الرياض وواشنطن بعد قرار خفض إنتاج النفط

تمسكت المملكة بسياسة نفطية حازمة على الرغم من الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة لزيادة الإنتاج

Shutterstock
Shutterstock

الرياض وواشنطن بعد قرار خفض إنتاج النفط

تجاوزت أسعار النفط 90 دولارا للبرميل للمرة الأولى عام 2023، مع إعلان كل من المملكة العربية السعودية وروسيا تمديد تخفيضات الإنتاج والتصدير الطوعية حتى نهاية العام. وقد أثارت هذه الخطوة المخاوف من ارتفاع التضخم على مستوى العالم في الوقت الذي تعاني معظم دوله من تداعيات ارتفاع تكاليف الطاقة.

تمسكت المملكة بسياسة نفطية حازمة على الرغم من الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة لزيادة الإنتاج والمساهمة في تهدئة التضخم. وفي بيان لوزارة الطاقة السعودية في مطلع شهر سبتمبر/أيلول الجاري أعلن مصدر مسؤول في الوزارة أن "المملكة العربية السعودية ستقوم بتمديد الخفض الطوعي، البالغ مليون برميل يوميا، والذي بدأ تطبيقه في يوليو/تموز 2023، لثلاثة شهور أخرى، أي حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول من عام 2023، وبذلك سينخفض إنتاج المملكة في الأشهر الثلاثة القادمة إلى ما يقارب 9 ملايين برميل أي أقل بنسبة 25 في المئة من طاقتها القصوى البالغة 12 مليون برميل يوميا".

وأشار المصدر إلى أنه ستتم مراجعة قرار الخفض بشكل شهري للنظر في زيادة الخفض، أو زيادة الإنتاج، وأن هذا الخفض الطوعي الإضافي يهدف لتعزيز الجهود الاحترازية التي تبذلها دول "أوبك بلس" بهدف دعم استقرار أسواق البترول وتوازنها.

وفي هذا الإطار، يشير تقرير نشرته صحيفة "الفايننشيال تايمز" البريطانية إلى التوازي بين قرار المملكة، التي تقود مع روسيا مجموعة "أوبك بلس"، بتمديد خفض الإنتاج والقرار الروسي الذي أعلنه نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، بتمديد الخفض الطوعي لإنتاج النفط بمقدار 300 ألف برميل يوميا حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023. ويخلص التقرير إلى أن هذه الخطوة الهادفة لتعزيز الأسعار ستثير التوترات مع البيت الأبيض الذي انتقد تعاون المملكة الوثيق مع روسيا، على الرغم من غزو موسكو الواسع النطاق لأوكرانيا وتحويل إمدادات الغاز الطبيعي كسلاح نحو أوروبا.

فما هي الأسباب الحقيقية لخفض الإنتاج؟

أولا: تراجع واردات وصادرات الصين بما يهدد تعافي ثاني أكبر اقتصاد في العالم

يشير استطلاع أجرته وكالة "رويترز" إلى هبوط واردات الصين بنسبة 12.4 في المئة في يوليو/تموز المنصرم، وإلى انخفاض الصادرات بمعدل 14.5 في المئة، وهو ما يتجاوز الانخفاض المسجل في يونيو/حزيران السابق وقدره 12.4 في المئة، وفقا لبيانات الجمارك الصينية.

كما تراجعت أسعار المشتقات النفطية في آسيا جراء تباطؤ الطلب عليها من الصين، أكبر مستورد للمشتقات الخام، وقد طغى ذلك على مخاوف النقص في الإمدادات الناجم عن تخفيضات الإنتاج من قبل المملكة العربية السعودية وروسيا.

التراجع في الطلب على مشتقات الطاقة كان النتيجة الحتمية للتراجع في واردات الصين وصادراتها بوتيرة غير متوقعة وبما يهدد آفاق النمو في ثاني أكبر اقتصاد في العالم؛ فبالرغم من النمو الضعيف الذي سجله الاقتصاد الصيني في الربع الثاني من عام 2023، وتعهدات الحكومة بتقديم المزيد من الدعم لكن توقعات المحللين تؤشر إلى احتمال حصول المزيد من التباطؤ في الربع الثالث من العام في ظلّ ضعف قطاعات البناء، والتصنيع، والخدمات، وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر والأرباح الصناعية.

بالرغم من النمو الضعيف الذي سجله الاقتصاد الصيني في الربع الثاني من العام 2023، وتعهدات الحكومة بتقديم المزيد من الدعم، لكن توقعات المحللين تؤشر إلى احتمال حصول المزيد من التباطؤ في الربع الثالث من العام في ظلّ ضعف قطاعات البناء والتصنيع والخدمات وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر والأرباح الصناعية

هذا وقد سجل اليوان الصيني أدنى مستوياته في ثلاثة أسابيع كما تراجعت الأسهم الآسيوية بعد صدور البيانات. وبالرغم من إعلان السلطات خلال الأسبوع المنصرم أن الإجراءات التحفيزية باتت وشيكة، إلا أنّ المستثمرين لا يشعرون بالحماس تجاه المقترحات التي تهدف لتعزيز الاستهلاك في قطاعات السيارات والعقارات والخدمات.

وفي حين تسعى بكين لإيجاد طرق لتعزيز الاستثمار المحلي فإنها لا توفر الكثير من التسهيلات النقدية؛ خشية أن يؤدي ذلك إلى خروج رؤوس أموال كبيرة من البلاد في ظلّ اعتماد الاقتصادات الكبرى الأخرى على رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم.

لقد أظهرت بيانات الجمارك أن واردات الصين من النفط الخام انخفضت بنسبة 18.8 في المئة، على أساس شهري في يوليو/تموز، مسجلة أدنى مستوياتها منذ يناير/كانون الثاني، ففي حين خفضت كبرى الدول المصدرة صادراتها استمرت المخزونات المحلية في الارتفاع.

وبحسب البيانات عينها، فإن إجمالي شحنات النفط الخام الواردة إلى الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، بلغ 43.69 مليون طن في يوليو/تموز، بما يعادل 10.29 مليون برميل يوميا، في حين بلغت الواردات 12.67 مليون برميل يوميا في يونيو/حزيران، وهو ثاني أعلى مستوى مسجل على الإطلاق.

بالإضافة إلى ذلك، سجل اليوان الصيني، هبوطا إلى أدنى قيمة له مقابل الدولار الأميركي منذ 16 عاما، بانخفاض بلغ 0.2 في المئة، مسجلا 7.3294 يوان، للدولار الواحد في الأسواق الداخلية والخارجية. هذا التراجع يعكس شعورا متزايدا بالتشاؤم بشأن الظروف الاقتصادية والأسواق المالية في الصين، وفق وكالة "بلومبرغ" الأميركية.

ووفقا لبيانات رسمية، فقد انخفضت في أغسطس/آب صادرات الصين 8.8 في المئة، على أساس سنوي لتسجل 68.4 مليار دولار، بسبب تراجع الطلب العالمي على السلع الصينية، وهذا هو الانخفاض الرابع على التوالي بعد تراجع بنسبة 14.5 في المئة، في يوليو/تموز الماضي.

كما انخفضت واردات الصين 7.3 في المئة، مقارنة بالعام الماضي، مسجلة 216.5 مليار دولار في أغسطس/آب الماضي. أمّا الفائض التجاري للصين فبلغ أدنى مستوى في 3 أشهر عند 68.4 مليار دولار في أغسطس/آب، حيث انخفضت الصادرات أكثر من الواردات.

ثانيا: "أوبك بلاس" وموجبات خفض الإنتاج

يصف تقرير نشرته وكالة "رويترز" في 5 يونيو/حزيران إجراءات الخفض السعودية بالقول: "لقد صاغت السعودية اتفاقا معقدا لـ(أوبك بلس) بهدف معاقبة المستثمرين الذين راهنوا على انخفاض أسعار النفط، ولكنهم قد يقدّمون عن غير قصد دعما طويل الأجل لصناعة الطاقة الأميركية المنافسة".

وقد تعهدت السعودية حينها بخفض إنتاجها النفطي بمقدار مليون برميل يوميا، أو10 في المئة، من الإنتاج في يوليو/تموز بالإضافة إلى تخفيضات من قبل "أوبك" وحلفائها. وهذا يعني أن المجموعة وافقت على سحب نحو 4.6 مليون برميل يوميا من السوق، أي ما يعادل 4.6 في المئة، من الطلب العالمي البالغ 100 مليون برميل يوميا.

واتفقت "أوبك بلس" أيضا على تمديد تخفيض الإمدادات الحالية للمجموعة حتى عام 2024. وقال المحللون إن المكاسب ليست سوى البداية، وإن التخفيضات ستؤدي بشكل مطرد إلى تعميق نقص الإمدادات العالمية مما قد يدفع الأسعار نحو 100 دولار للبرميل.

Reuters
موظف بالقرب من أنبوب يحمل ثاني أكسيد الكربون إلى خط الأنابيب في محطة الحوية لاستعادة سوائل الغاز الطبيعي، التي تديرها أرامكو السعودية

من جهة أخرى، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، في حينه: "هذه السوق بحاجة إلى الاستقرار"، لقد انخفضت الأسعار لتقترب من 70 دولارا للبرميل مقارنة بأكثر من 130 دولارا قبل عام عندما غزت روسيا أوكرانيا، واصفا قراره المفاجئ بتعميق تخفيضات الإنتاج السعودي بأنه "تتويج للاتفاق". وتقول "أوبك" إنه ليس لديها أي هدف من خلال رفع سعر النفط، وإن قراراتها السياسية تهدف إلى منع التقلبات من خلال موازنة العرض والطلب.

وفي مطلق الأحوال، يعكس قرار الخفض بوضوح قلق وإحباط المنتجين، خاصة في المملكة العربية السعودية، جراء انخفاض الأسعار، فوفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي تحتاج الرياض إلى أسعار عند 80 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها .وبالرغم مما أثارته التخفيضات التي قامت بها المجموعة من انتقادات شديدة من الولايات المتحدة والدول المستهلكة الأخرى التي اتهمتها بتقويض الاقتصاد العالمي من خلال دفع تكاليف الطاقة إلى الارتفاع، فقد رد وزراء "أوبك بلس" بأنهم يدافعون عن مصالحهم الخاصة، وأنهم بحاجة إلى توفير الظروف لاستثمار طويل الأجل في قطاع النفط والغاز. ويضيفون أن السياسات المجتزأة للتحوّل إلى الطاقة منخفضة الكربون أدت إلى تثبيط الاستثمار وقد تؤدي إلى نقص في الإمدادات في المستقبل قبل أن يصبح العالم مستعدا للعيش دون نفط.

يمكن القول إن هذه التخفيضات تتم بطريقة طوعية لأنها خارج السياسة الرسمية لـ"أوبك بلس"، التي تلزم كل عضو غير معفي بحصة من حصص الإنتاج. وقد سبق للأمين العام لمنظمة "أوبك"، هيثم الغيص، أن أوضح أن اللجوء إلى التخفيضات الطوعية خارج قرارات "أوبك بلس" لا يشير إلى انقسامات في وجهات النظر السياسية بين أعضاء التحالف

يمكن القول إن هذه التخفيضات تتم بطريقة طوعية لأنها خارج السياسة الرسمية لـ"أوبك بلس"، التي تلزم كل عضو غير معفي بحصة من حصص الإنتاج.

وقد سبق للأمين العام لمنظمة "أوبك"، هيثم الغيص، أن أوضح أن اللجوء إلى التخفيضات الطوعية خارج قرارات "أوبك بلس" لا يشير إلى انقسامات في وجهات النظر السياسية بين أعضاء التحالف؛ فبعد انخفاض إلى أقل من 75 دولارا للبرميل خلال الجزء الأكبر من النصف الأول من العام، ارتفعت أسعار العقود الآجلة العالمية بأكثر من 10 دولارات للبرميل خلال الصيف، جراء المخاطر الأمنية في الغابون، العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، والتهديد بتعطيل الإنتاج النفطي خلال شهر أغسطس/آب، في خليج المكسيك في أعقاب الإعصار "إداليا".

هذا وتتوقع وكالة الطاقة الدولية، ومقرها باريس، زيادة تراجع الإمدادات في النصف الثاني من عام 2023 مع تعافي الطلب في الصين، أكبر مستورد للخام في العالم.

هذا وقد ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت، تسليم شهر نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 90.07 دولار للبرميل، بزيادة 1.07 دولار، كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط إلى 86.95 دولار، للبرميل بزيادة 1.40 دولار.

ثالثا: الموجبات والرهانات السعودية

لا بد من وضع الإجراءات التي اتخذتها المملكة في سياق عملية الموازنة الصعبة بين تنفيذ التخفيضات في إنتاج النفط، ونتائج ذلك على اقتصادها المعتمد على النفط الخام، حيث يمكن تعويض الخسائر الناجمة عن تقليص الإنتاج، وبشكل غير مباشر، أحجام التسويق، جزئيا من خلال الزيادات في أسعار البيع في الرياض وفي أسعار النفط العالمية التي تدعمها.

وتعتمد المملكة العربية السعودية على عائدات النفط لدعم كثير من المشاريع العملاقة المصممة لتنويع اقتصادها. وقد أدت تخفيضات إنتاج الخام وانخفاض أسعار النفط في وقت سابق من هذا العام إلى تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بتراجع 3.8 في المئة، في الربع السابق، و11.2 في المئة في نفس الفترة من عام 2022، وفقا لتقرير نشره موقع "CNBC" في 5 سبتمبر/أيلول الجاري، ويقول مراقبو "أوبك" إن موقف المملكة دقيق، حتى مع تزايد التكهنات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الرياض في انتخابات أميركية متقاربة. هذا بالإضافة إلى أن المملكة ملتزمة بإنجاز رؤية 2030، ومن ضمنها بناء مدينة نيوم على البحر الأحمر.

وتجدر الإشارة إلى أن الأنشطة النفطية في المملكة التي تشمل أنشطة النفط الخام، والغاز الطبيعي، وأنشطة التكرير، قد سجلت انكماشا، هو الأول على أساس فصلي منذ الربع الثاني من عام 2021، بمعدل 4.3 في المئة بدلا من 4.2 في المئة، في التقديرات السابقة، وذلك في أعقاب الخفض الطوعي لإنتاج النفط البالغ مليون برميل يوميا، الذي بدأته السعودية في مايو/أيار الماضي ومدّدته حتى نهاية أغسطس/آب الماضي، قبل أن تعود وتعلن قبل أيام عن تمديده مجددا حتى نهاية 2023؛ لدعم استقرار أسواق النفط العالمية.

هذا وتعول المملكة على الاقتصاد غير النفطي الذي سجل نموا بمعدل 6.1 في المئة، خلال الربع الثاني من عام 2023، وأدى إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 1.2 في المئة، في الربع الثاني من العام.

وفي بيانه خلال الأسبوع المنصرم في المقابل، توقّع صندوق النقد الدولي نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي في السعودية بمعدل 4.9 في المئة، في 2023، و4.4 في المئة في 2024.

في الردود الأميركية على قرارات خفض الإنتاج

أبدت الولايات المتحدة الكثير من التريث حيال القرار السعودي المتّخذ في إطار "أوبك بلس"؛ إذ صرح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، بأنه لا توجد خطط لعقد اجتماع ثنائي يجمع الرئيس جو بايدن، مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال قمّة مجموعة العشرين التي عقدت في نهاية هذا الأسبوع في نيودلهي، وأن إعلان الخفض الطوعي لن يغير ذلك.

وفي حين علّق وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، على إعلان السعودية، وروسيا بتخفيض الإنتاج لمدة 3 أشهر أخرى على الأقل، قائلا: "سننظر لهذا الأمر بعناية في الأيام والأسابيع المقبلة لنرى النتائج التي سيحققها بالفعل".

Reuters
وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في اجتماع، 30 يناير 2023

تثير وحدة السياسة النفطية بين روسيا، والسعودية قلق الولايات المتحدة، فبالرغم من آثارها على التضخم وارتفاع الأسعار؛ فإنها تشكّل سلاحا قويا للحزب الجمهوري بمواجهة إدارة بايدن التي تحرص على إبقاء أسعار محطات الوقود تحت السيطرة قبل الانتخابات الرئاسية في العام المقبل.

ويأتي تمديد التخفيضات في توقيت دقيق بالنسبة للبيت الأبيض، الذي سلط الضوء على تعزيز الاقتصاد وتباطؤ التضخم كعلامة على نجاح ما عرف بــBidenomics""، وهي رؤية بايدن الاقتصادية المتمحورة حول القيام باستثمارات عامة ذكية في أميركا، تمكين وتعليم العمال لتنمية الطبقة الوسطى وتعزيز المنافسة لخفض التكاليف، ومساعدة رواد الأعمال والشركات الصغيرة على الازدهار.

تثير وحدة السياسة النفطية بين روسيا، والسعودية قلق الولايات المتحدة فبالرغم من آثارها على التضخم وارتفاع الأسعار؛ فإنها تشكّل سلاحا قويا للحزب الجمهوري بمواجهة إدارة بايدن التي تحرص على إبقاء أسعار محطات الوقود تحت السيطرة قبل الانتخابات الرئاسية في العام المقبل

وهناك مخاوف لدى الإدارة الأميركية من استخدام إمدادات النفط من قبل الرئيس، فلاديمير بوتين، للتأثير على الانتخابات الأميركية، سيما أن بعض المرشحين ومنهم الرئيس السابق، دونالد ترمب، الذين يميلون إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا والدفع بكييف للتفاوض مع موسكو.

لقد قدم ارتفاع الأسعار لخصوم بايدن الجمهوريين مادة دسمة قبل الانتخابات الرئاسية وهم يحمّلون البيت الأبيض مسؤولية إعطاء الأولوية لسياسة المناخ على إنتاج النفط المحلي. وفي هذا السياق يقول دونالد ترمب، الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الأوفر حظا في الانتخابات التمهيدية، في مقابلة أجرتها معه مجلة "نيوزماكس" مؤخرا: "إنهم يستخدمون البيئة لتدمير الناس فقط. لدينا الذهب السائل تحت أقدامنا، كنا نصنع ثروة ثم قام بإيقاف ذلك... سوف نقوم بالحفر... سوف نخفض أسعار الطاقة كثيرا".

يذكر أن إدارة جو بايدن كانت أكثر قوة في العام الماضي، عندما اندلعت أزمة أسعار الطاقة العالمية في أعقاب الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، وبذل البيت الأبيض قصارى جهده مع ارتفاع أسعار المحروقات إلى ما يزيد على 4 دولارات للغالون، وهي عتبة حساسة سياسيا. في حينه ناشد بايدن شركات حفر الصخر الزيتي ضخ المزيد من النفط ثم سمح بإطلاق كميات قياسية من النفط الخام المخزن في مخزونات الطوارئ الفيدرالية في السوق، مما ساعد على ترويض الارتفاع الحاد في أسعار النفط.

لكن هذه الإجراءات أصبحت أقل فعالية الآن، حيث يشهد قطاع النفط الصخري، الذي كان غزير الإنتاج، تباطؤا هذه الأيام، كما تراجعت الاحتياطات الاستراتيجية من النفط إلى أدنى مستوى لها منذ عام 1983. لقد ساعد هذا الوضع المتشابك في تضييق أسواق النفط مع ارتفاع الطلب العالمي على الوقود، مما أعطى المملكة العربية السعودية المزيد من التأثير على الأسعار. يقول جاك سوليفان، مستشار الأمن القومي، بعد إعلان الرياض عن التخفيضات الإضافية، إن البيت الأبيض سيواصل "التواصل المنتظم مع السعوديين، ويضيف أن "المقياس النهائي" للحكم على نجاح بايدن سيكون "سعر غالون الغاز للمستهلك الأميركي".

ويقدم بيان قمّة العشرين التي أنهت أعمالها نهاية الأسبوع المنصرم باتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة، والسعودية، والإمارات، والاتحاد الأوروبي، وشركاء آخرين في مجموعة العشرين، حول مشروع الممر الاقتصادي للنقل عبر البحر والسكك الحديدية من الهند عبر الشرق الأوسط وصولا إلى أوروبا، ببوادر لمقاربة أميركية جديدة حيال المملكة العربية السعودية.

إن مجرد مقاربة العلاقة مع دول الخليج العربي تساهم في تدفق التجارة والطاقة ونقل البيانات وتعزيز التبادل بين المعنيين، وقد يكون ذلك من قبيل الرد الأميركي على مشروع الحزام والطريق الذي استندت إليه الاستراتيجية الصينية.

يوحي التحرك السعودي لرفع أسعار النفط بالرغبة في إعادة مناقشة الملفات الخلافية من زوايا مختلفة بين الرياض وواشنطن، ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق تاريخي لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة، وتحاول تعزيز التحالف الدولي ضد روسيا، يبدو أن قادة المملكة يفكرون بشكل استراتيجي في العلاقة الأميركية السعودية باعتبارها أكثر من مجرد علاقة إمدادات الطاقة.

لا شك أن لدى المملكة قائمة طويلة من الهواجس بدءا من ضمان الدعم العسكري النهائي وصولا إلى دعم برنامج نووي مدني، وهي جادة في الحصول على مزيد من النفوذ قبل مباشرة مناقشاتها مع البيت الأبيض.

تحتفظ الرياض بإعلانها إجراء مراجعة شهرية للتخفيضات كورقة مساومة في المفاوضات، خاصة مع انطلاق الحملة الانتخابية، وفي هذا الإطار تقول كارين يونغ من مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا: "أعتقد أن المملكة العربية السعودية تتمتع بنفوذ في عدد من القضايا في الوقت الحالي، ففي حال وجود إدارة مقبلة على دورة انتخابية، فإن السعوديين يحملون الكثير من الأوراق".

font change

مقالات ذات صلة