المعجزة تتحقق: عودة ديفيد كاميرون بعد إقالة بريفرمان

"المجلة"
"المجلة"

المعجزة تتحقق: عودة ديفيد كاميرون بعد إقالة بريفرمان

كان الخبراء السياسيون في بريطانيا يدركون جيدا أن يوم الاثنين قد يكون يوما مشهودا، وهو اليوم الذي جاء في أعقاب عطلة نهاية الأسبوع للهدنة المفقودة في البلاد، والتي تم الثناء عليها حتى النسيان.

ومع ذلك، تخيل دهشتهم عندما تجمعوا في داونينغ ستريت لرصد الوافدين إلى المبنى رقم 10 لإجراء التعديل الوزاري المتوقع، عندما توقفت سيارة سوداء كبيرة وخرج منها سياسي من الماضي البعيد. وإذا حكمنا بناء على دهشتهم، فقد نحسب أن الواصل هو تشرشل بشحمه ولحمه. وإذا كان الأسبوع وقتا طويلا في السياسة. فلا شك أن سبع سنوات تعادل إذن حقبة جيولوجية.

ولحسن الحظ، فإن بعض الخبراء الذين كانوا يتسكعون ذلك اليوم في الشارع القديم القذر كان لهم من العمر ما يكفي ليتعرفوا على ملامح الوجه العابسة والحمرة المألوفة. ديفيد كاميرون؟ صرخوا غير مصدقين، ولكنه كان هو من رأوه حقا.

لقد علق كاميرون نفسه ذات مرة على أحد المستشارين الذي واجه مشكلات قانونية، قائلا إن "الجميع يستحق فرصة ثانية". ولكنه كان يشير إلى آندي كولسون، وهو صحافي سابق عاد عمله السابق في إحدى الصحف الشعبية يطارده.

ولم يكن صاحب الفرصة الثانية هذا إلا ذلك الرجل الذي دعا إلى الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي وخسره. فكان أن شبهه منتقدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حينها باللورد نورث، الرجل الذي خسر المستعمرات الأميركية.

لذلك، لم يكن من رأوا كاميرون وهو يمشي بتثاقل على نحو متعمد إلى متكئه القديم مجرد عائد عادي من موت سياسي. إنه مهندس الفوضى العارمة التي أعقبت سقوطه، كما قد يقول البعض. وكما لاحظ أحدهم بذكاء، إنه عائد من السقيفة، في إشارة إلى كوخ الراعي الذي اشتراه بـ25 ألف جنيه إسترليني، وانسحب إليه لكتابة مذكراته. وكما لاحظ شخص (أقل ذكاء)، عاد الأب إلى البيت، مما يعني أن العيون الزرقاء قد عادت لتجلب معها الجاذبية التي بات فريق الحكومة بأمسّ الحاجة اليها، ويعني أن شخصا بالغا انضم إلى مجموعة أطفال حول طاولة، فبدا في غير مكانه على نحو غريب، مثل مغن في عصر موسيقى الروك آند رول على مدار الساعة.

كان الجميع يعرف أن التعديل الوزاري آت لا ريب فيه، ولكنّ أحدا لم يتوقع أن يشهد بعينيه هذا التعيين، مهما كان خبيرا محنكا ومطلعا على التسريبات والأسرار. وتأتي الرعشة الإضافية من معرفتنا أن ريشي سوناك، الذي يلقبه نقاده بـ"الرجل المتقاعس"، لم يكن يوما بمثل هذه الجرأة

ومع ذلك، لِمَ لا؟ فنحن على الرغم من كل شيء نحيا في زمن يمكن فيه لأغنية جديدة لفرقة البيتلز أن تحتل المرتبة الأولى على قوائم البوب، مع أن نصف أعضاء الفرقة قد رحلوا. أما أعضاء فرقة "ألآبا" الأكبر سنا فيمكنهم أن يستمتعوا بالشباب الأبدي بواسطة تقنية الهولوغرام في ستراتفورد. بل إن ألفيس بريسلي ينتحل، بمساعدة الذكاء الاصطناعي، شخصيته نفسها من وراء القبر ولا يضطر أبدا إلى مغادرة المبنى. فإذا كان الحال كذلك، يحق لنا أن نتساءل لماذا لم يتخذ حزب المحافظين هذه الخطوة ويعين البارونة تاتشر للإشراف على إحدى الإدارات الحكومية الكبرى.
هو ذا شبح التقشف ذاته يعود إلى مسكنه القديم. لقد كان ذلك نفحة منعشة عند النقاد، الذين لم يتمكنوا من ضبط حماستهم بقية اليوم. فهتف سام كوتس على قناة "سكاي" متعجبا: "ما الذي أعنيه؟ ماذا؟".
كان الجميع يعرف أن التعديل الوزاري آت لا ريب فيه، ولكنّ أحدا لم يتوقع أن يشهد بعينيه هذا التعيين، مهما كان خبيرا محنكا ومطلعا على التسريبات والأسرار. وتأتي الرعشة الإضافية من معرفتنا أن ريشي سوناك، الذي يلقبه نقاده بـ"الرجل المتقاعس"، لم يكن يوما بمثل هذه الجرأة.

Reuters
رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزيرة الداخلية السابقة سويلا بريفرمان في 12 اكتوبر


لقد نفضوا الغبار بحمية عن العبارات القديمة التي تعلموها على ركب أجدادهم: المحافظة الرحيمة، واحدة من هذه العبارات. آل كاميرون، كما أشار أسلافهم إلى مجموعة نوتنغ هيل. نعم، مجموعة نوتنغ هيل، لقد عاد كل شيء إليهم الآن. ألم يعانق ذات مرة السترة ذات القبعة، أم كان ذلك كلب الهاسكي؟ ألم يكن هناك شيء بخصوص الخنزير الرضيع؟
ومن هذا الغموض المشابه لأسطورة بيوولف، سبحت صورة حقبة ماضية كان فيها الخبراء ما زالوا على مقاعدهم في صفوف معدات الوقاية الشخصية، أو في وقت أسبق في بعض الحالات، حين كانت عبارة "منزل الأب" لا تزال تعني شيئا.
الأمر الذي لم يكن بمقدور أي منهم تصديقه هو أن قصة عطلة نهاية الأسبوع، والأشهر الطويلة التي سبقتها، قد انطفأت فجأة: قصة محارب الثقافة الحقيقية الذي يصرخ ضد "الواكراتي" الذي يقرأ "الغارديان" ويأكل التوفو.
 وبدلا من ذلك، أمسك ريشي بالسرد. هذا هو ريشي سوناك، الرجل نفسه الذي قال عنه الخبراء إنه لا يتحلى بأي فطنة سياسية على الإطلاق، وإنه هراء في مجال الاتصالات، الذي أعلن بجنون عن نفسه كمرشح بديل بعد ثلاثة عشر عاما من حكم حزب المحافظين، إلخ. الخ... هذا ريشي سوناك نفسه كان لاعبا حاذقا على نحو لا يصدق.
فبدلا من الأخبار السلبية عن رحيل سويلا بريفرمان، وزيرة الداخلية الجريئة، التي بين سوء اختيار رئيس الوزراء عندما عيّنها في المقام الأول ثم ولائه المحموم لها بعد ذلك، جاءت العيون الزرقاء بوصفها القصة الحقيقية لهذا اليوم كإصدار لألبومه الأخير. ودفنت القصة الثانية بسرعة لا تصدق.

في عطلة نهاية الأسبوع، كان الجميع- حتى أبطأ محللي صحيفة "الأوبزرفر"، أندرو راونسلي- يعلمون أن سويلا كانت في مرمى الإصابة بكدمة

ولكن بعد ذلك، وعلى نحو ما، كان هذا عمل الخبراء أنفسهم. ألم يتوقعوا سقوط بريفرمان طيلة أيام عدة حتى بدا الأمر كأنه أخبار قديمة. في عطلة نهاية الأسبوع، كان الجميع- حتى أبطأ محللي صحيفة "الأوبزرفر"، أندرو راونسلي- يعلمون أن سويلا كانت في مرمى الإصابة بكدمة. كان من الواضح بعد أن نشرت المقال في صحيفة "التايمز" أن التدخل التحريري للمبنى رقم 10 كان ساذجا تماما، على الرغم من طلبه إجراء بعض التعديلات المتواضعة، إذا جاز التعبير. قال راونسلي: بالتأكيد يجب طردها. وقد حثها رئيسها على تخفيف حدة لغتها، لكنها تجاهلته بشكل قاطع، ووصفت شرطة العاصمة بأنها متساهلة للغاية مع المتظاهرين، وادعت أن هناك "تصورا بأن كبار ضباط الشرطة يمالئون المتظاهرين عندما يتعلق الأمر بمظاهرات الاحتجاج، بينما يتعاملون بقسوة مع المتطرفين اليمينيين أكثر من تعاملهم مع (الغوغاء) المؤيدين للفلسطينيين".
لم تكن مجرد مظاهرة قديمة تلك التي احتجت عليها بريفرمان. بل هي المظاهرة التي تدعم فلسطين التي سبق لها أن أطلقت عليها اسم "مسيرة الكراهية". كما أعرب رئيس الوزراء أيضا عن تفضيله إرجاء هذه المظاهرة لأن عطلة نهاية الأسبوع كانت مخصصة تقليديا لإحياء ذكرى أولئك الذين ضحوا بحياتهم دفاعا عن البلاد في الحربين العالميتين. ولكن- والأهم من ذلك- أنه التقى فقط برئيس شرطة العاصمة للتعبير عن مخاوفه. ولم يشكك في استقلالية الرجل العملياتية.
ولم تكن مقالة "التايمز" بالمقالة الخجولة. وذهبت أبعد من ذلك وشككت في نزاهة الشرطة. والمعنى الضمني أن مارك رولي، رئيس القوة وأهم مسؤول في البلاد، كان أبعد من أن يكون "يقظا". ولا يمكن الوثوق به في الحفاظ على السلام في الشوارع لأنه غض الطرف عن مؤيدي الإرهاب. 
وجاء هذا الوابل من الانتقادات اللاذعة في أعقاب تعليقات متطرفة مماثلة. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، وصفت وزيرة الداخلية التشرد بأنه "اختيار نمط حياة" واقترحت مصادرة خيام الأشخاص المحتاجين. وبما أن هذا الوقت من العام بالتحديد هو الوقت الذي يشعر فيه معظم الأشخاص المحترمين بالقلق إزاء هذه القضية، فقد كان كلامها هذا تصرفا يفتقر إلى الإحساس على نحو مستفز. وفي ضوء مثل هذه التعليقات، كان الإجماع بين الخبراء على أن بريفرمان تتحدى سوناك كي يقيلها. 
كنتيجة مباشرة لمشاجرتها مع شرطة العاصمة وادعائها بأن لديهم من يفضلونه، نزل مثيرو الشغب من اليمين المتطرف إلى العاصمة عازمين على تعطيل "مسيرة الكراهية" والدفاع عن يوم الهدنة. عند وصولهم، شربوا كميات كبيرة من البيرة، وهاجموا الشرطة، ثم اجتاحوا الحي الصيني، كما تفعل أنت عندما ترى في أي شخص لا يشاركك سمات وجهك شخصا غير وطني، وكان أن منعتك الشرطة من الوصول إلى عدوك هذا، فأي ميناء في العاصفة هو الميناء المناسب لقواتك المحبطة الهائجة.

EPA
كامرون مغادرا مقر رئاسة الحكومة في لندن في 13 نوفمبر

لذلك وبتحريض من سويلا تكاتفوا وراء زعيمهم، تومي روبنسون، البلطجي المعادي للمرأة المفكرة، وهو شاب فصيح نسبيا ويتبنى عنصرية أكثر تهذيبا. وبينما كانوا يتدفقون عبر الشوارع المحيطة بساحة ليستر، تأثر روبنسون وهو يردد الكلمات الملهمة لشاعرنا العظيم وليام شكسبير:
"سنصدمهم، ولن نشعر بالندم أبدا
ما بقيت إنكلترا مخلصة لنفسها".
واقع الحال أن الرجل لم يكن شكسبير بشكل مباشر، سوى أن أنصاره عوضوا عن تحفظه بالتصرف بشكل شنيع، فأساءوا لفظيا إلى الشرطة وانخرطوا في مشاجرات جسدية، في حين أن زعيمهم، بعد بعض المشاكل السطحية بالتأكيد، أوقف سيارة أجرة ومضى تاركا أتباعه يواجهون تبعاتهم مع شرطة العاصمة.
وفي الوقت نفسه، في أماكن أخرى، سارت المسيرة الرئيسة بشكل سلمي، وحضرها أشخاص من مختلف الأديان، بما في ذلك اليهود، وأفراد من جميع الفئات العمرية، بما في ذلك الأطفال. وفي نهاية فترة ما بعد الظهر، أطلق عدد قليل من المشاركين الأقل دماثة الألعاب النارية ورددوا الشعارات، ومع ذلك بقيت المظاهرة في معظمها مظاهرة ناجحة.
أما بالنسبة لبريفرمان، فقد تحقق لها ما أرادت، حيث طردت من الحكومة يوم الاثنين. وإذا خسر المحافظون الانتخابات المقبلة، فقد تكون مرشحة محتملة للقيادة داخل حزبها المهزوم، مع خوضها المغامرة في الحياة السياسية.
ولكن ماذا عن كاميرون، وقد عاد الآن إلى مجلس الوزراء، ليجلس مع الأعضاء حديثي العمر والخبرة؟ لم يتفاجأ الأصدقاء بعودته كما فوجئ المتابعون والنقاد، وهو الذي أعرب مرارا عن حنينه للحياة السياسية، بعد أن توقفت حياته المهنية فجأة بسبب الاستفتاء الذي أجراه، كما هو بيّن.
وبحسب صحيفة "الغارديان" (13 نوفمر/تشرين الثاني)، يؤكد المقربون من أصدقائه أنه لا يزال يمتلك فطنته السياسية. وقد علق صديقه القديم والمستشار السابق، جورج أوزبورن، قائلا: "لقد مات في السابق جزء منه في داخله، وهو عنصر الخدمة العامة- ولكنه حاول ملأه بأشياء أخرى مثل عمله المهم للغاية لمساعدة مرض الزهايمر، ولكن الأمر ليس سواء. والآن أعتقد، بعد أن تحدثت إليه عن ذلك، أن ما جرى كان مثل نفخة بوق، والعودة إلى الملعب، والملاعب السياسية، وخدمة بلدك".

باعتباره نائبا سابقا، كان الطريق الوحيد لكاميرون إلى مجلس الوزراء عبر مجلس اللوردات، مما يعني أنه لن يكون مسؤولا أمام مجلس العموم لأنه لا يُسمح لأقرانه بالمثول هناك

بلى! ذكريات ملاعب الصبا. هل يجب أن نتذكر أن ديف [كاميرون] قد التحق بكلية "إيتون"، في المكان الذي تحققت فيه بعض انتصارات إنجلترا، ولا سيما معركة واترلو. أما المعارك التي انضم إليها ديفيد كاميرون، مثل مشاركته في حرب ليبيا، أو تلك التي لم يُسمح له بالمشاركة فيها في سوريا (لأنها لم تقع) فلم تسفر عن انتصارات. كما انتهت معركة إبقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي بالهزيمة. ثم كان هناك التفاؤل بشأن "عصر ذهبي" للعلاقات الصينية- البريطانية، الذي يرمز إليه بتلك الصورة الفوتوغرافية التي جمعته مع الرئيس الصيني، وهما يحتسيان الجعة. ولكن من المؤسف أن هذا الفصل لم يكن ناجحا على الإطلاق، على الرغم من أن كاميرون كان مرتبطا بمشروع ميناء مقترح في سريلانكا يهدف إلى مساعدة طموحات بكين التجارية، فمن الصعب تغيير عادات المرء القديمة.
والأمر المثير للفضول هو أنه على الرغم من الافتتان بعودة "الشبح" كاميرون والسير بخطى واثقة نحو مبنى رئاسة الوزراء، فقد بدا النقاد وكأنهم يتغافلون عن سجله المخيب في الشؤون الدولية. لقد كانوا أكثر اهتماما بتداعيات تعيينه داخل البلاد، والتحول نحو الموقف الوسطي، أكثر من اهتمامهم بالمنصب نفسه. ومع ذلك، فلا ننسينّ أن هذا المنصب هو وزارة الخارجية، فهو لم يأتِ إذن كأثر مقدس من حقبة غابرة، ولا باعتباره شخصية مسنة رمزية لاسترضاء المتقاعدين، ولا حتى (كما اقترح أحد المؤيدين) كمستشار لرئيس الوزراء الشاب، كائنا ما كان السبب.
في هذا السيناريو، كان ريشي سوناك يكرم ويعين بشكل سري شخصية غير منتخبة في مجلس الوزراء في منصب وزير الخارجية، وهو رجل يتمتع بأحد أقل سجلات الشؤون الخارجية إثارة للإعجاب، وربما ينافس سجل اللورد نورث. ها نحن إزاء رجل عانى من إخفاقات ملحوظة في السياسة الخارجية ويستعد الآن لخلافة جيمس كليفرلي والتعامل مع أزمة كبرى في الشرق الأوسط.
باعتباره نائبا سابقا، كان الطريق الوحيد لكاميرون إلى مجلس الوزراء عبر مجلس اللوردات، مما يعني أنه لن يكون مسؤولا أمام مجلس العموم لأنه لا يُسمح لأقرانه بالمثول هناك. قد يبدو الأمر غير عادي، لكن لا يُسمح للنواب حتى بذكر "مجلس اللوردات"، وإنما يشيرون إليه باسم "المكان الآخر". وبالتالي، لن تكون هناك أي رقابة على الرجل الذي أشادت به إحدى الصحف الإسرائيلية باعتباره "رئيس الوزراء الأكثر تأييدا لإسرائيل في التاريخ".

إنه لمن دواعي الحنين أن نشاهد لاعبا مخضرما مثل ديفيد كاميرون وهو يؤدي عمله. وبكل هذه الخبرة في ليبيا، لن يجد صعوبة في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط.


كان هناك في وزارة الخارجية في الماضي، كما يذكر روري ستيوارت، عرب يتحدثون اللغة العربية ويميلون إلى تفضيل الجانب العربي في أي جدل يحتدم، نسميهم عادة خلفاء لورانس العرب. ولكن ذلك كله انتهى بحلول عام 2010، وفي ذلك الوقت كان غالبية أعضاء الفريق المشرف على المنطقة العربية لا يستطيعون نطق كلمة واحدة باللغة العربية (12 عضوا من أصل 15)، وهو ما حظي بترحيب بنيامين نتنياهو، الذي اعتبر أن وزارة الخارجية قد تم تطهيرها بشكل مناسب. ومن يدري، ربما يكون كاميرون تتويجا لهذا الاتجاه، فالغالب أن أي تغيير في دعم بريطانيا الثابت لإسرائيل لن يحدث.
ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الجانب المشرق، فستتاح الفرصة أخيرا لذي العيون الزرقاء (كاميرون) أن يثبت أنه قد استعاد سحره. ستكون هناك فرص لا حدود لها للاستمتاع بصوته والسفر لمسافات طويلة لحضور المؤتمرات، حيث يستطيع أن يصل إلى أعضاء السلطة الرابعة، بما في ذلك النقاد المثيرون، في الردهات الكبرى للقاعات الفسيحة، ويقول شيئا يبدو مهما، بحاجبين مقطبين، ثم يمضي مبتعدا قبل أن تتاح لأي صحافي فرصة لطرح سؤال محرج.
وبالفعل، نجح الرجل في تكتيكه ذاك في أول مقابلة له كوزير للخارجية، حين بدا متوترا بعض الشيء في البداية، لكنه سرعان ما استعاد زمام أمره، وعندما سئل سؤالا استقصائيا عن شؤونه المالية، انحرف لتجنب ذلك بكثير من الرشاقة وخفة الحركة المعروفة لديه. وحين سئل ثانية، أشار إلى أن كل ذلك قد جرى تناوله في لجنة نيابية وأصبح في الماضي. وبعد ذلك، وبحجة أن لديه عملا للقيام به، خرج مسرعا وهو يلوح وداعا.
إنه لمن دواعي الحنين أن نشاهد لاعبا مخضرما مثل ديفيد كاميرون وهو يؤدي عمله. وأحس أنه، مع كل هذه الخبرة في ليبيا، لن يجد صعوبة في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط. والواقع أن تعيينه يدحض البديهية القديمة التي تقول إن كل الحياة المهنية للسياسيين تنتهي دائما بالفشل، يمكن للحياة المهنية أن تفشل، ولكن من يمكنه أن يقول إنها انتهت.

font change


مقالات ذات صلة