من "طالبان" إلى "حماس"... الدرس الضائع

من "طالبان" إلى "حماس"... الدرس الضائع

كثرت بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، مقارنة "حماس" بداعش من ناحية العنف الذي استهدف المدنيين في منطقة غلاف غزة وذاك الذي اعتاد التنظيم المسلح الذي نشط في سوريا والعراق في العقد الماضي، إنزاله بضحاياه ومن يتصدى له بالمعارضة ولو كانت سلمية.

جلي أن المقارنة لا تصمد في أي نقاش، ليس فقط من ناحية الاختلاف في الأسس الفقهية التي يتبناها الطرفان، السلفية الجهادية في حال داعش، مقابل الفكر الإخواني عند "حماس"، بل أيضا لاختلاف الأهداف السياسية التي يحملها كل منهما، والهدف النهائي الذي يقول إنه يسعى إلى تحقيقه.

قد تكون مقارنة "حماس" بحركة "طالبان" الأفغانية أقرب إلى الصواب. ومرة ثانية، ليس من الناحية الفقهية والأصولية، حيث تتحدر "طالبان" من المدرسة الديوبندية التي تأسست بعد الانتفاضة الهندية الكبيرة في 1857م ضد الاستعمار البريطاني في حين تعود "حماس" إلى المناخ المصري والعربي الذي أنتج حركة "الإخوان المسلمين" في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين من جهة صعود طبقة متعلمين محليين تطالب بالمشاركة السياسية في ظل الحكم الملكي والاحتلال البريطاني لمصر.

"حماس" جاءت من خلفية "إخوانية" تضع مهمة بناء المجتمع الإسلامي، بحسب تصورها، في المقدمة

ركزت الحركة الديوبندية على حماية الإرث الإسلامي في شبه القارة الهندية بعد القضاء على الإمبراطورية الموغلية وعلى مقارعة محاولات البريطانيين تغيير سمات المجتمع المسلم في الهند للحيلولة دون اندلاع انتفاضات جديدة يؤدي المسلمون الهنود فيها دورا محوريا على غرار ما جرى في 1857م. عليه، كان اهتمام اتباع الديوبندية يتجه إلى "الخارج": سجال البريطانيين والهندوس والرد عليهم وتعزيز الانتماء الديني والثقافي للمسلمين. تأثر "طالبان" بالديوبندية انعكس في الموقف القاطع المعادي للاحتلال السوفياتي أولا ثم للموالين لحكومة محمد نجيب الله، وبعد ذلك للقوى الأخرى التي شكلت الأحزاب السياسية التي انخرطت في "الجهاد" ضد السوفيات بسبب فسادها أو ارتباطها بقوى خارجية أو تشربها بالمعتقدات غير الإسلامية، على ما قررت "طالبان". الأولوية إذن هي للصراع مع الآخر المختلف ومع الخارج ومن يتبعه. 
"حماس" في المقابل، جاءت من خلفية "إخوانية" تضع مهمة بناء المجتمع الإسلامي، بحسب تصورها، في المقدمة. المدارس والمستشفيات والمؤسسات الإعلامية والتمدد إلى النقابات وهيئات المجتمع المدني، أمور تحتل الصف الأول في استراتيجية "الإخوان المسلمين" وتسبق عادة محاولات بناء جهاز عسكري- أمني ثم التقدم للاستحواذ على السلطة، سواء عبر الانتخابات أو بواسطة القوة والغلب. وهذا ما شهدناه تكرارا في كثير من الدول العربية على امتداد الأعوام المئة الماضية. 
لكن الأهم، ليس الخلافات الفقهية كانتماء الديوبندية ثم "طالبان" إلى الفقه الحنفي وبقاء "حماس" في منأى عن الجدال بين المذاهب بسبب تعدد المذاهب في المنطقة التي انتشرت فيها حركة "الإخوان" (المذهب الشافعي في المشرق، الحنفي في مصر، المالكي في شمال أفريقيا... إلخ)، بل في الوجهة التي تتخذها الحركتان في فهمهما لمجتمعيهما. 
ليست بعيدة تلك الأيام التي كان المسؤولون الأميركيون والغربيون يعلنون ليل نهار أن لا مكان لـ"طالبان" في مستقبل أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001. وبالفعل، كان الهجوم الأميركي في الأشهر الاخيرة من العام المذكور من العنف إلى درجة أنه حطم دفاعات "طالبان" التي اضطرت إلى الانسحاب إلى رقعة ضيقة من الجبال الوعرة قرب الحدود الأفغانية– الباكستانية. وساد اعتقاد بأن الحملة الأميركية لكسب "العقول والقلوب" الأفغانية تسير نحو النجاح وأن حلفاء أميركا والغرب في "تحالف الشمال" والشخصيات التي شاركت في اجتماعات "اللويا جرغا" مثل حميد كرزاي وغيره، قادرة على إحداث الفرق في طبيعة الحكم في كابل. 
 

ليس هناك ما يشجع على تحبيذ حكم "حماس" أو ما يشبهها لغزة أو للضفة الغربية. وسيكون من سوء حظ الفلسطينيين أن يخضعوا لسلطة تتولاها الحركة، كما هو حال الأفغان الواقعين تحت حكم "طالبان"

وليس خافيا ان استعادة "طالبان" سلطتها استندت الى عوامل شتى منها فشل المشروع الاميركي في بناء دولة تحظى بقبول اكثرية المواطنين الافغان وهزال القاعدة الشعبية لمن اختارهم الاميركيون لتولي الحكم وقدرة "طالبان" على تمثيل تطلعات الاكثرية الباشتونية ببرنامج شديد المحافظة اجتماعيا، ورافض للهيمنة الاجنبية، سياسيا....

التصريحات الجازمة على أن أيام "حماس" انتهت في غزة والتي تأتي كصدى للتأكيد على سقوط "طالبان" النهائي، تصدر عن أناس يغلبون أمانيهم على الواقع الصلب. 
وبغض النظر عن الموقف من الحركتين ومن تاريخهما وممارستهما، منذ ظهور مؤسس "طالبان" الملا عمر في مدرسة دينية متواضعة في إحدى قرى أفغانستان وقبلها منذ إعلان تأسيس "حماس" في غمرة أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى، فإن كيفية عودة الحركة الأفغانية المسلحة إلى السلطة، ومن دون معارضة تذكر لا في "تحالف الشمال" ولا غيره، وسيطرتها على أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي المتخبط والمهين، يجب أن تُدرس بإمعان عند الحديث عن استبدال "حماس" وعن القضاء عليها. ذلك أن الحركتين في أفغانستان وفلسطين، تتشاركان فيما يتجاوز الانتماء إلى لونين من ألوان الإسلام السياسي. وقدمتا أسلوبين لمواجهة عدو خارجي لم يخف نواياه في فرض تغييرات عميقة على الواقع السياسي للبلدين. 
ليس هناك ما يشجع على تحبيذ حكم "حماس" أو ما يشبهها لغزة أو للضفة الغربية. وسيكون من سوء حظ الفلسطينيين أن يخضعوا لسلطة تتولاها الحركة، كما هو حال الأفغان الواقعين تحت حكم "طالبان". 
بيد أن الصورة أكثر تعقيدا من رسمها من قبل "خبراء" يسقطون أمانيهم (أوهامهم) على الواقع الفلسطيني. وإحدى المفارقات أن كثيرا من هؤلاء كانوا في مواقع المسؤولية والسلطة عند وقوع الهزيمة/الفضيحة في أفغانستان لكن يبدو أن القدرة على التعلم ليست من ميزاتهم التي رفعتهم إلى مواقعهم. 

font change