مجلس الأمن يترنح على طريق الهند الجديد

Reuters
Reuters

مجلس الأمن يترنح على طريق الهند الجديد

كان لافتا طرح الرئيس الأميركي جو بايدن مسألة إصلاح مجلس الأمن الدولي في كلمته أمام الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الأسبوع المنصرم، وعزم إدارته على زيادة عدد أعضائه الدائمين.

لقد أكدت التجربة منذ عام 1945 أن مجلس الأمن لم يكن أكثر من منتدى لتثبيت نفوذ الدول الخمس الكبرى المتمتعة بحق النقض، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا اللتان توسلتا في أحيان كثيرة بعرقلة الإجراءات المطلوبة لمعالجة الأزمات، والتسبب في نتائج إنسانية كارثية. هذا ما أكده الدور الأميركي في التعامل مع نكبة فلسطين، وفي تزوير الحقائق تمهيدا لتدمير العراق، أو في الإحجام عن اتخاذ قرار دولي لوقف مأساة الشعبين الليبي والسوري، وهذ ما يظهره استخدام حق النقض من قبل روسيا فيما يتعلق بالصراع الدائر في أوكرانيا.

لقد عكست تركيبة مجلس الأمن منذ تأسيسه معادلة قوة أرستها الحرب العالمية الثانية بين قوى مهزومة محكومة بالانكفاء وقوى منتصرة تموضعت على رأس المنظمة الدولية بوصفها مسؤولة عن تثبيت الأمن والسلم الدوليين. ترنحت هذه المعادلة مع سقوط جدار برلين يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989، وترنحت معها المنظمة الدولية لتستقر في كنف الولايات المتحدة. شكّل سقوط جدار برلين اللحظة المناسبة لإطلاق حملة عسكرية بقيادة الولايات المتحدة بموجب تفويض من مجلس الأمن لإخراج القوات العراقية من الكويت في يناير/كانون الثاني 1991 تحت اسم عاصفة الصحراء، ليصدر بعدها مجلس الأمن 16 قرارا دعا بموجبه إلى الإزالة الكاملة لأسلحة الدمار الشامل العراقية، كان آخرها القرار 1441 في نوفمبر/تشرين الثاني 2002 الذي ينص على أنه "إذا فشل مجلس الأمن في اتخاذ إجراء حاسم في حالة حدوث المزيد من الانتهاكات العراقية، فإن هذا القرار لا يمنع أي دولة عضو من اتخاذ إجراءات لحماية نفسها من التهديد الذي يمثله العراق، أو لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وحماية السلام والأمن العالميين".

وبالرغم من تقارير لجنة الأمم المتحدة للمراقبة والتحقق والتفتيش حول عدم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق، عُقدت قمّة طارئة جمعت الرئيس الأميركي جورج بوش برئيس الوزراء البريطاني توني بلير في جزر الآزور يوم 15 مارس/آذار 2003 أعلن بعدها بوش أنه على الرغم من تقرير اللجنة، فإن "الدبلوماسية فشلت" في إجبار العراق على الامتثال لمتطلبات التفتيش الصادرة عن الأمم المتحدة، وأعلن عزمه استخدام القوة العسكرية لمهاجمة العراق، ليبدأ غزو العراق يوم 19 مارس/آذار. هذا دون الحاجة للتذكير بالحرب على أفعانستان في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001 التي شنها الجيش الأميركي بالتعاون مع المملكة المتحدة بعد هجمات 11 سيتمبر/أيلول، حيث زعمت إدارة بوش أن سيادة أفغانستان مجرد "سيادة انتقائية"، وأن التدخل كان ضروريا، لأن طالبان هددت سيادة بلاد أخرى.

لم يكن مجلس الأمن يوما صورة حقيقية عن توازن القوى في العالم أو مصالح معظم دوله، أكثر منه مرآة للتناحر الأميركي مع الاتحاد السوفياتي، ولاحقا مع الصين وروسيا، وأسيرا لإخفاقات تعود إلى ممارسة حق النقض لخدمة تحالفات ومصالح، وأحيانا لمجرد تبادل حق النقض، وهذا ما جعله يفتقد فعاليته. فهل يعبّر ما طرحه الرئيس بايدن عن نيّة حقيقية لإصلاح مجلس الأمن من خلال النظام الأساسي للمنظّمة الدولية سواء بجعله أكثر تمثيلا، أو بوضع آلية لنقض قراراته أو لتقييد استخدام حق النقض، وهو ما يتطلب موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة الـ193 وجميع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن؟

لم يكن مجلس الأمن يوما صورة حقيقية عن توازن القوى في العالم أو مصالح معظم دوله، أكثر منه مرآة للتناحر الأميركي مع الاتحاد السوفياتي، ولاحقا مع الصين وروسيا، وأسيرا لإخفاقات تعود إلى ممارسة حق النقض لخدمة تحالفات ومصالح، وأحيانا لمجرد تبادل حق النقض، وهذا ما جعله يفتقد فعاليته

اللافت للنظر هو تزامن دعوة الرئيس بايدن مع دعوة مماثلة لوزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان- خلال الاجتماع الوزاري التحضيري الذي عُقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة- إلى إجراء إصلاحات شاملة لمجلس الأمن "توسّع المشاركة والتمثيل فيه، وتعزز من استجابته للأزمات ليشمل هواجس واحتياجات كل الدول، بما فيها الدول النامية"، مضيفا أن المجتمع الدولي يواجه عددا من التحديات المشتركة، التي تحتّم العمل الجماعي لمواجهتها بشكل فعال، ولافتا إلى أنه لن يتم تحقيق تقدم في معالجتها دون توفير البيئة الإقليمية والدولية الآمنة والمستقرة، التي تمكّن الدول من العمل بالشراكة فيما بينها. وفي هذا أكثر من إشارة إلى استحالة تحقيق أي تطوير في أداء مجلس الأمن ضمن البيئة الدولية والإقليمية التي تتشكل في ظلّ الاتفاقات الاقتصادية المعقودة وفي مقدّمها مبادرة طريق الهند.

AFP
الرئيس الاميركي جو يايدن يلقي كلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة في 19 سبتمبر


إن معاينة المشهد الدولي العام الذي تشكل الدورة الـــ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة آخر حلقاته حتى الآن، توحي بمقدّمات لمتغيّرات جذرية استُعيد معها الحديث عن نظام عالمي جديد وشرق أوسط جديد، ضمن ظروف تبدو أكثر نضجا. وتؤشر المقابلة التي أجرتها قناة "فوكس نيوز" مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى انطلاق "عصر اقتصادي جديد" عنوانه الاستقرار في خدمة التنمية ويتخطى قواعد ومسلمات المشهد المألوف. كما أن تأكيد كل من ولي العهد محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الدور الأميركي الضاغط والتقدم المتسارع في التطبيع والاستخدام الموحّد للتعابير المتعلقة بالوضع الجديد يوحي بأن هناك محاولة لترسيم حدود العالم الأميركي الجديد.

يبدو أن طريق الهند الجديد هو النموذج لشراكات اقتصادية قادمة تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى إنهاء صلاحية مجلس الأمن

ويبدو أن طريق الهند الجديد هو النموذج لشراكات اقتصادية قادمة تسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى إنهاء صلاحية مجلس الأمن نظرا لتراجع القدرة في السيطرة عليه، وإعادة إنتاج دور ريادي لها من خلال إغراق الحلفاء والأصدقاء بشبكة من اتفاقات اقتصادية قابلة للتحوّل إلى تحالفات عسكرية بحيث تستعيد هيمنتها الدولية من بوابة حماية مصالح الحلفاء.

font change

مقالات ذات صلة