طهران تعلن تقدما في محاربة الفقر... فهل انتهى حقا؟

AFP
AFP
البازار (السوق) الكبير في طهران في 22 مايو

طهران تعلن تقدما في محاربة الفقر... فهل انتهى حقا؟

قال وزير العمل الإيراني صولت مرتضوي خلال حوار مع قناة "الخبر" الحكومية 20 أغسطس/آب حول إنجازات حكومة إبراهيم رئيسي، خلال العامين الماضيين: "لقد قُضي على الجزء الأكبر من الفقر المطلق".

يأتي هذا الإعلان الحكومي بشأن "القضاء على الفقر المطلق" بعدما نشر مركز الدراسات التابع للبرلمان الإيراني في مايو/أيار 2023 تقريرا حول ارتفاع معدل الفقر من 2011 إلى 2021، وقال إن عدد الفقراء في البلاد ارتفع 11 مليون شخص. أضاف التقریر أن معدل الفقر يستمر في الارتفاع منذ 2006 وأن أكثر من 30 في المئة من سكان البلاد ازدادوا فقرا منذ 2018 ما يعني أن نحو ثلث السكان تحت خط الفقر.

ونقلت صحيفة "اعتماد" تصريحات النائب الإيراني محسن بيرهادي الذي حذر يوم 26 يوليو/تموز من ارتفاع نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر قائلا إن عددهم يبلغ 28 مليون شخص. وأضاف: "قد نواجه أزمة خطيرة قريبا في حال لم نفكر جديا بشأن الحلول وسبل مكافحة الفقر".

وقال عضو اللجنة الاقتصادية للبرلمان محمد باقري بنايي في يونيو/حزيران الماضي إن معدلات الفقر ارتفعت وأعداد الفقراء في البلاد في ازدياد، مضيفا أن "خط الفقر في طهران بلغ 30 مليون تومان خلال العامين الأخيرين"، وذلك بسبب ارتفاع التضخم. وتابع باقري: "لقد دفع الغلاء وارتفاع إيجار السكن وتكلفة المعيشة والتضخم الطبقة الوسطى فعلا إلى السكن في ضواحي طهران أو المدن القريبة من العاصمة". وأشار إلى أن ارتفاع معدلات الفقر وزيادة نسبة السكان تحت خط الفقر في إيران "قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية وسياسية في المستقبل غير البعيد".

وتابع التقرير المنشور في "اعتماد": "الفقر في إيران يتسع بسرعة حيث إن عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام علي آقا محمدي قال في 18 مايو/أيار إن 19 مليونا و700 ألف شخص على الأقل يفتقرون إلى الحد الأدنى من ضرورات المعيشة على غرار السكن والوظيفة ولا يتمتعون بخدمات تعليمية أساسية حتى سن 12 سنة وخدمات صحية ولا يحصلون على الغذاء والملابس".

وتابعت صحيفة "اعتماد": "تأتي هذه التقارير الإعلامية في الوقت الذي نقلت فيه وكالة "مهر" للأنباء التابعة لمؤسسة التبليغات الإسلامية في أغسطس/آب 2021 وبالتزامن مع بداية ولاية إبراهيم رئيسي الرئاسية أن عدد العائلات الإيرانية تحت خط الفقر يبلغ 10 ملايين أسرة. والنتيجة هي أن 18 مليون شخص إضافي سقطوا تحت خط الفقر خلال عامين من ولاية إبراهيم رئيسي".

"اعتماد": الفقر في إيران يتسع بسرعة... و19 مليونا و700 ألف شخص على الأقل يفتقرون إلى الحد الأدنى من ضرورات المعيشة على غرار السكن والوظيفة ولا يتمتعون بخدمات تعليمية أساسية حتى سن 12 سنة وخدمات صحية ولا يحصلون على الغذاء والملابس

ويعتقد كثير من الخبراء أن الأوضاع في إيران أسوأ من الإحصاءات الحكومية المعلنة. ونشر موقع "آفتاب" الإخباري تقريرا يوم 10 مايو/أيار بعنوان: "50 في المئة من سكان إيران تحت خط الفقر المطلق"! ونقل التقرير عن الخبير الاقتصادي وعضو هيئة التدريس في جامعة الزهراء حسين راغفر قوله: "لا يبدو أن عدد الذين تحت خط الفقر المطلق أقل من 50 في المئة من سكان البلاد، وهؤلاء لا يتمتعون بالحد الأدنى لمستوى المعيشة"؛ وهو الغذاء والسكن والملبس.

وتابع راغفر الذي كان يتحدث في مناسبة حكومية للجان تخطيط المدن في مدينة أصفهان: "يمكن زيادة نسبة الرخاء في البلاد دون الإيرادات النفطية، غير أن المشكلة الرئيسة هي أن هذه المنظومة الحالية غير قادرة على رفع نسبة الرخاء لدى المواطنين".

ونشرت صحيفة "رسالت" القريبة من حزب المؤتلفة الإسلامية المحافظ تقريرا بعنوان: "لمن تقرع أجراس الفقر؟"، في 4 يناير/كانون الثاني 2023. وأشار التقرير إلى اتساع الفجوة الطبقية وارتفاع نسبة التضخم وزيادة الصعوبات المعيشية والضغوط الاقتصادية التي تثقل كاهل العائلات. وقال التقرير: "في الوقت الذي لم تعد فيه الأنشطة والاحتياجات غير الضرورية تتسع في سلة المعيشة للأسر في البلاد فإن عدم كفاءة بعض المسؤولين والامتناع عن الاستفادة من الخبراء وآراء المختصين وعدم الاكتراث بالحقائق على الأرض وتبني الهتافات كنهج عملي وتنفيذ برامج اقتصادية غير سليمة وشعبوية وعدم الالتزام بقيود التكلفة وآلاف القرارات الأخرى دفع الشعب إلى اليأس من السياسات الحكومية لمكافحة مشاكل على غرار ارتفاع أسعار السكن والملابس... وأن بعض الفئات بدأ رويدا رويدا بشطب سلع غذائية من سلتهم المعيشية ليتمكنوا من الحفاظ على كيان أسرهم".

وتابع التقرير: "يعتقد كثير من الخبراء في الشؤون الاقتصادية أن التدهور الاقتصادي في إيران بدأ يتسارع منذ 2011 بسبب انخفاض موارد البلاد الاقتصادية وأن الاقتصاد الإيراني خرج عن سكة التوازن. لقد أفضت العقوبات المشددة لانخفاض حاد في الإيرادات النفطية التي لم تستطع إصلاح ما دمرته السياسات الاقتصادية الخاطئة".

Shutterstock
سوق شعبي في مدينة شيراز

وقالت "رسالت": "بينما يعتمد الاقتصاد والصناعة بشكل أساسي وكبير على النفط، فإن السياسات غير السليمة على غرار التسعير والتوجيه وتدخلات الحكومة في الشؤون الاقتصادية من خلال قوانين مرهقة أدت إلى إفلاس كثير من الأعمال والمصانع وإهدار جزء كبير من الفرص للعمل والإنتاج وتوليد الثروة". وأشار التقرير إلى ضرورة تبني نظرة شفافة للتطورات الدولية وضرورة التعاون مع كل القوى الكبرى، مضيفا: "يرى الخبراء في الشؤون الاقتصادية أن الشرق والغرب لا يحل أحدهما محل الآخر لإيران وبالتالي فإن التعاون مع الغرب أمر لا بد منه لإيران. إن سياسة التوجه إلى الشرق والمنطقة لا تحل كافة التحديات الاقتصادية التي تحتاج إلى استثمارات وتقنيات جديدة".

ونشرت صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية، في عددها الصادر 19 يوليو/تموز الماضي، تقريرا بعنوان: "هل تعلمون ماذا يعني أن تتحول الطبقة الوسطى إلى طبقة مسحوقة؟ إنكار الفقر أسوأ من دفع الشعب إلى الفقر". وأضاف التقرير أن الفقر في إيران يختلف هذه المرة، لأن "الجزء الكبير من الجماهير التي خرجت من دائرة الفقر سابقا وعاشت رخاء نسبيا، دخلت مجددا إلى دائرة الفقر". وتابع التقرير: "كان السقوط إلى هوة الفقر قويا ومؤلما للغاية. كانت تشكل الطبقة الوسطى في إيران 60 في المئة من المجتمع في فترات من الزمن وبالتالي كان لها أسلوبها في الحياة والدراسة والثقافة والتواصل، غير أن جزءا كبيرا من الطبقة الوسطى بات الآن في عداد الفقراء وفق التصنيف الاقتصادي، ولكنه لا يزال يحتفظ بملامح أسلوب حياته وكل ما يميزه عن بقية الطبقات. كما أن دفع الطبقة الوسطى إلى الفقر له تبعات خطيرة منها انخفاض الإنجاب وهذا ليس على ما يبدو محور اهتمام الحكومة".
 

"آفتاب": لا يبدو أن عدد الذين تحت خط الفقر المطلق أقل من 50 في المئة من سكان إيران، وهؤلاء لا يتمتعون بالحد الأدنى لمستوى المعيشة"؛ وهو الغذاء والسكن والملبس

وتابع التقرير: "نسبة الإنجاب مرتفعة لدى الطبقة الفقيرة غير أن الطبقة الوسطى التي دفع بها إلى حفرة الفقر تمتنع عن الزواج والإنجاب كليا وهذا له أسبابه ويحتاج إلى تحليل. لذلك فإن السبيل الوحيد لرفع معدلات الإنجاب هو إعادة هذه الفئة من الطبقة الوسطى التي تم إفقارها إلى مكانتها السابقة. وهذا لا يمكن حصوله إلا من خلال استمرار ارتفاع النمو الاقتصادي والفرص الوظيفية... إن أبعاد الفقر عديدة اقتصاديا، وكلفة المعيشة والتضخم والأجور ومستويات استهلاك السعرات الحرارية ومعدلات الانتحار الناتج عن الفقر ومعدلات قتل الأبناء على يد الوالدين والمشاهد اليومية لأطفال العمل وأطفال القمامة و..... كلها أمور تشير إلى الوضع الكارثي لاتساع رقعة الفقر في إيران. وتشير الدراسات الرسمية الإيرانية إلى الأبعاد المختلفة والكارثية للفقر بوضوح، غير أن مكافحة الفقر غير مجدية عن طريق دفع المعونات النقدية وما شابه ذلك. والسبيل الوحيد هو ارتفاع مستوى النمو الاقتصادي وزيادة فرص العمل وانخفاض التضخم. إذا لم يقر المسؤولون بوجود الفقر فإنهم سينسون  رويدا رويدا ظاهرة تفشي الفقر في البلاد مما يشكل تهديدا كبيرا. ينبغي أن نذعن بأن الفقر موجود بل إن الفقر المطلق يتفشى وله آثار سلبية خطيرة تتنافى مع قيم الثورة والدستور. الحل هو الإقرار بوجود الفقر وتفشيه في البلاد لأن إنكار وجود الفقر في البلاد أسوأ من إفقار الشعب".

font change

مقالات ذات صلة