ميلانو: ترى روبرتا فيرّو في مقدّمة كتابها "مراسلات أدباء من القرنين السادس والسابع عشر"، أن الرسائل "مرآة لمن يكتبها"، فهي تحمل في طياتها الكثير من الجوانب الخفية لحيوات الأدباء، وقبل كل شيء، تنمّ عن عفوية قلما نجدها في أعمالهم الأدبية. هذا ما يمكن لمسه مثلا في رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان، في سياق يتفاوت بين البوح بأسرار القلب وما يعتمل في النفس من خوالج الحب، حيث تُظهر هذه الخطابات، بشفافية ووضوح، الجانب الإنساني لكنفاني.
من جهة أخرى، ثمة مراسلات اتسمت بالعنف اللفظي، وبمجابهة شرسة لا يمكن التكهّن بأبعادها، كما في العلاقة الإشكالية بين اثنين من أكبر شعراء فرنسا، بول فيرلين وآرثر رامبو، التي أدّت إلى نهاية مأسوية، كشفت بعض ملابساتها رسائل فيرلين التي تغطّي ما يقرب من عشرين عاما، من 1857 إلى 1885. فبعد صدور المجلّدات الضخمة لمراسلات تيوفيل غوتييه وإميل زولا، احتفى المتخصصون بأدب النصف الثاني من القرن التاسع عشر بنشر المجلد الأول من رسائل بول فيرلين الكاملة، التي ستبلغ في مجملها نحو ألفي رسالة.
ينطوي ه.ذا المجلد الأول على قيمة خاصة لأنه يسلّط الضوء على سنوات تكوين الشاعر، وصعود نجمه المتدرّج، وعلى علاقته برامبو، وعلى حياته في السجن وصداقاته ومشاريعه وأعماله وآرائه الأدبية، وعلى عزمه المفاجئ الزواج من ماتيلد التي أذاقها الأمرّين. فقد كان فيرلين يأمل من ذلك الحصول على التجديد المادي والمعنوي لكيانه المتضعضع، والرسو في ميناء يمنحه السكينة والاستقرار، بدلا من الانجراف خلف الأهواء، موليا ظهره لإدمان الكحول والمثلية الجنسية التي عاشها ولم يقبلها أبدا بشكل كامل.