فلسطينيون تحاصرهم "وصمة" المخيّم: أيّ فرص لوجود مختلف؟

بين التخوين الأهلي والإقصاء الشامل

AP
AP
مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت، لبنان.

فلسطينيون تحاصرهم "وصمة" المخيّم: أيّ فرص لوجود مختلف؟

بيروت: طرق الوصم عديدة، لكن يبقى أشدّها وقعا هو "الحقن تحت الجلد" الذي يسري في الأذهان ليحفظ صورة نمطية عن الفلسطينيين في لبنان. وعادة ما تستفتح "قائمة التدقيق" كلمة أو عبارة تفصح عن لهجة المتحدّث، فيتلقّفها الطرف الثاني باستدراك على نحو "أحقّا أنت فلسطيني؟"، "ولكنّك لا تبدو فلسطينيا".

"بعدما تعجّب أحدهم على هذا النحو، سألته: كم فلسطينيا تعاملت معه أو قابلته؟ وكانت الإجابة: أنتَ فقط. لمست حينها سيطرة الاسقاطات الذهنيّة حول الفلسطينيّين في لبنان، فحتّى التمييز الإيجابيّ للفرد الفلسطيني ينجلي عن عنصريّة كامنة ضدّ المجتمع الفلسطيني"، بحسب محمد ضاهر، شاب فلسطيني يعيش في السعديّات جنوب بيروت، ويعمل مديرا للبرامج في مكتبات عامة.

في لبنان، تشكّل لهجة الفلسطينيّين الدّال المباشر إليهم، فتفضي إلى تفتيت جاهز ومسبق لهويّتهم ضمن مكوّنات أخرى، بعضها بادٍ للعين مثل المظهر الخارجي، بما فيه الحجاب الذي يفترض التعميم أن تضعه كلّ فلسطينيّة.

إذا كنت فلسطينيّة يعني ألا أكون أنا. وأنا لاجئة لا تعيش في المخيم، وشابة مسلمة لا تضع الحجاب... متعب أن تعيشي وأنت تبررين مَن تكونين لمجرّد أنك فلسطينية

سارة السعيد

"المسألة ليست في معرفة هويّتي، إذا ما كنت فلسطينيّة أم لا، المسألة هي تأثير الأمر على تعاطي النّاس معي، وفرصي في العمل والتطور الاجتماعي وكلّ نواحي حياتي". تحمل سارة السّعيد التي تعيش في إحدى ضواحي بيروت هويّتها مثل "جرح"، على حدّ قولها، لأنّها تعني للبنانيّين كومة من التناقضات، في ما هي كوّنتها في خليط من انتمائها البيولوجي والوجداني لفلسطين، وخيارات أخرى كانت طوع إرادتها "إذا كنت فلسطينيّة يعني ألا أكون أنا. وأنا لاجئة لا تعيش في المخيم، وشابة مسلمة لا تضع الحجاب، وأهتمّ بالموضة وأتردّد بانتظام على النادي الرياضي وأتقن وضع المكياج ووضعي الماديّ  جيد. متعب أن تعيشي وأنت تبررين مَن تكونين لمجرّد أنك فلسطينية".

وإذا كانت اللهجة والملبس والمسكن مقوّمات تمييزيّة سارية، تبقى أقلّ  فتكا من مقوّم "السلاح"، بناء على المعتقد السائد بأنّ الفلسطينيين حملة السلاح، ويتسبّبون بكلّ ما يترتّب عليه ذلك من حروب وجرائم إخلال بالأمن. ولا يَفترض هذا التعميم أن يمشي الفلسطيني في الشارع شاهرا سلاحه، أو أن يكون سلوكه عدوانيّا، لكنّها حلقة تحكم قبضتها على الفلسطينيين بصورة مباشرة، إثر اقتتالات ومعارك مسلّحة تدور في المخيمات، وأكثرها رسوخا في الذاكرة يعود إلى فصول الحرب الأهلية اللبنانية، وآخرها كان في مخيم عين الحلوة بين 29 يوليو/تموز ومنتصف سبتمبر/أيلول 2023، ودارت رحاها بين مقاتلين من حركة "فتح" وقوى إسلاموية متشدّدة.

تطوى هذه الصفحات إلى أجل مجهول، وتحمل معها المزيد من الخسائر البشرية والمادية والتهجير. ثمّة أثر أيضا غير ماديّ ولا يقلّ ثمنا عن الأوجاع المحسوسة. تُبقي السجلات الدامية في المخيمات "وصم" الفلسطيني الخطير حامل السلاح، بل تعزّزه.

 

وجع على حاله

وجع يكاد يظلّ على حاله منذ لجوء الرعيل الأول من الفلسطينيين إلى لبنان إثر نكبة 1948، وصولا إلى الجيل الخامس الذي يعيش اليوم في لبنان ضمن 12 مخيّما وخارجها. ولغاية مارس/آذار 2023، بلغ إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في لبنان 489,292 شخصا، بالاضافة إلى نحو 31,400 لاجئا فلسطينيا من سوريا يقيمون في لبنان. وتعكس هذه الأرقام عدد الفلسطينيين بالحد الأدنى، لأنّ التسجيل لدى الأونروا طوعيّ، بالإضافة إلى وجود فلسطينيين ممن يعتبرون "فاقدي الأوراق الثبوتية"، ومعظمهم مسجّل لدى الأونروا في غزة أو الضفة الغربية، وآخرون غير مسجّلين، ومعظمهم وفد إلى لبنان بعد حرب 1967.

REUTERS
امرأة على كرسي متحرك أثناء مغادرتها مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين خلال اشتباكات بين الفصائل الفلسطينية في 31 يوليو/ تموز 2023.

وكيفما اختلف الوضع القانوني، تتعلّق بالوجود الفلسطينيّ مخاوف مستمرّة من أطراف سياسيّة ومراجع دينيّة في لبنان بسبب أعدادهم وقدرتهم على تعزيز المعادلة الطائفية الديموغرافية لصالح المسلمين، ممّا جرّدهم من عدّة حقوق إنسانيّة أبرزها إعطاء الأم اللبنانية المتأهلة من فلسطينيّ الجنسية لزوجها وأولادها.

 

الرواية الأخرى

بالعودة إلى تجربة محمد ضاهر، يطرح احتكاك الفلسطينيين واللبنانيّين مسارا لا بدّ منه في طور معرفة "الآخر"، وإن بدأ بنوع من الحذر وقد ينتهي بتجنّب الطرف الفلسطيني، "قد يكون التحول على نحو تغيير موضوع الحديث، أو الاقتضاب بالكلام، أو إشارات في لغة الجسد والنبرة يمكن التقاطها بسهولة".

ولكن في هذا التواصل المتشنّج نفسه مجال لمعرفة الرواية الأخرى. يستعيد ضاهر موقفا جمعه بشابّة من أحد أحياء بيروت المعروفة بالمنطقة الشرقيّة، والتي كانت خلال الحرب الأهلية اللبنانية معقل اليمين المسيحيّ الّذي يمثّل الطرف الأبرز المعادي للوجود الفلسطيني في لبنان، وانخرط ضد الفلسطينيين في محطات دامية ومجازر أشهرها مجزرتي "تل الزعتر" و"صبرا وشاتيلا".

دفع الشابة فضولها لمعرفة كيف عاش الفلسطينيون تلك الحقبة، ولم يتردّد محمّد في سَوق ما يعرفه عن الحرب. فكان ردّها "ولكن والدي أخبرني قصّة مغايرة تماما". انفرج ذلك التبادل عن علاقة طيّبة، خارج دائرة الخوف والإدانة.

ومع كل ما جاء به من غرابة واستفزاز سؤال زميل لها في الجامعة "أها، من المخيم. يعني أنك تعيشين في خيمة؟"، أوضحت فادية منصور بهدوء أنّ المخيّم حيث تعيش لا خيم فيه. هو مثل أيّ منطقة أو حيّ آخر في لبنان يضمّ العمارات والبيوت.

وفادية مراسلة صحفيّة فلسطينية في منصّات تُعنى بشؤون اللاجئين. اهتمامها المهني وسيل التصورات الخاطئة عن المخيمات، دفعاها إلى التساؤل: "ما دور المنصات الرقمية في تكريس الصور المنمطة عن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟"، وجعلته موضوع دراسة الماجستير في الصحافة والإعلام.

 

الملعب الافتراضي

وتنطلق الفرضية من ملعب العالم الافتراضي، فهو يمتلك التأثير الأقوى في تشكيل الرأي العام عموما وتكوين الانطباعات الثقافية عن هذا المجتمع أو ذاك، خصوصا أنّ التجربة الحيّة بين اللبنانيين والفلسطينيين لا تزال محدودة، فليس بالضرورة كلّ اللبنانيين خالطوا الفلسطينيين، والمخيّمات "مكان مجهول" لدى كثيرين مثلما تردّد إلى مسمعها، ولا يتمتع الناس بالاهتمام نفسه لقراءة مؤلفات تاريخية واجتماعية عن المخيّمات.

المخيّم هو حاضنة اللاجئين في عيون اللبنانيين. المفارقة أنّ شريحة هامّة من الفلسطينيين تعيش خارج المخيّمات من جهة، والأهمّ أنّ الأحداث المسلحة والمشكلات الاجتماعيّة الدائرة داخل المخيّمات ليست كلّها من انتاج النسيج الفلسطيني


سامر المنّاع

ومن أصل 10منصّات تعنى بتغطية المخيمات، عملت منصور على رصد أخبار منصّتين ما بين مايو/أيار 2023 ويوليو/تموز 2023، واستنتجت أنّ الموضوع الأساسي المنقول هو اهتمام المخيمات واحتفالها بالمحطات التاريخية الفلسطينيّة وأيام تراثية، وفي الدرجة الثانية تأتي المطالب الاجتماعية وتقارير حول صعوبة الوضع المعيشي. وبرأي الباحثة، يعكس هذا التراكم تمسّك الفلسطيني بهويّته الأصلية.

وقد يزيح هذا التمسّك بالوطن الأم شبح التوطين عن أذهان شريحة من اللبنانيين، لكنه في الوقت نفسه يكرّس "غيريّة" و"غربة" الفلسطينيّ لدى اللبنانيّ، فولاؤه وحبّه يصبّان في فلسطين لا في لبنان.

REUTERS
رجل يحمل متعلقاته وهو يغادر مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين خلال الاشتباكات الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية في 31 يوليو/ أيار 2023.

وتوالت اشتباكات مخيم عين الحلوة، فنزلت فادية إلى الميدان. استوقفها خلال استطلاعها آراء مقيمين في المخيم، أكدوا أنهم، وعلى الرغم من كلّ الفواتير الباهظة المترتّبة عن كلّ اشتباك مسلّح، فإنهم متمسّكون بالسلاح "لأنّه يحمينا ضدّ "العدوّ".

 

من هو "العدوّ"؟

لا شك  في أنّ السلاح هو أكثر المسائل تعقيدا في التعاطي مع وجود الفلسطيني في لبنان، بدءا من النبذ الاجتماعي للاجئين وليس انتهاء بخوف الفلسطينيين من إلغاء وجود المخيّمات.

الخبير في الملف الفلسطينيّ من زاوية علم الاجتماع السياسي سامر المنّاع، يستند أوّلا إلى مُحدّدات المخيّم واللاجىء الفلسطيني، "المخيّم هو حاضنة اللاجئين في عيون اللبنانيين. المفارقة أنّ شريحة هامّة من الفلسطينيين تعيش خارج المخيّمات من جهة، والأهمّ أنّ الأحداث المسلحة والمشكلات الاجتماعيّة الدائرة داخل المخيّمات ليست كلّها من انتاج النسيج الفلسطيني".

ويأخذ على سبيل المثال مخيّم "شاتيلا"، الّذي لا يزال يحمل في ذاكرة اللبنانيين والفلسطينيين على حدّ سواء صورة رمزية ثقيلة من الحرب والمذابح والشهداء. في حقيقته اليوم، 25 بالمئة فقط من أهالي المخيّم هم فلسطينيون، والبقية منهم لبنانيون وسوريون، ولكن يبقى المخيم هو عنوان لفلسطين.

ويوضح أنّ الإحصاء المذكور نشرته لجنة الحوار اللبناني-الفلسطيني ومركز الإحصاء الفلسطيني في عام 2017. وهو نتيجة نزوح عائلات فلسطينية كثيرة خارج المخيّم، لأنّ عصابات مخدّرات سيطرت عليه شيئا فشيئا، ومعظمها غير فلسطينيّ. وساعد على هذا الاختراق كون المخيّم مفتوحا.

كما أنّ "المتورطين في الاقتتالات المسلّحة الأخيرة في عين الحلوة، أكثرهم من التابعية السورية أو لبنانيين، و4 أشخاص فقط من المطلوبين فلسطينيون، وفق ما أظهرت الأسماء الأولية المسرّبة من لجنة التحقيق"، بحسب الخبير.

The New York Times
مخيم شاتيلا للاجئين في بيروت، لبنان، منطقة متشابكة من الأسواق والأبنية والأسلاك الكهربائية.

وتأسيسا على هذه المعطيات، تحمل كلمة "عدوّ" معنيين. يشرح مناع:

أوّلها وهو محدود مبنيّ على صورة نمطيّة ليست ذات اتجاه واحد، إنّما متبادلة بين شريحة من اللبنانيين والفلسطينيين، ومصدرها الحرب اللبنانيّة التي أورث الأبناء روايتها عن جيل الحرب، فبقي الخوف راسخا ضد "الآخر"، وهذا الخوف يشرّع في ذهنية بعض الفلسطينيين موضوع السلاح بهدف الدفاع عن النفس. والمعنى الثاني وهو الغالب، يشير إلى العدوّ الاسرائيليّ المحتلّ، ويرتبط بشكل مباشر بوضع المخيّمات في لبنان، لأنّها تحتفظ بالسلاح لحماية وتحصين الحقّ بالعودة. رمزيّة السلاح هنا معزّزة بسبب تدخلات قوى خارجية وسيناريوهات منها موضوع على الطاولة مثل "صفقة القرن" ومنها ما هو غير واضح مثل النزاعات داخل المخيمات.

 

خارج النقاش

ويبقى السلاح في المخيّمات موضوعا خارج النقاش الجادّ في لبنان لأنه غير قائم على تقييم موضوعي لوضع الفلسطينيين. في اعتبار "وضع الفلسطينيّ هنا يمتلك خصوصيّة مختلفة عن تلك التي يعيشها في الأردن أو سوريا، حيث يتمتّع بحقوقه الإنسانيّة. إنّما هو في لبنان محروم من حق العودة بالدرجة الأولى. علما أنّه بحلول 75 سنة على لجوئه إلى لبنان، لا يزال الفلسطينيّ متمسّكا بالعودة إلى أرضه. نسأله عن أصوله وهو ولد وعاش في لبنان، فيقول أنا من حيفا، أو غزّة، أو عكّا. والإجابة نفسها نسمعها من فلسطينيّ يعيش في الأردن، إنما الفارق أنّه في لبنان يعيش الغربة والإقصاء على كافة المعايير، ولا يزال التعاطي مع الفلسطينيّ أمنيّا لا إنسانيا.

والحال، تتجادل العنصريّة السلوكيّة تجاه الفلسطينيين في لبنان مع مجموعة ممنوعات اجتماعيّة، وأهمّها حرمانهم من حقّ التملّك والعمل، لأنّ 36 مهنة تشترط مزاولتها أن يكون الشخص لبنانيّا منذ أكثر من 10 سنوات، باستثناء نقابة التمريض بسبب حاجة سوق العمل اللبنانيّ.

لم تساعد كلّ ظروف عيش الفلسطينيّ في لبنان على خلق مخيّلة اجتماعيّة بديلة. وتبقى عنصريّة لبنانيّين في بلد اللجوء، هي الرأس الظاهر من جبل جليد قائم على رزمة من الحرمان الاجتماعي، وذاكرة حرب لم تُفكّك بعد

بل أكثر من ذلك، يشترط على الفلسطيني في لبنان إثبات أنّه لا يعمل. هذا حال لجين العبسي من مخيم البداوي، وهي من فاقدي الأوراق الثبوتية، وتتطلب بعض المعاملات الرسمية إرفاقها بـ"تعهّد عدم العمل" من كاتب العدل.

 

بين المرونة والمقاومة

يخترع بعض الشباب الفلسطيني هوامش ولو ضيّقة، للتّعبير عن حقّهم بالاندماج الاجتماعيّ. فهم على الرغم من كلّ تحدّياتهم الاجتماعية في لبنان وداخل بيئة المخيّمات، مبادرون ومساهمون في الدورة الاقتصاديّة ومحبّون للفنّ والموسيقى والكتاب. إلّا أنّ محاولاتهم تصطدم بمقاومة من داخل النسيج الفلسطينيّ نفسه. وهكذا تزدوج معاناتهم بين عنصرية بلد اللجوء وقيود المجتمع الأهليّ.

"ما تطلع من أصلك، تذكّر إنك فلسطيني"، عبارة لطالما سمعها رامي فراس، العامل في منظمات دوليّة وفي حماية الطفل منذ 22 سنة، وهو اليوم عاطل عن العمل.

أسّس رامي ورفاقه مقهى ثقافيا في مخيم نهر البارد سنة 2019، لكن المقهى لم يستمرّ. أجبِرت المجموعة على التّخلّي عن مكوّنه الثقافي ومن ضمنه إحياء أمسيات موسيقى وشعر، بالإضافة إلى مكتبة عامّة ومساحات للعمل والنقاش. كما كان المقهى يستقطب شبابا فلسطينيين موهوبين وقعوا في إدمان المخدرات، بهدف مساعدتهم على الشفاء والاندماج.

AP
نساء فلسطينيات يرددن شعارات ويحملن الأعلام الفلسطينية خلال اعتصام في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، في بيروت، لبنان، 6 ديسمبر/ كانون الأول 2017.

"اعتبرت الفصائل في المخيّم أنّ إضاءتي على موضوع الإدمان هو تشويه لصيت الفلسطينيين. تعرضنا لضغوطات كثيرة، وبندها العريض أنّ هذه الأنشطة تعمل على تضييع البوصلة والتي يجب أن تبقى المطالبة بحقّ العودة".

يمكن القول إن الوقت يمرّ باللاجىء الفلسطينيّ في لبنان، من دون أن يتقدّم به الزّمن. كأنّه عالق عند لحظة النكبة. وقد تكون مرونة الفلسطينيّ في بلد اللجوء نفسها تحدّيا عوضا عن أن تكون طوق نجاة، فهو أوّلا وأخيرا ينتمي إلى مجتمع مركّب وبذاكرة تاريخيّة سخيّة لعلّها كلّ ما تمتلك لتبقى موجودة. وأيّ خيار خارج هذا السرب يعدّ اختراقا غير شرعيّ لمَن يكون الفلسطينيّ ولماذا هو موجود، فـ"الناس ليسوا سوى خيالات ذكرياتهم" كما يقول الروائي الياس خوري في "باب الشمس".

ولم تساعد كلّ ظروف عيش الفلسطينيّ في لبنان على خلق مخيّلة اجتماعيّة بديلة. وتبقى عنصريّة لبنانيّين في بلد اللجوء، هي الرأس الظاهر من جبل جليد قائم على رزمة من الحرمان الاجتماعي، وذاكرة حرب لم تُفكّك بعد. لكن مهلا، هل شفي اللبنانيون أوّلا من ذيول الحرب التي ارتكبوها بحق أنفسهم؟

font change

مقالات ذات صلة