في الذكرى التاسعة لمذبحة الإيزيديين... المملكة المتحدة تعترف بـ"الإبادة الجماعية"

أجرت "المجلة" عدة لقاءات مع النازحين الإيزيديين حول ما يعنيه اعتراف المملكة المتحدة بـ"أعمال الإبادة الجماعية" بالنسبة لهم

نساء وأطفال إيزيديون فروا إلى جبل سنجار بعد أن هاجم "داعش" بلدة سنجار، أبريل 2015

في الذكرى التاسعة لمذبحة الإيزيديين... المملكة المتحدة تعترف بـ"الإبادة الجماعية"

محافظة دهوك- "فقط لا تطلب منهم أي تفاصيل أو أي شيء قد يكون مزعجا". هذا ما أكد عليه أحد العاملين بالإغاثة لـ"المجلة" خلال زيارة لمنظمة غير حكومية تعمل مع الناجين من مذبحة الإيزيديين.

يرغب كثير من أفراد هذا المجتمع المصاب بصدمات شديدة في تخطي الماضي.

ولكن بسبب الافتقار إلى الاستقرار المالي، وعدم القدرة على العودة إلى سنجار، حيث تم تدمير كثير من منازلهم، فضلا عن امتلاء الباقي منها بذكريات مؤلمة للغاية لا يمكن تحملها، وكذلك عدم قدرتهم على المغادرة وبناء حياة في مكان آخر، لا يزال كثير من أفراد هذه الأقلية العرقية والدينية في طي النسيان مع تحول المساعدة والاهتمام إلى مكان آخر.

تظل قضية العدالة تحتل الصدارة في أذهان كثير من القادة.

في الأول من أغسطس/آب، بدا كما يقولون أن اعتراف المملكة المتحدة الرسمي بارتكاب تنظيم "داعش" أعمال إبادة جماعية ضد السكان الإيزيديين خطوة في هذا الاتجاه.

ذكر البيان المنشور على موقع حكومة المملكة المتحدة على الإنترنت، أن "المملكة المتحدة تواصل دعم عمل فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة (يونيتاد)، لتعزيز المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها "داعش" فى العراق والشام، والجهود الدولية لجلب مرتكبي العنف التابعين لداعش إلى العدالة.

تعتبر الأولوية الأكثر إلحاحا بالنسبة للرجال الذين غالبا ما يتحملون المسؤولية عن عائلاتهم في المستوطنات العشوائية في جميع أنحاء إقليم كردستان، هي إيجاد فرص عمل وإزالة "عصابات المافيا" التي يقولون إنها انتشرت في مناطقهم الأصلية.

كما أن الأمل لا يزال قويا في بعض المنازل البديلة هنا في العثور على بعض الآلاف من المفقودين أحياء.

بسبب الافتقار إلى الاستقرار المالي، وعدم القدرة على العودة إلى سنجار، لا يزال كثير من الإيزيديين في طي النسيان مع تحول المساعدة والاهتمام إلى مكان آخر

في الثالث من أغسطس/آب 2014، غزا مقاتلو داعش منطقة سنجار بعد أن سيطروا على مساحات شاسعة من معظم أنحاء غربي العراق في وقت سابق من العام نفسه. "فر ما يقرب من 400 ألف من الإيزيديين إلى إقليم كردستان في العراق المجاور، ولجأ عشرات الآلاف إلى جبل سنجار، حيث واجهوا المجاعة الوشيكة. أما البقية من غير القادرين على الفرار، فقد قتلوا أو أسروا وتعرضوا لأعمال عنف مروعة بين الاسترقاق، والعمل القسري، والتجنيد، والتعذيب، والاغتصاب"، كما تشير الصفحة الرئيسة لمبادرة نادية، التي أنشأتها الناشطة الحقوقية الإيزيدية والحاصلة على جائزة نوبل للسلام 2018 نادية مراد.

وأضافت أن تنظيم داعش "اعتبر الإيزيديين كفارا وأمر الرجال إما بتغيير العقيدة أو الموت. من ناحية أخرى، لم يكن للنساء أي خيار، فقد تم أسرهن، وتزويجهن لمن يدفع أعلى سعر، واستعبادهن جنسيا، وإجبارهن على تغيير العقيدة. كما تم أسر أكثر من 6 آلاف امرأة وطفل من قبل داعش وما يقرب من 2,800 لا يزالون في عداد المفقودين حتى يومنا هذا".

تحدث ميرزا دنايي، وهو عضو بارز في المجتمع الإيزيدي، إلى "المجلة" في 2 أغسطس (آب) بعد الإعلان عن اعتراف المملكة المتحدة رسميا بالإبادة الجماعية للإيزيديين. وهو أيضا المؤسس المشارك لجسر العراق الجوي، الذي تم إنشاؤه عام 2007 بعد أن استهدف تنظيم القاعدة قريتين إيزيديتين، وساعد في جلب 150 طفلا عراقيا إلى الخارج للعلاج الطبي، وأسس بيت التعايش في سنجار.

لقد تم استهداف المجتمع الإيزيدي في العراق عدة مرات في الماضي. وكان دنايي قد أصيب أثناء محاولته إجلاء أفراد من مجتمعه من جبل سنجار بطائرة مروحية في 12 أغسطس/آب 2014، فقد تحطمت المروحية التي كان يستقلها، مما أسفر عن مقتل الطيار وإصابة عدد آخر.

تعتبر الأولوية الأكثر إلحاحا بالنسبة للرجال الذين غالبا ما يتحملون المسؤولية عن عائلاتهم في المستوطنات العشوائية في جميع أنحاء إقليم كردستان، هي إيجاد فرص عمل وإزالة "عصابات المافيا" التي يقولون إنها انتشرت في مناطقهم الأصلية

وقال دنايي لـ"المجلة" مشددا: "نعتقد أنه بسبب وقوف المملكة المتحدة وراء إنشاء (يونيتاد)، وإننا نأمل أن تتابع المملكة المتحدة هذه القضية لإنشاء محكمة دولية أو محكمة مختلطة لجرائم تنظيم داعش الإرهابي الدولي".

كما أضاف: "هذا أمر حاسم لتحقيق العدالة وتجنب أي نوع من الإفلات من العقاب. كما نأمل أن تلعب المملكة المتحدة دورا مهما في إعادة بناء سنجار وتحقيق الاستقرار في المنطقة".

النازحون في إقليم كردستان

يمكن مشاهدة المعابد الإيزيدية على الطريق الممتد بين أربيل ودهوك في إقليم كردستان بالعراق. يوجد حاليا ما مجموعه 25 مخيما للنازحين في إقليم كردستان في العراق، يقع 15 منها في محافظة دهوك، وفق ما ذكره عامل إغاثة أوروبي في المخيم لـ"المجلة" أثناء زيارة قام بها الاتحاد الأوروبي في 11 يوليو/تموز إلى مخيم للنازحين، والتي تتطلب أذونات وصول خاصة.

وقد أجرت "المجلة" عدة حوارات مع عدد من سكان المخيم ومدير المخيم.

وقبل احتلال داعش لسنجار عام 2014، كانت قرية خانكي في إقليم كردستان العراق ذات أغلبية من الإيزيديين، ولكن مخيم النازحين والمستوطنات غير الرسمية القريبة منه زادت حجمه بشكل كبير.

المباني التي تعرضت لأضرار جسيمة في سنجار شمالي العراق، حيث يحتفظ حزب العمال الكردستاني المحظور بوجود ونفوذ، 30 مايو 2022.

وقال أحد الشباب الذين كانوا في المخيم منذ 2014 إنه كان يدرس إدارة الأعمال قبل احتلال داعش لمنطقته. ومع ذلك، "حتى قبل داعش،  كان الإيزيديون لا يستطيعون الدراسة في جامعة الموصل".

وأضاف الشاب: "لم نتمكن من العيش أو العمل في الموصل بسب وجود متطرفين هناك حتى ذلك الحين"، وعلى الرغم من العيش في منطقة تخضع رسميا لسيطرة الحكومة المركزية، فقد انتقل هو وكثيرون آخرون إلى الجامعة في إقليم كردستان.

وتقع سنجار في منطقة متنازع عليها بين الحكومة العراقية المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان ومقرها أربيل وتبعد حوالي 120 كم غرب الموصل، وغالبا ما يمنع دخول الصحافيين وغيرهم عند نقاط التفتيش على الطريق إلى المنطقة "لأسباب أمنية".

يشار إلى أن الموصل هي العاصمة الإقليمية لمحافظة نينوى، وتمتد محافظة نينوى حتى الحدود مع سوريا وهي ذات أغلبية عربية مسلمة ولكن بها أيضا أقليات متعددة تعيش فيها، بما في ذلك المسيحيون والإيزيديون.

وأشار الشاب الإيزيدي إلى أنه يعمل حاليا في المخيم نفسه وأن كثيرا من إخوته قد غادروا إلى أوروبا.

وقال إن الهدف الذي كانت عائلته تعمل من أجله هو إرسال أفراد الأسرة إلى خارج البلاد "واحدا تلو الآخر"، لكن على الآخرين في المجتمع العودة إلى سنجار لضمان بقائها في أيدي الإيزيديين.

من ناحية أخرى، زعمت فتيات إيزيديات كثيرات في مستوطنة عشوائية بمحافظة دهوك في يوليو (تموز) لـ"المجلة" أنه بالنسبة للرجال الإيزيديين، "أصبح الزواج من امرأة وقعت في الأسر وتم تعذيبها من قبل داعش مبعث فخر".

تنظيم "داعش" اعتبر الإيزيديين كفارا وأمر الرجال إما بتغيير العقيدة أو الموت. من ناحية أخرى، لم يكن للنساء أي خيار، فقد تم أسرهن، وتزويجهن لمن يدفع أعلى سعر، واستعبادهن جنسيا، وإجبارهن على تغيير العقيدة

لا يزال المجتمع العراقي ذكوريا للغاية، كما هو الحال مع المجتمع الإيزيدي القائم على الطبقية.

وقد قام قادة المجتمع وغيرهم بالكثير من العمل للسماح بتقبل النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب من قبل مقاتلي داعش للعودة إلى المجتمع، لكن على الرغم من قبول النساء الآن، إلا أنه لم يتم تقبل الأطفال الذين يولدون من غير الإيزيديين، وتم وضع معظمهم في دور الأيتام بإقليم كردستان، بحسب ما قاله السكان المحليون وعمال الإغاثة لـ"المجلة".

منطقة في سنجار في شمال غرب العراق دُمرت في معركة استعادتها من قبضة "داعش"، 30 مايو 2023

تقول نساء إيزيديات كثيرات إنهن يعتمدن على أقاربهن من أجل الحصول على دخل، على الرغم من أن بعضهن يعملن أو يقمن بإعالة أنفسهن وأفراد آخرين من أسرهن، كما ترغب كثيرات منهن في السفر إلى الخارج.

وكانت "المجلة" قد طرحت تساؤلا على بعض النساء يقول: هل تفكرين في الزواج من رجل غير إيزيدي.

فقالت ثلاث شابات غير متزوجات: "لا، بالطبع لا... هذا جزء من ثقافتنا".

font change

مقالات ذات صلة