في ذكرى "الانهيار الكبير"...إرث الاتحاد السوفياتي في العالم العربي

بعد مرور 32 سنة على رفع علم روسيا في الكرملين

Sara Gironi Carnevale
Sara Gironi Carnevale

في ذكرى "الانهيار الكبير"...إرث الاتحاد السوفياتي في العالم العربي

فيما كان العالم مشغولا باحتفالات عيد الميلاد عام 1991، كان العلم السوفياتي يُنزل عن قبة الكرملين للمرة الأخيرة، ليحل محله علم روسيا الذي نعرفه اليوم. وفي اليوم التالي، أعلن مجلس السوفيات الأعلى، أو ما تبقى منه، حل الاتحاد السوفياتي رسميا. واستقال الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف من منصبه في 25 ديسمبر/كانون الأول 1991، وتنازل عن السلطة لخليفته بوريس يلتسين البالغ من العمر 59 عاما.

استقبل العالم العربي تلك الأخبار بمشاعر متضاربة. وكان معظم الناس يعيشون حالة من الذهول وعدم التصديق إلى أقصى حد؟ ولكن بعض الزعماء اعتبروا ذلك نعمة لهم، وبينهم كان الرئيس المصري حسني مبارك الذي كانت بلاده قد انفصلت منذ فترة طويلة عن السوفيات ووضعت نفسها في فلك الولايات المتحدة. وكان الرئيس السوري حافظ الأسد قد توقع تلك النهاية وانفتح على الولايات المتحدة بعد سنوات من العداء، وانضم على نحو صريح إلى التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لتحرير الكويت، بعد أن أدرك أن الاتحاد السوفياتي الذي كان يعرفه على وشك انهيار كبير. ولم تذرف دول عربية أخرى، كالمملكة العربية السعودية، دمعة على الإمبراطورية الشيوعية، على الرغم من أنها كانت أول دولة تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع موسكو منذ عام 1926. ولكن العلاقة بينهما بدأت تتدهور بسرعة عندما بدأ السوفيات بتشجيع الشيوعية، وبالتالي تشجيع الإلحاد في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي. وحاول السوفيات إصلاح العلاقات مع الرياض في مارس/آذار 1938، لكن الملك عبد العزيز رفض ذلك، وقطعت العلاقة بين البلدين تماما. ولم تُستعد إلا في سبتمبر/أيلول 1990، أي قبل 15 شهرا من الانهيار الرسمي للاتحاد السوفياتي.

ومع ذلك، لم يكن أحد يتوقع أن يتم الأمر بتلك السرعة، ولا حتى صانعو السياسة في الولايات المتحدة، على الرغم من أن وزير الخارجية آنذاك جيمس بيكر- وفقا لما ذكره- قد تلقى مذكرة داخلية في وقت مبكر من 25 أكتوبر/تشرين الأول 1991 جاء فيها أن "الاتحاد السوفياتي الذي نعرفه لم يعد موجودا. يجب أن ينصب هدفنا على جعل الانهيار سلميا قدر الإمكان".

وفي كتابه المهم بعنوان "الدبلوماسية" كتب سلف بيكر، أي هنري كيسنجر، والذي أمضى حياته في العمل من أجل تفكيك الاتحاد السوفياتي، قائلا: "لقد انهارت الإمبراطورية السوفياتية على نحو أسرع من تمددها المفاجئ خارج حدودها".

تمثل آخر تدخل سوفياتي جدّي في الشؤون العربية في ترؤس غورباتشوف والرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الأب مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. وكان من الواضح أن حضور غورباتشوف كان احتفاليا بحتا

أما بالنسبة لحلفاء روسيا العرب منذ عهد طويل، مثل صدّام حسين في العراق، والعقيد معمر القذافي في ليبيا، فيبدو أنهم كانوا متشبثين بقناعتهم الخاطئة للغاية بأن السوفيات، الذين استطاعوا في الماضي التغلب على كثير من التحديات، كانوا قادرين على الصمود في وجه تحديات ذلك الزمن أيضا. وبالفعل، اجتاز الاتحاد السوفياتي الحرب العالمية الثانية وسنوات العزلة التي قادتها الولايات المتحدة في ظل الحرب الباردة، وتمكن من تجاوز وفاة جوزيف ستالين عام 1953، وحوّل نفسه إلى قوة عظمى. وتمثل آخر تدخل سوفياتي جدّي في الشؤون العربية في ترؤس غورباتشوف والرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الأب مؤتمر مدريد للسلام في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1991. ولكن كان من الواضح لجميع الموجودين في القصر الملكي في مدريد أن حضور غورباتشوف كان احتفاليا بحتا. لقد كان الأميركيون هم من يتخذ القرار في مدريد، وليس غورباتشوف. وليس هناك ما هو أبلغ من رسالة التطمينات الخاصة التي أُرسلت إلى الفلسطينيين لإقناعهم بالحضور ضمن وفد أردني؛ إذ وقع الأميركيون وحدهم على تلك الرسالة من دون الروس.

Getty Images
الزعيم السوفياتي مستقبل وزير الخارجية السعودي الراحل الامير سعود الفيصل في 1990

التزمت الصحف العربية التي تديرها عادة الدولة جانب الصمت في أغلب الحالات إزاء الثورات المتتالية التي حدثت في الدول التي كانت تدور سابقا في فلك الاتحاد السوفياتي، أي في جميع أرجاء أوروبا الشرقية. وعندما كانت تُغطيها، كانت تصف تلك الثورات دائما بأنها من صنع الولايات المتحدة. ولم تنبس ببنت شفة حين أعلنت إستونيا استقلالها عن الاتحاد السوفياتي يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1991، ولا عن ليتوانيا التي جاءت بعد ذلك بالاستقلال الكامل، وتلتها جورجيا. وكانت كازاخستان آخر دولة أعلنت استقلالها في 16 ديسمبر/كانون الأول، أي قبل عشرة أيام من انهيار الاتحاد السوفياتي. وكان جدار برلين قد سقط في نوفمبر/تشرين الثاني 1989، ونتج عنه إعادة توحيد ألمانيا الشرقية والغربية رسميا، ولم تأت التلفزيونات العربية على ذكره إلا في وقت لاحق، بعد أن أصبح أمرا واقعا لا رجعة فيه، وليس في أثناء حدوثه بالفعل.

تجاهل العرب التحذيرات والإشارات

كان السوفيات على مدى أشهر يرسلون إشارة تلو أخرى لحلفائهم العرب بهدف التقليل من شأن توقعاتهم من الاتحاد السوفياتي، قائلين بأدب إن أيام الرعاية قد أَفَلَت. فعندما التقى غورباتشوف بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في نوفمبر/تشرين الثاني 1987، قال له بصراحة: "لقد انخرطنا في الكثير من المنافسة والمواجهات مع الولايات المتحدة بشأن الشرق الأوسط. لقد انتهت تلك المرحلة الآن". ابتسم عرفات وأخذ ملاحظة ذهنية، ولم يستوعب الرسالة على نحو كامل. وكانت موسكو قد افتتحت مكتبا لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1976، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1978، منحته وضعا دبلوماسيا. وبدا أن هذا قد أصبح شيئا من التاريخ آنذاك، على حد زعم غورباتشوف.

رفض الكثير من العرب تصديق أن الإمبراطورية السوفياتية الجبارة التي علّقوا عليها الكثير من الآمال، كانت تقترب من نهايتها السريعة

كما تواصل غورباتشوف مع أصدقاء الولايات المتحدة العرب مثل العاهل الأردني الملك حسين، الذي استُقبل في موسكو بمراسم الشرف الكاملة في ديسمبر/كانون الأول 1987، وتلاه حسني مبارك في مايو/أيار 1990، وقد حصل الأخير على إعادة جدولة للديون المصرية، بإجمالي 3 مليارات دولار أميركي، وهي الديون المتراكمة منذ أيام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. كما زار وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل موسكو مرتين، في يناير/كانون الثاني 1988 ثم مرة أخرى في سبتمبر/أيلول 1990، إذ أعاد تأسيس العلاقات رسميا بعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان. ورافق التبادل الدبلوماسي قرضٌ سعودي بقيمة 4 مليارات دولار، وذلك بهدف إنقاذ الاقتصاد الروسي الذي كان يعاني حالة من الركود.

ومن ثم جاء اللقاء التاريخي الذي عُقد بين غورباتشوف ووزير الخارجية العراقي طارق عزيز في موسكو يوم 5 سبتمبر/أيلول 1990، بعد مُضي شهر واحد من غزو الكويت. وقال غورباتشوف: "نعلم أن الولايات المتحدة مستعدة للجوء إلى القوة إذا تعرضت مصالحها للتهديد، ونحن في الاتحاد السوفياتي لا نستطيع أن نفعل أي شيء لمنع ذلك". صُدم عزيز قائلا: "كنا نتمنى أن تقفوا إلى جانبنا، معنويا على الأقل". فهز غورباتشوف كتفيه ونظر في الاتجاه الآخر. ولم يكن لديه المزيد ليقوله.

ومع ذلك، رفض الكثير من العرب تصديق أن الإمبراطورية السوفياتية الجبارة التي علّقوا عليها الكثير من الآمال، كانت تقترب من نهايتها السريعة. وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 1989، عقد غورباتشوف مؤتمرا في موسكو بعنوان "البيريسترويكا والعالم الثالث"، أوجز فيه أمام حلفاء بلاده الكثيرين الوضع الصعب الذي تمر به بلاده، على أمل أن يتفهموا ذلك. وشرح أحد الأكاديميين الروس للجمهور، بتفصيل واضح، الحالة الرهيبة التي كان يمر بها الاقتصاد السوفياتي، فرد عليه الزعيم الفلسطيني المخضرم جورج حبش قائلا: "لقد أنجزتم الكثير وهذا يجب أن يكون مدعاة فخرٍ لكم. أنتم تقللون من قيمة ما أنجزتموه، وتفقدون الثقة في قدراتكم عندما تتراجعون عن حقكم في أن تكونوا إحدى القوتين العظميين".

يلتسين والعرب


وبحلول ديسمبر/كانون الأول 1991، أصبح من الواضح للجميع أن الاتحاد السوفياتي قد بدأ مسيرته الطويلة التي تُفضي إلى دخول كتب التاريخ، وأن دولة جديدة قد ظهرت بقيادة رجل يدعى بوريس يلتسين والذي كان العرب يجهلونه. وفي عهد يلتسين، انسحبت موسكو من العالم العربي إلى حد كبير وأولت ما يحدث في فنائها الخلفي اهتماما أكبر من اهتمامها بالشرق الأوسط. 

في عهد يلتسين، انسحبت موسكو من العالم العربي إلى حد كبير وأولت ما يحدث في فنائها الخلفي اهتماما أكبر من اهتمامها بالشرق الأوسط

وعلى الرغم من أن يلتسين أعطى الأولوية لفتح صفحة جديدة مع الغرب، إلا أنه أدرك، في وقت مبكر جدا من ولايته، أهمية العالم الإسلامي، إذ إن ستا من الدول الجديدة الأربع عشرة التي ظهرت على حدوده كانت مسلمة. وكانت أذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان وطاجكستان وكازاخستان وقرغيزستان، تتصدى جميعها لمسألة إحياء الإسلام، الذي كان قد قُمع في ظل الحكم الشيوعي. 

Getty Images
العلمان الروسي والسوفياتي مرفوعان على الكرملين

وبالنسبة إلى يلتسين، كان هناك 25 مليون "روسي" ما زالوا يعيشون في هذه الدول التابعة السابقة، وللتعامل مع سكانها المسلمين، كان بحاجة إلى دول إسلامية مؤثرة فلجأ إلى إيران وتركيا، بدلا من اللجوء إلى الحلفاء التقليديين مثل سوريا وليبيا والعراق.


إيران وتركيا: صديقتا روسيا الجديدتان 


أصبحت إيران وتركيا فجأة من أفضل أصدقاء موسكو الجدد في المنطقة، وقد ساعدتا روسيا بالفعل في التعامل مع حربين، الأولى في الشيشان، والثانية الحرب الأهلية في طاجكستان. وفي نهاية المطاف، التعامل مع نظام طالبان في أفغانستان. وكان الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني حريصا على عدم إثارة غضب الروس عندما أخّر الاعتراف باستقلال أذربيجان إلى ما بعد التفكك الرسمي للاتحاد السوفياتي، ونأى بنفسه عن حرب الشيشان الأولى التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 1994، وساعد الروس في التوصل إلى تسوية سياسية في طاجكستان، وتعاون معهم ضد حركة طالبان في أفغانستان. ولكن عندما اشتد القتال في الشيشان، شعر الإيرانيون بأنهم مجبرون على توجيه المزيد من الانتقادات للسياسة الروسية، في حين استمروا في التأكيد على أن الشيشان شأن روسي "داخلي".

أصبحت إيران وتركيا فجأة من أفضل أصدقاء موسكو الجدد في المنطقة، وقد ساعدتا روسيا بالفعل في التعامل مع حربين: الأولى في الشيشان، والثانية الحرب الأهلية في طاجكستان

ومع ذلك، كانت تركيا أكثر انتقادا بكثير، ولكنها حرصت أيضا على عدم تجاوز الخط الأحمر الذي رسمه يلتسين، إذ إن التجارة بين البلدين بلغت رقما هائلا تراوح بين 10 إلى 12 مليار دولار سنويا منذ عام 1991. وفي بداية الانهيار السوفياتي، حاول الرئيس التركي آنذاك تورغوت أوزال توسيع نفوذ بلاده في أذربيجان، في حين تعهد بتقديم أكثر من مليار دولار من القروض للدول المستقلة حديثا في آسيا الوسطى.
وبدأ الأتراك بالاستثمار في الخدمات المصرفية والتعليم والنقل في الدول التابعة لروسيا سابقا، والتي تضم عددا كبيرا من السكان المسلمين، وهو الأمر الذي تباطأ في النهاية بسبب مبادرات يلتسين تجاه أنقرة.
وأُغريت شركات البناء التركية من خلال جذب صفقات في موسكو نفسها، وصولا إلى إصلاح مجلس الدوما الروسي، في حين باعت موسكو لأنقرة الغاز الروسي الذي كانت تحتاجه على نحو ملحّ، وباعت كذلك المعدات العسكرية التي رفض الأميركيون بيعها إلى تركيا، ومن ضمنها المروحيات التي كانت واشنطن تخشى من استخدامها ضد الانفصاليين الأكراد.


يلتسين وإسرائيل


وبالتوازي مع التحالف الجديد الذي نشأ مع كل من تركيا وإيران، تواصلت روسيا في حقبة ما بعد غورباتشوف مع إسرائيل أيضا، وكانت موسكو قد استأنفت العلاقات الدبلوماسية معها قبل شهرين فقط من انهيار الاتحاد السوفياتي. وأرسل غورباتشوف القائم بأعمال وزير الخارجية بوريس بانكين إلى المنطقة ليشرح موقفه للعرب، قائلا له: "إن عرفات والقذافي يسميان نفسيهما صديقين لنا، ولكن هذا فقط لأنهما يحلمان بعودتنا إلى الماضي". ولكن العلاقة بين البلدين بقيت، حتى انسدال الستارة، يشوبها بعض التوتر، وعلق وزير الخارجية الإسرائيلي موشيه أرينز عشية مؤتمر مدريد للسلام قائلا: "بعد الأحداث التي شهدتها أوروبا، صار لا بد من إعادة التدقيق في فكرة أن الاتحاد السوفياتي لا يزال قوة عظمى مساوية للولايات المتحدة".

دعمت إسرائيل موسكو في الشيشان. وفي المقابل، عندما اندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000، صوت المشرعون الروس بإلقاء اللوم على "القوى المتطرفة" بدلا من الإسرائيليين

وبعد أن تعرضت إسرائيل للانتقاد المستمر بسبب ما تفعله بالفلسطينيين، أصبحت فجأة الشريك التجاري الرائد لروسيا في الشرق الأوسط، على الرغم من الخلافات الكبيرة بشأن بيعها أسلحة متطورة إلى إيران. وفي 24 أبريل/نيسان 1994، زار رئيس الوزراء إسحق رابين موسكو، ووقع 6 اتفاقات في مجالات نقل التقنية والثقافة والتعليم والطب والسياحة. وفي أكتوبر/تشرين الأول 1995، نُقل عن نائب وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي ديان قوله: "لدينا ثقة كاملة في روسيا". 

Getty Images
اجتماع بين الرئيس العراقي صدام حسين والزعيم السوفياتي مخائيل غورباتشوف في الكرملين في 1985

وبحلول ذلك الوقت، بلغت التجارة الثنائية بين البلدين أعلى مستوى لها على الإطلاق، إذ ناهزت 500 مليون دولار. ودعمت إسرائيل موسكو في الشيشان، وفي المقابل، عندما اندلعت الانتفاضة الثانية في سبتمبر/أيلول 2000، صوت المشرعون الروس في مجلس الدوما على إلقاء اللوم على "القوى المتطرفة" بدلا من الإسرائيليين في تصاعد العنف الذي كان يجري داخل المسجد الأقصى ومحيطه.

 

العراق


ثم جاءت قضية ما الذي ينبغي فعله بالعراق ورئيسه صدام حسين، وهو البلد الصديق تاريخيا لموسكو، والذي قرر يلتسين التخلي عنه من أجل إرضاء الأميركيين وإيران. وكان العراق قد وقع معاهدة صداقة مدتها 15 عاما مع الاتحاد السوفياتي في عام 1972، وهو الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات الثنائية مع واشنطن. وتصرف السوفيات بحسن نية، فأرسلوا أسلحة ومئات من المستشارين إلى بغداد، ولكن في عام 1978، بدأ صدام حسين، نائب الرئيس آنذاك، حملته على الشيوعيين العراقيين، وهو الأمر الذي أشار إلى تحول باتجاه الولايات المتحدة قبل عام واحد من حلوله رسميا محل أحمد حسن البكر.

رغم أن العلاقات بين بغداد وموسكو كانت في طريقها للإصلاح عام 1990، إلا أن الاتحاد السوفياتي لم يُستشر بشأن غزو صدام حسين للكويت

وعلى الرغم من أن العلاقات بين بغداد وموسكو كانت آنذاك في طريقها للإصلاح، إلا أن الاتحاد السوفياتي لم يُستشر بشأن غزو صدام حسين للكويت الذي حدث يوم 2 أغسطس/آب 1990، ودعم قادة الاتحاد السوفياتي قرار الأمم المتحدة الذي يسمح باستخدام القوة، إذا لزم الأمر، لفرض حظر على الأسلحة المتجهة إلى العراق. لقد كتب وزير الخارجية السوفياتي إدوارد شيفرنادزه في مذكراته: "الآن، وقد بُني نظام عالمي جديد يقوم على التعاون والتفاعل، فإن ارتكاب عمل عدواني يعني الانتحار. ولم يكن من الممكن لصدام حسين أن لا يفهم ذلك".
ذهب الرئيس يلتسين إلى حد أبعد من الأمر الذي كان يتوقعه معظم الناس في ما يتعلق بالعراق، إذ إنه دعم العقوبات، وأرسل سفينتين حربيتين إلى الخليج العربي للمساعدة في فرض الحظر الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي مقابل دعم قرار الأمم المتحدة، كوفئ في وقت لاحق بمنحه خطا ائتمانيا بقيمة مليار دولار من الكويت، وقرضا من المملكة العربية السعودية بقيمة 4 مليارات دولار. 
وفي يونيو/حزيران 1993، أيد وزير خارجيته أندريه كوزيريف القصف الأميركي للعراق ردا على محاولة فاشلة جرت لاغتيال الرئيس السابق بوش خلال زيارته للكويت، قائلا: "لا يمكننا أن نعتبر مطاردة الرؤساء، وحتى الرؤساء السابقين، أمرا طبيعيا، إن التسامح مع هذا سيكون بمثابة تأييد لسياسة إرهاب الدولة". وسرعان ما دخل الوزير، إلى جانب يلتسين، في مواجهة مع مجلس الدوما الروسي، والذي صوت بأغلبية ساحقة في 21 أبريل/نيسان 1995 لمصلحة رفع العقوبات عن العراق. وجادل المشرعون آنذاك بأنه ما لم تُرفع هذه العقوبات، فإن روسيا لن تستعيد أبدا مبلغ 7 مليارات دولار أميركي مستحقة على العراق، وهو مبلغ يعود تاريخه إلى الحقبة السوفياتية. واغتنم صدام الفرصة، وأغرى إدارة يلتسين بالعودة إلى بلاده باتفاق بمليارات الدولارات لتطوير قطاع النفط وتدريب المتخصصين في النفط العراقي. واستُدعيت شركة "لوك أويل" الروسية لتطوير حقل غرب القرنة النفطي مع الاحتفاظ بنسبة 75 في المئة من الأرباح، دون الاضطرار إلى دفع الضرائب للحكومة العراقية. 


التصرف كقوة عظمى


طوال فترة التسعينات، واصلت روسيا التحدث والتصرف كقوة عظمى، وهي لا تزال غير قادرة على التخلي تماما عن تاريخها السوفياتي، في حين لم تقدم الرعاية والدعم اللذين تقدمهما القوى العظمى لدولها الموالية. ومع ذلك، ظل الشيوعيون العرب متفائلين بأنهم سيشهدون، في يوم من أيام حيواتهم، ولادة جديدة للاتحاد السوفياتي، بطريقة أو بأخرى. وبعد أشهر من رئاسة يلتسين، قال الزعيم الشيوعي السوري المخضرم خالد بكداش: "إن إعادة ميلاد الاتحاد السوفياتي لن تكون سهلة، ولكنها ممكنة. لن يعود الاتحاد السوفياتي كما كان، لا من الناحية الرسمية ولا من ناحية البنية، لكن الدول التي شكلته ذات يوم يمكنها أن تتحد في إطار شيء أكثر حداثة". 

إن إعادة ميلاد الاتحاد السوفياتي لن تكون سهلة، ولكنها ممكنة

الزعيم الشيوعي السوري خالد بكداش

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1992، كتب وزير الخارجية كوزيريف في "موسكوفسكي نوفوستي" أن روسيا "محكوم عليها بالبقاء" قوةً عظمى. وكان خليفته يفغيني بريماكوف عضوا في الاستخبارات السوفياتية ويتمتع بخبرة كبيرة في الشؤون العربية، ويدعو إلى عالم متعدد الأقطاب وإلى إقامة علاقات أقوى مع الصين والهند وحلفاء الاتحاد السوفياتي السابقين في العالم العربي، وذلك لموازنة الهيمنة الأميركية. وبدأ بإعادة روسيا إلى الشرق الأوسط، وهي السياسة التي سيتبعها لاحقا فلاديمير بوتين، الذي ورث الكرملين من يلتسين عام 1999 وورث أيضا معظم الشرق الأوسط منذ عام 2015.

font change

مقالات ذات صلة