ياسر ثابت: أغاني "المهرجانات" أطلقت سراح الثقافة الشعبية

يبحث عن الحقائق في التاريخ المعاصر

Péter Csuth
Péter Csuth

ياسر ثابت: أغاني "المهرجانات" أطلقت سراح الثقافة الشعبية

"المعلومة هي البذرة الأولى للرأي" يقول الكاتب الصحافي الدكتور ياسر ثابت المولود عام 1964 في كولونيا بألمانيا. حصل على بكالوريوس في الصحافة من كلية الإعلام بجامعة القاهرة، ودرجة الماجستير في الصحافة بجامعة ويلز عام 1998. ثم حصل على درجة الدكتوراه في الصحافة من جامعة بوسطن عام 2000. لثابت تجارب صحافية رائدة في مصر والعالم العربي حيث ساهم في تأسيس أول جريدة مستقلة، كذلك أول جريدة أعمال بمصر. شغل منصب رئيس تحرير في قنوات إخبارية. له العديد من الإصدارات أولها كتاب "موسوعة كأس العالم" الصادر عام 1994 وآخرها "صندوق العجائب: من الدراما إلى المقالب والفوازير" و"تاريخ الغناء الشعبي: من الموال إلى الراب".

  • في رصيدك العديد من المؤلفات، في موضوعات عدة بين الفن والرياضة والسياسة، إلا أنها ذات طابع استقصائي وكأنك تريد أن توثق الحالة فلا تعطي القارئ رأيا جاهزا بل تمنحه فرصة لتكوين وجهة نظره الخاصة. حدثنا عن ذلك؟

مهمة الكاتب تقديم الأحداث والتفاصيل كما هي، دون آراء مسبقة أو أفكار معلبة تصادر وعي القارئ أو تتجاهل رغبته في صوغ رأيه الخاص. نحن مطالبون بالتدقيق في المعلومات التي نصل إليها وأن نكون موضوعيين ومنصفين قدر المستطاع، لأن المعلومة هي البذرة الأولى للرأي، وحين نمنح القارئ معلومات وتفاصيل ونسرد روايات الأطراف والمصادر المختلفة، فإننا نعيد كتابة التاريخ بعيدا من المزاعم والادعاءات والمبالغات والروايات المرسلة.

دوري هو إعادة قراءة التاريخ، وفي كثير من الأحيان تكون مهمتي أصعب فأبحث - بأسلوب استقصائي وبلغات ومراجع مختلفة- عن الحقيقة وسط الفراغات والثقوب السوداء التي يزخر بها التاريخ. أما الرأي الشخصي فيجب أن يكون محددا ووفق ضوابط واضحة، لأننا مطالبون بمنح الآخرين فرصة التفكير في الأحداث والمواقف وفهم الحقائق القائمة والمتاحة.

تتنوع مؤلفاتي ما بين الرياضة والتاريخ والأدب، وهناك أطياف للسياسة هنا وهناك، لكن همي الأول هو البحث عن الحقيقة بلا رتوش، وسد الفراغات وجَسر الفجوات في تاريخنا الثقافي والاجتماعي والرياضي. ولأن التحدي كبير، فإن مشروعي أكبر مما تصورت شخصيا.

مهمتي إعادة قراءة التاريخ الحديث والمعاصر وإجراء مراجعة شاملة بالمستندات والوثائق والمقارنات المدققة التي تبتعد عن إطلاق الأحكام

  • يحسب لك في ما تكتب بساطة الأسلوب والحياد في التوثيق، كيف تحافظ على هاتين الصفتين؟

حين يلتقط القارئ جوهر أسلوبي، فإن هذا يعني ببساطة أن الرسالة وصلت وأن عمري لم يضع هدرا. لقد حرصت منذ البداية على أن تكون مهمتي إعادة قراءة التاريخ الحديث والمعاصر وإجراء مراجعة شاملة بالمستندات والوثائق والمقارنات المدققة التي تبتعد عن إطلاق الأحكام والغرق في المزاعم والادعاءات أو الاستسلام لما هو متعارف عليه، دون تمحيص. وأرجو أن تكون كتابتي خطوة نحو التفكير والمراجعة وكتابة تاريخ حقيقي ومنصف لكل الأحداث والشخصيات في مصر الحديثة والمعاصرة، لأنه دون فهم التاريخ لن نجيد قراءة المستقبل.

الموسيقى العارية

  • في كتابك "الموسيقى العارية: أساطير في مملكة الغناء" هناك فصلان عن أغاني الحج في التراث المصري، ماذا عنهما؟

في البداية، يجب أن نقر بأن حفظ أغاني الحج، وإنتاجها، يعود الى جهتين هما: "شركة البواخر المصرية" التي كانت تدعم إنتاج هذه الأغاني، وذلك على سبيل الدعاية والإعلان عن بواخرها، والإذاعة المصرية التي انطلقت في عام 1934، والتي ساهمت بدورها في تقديم هذه الأغنيات.

للأسف الشديد، معظم الأغنيات المرتبطة بالحج قد فُقِدَت - قبل ظهور الإذاعة المصرية - وجاء افتتاح الإذاعة المصرية ليكون طوق نجاة لهذا التراث النادر، إذ بدأت عملها ببث أغنيات عن الحج، مصحوبة بـتنويه بأن تلك الأغاني "تذاع بتصريح خاص من شركة مصر للتمثيل والسينما"، مما يعني أن الفضل في كثير من تراث الحج الغنائي يُعزى الى شركة "بنك مصر" التي تأسست عام 1925 - وأيضا لشركة "الملاحة المصرية"، وهما من الشركات التي أسّسها مؤسس نهضة مصر الاقتصادية طلعت حرب باشا، وحيث أن الشركة الأخيرة كانت قد وفرت باخرتين لنقل الحجاج من ميناء السويس إلى ميناء جدة، فيما سخَّرت شركة "مصر للتمثيل والسينما" إمكاناتها لإنتاج مجموعة من أغنيات الحج، مستعينة بأكثر من ملحن مشهور للمهمة، منهم: الشيخ زكريا أحمد، أحمد عبد القادر، محمد الكحلاوي وغيرهم كثير.

في 5 يناير/كانون الثاني 1937 وتحت عنوان "حفلة بنك مصر"، نقلت الإذاعة المصرية الى آذان المستمعين أول حفلة أنتجتها شركة "مصر للتمثيل والسينما"، وتضمنت أغنيات الحج التي قدّمتها المطربة الكبيرة نجاة علي، "ذهاب الحجيج" و"عودة الحجاج"، والاثنتان من تأليف المتعدد المواهب العملاق بديع خيري، وتلحين الشيخ زكريا أحمد، إضافة إلى موّالي "سيري يا زمزم" و"يا اللي رايح تحج البيت"، وحيث ورد في كلمات الأغنيات "ذهاب الحجيج": "صون يا نبي حجاجك نالوا الشفاعة بيك... ويا بحر هدي أمواجك - زمزم وكوثر- فيك".

يبدو واضحا أن هذه الأغنية تضمنت دعاية مباشرة للباخرتين التابعتين لشركة الملاحة المصرية بناء على طلب الإنتاج.كذلك في 19 مارس/آذار 1937 أذاعت الإذاعة المصرية أغنية المطربة حياة محمد عن عودة الحجاج، وجاء في كلماتها التي صاغها يونس القاضي ولحّنها عبده بقطر: "ما أحلى وقوفنا يوم عرفات ودخولنا في روضة الهادي... ورحنا ويانا حاجات واليسر في الركب يحادي... الحمد لك يا رب وفقت طلعت حرب... أنشأ بواخر مصرية –كوثر وزمزم في الميه... يمشوا على كفوف الراحة والشيلة دايما مرتاحة".

أغاني المهرجانات والراب

  • ذكرت في كتابك "تاريخ الغناء الشعبي من الموال إلى الراب" ان أغاني "المهرجانات" و"الراب" نسفت الحد الفاصل بين الغناء الكلاسيكي الرفيع والفن الشعبي.

بالفعل، نسفت أغاني "المهرجانات" و"الراب" فكرة الحد الفاصل ما بين الفن "الرفيع" والفن "الشعبي"، وانتقلت بالجمهور من الرغبة الواعية إلى الرغبة المكبوتة، في مختلف تمثلاتها، وعملت على إطلاق سراح الثقافة الشعبية من الحدود المفروضة عليها. صار في وسع هذه الأغاني أن تتناول أية ظاهرة أو مسألة أو موضوع، بريئا أكان أم لم يكن، مستبعدا ومهمشا ومحرما أيضا. لذا فإن قدرتها على التأثير سواء من حيث سهولة تداولها وانتشارها، أو من حيث كونها قصيرة وقادرة على إيصال الرسالة بعبارات قليلة جدا، تجعلها أداة تغيير بالغة التأثير.

لندع المستوى أو المحتوى جانبا، فهذا أمرٌ محل نقاش وجدال، لكن المحتوى هنا له تأثيراته الملموسة على أفكار المجتمع وسلوكيات أفراده، وهذا ما يجعل الألوان الغنائية الجديدة محل اهتمام كثير من الباحثين. وإذا كان من الضروري فهم آلية تأثير هؤلاء المطربين في جمهورهم وكيفية انتشارهم عبر  "التكتوك" والأفراح وبعض الفضائيات الشعبية، والشباب الذين يستمعون إليهم في الشوارع والأزقة، فإنه من المهم في الوقت نفسه أن نقف عند هذه الظاهرة بما لها وما عليها، بعيدا من أي مواقف أو أحكام مسبقة، لتوظيف هذا التطور أو تعديل مساره، دون إنكار أو نفي أو إقصاء.

نسفت أغاني "المهرجانات" و"الراب" فكرة الحد الفاصل ما بين الفن "الرفيع" والفن "الشعبي"، وعملت على إطلاق سراح الثقافة الشعبية من الحدود المفروضة عليها

  • الأغنية الشعبية في مصر فن قديم يعبِّر عن مشكلات الطبقة الوسطى والفقيرة ويتميز بأنه ليس مركزيا، فهناك أغنية شعبية بدوية وصعيدية إلى آخره... هل أغاني المهرجانات و"الراب" هي البديل الحالي من الأغنية الشعبية؟

حتى الآن لم يتعامل أحد مع مشهد "الراب" و"المهرجانات" بشكل نقدي يشرح ويفكك لنا الأغاني والألحان في هذين اللونين بطريقة موضوعية ودون انحيازات، وترك الجميع الظاهرة تتفشى على أمل أن تنظم نفسها، في وقتٍ وجّه فيه عدد من النقاد سهامهم بلا هوادة.

تتباين الآراء في شأن أغاني "المهرجانات"، ما بين معارضٍ لفرض وصاية أو حجر على اختيارات الناس وأذاوقهم، وهو فريق يرى في معظمه أن هذه الأغاني ستنتصر لأنها تتحدَّث عن مشكلات الناس، على خلفية نغمة موسيقية متكررة. بل إن هناك من يرى أن أغاني "المهرجانات" الشعبية هي ترجمة للواقع الذي نعيش فيه سواء كنا متفقين مع هذه الأغاني أم لا، فهي تُعبِّر عن مناطق العشوائيات بما تعانيه من زحام وسوء الأحوال الاقتصادية والمعاناة من التهميش. كل ذلك تُرجِم في صورة ضجيج في هذه الأغاني. وفريق آخر يحذر مما يراه لغة متردية وإسفافا في تلك الأغاني، له أخطاره على المجتمع وثقافته العامة، فضلا عن أنه يجعل العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة في عالم الغناء.

هناك فريقٌ ثالث، يطالب باحتضان مطربي "المهرجانات" وتعليم من لديه موهبة منهم ووضع ضوابط على كلمات أغانيهم، وفي الوقت نفسه حثّ المنتجين على تشجيع المواهب الشابة.

علينا أن نعترف بأن مجتمعاتنا متنوعة الأذواق والأجيال، فهناك أذواق التمرد والرفض عند شباب كثيرين، وهناك أذواق محافظة لا ترى إلا نماذج الفن والزمن الجميل في القرن العشرين، وهناك غناء المهمشين وأصحاب المزاج، وهي كلها ألوان علينا تقبلها، والمطلوب أن تختار الجهات المعنية إلى أي لون تنحاز دون أن يعني ذلك إلغاء الآخرين.

إشكالية "ويجز"

  • خصصت فصلا كاملا في الكتاب عن أغنيات "ويجز" الذي تسببت أغنياته بصدمة في الشارع المصري، إلا أن هناك قطاعا عريضا من الشباب الذين يفهمون "رموز" أغانيه وهذا أمر غريب...

ربما كان "ويجز" رمزا أو رأس الحربة لموجة جديدة من الموسيقى تتعالى على قواعد صناعة الموسيقى الأكاديمية وأصولها، وعلى الرغم من أن تلك الموجة نالت استهجان من أطلق عليهم أعداء النجاح ومُدعي الفضيلة وقادة شرطة الأخلاق الفنية، فإنها اكتسحت المشهد الغنائي وحصدت جمهورا غفيرا. بدا لكثيرين أن "ويجز" يمثل تحديا لمنظومة سيطرة الشلل الفنية والثقافية السائدة، وبات ثمرة لديموقراطية التكنولوجيا التي تسمح لنماذج من الهامش بأن تحتل المتن طالما أنها تمتلك الموهبة والقدرة على التقاط روح العصر.تناول "ويجز" منذ ظهوره الكثير من الموضوعات، التي من الممكن اعتبار أنها الخيوط التي يسير على دربها "الراب" المصري.

تحفل أغاني "ويجز" التي يؤلفها بنفسه في الغالب، بالحديث عن نفسه ومعاناته الشخصية، سواء كانت هذه المعاناة بسبب تردي وضعه الاجتماعي قبل الشهرة، أو بسبب الخوف من عدم تقبل المجتمع له ولطموحاته، وهي سمة غالبة على أغاني "الراب" المصري عامة، فالمعاناة هنا تنتقل من كونها شخصية تخص "ويجز" وزملاءه فقط لتعبِّر عن معاناة هذا الجيل بأكمله، والتحديات التي أجبروا على مجابهتها بصدور عارية.

صندوق العجائب

  • في كتابك الأخير "صندوق العجائب: من الدراما إلى المقالب والفوازير" الذي رصدت فيه التحول الاجتماعي والثقافي في مصر من خلال التلفزيون، تتوقف عند تجربة أسامة أنور عكاشة، ماذا استنتجت في خصوص مشروعه؟

تناولت دراما أسامة أنور عكاشة الكثير من الهموم والقضايا، مثل قضية الهوية في "أرابيسك" و"زيزينيا"، وقضية التحولات الاجتماعية الكبرى ومرحلة ما بعد ثورة يوليو وبعد حرب 1973 كما في "ليالي الحلمية"، وسيادة المادة على القيمة مثلما رأينا في "الراية البيضا" وفكرة المستبد العادل كما في "عصفور النار"، وفكرة المثاليين في زمن غير مثالي، مثل "رحلة السيد أبو العلا البشري" و"ضمير أبلة حكمت"، والفساد كما في "أنا وأنت وبابا في المشمش"، كما تطرق الى الهم العربي في "امرأة من زمن الحُب".

انشغل أسامة طوال مشواره الدرامي بالشخصية المصرية وتحولاتها مع التطورات والتغيرات التاريخية، وعلاقتها بالآخر، خاصة أن عددا كبيرا من الأجانب كان يعيش في مصر مستقرا كالمصريين حتى بدايات ستينات القرن العشرين. أما المحور الرئيسي الثاني الذي يقوم عليه مشروع أسامة أنور عكاشة الفكري، فهو الرصد الدرامي للتطور الاجتماعي في مصر، الذي بدأه على مستوى الأسرة في مسلسل "الشهد والدموع" وغيره، ثم على مستوى الحي في "ليالي الحلمية" و"زيزينيا" وغيرهما. وبعد رحلة طويلة بين القاهرة والإسكندرية، اختار في "المصراوية" رصد مستويي القرية والمدينة الإقليمية، أو المركز الواقع بين الريف والحضر، محاولا كشف أسرار العلاقة الفريدة بينهما، وعائدا إلى جدلية التأثير المتبادل بين أبناء الريف والمدينة، التي كان قد بدأها في "أبواب المدينة" من خلال القرويين النازحين إليها، لكنه في "المصراوية" يقوم برحلة معاكسة.

تتجلى عبقرية أسامة أنور عكاشة الحقيقية في حفاظه على مشروعه الفكري/ الدرامي، وإلحاحه على عناصره وأفكاره أكثر من مرة، من دون أن يصيب المشاهد بالملل، ومن دون حتى أن يلاحظ بعض المشاهدين هذا الإلحاح، مع تأثرهم الكامل به.

مشروع أدبي

  • تتنوع إصداراتك في مجال الأدب بين القصة والنصوص والرواية، هل لديك مشروع أدبي تسعى إلى تحقيقه؟

بكل تأكيد. إنني فخورٌ بما كتبت، ومشتاقٌ الى ما سأكتبه، وغير نادم على انشغالي بالمعرفة عن أهل الوقت الضائع. هل كنت سأُنجِزُ مؤلفاتي، لو سرقتني المقاهي وغيتوهات المثقفين الغارقين في الانغماس الذاتي والإفراط في التعالي والأدلجة؟

لقد طغى البحث عن التاريخ المفقود على مشروع الكتابة عندي، سواء الكتابة البحثية أو الإبداعية. أردتُ أن تكون كتاباتي السياسية وبحوثي التاريخية عينا واعية في انتقائها وانتقادها، واخترتُ أن تُقدِّم كتاباتي الإبداعية لغة تعتمد المتعة وتبتكر الجديد ولا تستسلم للقبح السائد ولا للتفاهة الرائجة. الأعمال الأدبية الذهنية قد تثير سخطك، وقد تقودك إلى الجنون أحيانا، لكنها حتما ستحرضك على التفكير والمقاومة.

لم يطبعْ التزامي الموضوعية في تقصي موضوعاتي الأسلوبَ بطابع الجفاف، بل كنتُ حريصا على أن يكون الأسلوبُ ممتعا، شائقا يطرِّزُهُ السردُ الجميل، والطرائفُ المدهشة المسليَّة، مما يضيف إلى قامة أي كتابٍ ارتفاعا آخرَ من النجاح والـتأثير. الأمر متعلقٌ بالمخيلة، فأنت أبكم، لا يسمع أحدٌ صوتك إلا حين تُبحِرُ بك الأفكارُ القرمزية في جزيرة الخيال.

هكذا تكون الكتابة معابر لتنشيط الذاكرة وحمايتها من صدأ النسيان. ابتعدت عن الحياة الاجتماعية وصحبة الناس ومخالطة الأصدقاء والخلان، مقدما عليها صحبة الكتب والمكتبات. تصوفٌ في طبيعة العلاقة بالعلم والمعرفة. لذا أصبحتُ غزير الإنتاج والتأليف وتركتُ خلفي مكتبة متعددة الاختصاصات. وفي النهاية، لستُ مدينا لأحد، إلا للقارئ الذي يبحث ويفكر ويقارن.

تتجلى عبقرية أسامة أنور عكاشة الحقيقية في حفاظه على مشروعه الفكري/ الدرامي، وإلحاحه على عناصره وأفكاره دون أن يصيب المشاهد بالملل

  • في كتابك "ذاكرة القرن العشرين" اخترت شخصيات وأحداثا مصرية وعربية وعالمية وأفردت 34 فصلا للحديث باستفاضة عنها. ماذا عن كواليس كتابة هذا الكتاب؟

ولِدت فكرة الكتابة عن تاريخ القرن العشرين على صفحات جريدة "الأهرام المسائي" اعتبارا من 8 أغسطس/آب 1999، واستمر المشروع قائما عبر 34 أسبوعا على التوالي، حاولتُ خلالها تقديم صورة متكاملة عن هذا القرن الحافل بالأحداث والمنعطفات الحاسمة من مختلف الزوايا، واعتمدتُ على مئات الدوريات والكتب والمراجع باللغتين العربية والإنكليزية، وقد اكتفيتُ بذكر أهمها، وإلا تعيّن عليّ إفراد نصف مساحة هذا الكتاب لسردها بالتفصيل. وكم قضيتُ ساعات أبحث وأدقق، بحثا عن المعلومة الصحيحة والتاريخ الصائب لما ورد في هذا الكتاب، الذي أرجو أن يكون مفيدا للقارئ، وأن يضيف إليه مرجعا مهما ودقيقا ما أمكن ذلك، في زمن عَزَّتْ فيه الكتب العربية الجادة، التي تنهل من بحور العلم والمعرفة، وتهتم بتوثيق التواريخ والأحداث.

وفي ظل تعارض دقة عدد من التواريخ في عديد من المراجع والمصادر التي لجأت إليها خلال مراحل إعداد الكتاب للنشر، خصوصا حين يتعلق الأمر بشخصية مصرية أو عربية، اخترت التواريخ التي تكررت في أكثر من مصدر موثوق به واطمأنت إليها نفسي قدر الإمكان، على الرغم من انزعاجي وأسفي لهذه الذاكرة المثقوبة التي تجعل من المتعذر تحديد التواريخ بدقة وحسم، وينطبق الأمر نفسه على مسألة الأسماء والأعلام التي قد تختلف طريقة نطقها أو كتابتها، تبعا للغة المستخدمة واللغة التي تترجم إليها هذه الأسماء.

font change

مقالات ذات صلة