حذر بين حلفاء المملكة المتحدة حيال "حزب العمال"

حذر بين حلفاء المملكة المتحدة حيال "حزب العمال"

شرع كير ستارمر، زعيم المعارضة في المملكة المتحدة، في جولة دولية لزيارة الحلفاء الرئيسين بهدف تعزيز صورته ووضع بعض الأسس لما يبدو أنه مسيرته الحتمية نحو مقر رئاسة الوزراء في داونينغ ستريت. ومع تصدر "حزب العمال"، الذي يقوده حاليا، استطلاعات الرأي بفارق 17 نقطة ومع احتمال إجراء انتخابات عامة في العام القادم، يستعد كل من ستارمر وحلفاء بريطانيا لانتقال السلطة.

وتوضح جولة ستارمر بعضا من أولويات سياسته الخارجية. فخلال قمة السياسيين التقدميين التي استضافها رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، حدد ستارمر "محور عدم الاستقرار" الذي يواجهه الغرب في العالم اليوم، والذي يتمحور حول التهديدات الأربعة المتمثلة في تهريب البشر والإرهاب وتغير المناخ وإضعاف الديمقراطية. وجاءت هذه الرحلة بعد زيارة سابقة إلى لاهاي لمناقشة إعادة النظر في ترتيبات الهجرة للاتحاد الأوروبي وبريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي للمساعدة في مكافحة تزايد أعداد القوارب الصغيرة للمهاجرين المتجهين نحو المملكة المتحدة. وبعد كندا، من المتوقع أن يصل ستارمر إلى فرنسا للقاء الرئيس إيمانويل ماكرون، حيث ستناقش على الأرجح طموحات زعيم حزب العمال لمراجعة جوانب أخرى من صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).

يجب أن يرحب كثير من حلفاء بريطانيا الغربيين بالاحتمال الكبير لفوز ستارمر في الانتخابات وبالقضايا التي يسلط عليها الضوء حاليا

ظاهريا، يجب أن يرحب كثير من حلفاء بريطانيا الغربيين بالاحتمال الكبير لفوز ستارمر في الانتخابات وبالقضايا التي يسلط عليها الضوء حاليا. ومن الناحية الآيديولوجية، فإن حكومة المحافظين اليمينية في بريطانيا لا تتفق حاليا مع أغلب حلفاء المملكة المتحدة: الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وكندا، التي يقودها ساسة وسطيون أو من يسار الوسط. ويبدو أن ستارمر، الذي تجاهل كثيرا من السياسات والشخصيات اليسارية المرتبطة بسلفه في زعامة حزب العمال، جيريمي كوربين، يزداد تقاربا مع القادة الوسطيين مثل ماكرون والرئيس الأميركي جو بايدن.

وبعيدا عن التقارب الآيديولوجي العام، توافقت أولويات ستارمر مع أولويات حلفاء بريطانيا؛ إذ كانت مكافحة الإرهاب عنصرا موحدا للسياسة الخارجية الغربية منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. وصعدت مكافحة تغير المناخ على قائمة الأولويات في السنوات الأخيرة، ولكن يبدو أن بريطانيا، تحت قيادة ريشي سوناك، متأخرة في هذا المجال، وبالتالي فإن التزام ستارمر بسياسات أكثر مراعاة للبيئة سيكون موضع ترحيب حار. ويعتبر محور التهديد بإضعاف الديمقراطية أمرا قابلا للتأويل، لكن معظم الأشخاص سيعتبرون تسليط الضوء عليه، إلى جانب تصريحات أخرى أدلى بها زعيم حزب العمال، دليلا على استمرار التزام المملكة المتحدة بدعم الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في كييف في حربها ضد روسيا.

ويبدو أن رفع مستوى قضية تهريب البشر لتكون على نفس مستوى قضية الإرهاب والتهديدات الأخرى يستهدف في المقام الأول الجماهير المحلية؛ إذ يسعى ستارمر إلى طمأنة الناخبين البريطانيين بأن حكومة حزب العمال ستكون صارمة مثل حكومة المحافظين في مكافحة الهجرة غير الشرعية، ولكنها ستكون أكثر فعالية من خلال استهداف عصابات التهريب بدلا من الأفراد كما هو الحال حاليا. ومن حيث المبدأ، سيكون هذا الأمر أيضا موضع ترحيب من قبل زعماء الاتحاد الأوروبي لأنه يشير إلى استعداد للتعاون بشكل أكبر مع بروكسل مقارنة بالحكومات البريطانية السابقة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن ستارمر يبدو متوافقا من الناحية الآيديولوجية مع حلفاء بريطانيا الغربيين الرئيسين أكثر من المحافظين، إلا أن هناك بعض المخاوف أيضا؛ إذ يشعر الاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، بالقلق من تعهد ستارمر في مقابلة حديثة مع صحيفة "فايننشيال تايمز" بالبحث عن صفقة بريكست أفضل بكثير من الصفقة الحالية. وتحدث ستارمر مع وزير خارجية الظل، ديفيد لامي، عن إعادة فتح المفاوضات لتمكين بريطانيا من الوصول إلى جوانب معينة من الأسواق الأوروبية، على الرغم من التزامهما بالبقاء خارج الاتحاد الأوروبي وسوقه الموحدة والاتحاد الجمركي. 
وبالنسبة لبروكسل، كان الوصول الجزئي إلى السوق خطا أحمر خلال مفاوضات بريكست السابقة، وهي غير متحمسة لاحتمال إعادة فتح ما ثبت أنه فصل مثير للجدل في علاقات المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي. ورغم أن ستارمر سيتولى منصبه بقدر كبير من حسن النية من جانب العواصم الأوروبية التي ستسعدها رؤية تراجع المحافظين المناهضين للاتحاد الأوروبي، فإن هذا لن يمنحه تصريح مرور مجاني.

يرحب بايدن بصعود حزب العمال، الذي يعتبر تاريخيا مؤيدا لحلف شمال الأطلسي وأوروبا، وبالتالي يمكنه المساعدة في إصلاح التوترات في التحالف الغربي

وبالمثل، من المرجح أن يرحب بايدن بصعود حزب العمال، الذي يعتبر تاريخيا مؤيدا لحلف شمال الأطلسي وأوروبا، وبالتالي يمكنه المساعدة في إصلاح التوترات في التحالف الغربي. ولكن في الوقت نفسه، سيرغب في أن تتبنى بريطانيا موقفا أكثر صرامة تجاه الصين. وبينما تعرض سوناك لانتقادات بسبب تردده تجاه بكين، اقترح لامي أيضا تعاملا مختلفا مع الصين، مما يثير مخاوف واشنطن من كونه ليس حازما بما فيه الكفاية.

بالطبع، كل ما سبق يفترض فوز بايدن بالانتخابات المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وبينما يصر حزب العمال على أنه سيظل قريبا من الولايات المتحدة أيا كان الموجود في البيت الأبيض، إلا أن عودة ترمب إلى الرئاسة يمكن أن تضع نهاية لكثير من الافتراضات داخل التحالف الغربي. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تكون المعركة ضد تغير المناخ والدفاع عن أوكرانيا سببا لتقسيم حلفاء المملكة المتحدة الغربيين بدلا من توحيدهم. ومثل هذا التغيير في المناخ العالمي سيجعل كثيرا من تعهدات ستارمر وأولوياته الحالية غير ذات صلة.

font change

مقالات ذات صلة