هل روسيا مستعدة لمستقبل بلا "مايكروسوفت"؟

هناك بدائل محلية لكن حصة "ويندوز" من أنظمة التشغيل نحو 80 في المئة

Nash Weerasekera
Nash Weerasekera

هل روسيا مستعدة لمستقبل بلا "مايكروسوفت"؟

في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، فُرِضت مجموعة من العقوبات دفعت العديد من الشركات الكبرى إلى التفكير في مستقبلها في البلاد. وباعتبار روسيا أحد أغنى البلدان في العالم من حيث الموارد الطبيعية ويبلغ عدد سكانها أكثر من 140 مليون نسمة، لطالما عُدَّت جذابة للشركات العالمية من معظم القطاعات. لكن الأسئلة الأخلاقية التي تُطرَح حاليا تدور حول البقاء في روسيا والتكاليف المتزايدة في شكل كبير لممارسة الأعمال هناك، ما دفع أكثر من ألف شركة إلى الخروج من البلاد، وفق معهد الرؤساء التنفيذيين للقيادة في مدرسة جامعة يال للإدارة.

في 4 مارس/آذار 2022، أعلنت "مايكروسوفت" أنها ستعلق المبيعات الجديدة في روسيا، و"اننا ننسق مع حكومات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ونوقف العديد من جوانب أعمالنا في روسيا امتثالاً لقرارات العقوبات"، وأضافت: "منذ بدء الحرب، نتصرف في مواجهة إجراءات روسية سوقية أو مدمرة أو معطلة تستهدف أكثر من 20 من المؤسسات الحكومية ومؤسسات تكنولوجيا المعلومات ومؤسسات القطاع المالي في أوكرانيا. وتصرفنا أيضاً في مواجهة هجمات إلكترونية استهدفت العديد من المواقع المدنية الإضافية". حُدِّث الإعلان في وقت لاحق لإضافة أن "مايكروسوفت" التزمت بالفعل مبلغ 35 مليون دولار في مارس/آذار 2022 لدعم المساعدات الإنسانية وجهود الإغاثة في أوكرانيا.

بعد هذا القرار، أوردت صحيفة "كوميرسانت" الروسية أن الطلب على منتجات "ويندوز" المقرصنة كان يشهد ارتفاعاً. وفي الفترة من مايو/أيار إلى يونيو/حزيران 2022 ارتفعت الصياغات المختلفة لكيفية تنشيط منتجات "مايكروسوفت" أو تنزيلها بنسبة 80 في المئة إلى 250 في المئة مقارنة بالأرقام قبل قرار الشركة وقف المبيعات. وارتفع عدد عمليات البحث عن الإصدارات المقرصنة من "إكسل" (Excel) بنسبة 650 في المئة وواصل الناس تنزيل نظام التشغيل "ويندوز" (Windows) باستخدام حلول الشبكات الخاصة الافتراضية (Virtual Private Networks, VPNs)، وفق "كوميرسانت".

اعترفت "مايكروسوفت" بأن مجموعتي قراصنة تُسمَّيان "عاصفة منتصف الليل الثلجية" أو "الدب الدافئ" تستخدمان دردشات "تيمز" (Teams) في هجمات تصيد احتيالي (phishing) ضد حكومات ومنظمات غير حكومية وشركات

كانت "مايكروسوفت" تتساءل عن أعمالها في روسيا حتى قبل غزو أوكرانيا. في عام 2021، وردت تقارير تفيد بأن "مايكروسوفت روسيا" كانت قد مرت بمراحل عدة من تقليص الحجم وإعادة الهيكلة، ارتباطاً بانخفاض في الإيرادات. وقالت شبكة "بي إن إي إنتيلي نيوز" الإعلامية التي تتخذ من برلين مقراً لها، إن عدد الموظفين المحليين للشركة كان قد خُفِّض بمقدار الثلثين خلال هذه العملية، من ألف في عام 2014 إلى نحو 300 في عام 2021. ومن أسباب تراجع حظوظ "مايكروسوفت" كانت تنظيمات حكومية فرضت شراء حلول البرمجيات المحلية محل "استيراد" التكنولوجيا الأجنبية. ووفق تقرير "بي إن إي إنتيلي نيوز"، انخفضت إيرادات "مايكروسوفت" من 137 مليون دولار عام 2016 إلى 90 مليون دولار عام 2020. 

العقوبات والتهديدات السيبرانية الروسية

في الواقع تسبق مشاكل "مايكروسوفت" المتعلقة بالعقوبات الروسية أحداث فبراير/شباط 2022. فقد أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ("أوفاك") في وزارة الخزانة الأميركية في وقت سابق من السنة الجارية أن الشركة وافقت على دفع غرامة مقدارها نحو ثلاثة ملايين دولار، تتعلق ببيع "تراخيص برمجيات، و/ أو تراخيص برمجيات منشطة، و/ أو قدمت خدمات ذات صلة من خوادم وأنظمة وجودة في الولايات المتحدة وأيرلندا إلى مواطنين محددين على نحو خاص وأشخاص محظورين ومستخدمين نهائيين آخرين" وأن "معظم الانتهاكات الواضحة شملت جهات روسية محظورة أو أشخاصاً روساً محظورين  موجودين في منطقة القرم الأوكرانية". ومما تسبب في مزيد من الصداع للشركة، اعترفت "مايكروسوفت" بأن مجموعتي قراصنة تُسمَّيان "عاصفة منتصف الليل الثلجية" (Midnight Blizzard) أو "الدب الدافئ" (Cozy Bear) تستخدمان دردشات "تيمز" (Teams) في هجمات تصيد احتيالي (phishing) ضد حكومات ومنظمات غير حكومية وشركات.

وأفادت "معلومات التهديدات" (Threat Intelligence) التابعة لـ"مايكروسوفت" بما يأتي: "في هذا النشاط الأخير، يستخدم الطرف الفاعل المهدد تقسيمات برمجية في 'مايكروسوفت 356' سبق واختُرِقت وتملكها شركات صغيرة لإنشاء نطاقات جديدة تظهر كجهات دعم فني. باستخدام هذه النطاقات من التقسيمات البرمجية المخترقة، تستفيد 'عاصفة منتصف الليل الثلجية' من رسائل 'تيمز' لإرسال خدع تحاول سرقة بيانات الاعتماد من مؤسسة مستهدفة من خلال إشراك مستخدم والحصول على الموافقة على مطالبات المصادقة المتعددة العوامل (multifactor authentication, MFA).

روسيا لا تزال تتحدى

تعزز قوانين "استبدال الواردات" الروسية الخطوط الأساسية لشركات التكنولوجيا المحلية وتقدم العقوبات الأخيرة دفعة كبيرة في هذا الصدد. زادت "روسبيتك-أسترا"، التي تنتج نظام تشغيل يستند إلى "لينوكس" (Linux) يسمى "أسترا" (Astra)، إيراداتها ثلاثة أضعاف تقريباً، من 2,4 مليار روبل عام 2021 إلى 6,5 مليارات روبل عام 2022، ويتقلب سعر الدولار في مقابل الروبل في شكل كبير منذ فبراير/شباط 2022، لكن في وقت كتابة هذا المقال، كان مبلغ الـ6,5 مليارات روبل يعادل نحو 67,5 مليون دولار.

REUTERS

في أغسطس/آب 2023، جرى تداول أخبار مفادها بأن عملاء تلقوا خطاباً من "خدمات مايكروسوفت عبر الإنترنت" (Microsoft Online Services) تشير إلى أن الخدمات الحالية لن تُمدَّد في روسيا بعد 30 سبتمبر/أيلول (اعتبارا من اليوم)، وذكرت "فوربس روسيا" أن "مايكروسوفت" أكدت هذه المعلومات، على الرغم من أن اقتصار القرار على تراخيص "مايكروسوفت 365" فقط لم يتضح. وفي الوقت الحالي، ظل تفضيل السوق العام لمنتجات "مايكروسوفت" قوياً جداً في أغسطس/آب 2023. ووفق ديمتري ميروشنيك، الخبير في القطاع، هناك بدائل محلية، مثل "أسترا" و"ريد أو إس" (RedOS) و"بايس ألت" (BaseAlt)، لكن حصة "مايكروسوفت" في سوق أنظمة التشغيل ظلت مهيمنة عند نحو 80 في المئة.وعندما يتعلق الأمر بالمنتجات المكتبية، سجلت هذه الحصة نحو 50 في المئة إلى 60 في المئة.

يمكن لنظام التشغيل "ألت 8 إس بي" التعامل مع أي مهام ويمكنه الحلول محل "ويندوز" تماماً، وهو يفعل ذلك عمليا في القطاع العام، وفي الصناعات الكبيرة"

مكسيم أورلوف، رئيس قسم تطوير المشاريع في "آي في كاي"

ولفت إيغور ميخائيلوف، الخبير القانوني في المجال السيبراني في مؤسسة "إف. إيه. سي. تي." (F.A.C.T.) إلى أن هذا تطور مثير للقلق في شكل خاص للشركات في روسيا، لأنه ترك شبكاتها عرضة إلى هجمات. وقال: "في النظر إلى المستويات العالية جداً من نشاط الجماعات الموالية للحكومة والمتسللين ذوي الدوافع السياسية الذين يهاجمون الشركات الروسية، قد يسرع هذا الوضع قرار اعتماد برمجيات تحل محل حلول 'مايكروسوفت'".

لكن الحكومة الروسية لا تظهر أي علامات قلق، فقد زعم وزير التحول الرقمي والاتصالات ووسائل الإعلام أن الشركات كان يجب أن تخطط لهذا وأن لدى روسيا "بالتأكيد" حلولاً يمكن أن تنجح في الشركات وقال الوزير ماكسوت شاداييف: "كان أمام الجميع 18 شهراً للإعداد، فقد أدرك الجميع أن الأمور ستصل إلى ما وصلت إليه، وبدأ كثر في التحول إلى أنظمة التشغيل الروسية القائمة على 'لينوكس'".

Shutterstock

ليست الآثار الكاملة لهذه الخطوة الأخيرة من قبل "مايكروسوفت" واضحة بعد، لكن كثراً يأملون في أن الحلول البديلة ستكون متاحة. عند تعليق المبيعات للمرة الأولى العام الماضي، كان استخدام الشبكات الخاصة الافتراضية طريقة بسيطة للغاية لمواصلة استخدام منتجات الشركة العملاقة العالمية. 

في مقابلة مع "آي تي نيوز" قال رومان ميليتسين من "أسترا" للإنتاج المحلي للبرمجيات إن "مايكروسوفت" تتكيف ببساطة مع الوضع من دون نية باتخاذ موقف سياسي، و"أعتقد أن هذا مجرد طريقة للامتثال لمطالب قيود التصدير المتعلقة بالعقوبات الأميركية". وأفاد مكسيم أورلوف، رئيس قسم تطوير المشاريع في "آي في كاي"، منتجة الكومبيوترات التي تزود الحكومة الروسية، إن برمجية "ألت 8 إس بي" (Alt 8 SP) المحملة على آلات الشركة يمكن أن تعمل بالجودة نفسها كالحلول الأجنبية، و"عندما نقول حلولاً أجنبية، يكون الاسم الأول الذي يخطر في ذهن الجميع هو على الأرجح "ويندوز". يمكن لنظام التشغيل "ألت 8 إس بي" التعامل مع أي مهام ويمكنه الحلول محل "ويندوز" تماماً، وهو يفعل ذلك عمليا في القطاع العام، وفي الصناعات الكبيرة". وعندما سئل عن أفكاره عن مستقبل "مايكروسوفت" في البلاد، اتخذ موقفاً متشدداً: "لا أعتقد أن هناك أي فائدة في محاولة توقع أفعال 'مايكروسوفت'، فنحن لسنا بصارين يحاولون قراءة ثفل القهوة. نحن في حاجة إلى التركيز على انتقال هياكل تكنولوجيا المعلومات للشركات والمؤسسات الروسية إلى أنظمة التشغيل والبنية التحتية المطورة محلياً. هذا هو هدفنا الرئيسي الآن".

font change

مقالات ذات صلة