"حزب الله"... الغضب المكتوم إلى "اليوم الآتي"

تصاعد وتيرة التهديدات الإيرانية بتحريك "قوى المقاومة" لا يعد حتى الساعة تطورا استراتيجيا نوعيا

REUTERS
REUTERS
خلال تظاهرة "يوم الغضب" في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل "حزب الله"، في 18 أكتوبر/ تشرين الاول.

"حزب الله"... الغضب المكتوم إلى "اليوم الآتي"

لا يمكن فهم حركة "حزب الله" على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لناحية حدود استعداده لتوسيع نطاق الاشتباك مع إسرائيل، إلا من خلال فهم الصورة الكبرى للحرب بين الأخيرة و"حركة المقاومة الإسلامية" (حماس)، بكل موازين قواها الدولية والإقليمية وبكل تعقيداتها وخطوطها الحمراء المتأرجحة وغير الواضحة حتى اللحظة.

بهذا المعنى لا يمكن اعتبار أن "حزب الله" يتصرف في هذه الحرب كفصيل لبناني يحدد خياراته بناء على حسابات ومحاذير لبنانية متعلقة بالوقائع الاقتصادية والسياسية في لبنان وحسب، بل يتصرف بوصفه جزءا أساسيا من "المعركة الكبرى"، باعتبار أنه يأتي بعد حماس مباشرة في ترتيب أعداء إسرائيل في هذه الحرب. وهذا ما يمكن استنتاجه من متابعة المواقف الإسرائيلية والتي تفيد بأنه لا يوجد فصل تام في العقل الإسرائيلي العميق بين الحزب والحركة في هذه الحرب، ولكنّ تل أبيب تحاذر من مواجهة مع الحزب بالنظر إلى عدم رغبتها وربما عدم قدرتها على خوض حرب على جبهتين؛ بيد أن حقيقة الأمر أن "التداخل الاستراتيجي" بين حماس، و"حزب الله" في هذه الحرب أكبر من قدرة إسرائيل على احتوائه والتغاضي عنه.

وهذا أمر لا يفوت "الحزب" في قراءته لمجمل تطورات الحرب ومواقف القوى الدولية والإقليمية منها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي أعطت وظيفة واضحة لحاملات الطائرات التي أرسلتها إلى المنطقة، وهي "الردع الإقليمي"، وهو ما فُسر لاحقا من قبل مسؤولين أميركيين بأنه يعني أولا "حزب الله"؛ بمعنى أن "عودة" أميركا إلى المنطقة في سياق هذه الحرب هدفها ردع "الحزب" عن الانخراط فيها على نحو واسع.

REUTERS
طائرة هليكوبتر إسرائيلية من طراز "أباتشي" في سماء حدود إسرائيل مع لبنان في 18 أكتوبر/ تشرين الأول.

وفي المقابل ردت إيران و"حزب الله" سريعا على "الرسائل الأميركية" من خلال تحميل واشنطن المسؤولية الرئيسة عن قرارات إسرائيل في الحرب- كما جاء على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي، يوم الثلاثاء- وصولا إلى تهديد فصائل موالية لإيران، تحديدا في العراق وسوريا، لـ"المصالح الأميركية" في المنطقة، وهو ما بدا أنه دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء، إذ أسقطت القوات الأميركية ثلاث طائرات مسيرة في محيط قاعدة "عين الأسد"، غربي العراق.

الصراع على "الشرق الأوسط"

يحيل هذا الصراع إلى الحسابات الإيرانية الكبرى في المنطقة والمتصلة أساسا بسياق المواجهة/ المفاوضة مع الولايات المتحدة والصراع المفتوح على النفوذ في المنطقة والذي تتداخل فيه عوامل دولية وإقليمية عدة من ضمن الصراع الكبير على الشرق الأوسط، والذي اندلع بنسخة جديدة منذ الحرب الأميركية ضدّ نظام صدام حسين عام 2003. وليس قليل الدلالة في هذا السياق حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أن الحرب ضدّ حماس "ستغير الشرق الأوسط"، وهو ما يستحضر كلام الأمين العام لـ"حزب الله" في أعقاب حرب يوليو/تموز 2006، عن أن تلك الحرب أسقطت مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي كانت الإدارة الأميركية قد أطلقته بالتزامن مع "حرب العراق".

لا يمكن اعتبار أن "حزب الله" يتصرف في هذه الحرب كفصيل لبناني يحدد خياراته بناء على حسابات ومحاذير لبنانية متعلقة بالوقائع الاقتصادية والسياسية في لبنان وحسب، بل يتصرف بوصفه جزءا أساسيا من "المعركة الكبرى"، باعتبار أنه يأتي بعد حماس مباشرة في ترتيب أعداء إسرائيل في هذه الحرب.

إن هذا التموضع الإقليمي والدولي الحاد في الحرب بين إسرائيل وحماس، يخرجها حكما من الإطار الحصري للصراع التاريخي بين إسرائيل والفلسطينيين، ولذلك فإن احتمال توسعها لتشمل الجبهة الشمالية لإسرائيل هو احتمال وارد في أي لحظة، لكن ليس وفق منطق ردود الفعل على القصف الإسرائيلي ضد القطاع، بل وفق منطق الحسابات الكبرى المتصلة بالسياق المتأرجح بين المواجهة والمفاوضة بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة؛ وهنا يكمن دور "حزب الله" بوصفه الذراع الإقليمية الرئيسة لإيران.

AFP
جندي إسرائيلي يحمل قذيفة مدفعية 155 ملم بالقرب من بالقرب من الحدود مع لبنان في 18 أكتوبر/ تشرين الأول.

لذلك فإن حجم "الحزب" في هذه المعركة من الناحية الجيواستراتيجية يجعل من الخطأ تقدير مدى انخراطه في الحرب بناء على حسابات لبنانية ضيقة. وهذا لا يعني أن الحزب لا يقيم في حساباته أهمية للانهيار الاقتصادي والسياسي في لبنان ومدى تأثير أي حرب جديدة مع إسرائيل على مفاقمة هذا الانهيار إلى حدود غير مسبوقة، لكن الحسابات الكبرى للحزب فيما يخص موقعه الرئيس في "محور المقاومة" بقيادة إيران، تتقدم على أي محاذير وحسابات لبنانية.

حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أن الحرب ضدّ حماس "ستغير الشرق الأوسط"، يستحضر كلام الأمين العام لـ"حزب الله" في أعقاب حرب يوليو/تموز 2006، عن أن تلك الحرب أسقطت مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي كانت الإدارة الأميركية قد أطلقته بالتزامن مع "حرب العراق". 

ولذلك فإن كل التحذيرات اللبنانية والدولية من مغبة دخول "الحزب" على خط الحرب على نحو واسع لن تدفعه إلى تعديل خياراته في حال قرر فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل ربطا بتطورات "الجبهة الأم" في قطاع غزة، ومدى تأثيرها على خريطة النفوذ في المنطقة.

حدود "سحق حماس"

بالتالي، لا يمكن إجراء قراءة دقيقة لخيارات "حزب الله" في الحرب الجارية إلا قياسا على ما يحصل بين إسرائيل وقطاع غزة وبوتيرة يومية، وبالتحديد لجهة توسع القصف الإسرائيلي على القطاع وتوقيت الهجوم البري عليه وسيناريوهات هذا الهجوم وتعقيداته ضمن سياق الحسابات الأميركية والإسرائيلية لليوم التالي بعد "سحق حماس" في حال تحقق. 
ويمكن هنا وضع المعادلة الآتية: إسرائيل ستخرج مهزومة من الحرب إن لم تذهب بعيدا في هجومها ضد حماس، وفي حال شنت مثل هذا الهجوم فإن ذلك قد يدفع إيران والحزب إلى فتح جبهة ثانية أو أكثر ضدها.

REUTERS
مواجهات بين محتجين وقوات الأمن خلال احتجاج بالقرب من السفارة الأميركية في عوكر شمال بيروت في 18 أكتوبر/ تشرين الأول.

واللافت أن "حزب الله" لم يضع خطا أحمر واضحا وثابتا يدفعه تخطيه من قبل إسرائيل إلى دخول الحرب مباشرة، وهذا عائد إلى أن الضبابية لا تزال تلف "المشهد الكلي" للحرب، خصوصا أن مآلات الهدف الإسرائيلي فيما يخص "سحق حماس" غير واضحة حتى الآن، ولا سيما في ظل الحسابات والمحاذير الدولية والإقليمية لكلفة حرب طويلة الأمد ليس على المستوى البشري وحسب، بل على المستوى الاستراتيجي أيضا بالنظر إلى خطط الولايات المتحدة للمنطقة. 

يمكن وضع المعادلة الآتية: إسرائيل ستخرج مهزومة من الحرب إن لم تذهب بعيدا في هجومها ضد حماس، وفي حال شنت مثل هذا الهجوم فإن ذلك قد يدفع إيران والحزب إلى فتح جبهة ثانية أو أكثر ضدها

لكن بالنسبة لإيران و"حزب الله" فإنه من غير المسموح أن تنتهي هذه الحرب من دون جني أثمان سياسية واستراتيجية واضحة، سواء في أرض المعركة أو في الأروقة الدبلوماسية، حيث تريد طهران أن تكون حاضرة بقوة وأن تكون شريكة أساسية في أي حل للأزمة الكبيرة؛ بمعنى أن إيران و"حزب الله" لا يمكنهما الجلوس خلف الشاشة ومشاهدة حماس تُسحق، والشرق الأوسط يتغيّر، لا سيما أن سحق حماس يعني نزع ورقة رئيسة من يد طهران؛ وهذا ما يمكن اعتباره الخط الأحمر الإجمالي والكبير لإيران و"حزب الله" في هذه الحرب. وبالتالي فإن كل ما يحصل دون هذا الخط الأحمر العريض لن يدفعهما للتدخل على نحو أعمق وأكثر اتساعا في هذه الحرب. 
ولذلك فإن تصاعد وتيرة الهجمات والاشتباكات بين الحزب وإسرائيل على الحدود الجنوبية للبنان لا يزال حتى الآن ضمن "السقوف المضبوطة" وإن توسعت هذه السقوف في ضوء توسع دائرة قصف الحزب إلى خارج منطقة مزارع شبعا- وهي منطقة الاحتكاك التقليدية بين الطرفين ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها منذ حرب يوليو/تموز 2006– لكن هذا التوسع المتزامن مع تصاعد وتيرة التهديدات الإيرانية بتحريك "قوى المقاومة"، لا يعد حتى الساعة تطورا نوعيا واستراتيجيا في سياق الحرب الدائرة وإن كان ينذر بمرحلة جديدة من التصعيد المحسوب؛ وهذا ما يؤكده تصرف "حزب الله" حيال مذبحة المستشفى المعمداني في غزة، إذ لم يرد بضربة سريعة وموجعة وإنما توعد إسرائيل بيوم غضب شعبي، وبأن "هذا يوم له ما بعده".

font change

مقالات ذات صلة