اقتصاد إسرائيل يتحمل الحرب مع دعم الغرب

لا انهيار واسع النطاق مع مظلة الدعم الغربي المتواصل والسخي

رويترز
رويترز
بهو بورصة تل أبيب (TASE)

اقتصاد إسرائيل يتحمل الحرب مع دعم الغرب

راجع البنك المركزي في اسرائيل توقعاته في شأن عافية الاقتصاد، وخفض تقديرات معدل النمو الاقتصادي للسنة الجارية من 3 في المئة إلى 2,3 في المئة. وجاء في الإعلان الذي نشر الاثنين 23 أكتوبر/تشرين الأول، أن النمو المتوقع لسنة 2024 ربما سيكون 2,8 في المئة بدلاً من ذلك المتوقع سابقاً 3 في المئة.

تأتي هذه التوقعات في وقت تدور رحى حرب شرسة تشنها اسرائيل على قطاع غزة بعد هجوم "حماس" على القرى والمستوطنات المحاذية للقطاع وإيقاع خسائر مهمة في صفوف العسكريين والمدنيين الاسرائيليين. لا شك في ان لهذه الحرب تبعاتها السلبية على الأداء الاقتصادي وليس هناك من آفاق لمعرفة متى سوف تنتهي وكيف ستكون النتائج على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهل ستؤدي إلى المزيد من التوترات الأمنية أم تقود إلى سلام دائم يحقق للشعب الفلسطيني آماله المشروعة بإقامة دولته المستقلة.

أهم المصاعب التي تواجه النشاط الاقتصادي، ما يتصل باستدعاء عشرات الآلاف من الجنود الاحتياطيين للخدمة العسكرية والمشاركة في المواجهات. يعني ذلك إفراغ المصانع والمتاجر والمؤسسات الخدمية والمزارع من عدد كبير من العاملين فيها. كما أن العمالة الفلسطينية في المؤسسات الاسرائيلية قد تعطلت حيث هناك عشرات الآلاف من سكان غزة يعملون في تلك المؤسسات.

AFP
دخان غارات إسرائيلية فوق شمال قطاع غزة في 23 اكتوبر/ تشرين الأول

اقتصاد حديث

خلال السنوات القليلة المنصرمة أكد عدد من الاقتصاديين في دول غربية أن اسرائيل تتمتع باقتصاد ديناميكي ومتطور ولديها امكانات لتحقيق معدلات نمو متميزة، وبينت مجلة "الايكونومست" أن الاقتصاد الاسرائيلي يعدّ الرابع في الترتيب بين الاقتصادات الناجحة في العالم المتقدم، في عام 2022 .

إسرائيل عضو في منظمة التجارة الدولية "WTO" ولديها اتفاقات اقتصادية للتجارة الحرة مع بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. عززت هذه الاتفاقات وتطور القطاع الصناعي والتكنولوجي، التجارة الخارجية على الرغم من ضعف العلاقات الاقتصادية والتجارية مع بلدان الجوار في منطقة الشرق الأوسط نتيجة للمقاطعة ورفض التطبيع من قبل الشعوب العربية. تشمل الصادرات الاسرائيلية منتجات صناعية منها المواد الكيميائية والبلاستيك والمعادن والمواد الغذائية بالاضافة إلى المنتجات الطبية أو الصيدلانية، ناهيك بالمعدات الصناعية والألماس وأجهزة الكومبيوتر والمنسوجات.

بلغت قيمة الصادرات الاسرائيلية في عام 2022 ما يقارب 167 مليار دولار، بزيادة نسبتها 15,8 في المئة عن قيمة الصادرات في عام 2021. وبلغت قيمة الواردات ما يزيد على 107 مليارات دولار في السنة نفسها

تمكنت إسرائيل في السنوات الأخيرة من تطوير الصناعات الأمنية وأنظمة الاتصالات بما أفسح لها المجال لتوسيع أسواقها التصديرية في البلدان النامية ومنها بلدان في الشرق الأوسط. بلغت قيمة الصادرات الاسرائيلية في عام 2022 ما يقارب 167 مليار دولار، بما يزيد بنسبة 15,8 في المئة عن قيمة الصادرات في عام 2021. قيمة الواردات كانت مهمة أيضا، حيث بلغت في عام 2022 ما يزيد على 107 مليارات دولار مرتفعة بنسبة 16,3 في المئة عن قيمتها في عام 2021. مثلت المعدات الصناعية والنفط والوقود والسيارات والآليات والأحجار الكريمة أهم الواردات.

ملامح الاقتصاد الاسرائيلي 

يقدر صندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في عام 2023 سيكون 564 مليار دولار، ونصيب الفرد per – capita في حدود 58 ألف دولار، ولا شك في أن الدخل الفردي يماثل المستويات التي تتمتع بها الدول الأوروبية والولايات المتحدة وبلدان الخليج النفطية. ودعيت إسرائيل، كما هو معلوم، لتكون عضوا في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية "OECD" في عام 2010.

Getty Images
بهو بورصة تل أبيب حيث هوت أسعار الاسهم

وتتوزع مساهمات القطاعات الاقتصادية في اسرائيل على النحو الآتي: 2,4 في المئة للزراعة و26,5 في الصناعات التحويلية و69,5 في المئة لقطاع الخدمات. ويقدَّر عدد سكان البلاد بـ 9,7 ملايين نسمة.

وبقي معدل البطالة يدور حول 6,3 في المئة خلال  الفترة 1992 إلى 2023 . يمثل السكان في سن العمل من 15 إلى 64 سنة ما يقارب 60 في المئة من السكان. لا يزال المجتمع الاسرائيلي شاباً في غالبيته حيث يقدر  العمر الوسيط بـ 29 عاماً، بما يعني أن هناك امكانات لتدفق العمالة إلى سوق العمل خلال السنوات المقبلة.

تطورات نوعية 

يمكن الزعم أن قوة الاقتصاد الاسرائيلي على مدى السنوات والعقود الماضية منذ قيام الدولة في عام 1948 تعود إلى التكوين المجتمعي في البلاد، حيث قدم على دفعات مهاجرون من بلدان متقدمة في  أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية بما يملكون من مهارات مهنية ومؤهلات تعليمية. وعلى الرغم من التوجهات الاشتراكية التي تحكمت بالقادة السياسيين المؤسسين مثل بن غورين وغولدا مائير وليفي أشكول وشمعون بيريس واسحاق رابين وغيرهم، فإن الاقتصاد ظل معتمداً على فلسفة اقتصاد السوق والمبادرات الخاصة. كما أن الدعم الذي حظيت به إسرائيل  سياسياً من الولايات المتحدة والدول الأوروبية الرئيسة أكد أهمية دور القطاع الخاص بما عزز عمليات الإبداع والمخاطرة برأس المال من أجل قيام أعمال ونشاطات ذات عائد. وهكذا أصبحت قطاعات الاقتصاد الأساسية تتمثل في أنشطة التكنولوجيا المتقدمة والصناعات التحويلية.

تتوزع مساهمات القطاعات الاقتصادية في اسرائيل على النحو الآتي: 2,4 في المئة للزراعة و26,5 في الصناعات التحويلية و69,5 في المئة لقطاع الخدمات

تقع اسرائيل في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر من مناطق العالم الثالث وتعد متدنية المستوى صناعياً وتقنياً، لكن اسرائيل أصبحت دولة عضوا في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية "OECD"، أي أنها تعد من الدول المتطورة اقتصادياً، ولا شك في أن التنمية البشرية والقدرات المهنية للسكان عززت مكانة اسرائيل اقتصادياً على المستوى الدولي.

الأمن مفتاح السياحة

أصبح قطاع السياحة في إسرائيل قطاعاً حيوياً بعدما تحسنت ايراداته على مدى العقود الثلاثة الماضية. تشير البيانات المتعلقة بالسياحة إلى أن اسرائيل تمكنت من تحقيق دخل من هذا القطاع قدِّر بـ 5,3 مليارات دولار في عام 2022، بعد عودة النشاط في أعقاب جائحة "كوفيد-19". هذا العائد يزيد على ضعف العائد المتحقق في عام 2021 حيث بلغ 2,2 مليار دولار، وإن كان أقل مما تحقق في عام 2019 حيث بلغ 7,9 مليارات دولار. يؤكد مسؤولون أن السياحة أصبحت قطاعاً مهماً وأوصوا بدعم الامكانات وتحسين المرافق وبناء الفنادق والمنتجعات بعدما بلغ عدد الزوار 4,6 ملايين، وهذا العدد قابل للزيادة اعتماداً على الأوضاع الأمنية ومدى قدرة اسرائيل على التجاوب مع استحقاقات السلام مع الفلسطينيين وتمكينهم من إقامة دولتهم المستقلة.

Shutterstock
سفينة سياحية في ميناء حيفا في 30 سبتمبر/ أيلول 2023

غني عن البيان أن هذا القطاع الحيوي يمكن أن يتكامل مع السياحة في الأراضي الفلسطينية وتنظيم برامج زيارات متسقة لو كان هناك سلام شامل وعادل، ناهيك بأن قطاع السياحة في اسرائيل لا بد من أن يستفيد من عمالة فلسطينية مؤهلة.

أصبحت السياحة في إسرائيل قطاعاً حيوياً بعدما تحسنت ايراداته، لكنها من القطاعات الحساسة التي تتأثر بالأوضاع الأمنية ولا تنتعش إلا في ظل الاستقرار واستتباب السلام

السياحة كما هو معلوم من القطاعات الحساسة التي تتأثر بالأحداث والأوضاع الأمنية ولا تنتعش إلا في ظل الاستقرار واستتباب السلام. لكن على الرغم من الأحداث في الضفة الغربية قبل عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن ما يقارب 2,5 مليون زائر قدموا إلى اسرائيل خلال الشهور المنصرمة من هذا العام.

انعكاسات حرب غزة

قد تكون الأحداث الجارية والصراع والأهوال الدامية في غزة تشير إلى امكانات لتراجع الأداء الاقتصادي في اسرائيل، وهناك مؤشرات ملموسة لكن لا يجب التعويل على الأحداث هذه الى أمد طويل. فالبلدان التي تخوض حروبا أو تعاني من أوضاع أمنية صعبة أو تواجه توترات مع الجوار لا بد أن تدفع ثمناً اقتصادياً، وقد شهدنا ذلك في السنتين المنصرمتين في روسيا بعد الحرب في أوكرانيا.

هناك من يأمل بانهيار اقتصادي واسع النطاق في إسرائيل لكن قد تكون تلك الآمال متعجلة إن لم تكن غير واقعية. لا بد أن تتأثر موازنة الحكومة ويعاد النظر في المخصصات الموجهة الى الأنشطة المدنية وتحول الأموال للإنفاق العسكري بعدما تمت عسكرة البلاد لمواجهة أعباء الحرب على غزة.

يضاف إلى ذلك أن الاستهلاك الكلي سيتراجع عندما يقرر الناس خفض زيارتهم للأسواق والمطاعم والمنتجعات، كما أن أعمال البناء واقتناء السلع المعمرة سوف يتعرضان للتوقف في الوقت الراهن. وإذا عدنا الى السياحة فإن أعداد الزوار ستتراجع إلى مستويات متدنية حتى تضع الحرب أوزارها. وتراجع سعر صرف الشيكل الاسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول بدرجة مهمة حيث انخفض من 3,86 شيكل للدولار الأميركي آنذاك إلى 4,05 شيكل للدولار في تاريخ 27 أكتوبر.

الدعم السخي المتواصل

بيد أننا يجب أن نعي أن هناك جدران و"متاريس اقتصادية" لحماية إسرائيل واقتصادها من قبل الدول الحليفة حيث قررت الحكومة الاميركية التقدم إلى الكونغرس لاعتماد ما يزيد على 14,3 مليار دولار  لدعمها. يشمل هذا الدعم 10,6 مليارات دولار دعماً من خلال وزارة الدفاع، البنتاغون، وهذا الدعم يضاف الى الدعم العسكري السنوي المحدد بـ 3,8 مليارات دولار.

هناك من يأمل بانهيار اقتصادي واسع النطاق في إسرائيل لكن قد تكون تلك الآمال متعجلة إن لم تكن غير واقعية، فالدعم الأميركي والأوروبي المتواصل والسخي يشكل "متاريس اقتصادية" لحماية إسرائيل وموازنتها ونقدها واقتصادها 

أما الاتحاد الأوروبي فيعتبر اسرائيل من اهم الدول في العلاقات التجارية حيث تمثل التجارة مع إسرائيل 0,8 في المئة من قيمة تجارة الاتحاد الأوروبي في عام 2022. ويمثل الاتحاد الأوروبي أهم الشركاء التجاريين لاسرائيل بعدما بلغت الشراكة التجارية مع الاتحاد 28,8 في المئة من قيمة تجارة اسرائيل مع العالم الخارجي، كما أن 31,9 في المئة من الواردات الاسرائيلية هي أوروبية المنشأ. وبلغت قيمة التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل 46,8 مليار يورو في عام 2022، كما ان واردات الاتحاد الأوروبي من إسرائيل تجاوزت 17,5 مليار يورو وتنوعت بين معدات النقل والمكائن الصناعية والكيماويات ومنتجات الصناعات التحويلية.

إذاً هناك علاقات تجارية ذات أهمية اقتصادية تربط الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل.

المستقبل وحقوق الشعب الفلسطيني؟

يظل موضوع الاقتصاد الاسرائيلي ذا أهمية للمراقبين الاقتصاديين خصوصاً أنه من الاقتصادات المعرضة للتأثر بالنزاعات من درجات متفاوتة. كما أن استمرار احتلال الضفة الغربية وحصار غزة وشن الحروب عليها بين فينة وأخرى، من الأمور التي تولد الشعور بالاضطهاد لدى الفلسطينيين وتعزز نزعات الثأر والتطرف السياسي والعنف بما يهدد الاستقرار والنمو الاقتصادي. 

هناك أهمية لاعتراف اسرائيل بحقوق الشعب الفلسطيني والقبول بالقرارات الأممية التي تؤكد حق هذا الشعب في اقامة دولته المستقلة. قيام الدولة الفلسطينية والاعتراف المتبادل يمكنان من قيام علاقات اقتصادية مستقرة وتبادل بيني وزيادة تدفق الاستثمار. قد يتوهم عدد من قادة اسرائيل بإمكان استمرار الرخاء في ظل دعم الحلفاء، لكن ذلك لم يعد ممكناً مع تنامي الشعور بالغبن وتزايد أعداد الشباب الفلسطينيين الذين يرفضون المعاناة والاضطهاد من المحتلين. يجب أن يصبح الفلسطينيون من أهم المساهمين في عملية التنمية في هذه المنطقة من العالم وعندئذ يمكن للاقتصاد الاسرائيلي أن يكون اقتصاداً طبيعياً ومفيداً.

font change

مقالات ذات صلة