انطلاقة قوية لـ "مهرجان الرياض للمسرح" على الخارطة الثقافية السعودية

عشرة عروض وفعاليات وورش عمل وتونس ضيف شرف

خلال تكريم المشاركين في مهرجان الرياض للمسرح

انطلاقة قوية لـ "مهرجان الرياض للمسرح" على الخارطة الثقافية السعودية

الرياض: بحكايات سعودية تصف واقع الإنسان وقلقه وصراعاته النفسية ضمن حَيَوات تعج بالتناقضات والثنائيات والزيف والقسوة، جسّدت عشرة عروض مسرحية مسارا جديدا لحركة المسرح السعودي، ضمن "مهرجان الرياض للمسرح"في دورته الأولى، التي نظمتها "هيئة المسرح والفنون الأدائية"بجامعة الأميرة نورة خلال الفترة من 13 – 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

غير أن المهرجان لم يقتصر على العروض المسرحية، فالمهرجان الذي جاء تتويجا لعمل متواصل في عدد من مناطق المملكة، يعتبر في حد ذاته حكايةتعبر عن تطلعات انتظرها المسرحيون السعوديون طويلا، حكاية يمتزج فيها التنافس بين عشرات المشاريع المسرحية المقدمةللجان الترشيح، والعمل الفني الدؤوب في كل المستويات المتعلقة بالإنتاج المسرحي، والحضور الجماهيري اللافت للعروض، والمحتوى المعرفيوالفني الذي قُدّم عبر فعاليات تنوعت بندوات وورش عمل وجلسات نقدية شارك فيها نخبة من الأكاديميين والنقاد السعوديين والعرب، وبين معرض للاحتفاء بشخصية المهرجان الراحل محمد العثيم.

هموم المسرح السعودي

تُشير الأهداف المعلنة للمهرجان إلى سعيه لمعالجة جوانب متعدّدة من هموم المسرح السعودي، فالمهرجان يهدف إلى تنشيط الحراك المسرحي وتفعيله من خلال حزمة من العروض المسرحية السعودية، بهدف رفع مستوى الوعي بقطاع المسرح والفنون الأدائية لدى الجمهور المحلي، والنهوض بحركة النقد المسرحي، واكتشاف المواهب وتطويرها، ودعم الإنتاج المحلي.

هناك تحول إيجابي في الرؤى والتصورات المسرحية، بما يُحقق التواصل مع الجمهور المحلي من خلال استلهام الموروث المحلي والعربي، والانفتاح على القضايا المحلية المعاصرة

عبدالعزيز إسماعيل

وفي هذا الصدد يرى عبدالعزيز إسماعيل رئيس "الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون"في حديثه لـ "المجلة" أن "المسرحيين السعوديين قدموا جهدا كبيرا طوال أكثر من خمسين سنة متحدين كل الظروف الصعبة التي واجهتهم في مسيرتهم من أجل حضور المسرح واستمراره".

وأضاف أن الجيل الحالي "مستمر في تقديم الجهد المسرحي في ظروف مختلفة ودعم إيجابي، من أجل تطوير المسرح والارتقاء به، وليس من أجل استمرار النشاط المسرحي فحسب، كما كان يحدث سابقا، وهذه نقطة يجب على المسرحيين استيعابها وفهمها للانطلاق نحو مستقبل مختلف".

مهرجان الرياض للمسرح يُكرّم الفرق المسرحية المشاركة في نسخته الأولى

وأشار إسماعيل إلى أن ما يُلاحظ في "مهرجان الرياض" وفي عدد من العروض هو "وجود تحول إيجابي في الرؤى والتصورات المسرحية، بما يُحقق التواصل مع الجمهور المحلي من خلال استلهام الموروث المحلي والعربي، والانفتاح على القضايا المحلية المعاصرة المصاحبة للتحولات الكبرى التي يعيشها المجتمع السعودي"، مؤكدا أهمية التفكير في الخروج من بعض الأنماط المسرحية العربية المكررة إلى فضاء مسرحي سعودي متجدّد يحقّق تفاعلا أكبر من الجمهور مع المسرح.

العروض

المسرحيات العشر التي عرضت في المهرجان هي: "طليعة هجر" تأليف زهرة الفرح وإخراج محمد الحمد و"صفعة" تأليف عبدالله بالعيسوإخراج عدنان بالعيس و"بحر" إعداد وإخراج سلطان النوه و"ضوء" تأليف فهد ردة الحارثي وإخراج أحمد الأحمري و"دوار مغلق" تأليف عباس الحايك وإخراج محمد بالبيد و"ذاكرة الشيطان" تأليف عبدالعزيز اليوسف وإخراج سماح الغانم و"الحِجر" تأليف بندر الحازمي وإخراج سالم باحميش و"ذاكرة صفراء" تأليف عباس الحايك وإخراج حسن العلي و"بائع الجرائد" تأليف وإخراج فهد الدوسري  و"الظل الأخير" تأليف فهد الحارثي وإخراج خالد الرويعي. 

 هذه المسرحيات جمع بينها العديد من السمات المشتركة، من خلال تركيزها على طابع مأساوي تارة وكوميديا سوداء تارة أخرى، للفت الانتباه إلىواقع الإنسان البسيط ضمن عوالم اجتماعية معقدة،بينما يتأرجح فيها الإنسان بين ثنائيات القرية والمدينة، والخيال والواقع، والرغبة والعجز، والخوف والرجاء، والهامش والمركز، لتُعبر عن بعض أسئلته المتعلقة بزمنه، وبحثه الدائم فيه عن ذاته.واتسقت سمات العروض السعودية مع العرض المسرحي المقدّم من دولة تونس التي حلت ضيف شرف على المهرجان، حيث قدم "المركز الوطني لفن العرائس "التونسي مسرحية "مايراوش"، للكاتب المسرحي البلجيكي موريس ماترلينك، وتحكي قصة لمجموعة من العميان يجدون أنفسهم في غربة وضياع بعد مغادرتهم ملجئهم بصحبة مرشدهم، الذي يتغيّب عنهم فجأة، فيجدون أنفسهم في غابة متوحشة وغريبة، فتتناسل منهم الأسئلة عن حيرتهم وعجزهم ومصيرهم المجهول، وعن إمكانية اعتمادهم على أنفسهم رغم العمى، وعن كيفية اكتساب وعيهم، وتلمس طريقهم.

هذه المسرحيات جمع بينها العديد من السمات المشتركة، من خلال تركيزها على طابع مأساوي تارة وكوميديا سوداء تارة أخرى، للفت الانتباه إلى واقع الإنسان البسيط

فعاليات

واشتمل المهرجان على ندوات تضمنت مناقشة موضوعات مثل المسرح والعولمة، والمسرح العربي وآفاق الكتابة الجديدة، والمسرح السعودي في ظل رؤية المملكة 2030، إلى جانب تضمّنه عدة ورش عمل، غطّت موضوعات متعدّدة، مثل لغة الحركة والجسد وفن الممثل، والإخراج المسرحي من التصوّر الأولي إلى العرض الأول، والدراماتورجيا: مفاهيم وإجراءات وتطبيقات.

وشهد المهرجان جلسات في النقد المسرحي، انتظمت بعد كل عرض من العروض العشرة، وحظيت بنقاشات تحليلية عن قصص المسرحيات وأفكارها وحواراتها، والأداء التمثيلي، وما اشتمل عليه من أداء شعري وغناء ورقص، ومدى تأثير الموسيقى وقوة الصوت على القدرات التعبيرية للعروض، والنجاح في توظيف الأزياء والديكور والإضاءة والمساحة، بما يخدم التصميم الفني للمَشاهد، ويقوي تأثيراتها البصرية، وتقييم دور الكُتّاب والمخرجين والممثلين والمصممين في ذلك.

واحتوى المهرجان على معرض خاص بالراحل محمد العثيم رائد المسرح السعودي، للتعريف بإنجازاته في مجالات الكتابة المسرحية والرواية والصحافة، واستعراض جوانب من مؤلفاته وأشعاره، وتوضيح رؤيته المسرحية، التي حملت هموم المسرح السعودي على مدار 33 عاما.

جوائز

قُدمت في اليوم الختامي للمهرجان الجوائز بناء على تقييم لجنة التحكيم للعروض، وحصلت مسرحية "بحر" على جائزة أفضل عرض مسرحي متكامل وجائزة أفضل موسيقى مسرحية، إلى جانب حصولها على جائزة أفضل إخراج مسرحي، وحصدت مسرحية "صفعة"من خلال فرقة كالوس جائزة أفضل نص مسرحي وجائزة أفضل ديكور مسرحي.

خلال تكريم المشاركين في مهرجان الرياض للمسرح

 ونالت مسرحية "الظل الأخير"من خلال فرقة الوطن المسرحية جائزة أفضل سينوغرافيا، ومسرحية "طليعة هجر"من خلال فرقة "كلوز ميديا" جائزة أفضل أزياء مسرحية، بينما حصدت مسرحية "ضوء"من خلال فرقة مسرح الطائف جائزة أفضل إضاءة مسرحية.

وعلى مستوى جوائز الممثلين، حصلت الممثلة أضوى فهد على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في مسرحية "الحِجر"، وحصل الممثل شهاب الشهاب جائزة أفضل ممثل عن دوره في مسرحية "بحر"، كما حظيت كل الفرق المسرحية المشاركة في المهرجان بالتكريم تثمينا لإبداعها ودعما لمواهبها.

مهام مطلوبة لآفاق جديدة

تختبر صناعة الفنون باستمرار آفاقا جديدة تثري بها تجاربها وتعزز بها سماتها الخاصة، على ضوء ما يتوفر لها من معطيات، وقد فتح "مهرجان الرياض للمسرح"الطريق أمام تطور الحركة المسرحية السعودية، ولكن ما المهام المطلوبة من العاملين في القطاع المسرحي بمختلف أدوارهم لصناعة تحولات تُطور تجارب المسرح السعودي، وتعزّز حضوره وتأثيره الإقليمي والعالمي؟

يقول الناقد والمخرج المسرحي نايف البقمي لـ "المجلة" إن "النشاط المسرحي لا يزال يواجه جملة من التحديات، فهو بحاجة إلى وجود تنظيم مؤسسي للفرق، وبحاجة إلى إيجاد مقرات لها، كي تستطيع تقديم أنشطتها المسرحية بشكل مستمر، كما أن المسرحيين السعوديين في أمس الحاجة إلى وجود صالات عرض مسرحية تحت إشراف وزارة الثقافة"، منوها إلى أن الدعم المادي الذي حظيت به الفرق المسرحية أخيرا، مكنها من تجاوز الكثير من الإشكالات الإنتاجية، لكن يظل الرهان على إحداث التغيير الفني المتكامل في إنشاء المعاهد والأكاديميات المسرحية.

خلال تكريم المشاركين في مهرجان الرياض للمسرح

وأشار البقمي إلى أن الكتابة المسرحية في السعودية "متنوعة في الطرح وفي تناولها للقضايا، وأنها ذات جودة فنية عالية، وما يؤكد ذلك أن كثيرا من الكُتّاب السعوديين تم تناول مؤلفاتهم داخل المملكة وخارجها، وعُرضت نصوصهم من قبل العديد من المخرجين العرب، لافتا إلى أن التراجع يرتبط حاليا بالكتابة النقدية، التي تفتقر لرؤية تفكك مكامن العمل المسرحي، وترصد نجاحاته وإخفاقاته، وعلى الرغم من الزيادة الموجودة في الدراسات النقدية على مستوى البحث العلمي، غير أن محملها في الغالب يختص بالنص دون الكشف عن الأوجه المختلفة للعرض".

من جانبه، يُنبه عبدالعزيز إسماعيل "رئيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون" إلى أن المسرحيين السعوديين "يواجهون مفترق طرق حاسم بعدما قدمت وزارة الثقافة رؤية جديدة لما يجب أن يكون عليه المسرح السعودي في المستقبل، ما يلقي على عاتق المسرحيين ضرورة تطوير رؤاهم وأعمالهم، وهو ما يتطلب الانفتاح على التجارب المسرحية الحديثة واستلهام عناصرها المهمة، ويتطلب كذلك من الوزارة زيادة الدعم المالي واللوجستي للمسرحيين والفرق المسرحية، وتوفير منصات التدريب والعرض ومجالات الدراسة الأكاديمية المتخصصة".

وبيّن أن التحولات الواجب إدراكها لخلق واقع مسرحي جديد، "هي التي سوف تخلق وجودا نقديا ملائما للنص المسرحي أو الإخراج أو التمثيل، ولبقية العناصر الأخرى في المسرح، معربا عن أمله في أن يتحرر الفعل المسرحي من قدسية النصوص وتأثير الكلمة والأنماط المتكررة للإخراج ومن مسرح العلبة، إلى تجارب مسرحية مختلفة لتوفير عرض مسرحي جديد، وصيغة مسرحية جديدة مع الجمهور".

 الدعم المادي الذي حظيت به الفرق المسرحية أخيرا، مكنها من تجاوز الكثير من الإشكالات الإنتاجية، لكن يظل الرهان على إحداث التغيير الفني المتكامل

نايف البقمي

المسرح والجمهور  

من المعروف أن الغنى التفاعلي الموجود في العلاقة بين المسرح والجمهور، لا يتوفر عليه أي فن آخر من أوجه الفنون، فالجمهور عبر تفاعله المباشر والثنائي مع المسرح يعتبر عنصرا من عناصر العرض وليس مجرد متلقٍ، وهذا ما يرفع مستوى القوة التأثيرية للمسرح، فهل سيستطيع المسرح السعودي احتضان هذه العلاقة مع جمهوره وتعزيز قيمتها والاستفادة من غناها لتطوير أنشطته، على الرغم من انفتاح الجمهور السعودي مع وسائل جديدة للتلقي الفني والدرامي بالنسبة له كالسينما؟

يرى الناقد والكاتب هشام السلمي أن "المسرح والفنون الأدائية يلبيان رغبات الجمهور واحتياجاته على مستوى المعرفة والمتعة، وهو ما يجعل من إقامة المهرجانات المسرحية نهجا مهما لاستدامة العلاقة بين المسرح والجمهور".

وأضاف السلمي في حديثه لـ "المجلة" أن الجزيرة العربية "شهدت وقائع وأحداث تاريخية مهمة تشكل وعينا الثقافي من ملاحم وقصص حب، كما أن ذاكرتنا ترتبط بالتراث الشعري العربي في عصوره المختلفة، وكل تلك الموروثات قابلة للتوظيف المسرحي، بما يمنح هوية خاصة للمسرح السعودي، ويعزّز ارتباطه بالجمهور، ويعطيه وظائف جديدة بدعمه للسياحة، والتسويق للتراث السعودي".

من زواية أخرى، اعتبر الناقد والمخرج المسرحي نايف البقمي أن "في ظل العولمة الثقافية التي نعيشها لم يعد النص المسرحي خاصا بمجتمع دون الآخر، فالقضايا الإنسانية أصبحت هي المسيطرة على نصوص الكُتّاب، والمسرح السعودي كبقية مسارح العالم، يتناول قضايا متعددة تتناسب مع الإنسان في كل مكان. 

وأكد البقمي فرادة المسرح في علاقته مع الجمهور، فقوة تأثيره تعدّ أقوى من السينما والتلفزيون، لكنه لفت إلى أن على صُناع المسرح الانتباه إلى أن هناك وسائل أصبحت أقرب للناس في ظل الثورة الرقمية والتطور الإعلامي، مما يشكل تحديا أمام النشاط المسرحي.

وكان الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية سلطان البازعي قد أشار في حواره مع "المجلة" إلى أن الهيئة تسعى من خلال المهرجان لإعادة الصلة بين الجمهور والمسرح، وجعل المسرح عنصرا جاذبا للجمهور، بصفته أحد الخيارات الثقافية الدائمة للجمهور السعودي.

ونوه البازعي إلى الحضور الجماهيري الكبير للعروض المسرحية التي عُرضت في المناطق، بالإضافة إلى الحضور الجماهيري لفعاليات المهرجان وتزاحمه على الجلسات النقدية، معتبرا أن ذلك يُمثل ثقافة مسرحية مهمة.

font change

مقالات ذات صلة