نيمار: خارج المألوف داخل الخيال

ايقونة الكرة البرازيلية الى الهلال السعودي

نيمار: خارج المألوف داخل الخيال

بدا خبر انتقال كريستيانو رونالدو إلى الدوري السعودي (ديسمبر/كانون الأول 2022) مفاجأة من العيار الثقيل تلقّاها عشاق كرة القدم حول العالم، ولفتت الأنظار إلى شيء كبير يحدث في المملكة العربية السعودية المتطلّعة إلى آفاق جديدة من التنمية الرياضية الشاملة. لم يكن متوقعا أن تحظى كرة القدم في الشرق الأوسط بنجم عالمي آخر من الصف الأول في اللعبة الأشهر حتى دوّى في وسائل الإعلام العالمية نبأ انتقال نيمار دا سيلفا أيقونة كرة القدم البرازيلية إلى نادي الهلال السعوديّ مرافقا كوكبة عالمية سبقته إلى دوري روشن. صيفٌ لا ينسى إذن، تحوّلت فيه كرة القدم السعودية إلى لعب دور رئيس في صناعة كرة القدم العالمية بعد إنفاق اجمالي وصل إلى 430 مليون يورو (قبل صفقة نيمار).

لو قيل قبل سنة من اليوم لمشجعي كرة القدم إنكم ستشاهدون صفوة نجوم العالم تلعب في دوري عربي في الشرق الأوسط فسيظنون الحديث محض خرافة، غير أن عصر الخرافات ولّى ليأتي زمن معجزة يكون فيه قطاع كرة القدم في المملكة السعودية واجهة من واجهات رؤيا اقتصادية شاملة تسعى لتوسيع مسارات الاستثمار بعيدا من النفط (العوائد المحتملة لرابطة الدوري السعودي ستتخطى 1.8 مليار ريال سنويا). من هذا الباب علينا الدخول لفهم خصوصية لحظة انتقال نيمار إلى زعيم آسيا. نحن لسنا أمام صفقة طموحة لنادٍ يتطلع إلى زيادة ألقابه، بل هي تحول تاريخي بمعنى الكلمة لثوابت كرة القدم التي كانت ترى أن عبارة "دوري عالمي" مقتصرة على الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى (إنكلترا، إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا، فرنسا). الواقعية تفرض، إذا ما استمرت الصفقات الثقيلة إلى بلاد الحرمين، أنْ لا يكونَ بعيدا - وللمرة الأولى في تاريخ اللعبة - دخولُ دوري عربي في مصاف صفوة الدوريات العالمية لتصبح الدوريات الستة الكبرى. وَلِمَ لا؟

في حساب سريع بالأرقام نلمس أثر انتقال "بيليه الثاني" إلى أرض العرب، حيث قفزت القيمة السوقية لنادي الهلال بعد الانتقال التاريخي من 160 مليون يورو إلى 221 مليون يورو، ليكون الهلال أول نادٍ عربي يدخل قائمة أعلى 50 ناديا من حيث القيمة السوقية على مستوى العالم بحسب "ترانسفير ماركت"، متجاوزا غريمه النصر المستقر عند 152 مليون يورو، ثم الأهلي 150 مليون يورو، والاتحاد رابعا (118 مليون يورو). سيتذكر المراقبون شهر يونيو/حزيران المنصرم كبداية عصر جديد في اللعبة بعد إعلان وزير الرياضة السعودي نقل ملكية الأندية الأربعة الكبرى إلى صندوق الاستثمارات العامة ضمن مشروع واسع للاستثمار الرياضي كجزء من مشروع رؤية السعودية 2030. هكذا تحولت القيمة السوقية لدوري البلاد من 730 مليون يورو إلى 1.92 مليار يورو.

لو قيل قبل سنة من اليوم لمشجعي كرة القدم إنكم ستشاهدون صفوة نجوم العالم تلعب في دوري عربي في الشرق الأوسط فسيظنون الحديث محض خرافة، غير أن عصر الخرافات ولّى ليأتي زمن معجزة

عوائد النقل التلفزيوني ورعايات الشركات الكبرى ومبيعات القمصان ستقفز بأرباح الدوري إلى أرقام فارقة تصب لاحقا على مجالات حيوية أوسع مثل البنى التحتية. كما أن المتوقع انتعاش السياحة الرياضية إلى مديات غير مسبوقة. سيكون للأندية السعودية أنصار من كل دول العالم، أنصار تعودوا على متابعة لاعبيهم والسفر وراءهم لمشاهدتهم في الملعب بشكل مباشر حيثما ذهبوا، الأمر الذي سينصبّ إيجابيا على مساعي المملكة لتطوير السياحة وجعل البلاد واجهة عالمية لسياح العالم. غير أن الفائدة الأكثر عمقا في رأيي لن تكون في تحول بوصلة الإعلام الرياضي العالمي صوب الرياض، ولا في الأموال العائدة من صفقات النجوم، بل في الفائدة الاستثنائية التي سيجنيها اللاعب السعودي، ومن بعده المنتخب السعوديّ  الوطنيّ، من اللعب إلى جوار أفضل لاعبي العالم. لنتخيل معا أن الجيل الحالي من اللاعبين الوطنيين في الأندية السعودية الـ 16 التي تشكل قوام الدوري ستلاعب كل أسبوع: رونالدو ونيمار وبنزيما وماني وكوليبالي وهندرسون وكانتي وبونو وفابينيو وفيرمينيو وسافيتش وغيرهم كثر. سيكسب اللاعب المحلي، في كل مباراة يلعبها أمام كبار النجوم، خبرة ومهارة وجودة لا يمكن تخيل أبعادها. ما سيحدث، أبعد أثرا من مجرد احتراف مجموعة محدودة من اللاعبين السعوديين في الدوريات الأوروبية كما حدث سابقا. فضلا عن الفائدة غير المباشرة من خلال معايشة نجوم وصلوا إلى أعلى مستويات النضج الكروي، فإن الاحتكاك اليومي معهم يؤثر لاحقا على مستوى احترافية اللاعب واهتمامه بالتفاصيل المفصلية التي جعلت من هؤلاء نجوما "سوبر"، مثل التغذية الصحيّة وأوقات النوم والتزام التمرين والجدية التنافسية. الفائدة هنا أعمق من الاستثمار الرياضي الخليجيّ –الناجح أيضا- الذي شهدناه خلال السنوات الأخيرة في أندية أوروبا (مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان على سبيل المثل)، فبدلا من الذهاب إلى معاقل القارة العجوز ودعم أنديتها – دورياتها ومنتخباتها بالنتيجة - فإن الأنجع أن تأتي بخلاصة الخبرات الكروية العالمية إلى بلادك. هكذا تصنع ثورة كاملة في اللعبة، أفرادا ومؤسساتٍ، وتنتقل بالمسار الرياضي إلى مستوى أعلى يضعه في عين التنافس العالمي رأسا برأس ويطور مستوى اللعبة. لنتخيل الآن شكل المنتخب السعودي المقبل الخارج من دوريٍّ فيه كل هؤلاء العباقرة الذين خطفوا قلوب مشجعي الساحرة المستديرة.

 

أسلوب "اللا أسلوب"

في وثائقي "نتفليكس" المعنون "فوضى مثالية"، يقول أسطورة الكرة ليونيل ميسي: "نيمار سريع، وذكي جدا، يتمتع بقوة انطلاقة هائلة، لا أحد مثله في الركض بالكرة بسرعة. إنه لا يهزم". يعرّف نقاد اللعبة نيمار بأنه اللاعب الذي لا يمكنك إطلاقا توقع ما سيصنعه حين يستلم الكرة قرب الصندوق. نعم، لكلّ لاعب أسلوب، طريقة (قياسية) في الركض والمراوغة والمناورة والاختراق والتسديد، لكن التوصيف الأدق لأسلوب نيمار هو "اللا أسلوب". لا قياس أو معيار عند هذه الموهبة المتفرّدة، فهو كما المؤلف الموسيقي البارع الذي كلما ظننت أنك حفظت حركاته وتشبّعت بها يأتيك بانتقالة خارج السياق. لقد ولد هذا اللاعب والكرة بين قدميه. موهبة فطرية وشغف تلقائي برسم خرائط من التحركات الخيالية للمرور والتسديد بين أشد جدران الدفاعات صلابة. يكفي أن نعيد مشاهدة هدفه في مرمى تولوز قبل خمسة مواسم في الدقيقة الأخيرة من المباراة، وأن نلاحظ كيف انتقل من يسار الملعب إلى يمينه، مخلخلا جدار الدفاع، منتقلا من جديد مع الكرة إلى عمق منطقة الجزاء بـِ"دربل" خاطف جمع وجه القدم بكعبها، ودوران الجسد - الذي استعمله كطريقة لحماية الكرة والمرور بها معا- بالتسديد والتسجيل من دون أن يرى الهدف!                   "فرحة الشعب" و"شمس البرازيل" و"الولد الذهبي"، ألقاب اقترنت باللاعب الأول لراقصي السامبا منذ ظهوره الساحر مع سانتوس 2009 بعمر 17 سنة فقط مسجلا 107 أهداف في 177 مباراة خلال مواسم أربعة. خطف نيمار أنظار المشجعين بأسلوبه الخاص الذي يجمع المهارة الخارقة بالخصوصية الجسدية.                                                     

AP
خلال حفل تقديم نادي الهلال السعودي نجمه الجديد المهاجم البرازيلي نيمار أمام آلاف من الجماهير في العاصمة الرياض.

لا يملك نيمار بنية عضلية قوية، من رآه من مدربي الأشبال والناشئة في بلدته برايا غراند،كان يسخر من ضآلة الجسد. كيف لهذه البنية الشبحية أن تمر من بين مدافعين أشداء؟ لكن نيمار استثمر السخرية عينها حصان طروادة الذي عبر به حصون الخصوم. كانت الضآلة الجسدية هي التي منحته تلك الخفة التي لا تحتمل فوق العشب، يقول الإسباني لويس إنريكي "ضدّ نيمار، خياران لا ثالث لهما أمام المدافعين: إما اسقاطه ومنحه ركلة جزاء، أو الاستسلام له وجعله يمر".

 

سرُّ الصالات المغلقة والشوارع المفتوحة!

مثل حرفيّ ماهر، واثق من فرادة لمسته، يكشف نيمار سرّ صنعته، ومن أين جاء بذلك المرور الزئبقي، والتحكم الجنوني بالكرة. إنها كرة الصالات المغلقة وكرة قدم الشوارع، "في كرة الصالات أنت أمام مساحة ضيقة جدا، خطوط اللعب متقاربة، إن لم تتخذ قرارا في ظرف ثانية أو ثانيتين فسينقض عليك الخصم منتزعا الكرة منك، لقد جعلني اللعب المكثف لكرة الصالات أطوّر مهارة اتخاذ القرار السريع وتأدية الحركات في وقت وفراغ محدودين"، يقول نيمار.

في كرة قدم الشوارع استفاد نيمار من اللعب في بيئة غير رسميّة، حيث يمكن للاعب الناشئ التعبير عن نفسه بحريّة كاملة، دون قيود مدرب أو نمط تكتيكي صارم، وهو عين ما يبحث عنه فنان مبتكر تحدّده القوالب وتقتله الاستراتيجيات. الوضع غير التقليدي في الشارع يجعلك تلعب بشكل غير تقليدي، أنت تبتكر وتبدع آنيا، تمرّر وتسدّد في ظروف وبيئات مختلفة. كل ذلك يصبّ في تعزيز المهارة الفطريّة وصقلها وتفجيرها: "في المباريات التنافسية، وفي مواقف صعبة واجهتها، لطالما كنت أغيب لحظة عن الملعب والزملاء لأستحضر إحدى الألاعيب الجنونية التي كنا نفعلها في شوارع ساو فيسنتي وغالبا ما كنتُ أنجح".

نلمس أثر انتقال "بيليه الثاني" إلى أرض العرب، حيث قفزت القيمة السوقية لنادي الهلال بعد الانتقال التاريخي من 160 مليون يورو إلى 221 مليون يورو، ليكون الهلال أول نادٍ عربي يدخل قائمة أعلى 50 ناديا في العالم

ولد نيمار دا سيلفا سانتوس جونيور في 1992 في ساوباولو، بعمر 11 عاما اختاره كشّافو نادي "بورتوغيزا سانتيستا" لينضم إلى فريق الشباب، وفي العام نفسه انضم إلى نادي سانتوس العريق، وبعد بداية خارقة، حاول ريال مدريد شراءه عام 2006 وتدرب لأسبوعين في سانتياغو برنابيو لكنه عاد إلى البرازيل على روايتين: الشعور بالغربة، والاختلاف حول قيمة العقد.

كان عام 2009 بداية نيمار الرسمية مع سانتوس، وصل إلى نهائي بطولة الباوليستا التي خسرها لصالح رونالدو الظاهرة بعد مبارتي الذهاب والإياب (4-2)، منهيا الموسم بـ14 هدفا خلال 48 مباراة. 

الانطلاقة الحقيقية حدثت بعد عام، صار نيمار هداف الفريق ومسدّد ركلات الجزاء فيه، فاز ببطولة الباوليستا وأحرز لقب هدافها. أداؤه الخيالي في الـ19 مباراة (سجل فيها 14 هدفا) جعل الصحافة البرازيلية تقارنه بروبينيو، ثم بالأسطورة الكبرى بيليه. أصبح حامل إرث الرقم عشرة، طاردته الصحافة وشركات الرعاية والإعلانات. "حدث كل شيء بسرعة معي. كنت فقيرا وحياتي صعبة وهامشيّة. في لحظة أصبح الجميع يصرخ مهرولا إذا صادفني في الشارع"، كما يقول نيمار في إحدى المقابلات.

 

من يضبط الوحش؟

لطالما عانت الكرة البرازيلية من الحياة الشخصية لنجومها. الفقر وظروف الحياة القاسية في مواجهة الشهرة السريعة والأموال الضخمة التي تهبط في لحظة، كلها تجعل مسألة ضبط شاب غرٍّ تحدّيا بالغ الصعوبة. هكذا انطفأ سريعا أدريانو، وهكذا كاد أن يكون مصير "التاريخي" لولا الطوق الحازم الذي فرضه عليه والده: "اعتنى بي والدي منذ البداية، كان الوحيد الذي آمن بموهبتي. إنه يهتم بعائلتي ومصالحي ويخطّط لكل شيء".

تعرّض نيمار في بداية حياته لمشاكل عدّة تتعلق بطبيعته الشخصية، السريعة الانفعال، والمتقلبة المزاج، وهو أمر مفهوم ليافع فُتِحَتْله مغارة علي بابا السحرية. حادثة الشجار الشهير مع مدربه دوريفا جونيور كادت أن تشكل منعطفا في بداية مشواره "عليكم أن تضبطوه! إذا لم يتعلم قواعد الانضباط الآن فسنصنع من هذا الفتى وحشا"، قالها المدرب في مؤتمر صحافي شهير. ثم جاءت قضية علاقته بكارول دانتاس وإعلانه المفاجئ أنه ينتظر مولودا منها.

REUTERS
نيمار خلال الحفل الذي أقامه نادي الهلال السعودي

على الرغم من كل ما يقال عن علاقة نيمار بوالده(مدير أعماله في الوقت نفسه) قام الرجل بمهمة شبه مستحيلة: إنقاذ موهبة ابنه من الضياع. كسب العالم بهذا الحرص جوهرة نادرة في قلادة اللعب، وكسب نيمار نفسه ومستقبل عائلته، "التحدي مع نيمار مستمر في كل لحظة. العدو الأول لنيمار هو نيمار ذاته. إنه طيب إلى درجة السذاجة"، يقول الأب.

 

برشلونة، كأس العالم، الإصابات

كانت سنوات نيمار مع برشلونة هي الأكثر اشراقا في مسيرته المهنية، إلى جانب مجاورته الأفضل في العالم، ميسي، وتشكيله ثلاثيا مرعبا رفقة البرغوث ولويس سواريز. كانت كل مباراة لنيمار وقتها موعدامع المتعة والاستعراض والجمال الفرديّ والجماعيّ. حصل مع البلوغرانا على كل شيء، الدوري الإسباني: مرّتين، كأس إسبانيا: ثلاث مرات، أبطال الدوري: مرّة، السوبر الأوروبي: مرّة، كأس العالم للأندية: مرّة، السوبر الإسباني: مرّتين. مسجلا ما مجموعه 100 هدف في 173 مباراة رسميّة.

بعد تلكؤ قصير، جرّاء عدم الانسجام مع طريقة برشلونة، انفجر نيمار بأسلوبه الخاص، كان أداة يحلم بها كلّ مدرب. قدرته على تحويل مركزه من مهاجم صريح إلى مهاجم ثان إلى صانع ألعاب أو جناح، منحت المدير الفنيّ خيارات لا نهائية وحلولا خارج التوقّع، ولنتذكر أثره في ذهاب نهائي كأس السوبر الاسباني 2013 حين عوّض ميسي الذي خرج بين الشوطين مصابا، أو خطفه الأضواء من ميسي ورونالدو في أول كلاسيكو يلعبه حين سجل هدفا وصنع آخر، ودعونا لا ننسى دوره في الريمونتادا التاريخية لبرشلونة في الكامب نو (مارس/آذار 2017) التي وصفتها الصحافة وقتذاك بـ"الإعجازية".

يترقّب الأنصار، حول العالم، كل ليلة من ليالي دوري روشن ماذا سيصنع ابن ساو باولو العجيب في ملاعب المملكة حيث كل مباراةٍ هي عهد مع الإثارة والتشويق الكروي

صحيح أن نيمار لم يجلب كأس العالم لبلاده حتى الآن، لكنّ مشواره مع السيليساو من الصعب تجاوزه. يكفي أنه الهداف التاريخي للمنتخب الوطني برصيد 77 هدفا من 124 مباراة، متساويا مع بيليه، لكن هذا السجل الذهبي لم يأتِ دون مرارة، كما كل شيء.

في مونديال 2014 الذي استضافته بلاده، كانت الجماهير تغلي. شغب وتظاهرات اعتراضا على نفقات البطولة في ظل واقع معيشي بائس. ما إن ظهر نيمار في المباراة الأولى حتى امتص سحره ذلك الغضب الجامح. في الطريق إلى اللقب السادس الذي بدا حلما يقترب، تجاوز الفريق الكاميرون وتشيلي لكن مباراة ربع النهائي حملت كارثة لنيمار. تدخل مدافع كولومبيا زونيغا على ظهر نيمار جعله يسقط كما يهوي نورس في عرض الموج. أظهر التصوير الشعاعي كسرا في الفقرة القطنية، "أخبرني الطبيب خبرين، سيئا وسارّا، كان السيئ أن المونديال انتهى بالنسبة إليّ، أما السار فأنني كنت على بعد 2.5 سم من الشلل". 

في النسختين اللاحقتين لم تتجاوز البرازيل دور الثمانية، في نسخة روسيا طالت نيمار اتهامات بالمبالغة في التمثيل وادّعاء الإصابة. غير أن مونديال قطر حمل له تمزّقا في الكاحل في أول مباراة حرمه نصف مباريات الفريق. لكن، من منا سينسى هدفه الشاعري في مرمى كرواتيا؟ إنه هدف شبحي آخر، لن يسجّله سوى نيمار. ولو سألتني، ما سر هذا الفتى؟ فسأجيب بطريقة القديس أوغسطين حين سألوه عن الزمن: قل لي كيف وضع نيمار جسمه أمام مدافع كرواتيا ذي الرقم 19 أقل لك ما سر هذا الحاوي.

مرارة الإصابات سكنت جسد نيمار وتوطنت فيه فكان لها معه ما للرمال مع العطش. فمِن كسر الفقرة القطنية 2014، إلى غيابه عن كوبا أميركا 2019 إلى تمزق الأربطة، إلى إصابته قبل مونديال روسيا 2018 بكسر في القدم والتواء في الكاحل، إلى غيابه عن تصفيات مونديال قطر لإصابته في الفخذ الأيسر. ليس ضعف نيمار البدني ما يجعله عرضة للكسر مثل غصن رهيف في عاصفة، بل طريقته في المراوغة الاستعراضية التي توصف بأنها مذلّة للمدافعين، فهو يتلاعب بهم ويرقصهم ويضحك الجماهير عليهم، ولن يتقبل جميع المدافعين السخرية والعجز. لذا يبادرون إلى تعمّد ضرب نيمار وإسقاطه، "كلما كنت أسقط على الأرض يزداد تصميمي على النهوض والانتصار"، يقول نيمار. لعنة الإصابات ساهمت وعجَّلت في تذمر جمهور باريس سان جيرمان من لاعبهم وانقلابهم عليه بما عرف عن الحسّ الانتقادي الفرنسي من حدّة. ويأمل مشجعو الزعيم الهلالي أن يكون تاريخ "التاريخي" معهم بعيدا عن شبح الإصابة، قريبا من أضواء الانتصارات والدهشة. إذ يترقّب الأنصار، حول العالم، كل ليلة من ليالي دوري روشن ماذا سيصنع ابن ساو باولو العجيب في ملاعب المملكة حيث كل مباراةٍ هي عهد مع الإثارة والتشويق الكروي ومناسبة لأداءٍ خارج المألوف، داخل الخيال.

font change

مقالات ذات صلة