان يجب أن يكون للبنوك الحق في معاقبة العملاء بناء على آرائهم السياسية

"لقد أثار هذا الوضع جدلا واسع النطاق حول ما إذا كان يجب أن يكون للبنوك الحق في معاقبة العملاء بناء على آرائهم السياسية. وقد أثار ما يُتصور من عدم عدالة الملف، وانعدام الشفافية تساؤلاتٍ حول ممارسة "إلغاء المعاملات المصرفية".

ومن المثير للاهتمام، أنه حتى جينا ميلر، وهي معارضة بارزة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي ترأس حزب "الحقيقة والعدالة"، قد وجدت نفسها في موقف مشابه، إذ قام مصرف مونزو بإلغاء معاملاتها البنكية دون تقديم تفسير لذلك. 

وزُعم لاحقا أن حسابها قد فُتح عن طريق الخطأ لأنهم لا يتعاملون مع الأحزاب السياسية. لقد أدت تجربة ميلر، إلى جانب الجدل الأوسع حول إلغاء المعاملات المصرفية، إلى مخاوف بشأن الآثار المترتبة على الديمقراطية إذا ما تمكنت البنوك من رفض تقديم خدماتها على نحو تعسفي إلى أفراد أو مجموعات معينة. وقد أثارت الحالة مناقشة أوسع حول دور ومسؤولية المؤسسات المالية في المشهد السياسي.

ثمة مواطنون آخرون، ليسوا بارزين كفاراج أو ميلر، والذين عانوا من الحكم عليهم على أنهم "أشخاص مكشوفون سياسيا". فمنذ ما يقرب من عقد من الزمان، تم إغلاق حساب مسجد فنسبري بارك في مصرف "اتش اس بي سي" (HSBC).

كما وقعت منظمات أخرى، كمنظمة حملة التضامن مع فلسطين، ضحيةَ إغلاقٍ مفاجئ للحسابات المصرفية.

وانتقد محمد كوزبار، إمام مسجد فنسبري بارك، هذه "المعايير المزدوجة" وأعرب عن إحباطه من أن المسلمين البريطانيين، الذين يعانون من هذه المشكلة لسنوات طوال، قد تُركوا ليواجهوا ذلك بمفردهم.

font change

مقالات ذات صلة