مأساة ليبيا... بين مطرقة "دانيال" وسندان الانقسام السياسي

ليبيون يرفضون تسييس التغير المناخي

Majalla
Majalla

مأساة ليبيا... بين مطرقة "دانيال" وسندان الانقسام السياسي

عندما انهمرت الأمطار الغزيرة في ليبيا بعد أن ضربت العاصفة "دانيال" البلاد في سبتمبر/أيلول الماضي، ظن أهل درنة أن سدّي المدينة سيحميانها من الفيضانات المدمرة، ولم يكن هناك أي قلق قد يلجئهم لمغادرة منازلهم.

لكن للأسف لم يكن الأمر مجرد هطول أمطار؛ فقد اندفعت الفيضانات المدمرة من سلسلة الجبال المحيطة بالمدينة الساحلية الشمالية الشرقية، بسبب الأمطار الهائلة وليس بسبب تسونامي في البحر الأبيض المتوسط.

وأدت أسوأ الفيضانات في تاريخ البلاد إلى مقتل أكثر من 5000 شخص وفقدان ما لا يقل عن 10000 آخرين. وجرفت أحياء بأكملها على ضفة نهر هائج. ومن الواضح أن تغير المناخ لعب دورا رئيسا في انهيار سدّي المدينة اللذين تم بناؤهما في السبعينات لحمايتها من الفيضانات. وكانت الأمطار غزيرة على غير العادة، فهطل من الأمطار في 24 ساعة ما يعادل هطول الأمطار في عام كامل.

ولكنّ هناك إجماعا بين كثير من السكان المحليين في العاصمة طرابلس وأماكن أخرى على أن سنوات من الإهمال والاقتتال السياسي هي السبب الرئيس الذي أدى لتلك المأساة، أو قد ساهم هذا الاقتتال بشكل كبير في شدة الكارثة غير المسبوقة.

وتعاني ليبيا الغنية بالنفط من الاقتتال السياسي والفساد والتدخل الخارجي منذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بالحاكم القديم معمر القذافي وأدت فيما بعد إلى مقتله. وقد فشلت المحاولات التي امتدت منذ عقد من الزمن في تشكيل حكومة موحدة فاعلة، وبدلا من ذلك تتصارع حكومتان متنافستان تدعمهما فصائل عسكرية خاصة بهما وهاتان الحكومتان إحداهما في طرابلس في الغرب والأخرى في طبرق في الشرق.

يوجد 16 سدا في ليبيا. وفي عهد الزعيم السابق معمر القذافي تم إنشاء أول وأكبر سد جنوب العاصمة طرابلس، وهو سد وادي مجنين، الذي بدأ تشغيله عام 1972، واسمه يعني بالعربية "الوادي أو النهر المجنون".


والآن تحاول الحكومتان المتنافستان استغلال الكارثة سياسيا، كما يقول موسى تيهوساي، المحلل والباحث الليبي المقيم في طرابلس: "بدأ الاستغلال السياسي لأزمة درنة منذ اليوم الأول. لكن كلا الجانبين تراجعا بعد ذلك بسبب الإحراج. وكل حكومة ترغب في القيام بإعادة الإعمار والتنافس في عمليات الإنقاذ والإغاثة لتبرز كمنقذ. بالإضافة إلى ذلك، تريد الأجهزة الأمنية في الجانبين الظهور كأبطال.

بعد أسبوع واحد من الأمطار الغزيرة التي قضت على حوالي ربع مدينة درنة، خرج الكثير من الأهالي إلى الشوارع وطالبوا بإقالة من هم في السلطة سواء في الشرق أو الغرب، متهمين المسؤولين بالفساد السياسي والمالي. وفي تنفيس عن غضبهم من جميع المسؤولين، خصوا في هتافاتهم رئيس البرلمان الليبي المتمركز في الشرق، عقيلة صالح، الذي وضع الكارثة في "سياق ديني".

وفي الحرب السياسية وحرب المعلومات، تم تضخيم الكارثة الطبيعية واستغلالها من قبل السياسيين. كما يقول تيهوساي: "لقد خرج السياسيون إلى الجمهور في صورة دعاة، مستشهدين بالنصوص الدينية لتصوير الأمر على أنه قضاء وقدر، ولا يمكن لأحد أن يفعل أي شيء لوقفه. لكن الناس يعرفون دينهم بشكل جيد كما يعرفون أنه كان من الممكن القيام بأشياء كثيرة خلال السنوات الـ12 الماضية من الحرب للتخفيف بشكل كبير من أثر الكوارث الطبيعية. لكن يبدو أن صيانة السدود لم تكن من الأولويات".

وأضاف تيهوساي: "هناك استياء شعبي. ويجب أن يكون هناك إطار موحد بين الحكومتين تحت رعاية الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات ومنع الفساد. وعليهم تشكيل لجنة مراقبة دولية. فهناك حاليا فوضى في عملية التخطيط لإدارة الأزمات والعامل الدولي حاسم للغاية".

تجدر الإشارة إلى أنه يوجد 16 سدا في ليبيا. وفي عهد الزعيم السابق معمر القذافي تم إنشاء أول وأكبر سد جنوب العاصمة طرابلس، وهو سد وادي مجنين، الذي بدأ تشغيله عام 1972، واسمه يعني بالعربية الفصحى "سد النهر المجنون".

وقد اعتمدت السدود على دراسات علمية أجراها مهندسون من يوغوسلافيا السابقة وبلغاريا وألمانيا وإيطاليا. وهي ليست سدودا لتوليد الكهرباء ولكنها بنيت لحماية المدن وتخزين مياه الأمطار.

AFP
صورة جوية للأضرار الجسيمة التي خلفتها الفيضانات الناجمة التي ضربت مدينة درنة شرقي ليبيا

وتبادلت السلطات في الحكومتين المتنافستين في ليبيا الاتهامات بالتسبب في هذه المأساة الإنسانية. فتقول حكومة الغرب إن حكومة الشرق كانت على علم مسبق باقتراب العاصفة وأن السدين في درنة كانا معرضين لخطر الانهيار وكان بإمكان السلطات هناك اتخاذ خطوات للاستعداد الجيد لمواجهة الكارثة.

لكن المتحدث باسم الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس، محمد حمودة، يقول إن الحكومتين تتنافسان مع بعضهما البعض في عرض نادر للوحدة بدعم أهالي درنة والمدن المتضررة الأخرى في الشرق.

وقال حمودة لـ"المجلة": "تم تشكيل لجنة عليا برئاسة وزير الحكم المحلي وأنا عضو في هذه اللجنة وذهبنا إلى المنطقة الشرقية". وقال أيضا: "نحن نعمل على مسارين: الإغاثة، واستعادة الخدمات وإعادة الإعمار".

ثم أضاف: "إذا كان هناك أي تنافس بين الحكومتين فهو التنافس على مساعدة الليبيين وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لا يوجد شرق وغرب. وتعمل حكومة الوحدة الوطنية في كافة أنحاء الأراضي الليبية حتى تصل خدماتها إلى الجميع... ومن الأمثلة القوية على ذلك حتى قبل وقوع كارثة درنة: عمل جميع المدارس وفقا لخطة المناهج الدراسية والجدول الزمني الذي حددته حكومة الوحدة، وكذلك المستشفيات ومراكز الشرطة. وجميع الوكالات تعمل وفقا لإداراتها العليا في طرابلس. كما أن جميع الرواتب تدفعها حكومة الوحدة، بما في ذلك رواتب أفراد القوات المسلحة".

ويعترف حمودة بأن "المواطنين مستاءون منذ عقود من الإهمال، بسبب عدم تطوير وصيانة السدود في جميع أنحاء البلاد". لكنه يرى أن "ليبيا واحدة من أكثر البلدان المتضررة من تغير المناخ".

وأضاف: "عندما يهطل المطر بهذه الشدة خلال ساعتين فهذا أمر استثنائي. هذا لم يحدث من قبل. ويتدفق وادي درنة إلى سبعة أودية أخرى، لذا فإن كمية المياه لا يتحملها سد ترابي. فارتفع منسوب المياه إلى 27 و30 مترا. وجاء مثل تسونامي. فلا يمكنك إلقاء اللوم فقط وبشكل مباشر على سنوات الإهمال".

قنبلة موقوتة

وفي المقابل، حذرت دراسة أكاديمية أجراها علماء ليبيون في جامعة سبها المسؤولين الليبيين، قبل عام واحد من وقوع الكارثة، من أن السدود في درنة معرضة بشدة للانهيار في الفيضانات الجارفة.

وفي هذا السياق، يقول سليمان صالح الباروني، مسؤول كبير سابق بوزارة الموارد المائية: "إن سدود ليبيا أصبحت قنبلة موقوتة بعد ما حدث في درنة. هذه السدود لا تصلح لهذا الغرض، ولم تحقق الهدف الأساسي منها، ألا وهو الحماية والاستصلاح الزراعي، إذ يتبخر ما يقارب 60 في المئة من المياه المخزنة. ولم نستفد منها في زراعة ولا في تغذية الخزان الجوفي. الجميع خائفون الآن في أي منطقة يوجد بها سد".

وقد اتخذت السلطات في طرابلس بالفعل إجراءات سريعة لصيانة أكبر سد في البلاد في أعقاب الكارثة. ودعت طاقم "المجلة" والطواقم الإعلامية الأخرى لرؤية أعمال الإصلاح والصيانة التي تتم على بوابات السد والوادي.

وهناك جرس إنذار يدق، فعلى المدى الطويل، قد تتكرر العواصف مثل "دانيال" في المستقبل غير البعيد، في عالم يزداد فيه ارتفاع درجة الحرارة، والذي من المحتمل أن يؤدي إلى المزيد من الفيضانات المدمرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

font change

مقالات ذات صلة