سنة قاسية أخرى تنتظر أفغانستان

Reuters
Reuters
افغنيتان تحملان اوعية الماء في مقاطعة ورداك

سنة قاسية أخرى تنتظر أفغانستان

كانت الأزمة المزدوجة في غزة وأوكرانيا سببا في تحويل انتباه العالم بعيدا عن قضية لا تقل التهابا، وهي قضية أفغانستان، التي طالما كانت تعاني من الاضطرابات على نحو شبه دائم؛ فالغزو السوفياتي عام 1979، وحرب المقاومة التي أعقبت ذلك، وصعود حركة طالبان، والغزو الأميركي في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول، ومؤخرا، عودة حركة طالبان واستيلاؤها على البلاد، كلها أحداث تاريخية لها آثار تتجاوز حدود أفغانستان.

استعادت حركة طالبان سيطرتها الفعلية على البلاد في صيف عام 2021، وعلى الرغم من الوعود الأولية بالتغيير، سرعان ما تنكرت طالبان لالتزاماتها بعد سيطرتها على البلاد.

ومع ذلك، من ناحية أكثر إشراقا، تحسن الوضع الأمني بشكل عام، مع انخفاض عدد الهجمات القاتلة التي يشنها تنظيم الدولة الإسلامية في مقاطعة خراسان، وانخفاض إنتاج الأفيون بنسبة 95 في المئة في أعقاب الحظر الذي فرضته حركة طالبان على زراعة الخشخاش.

ولكن التحديات كبيرة، وتواجه أفغانستان عزلة خانقة، بينما تغرق في حالة من اليأس الاقتصادي وانعدام الأمن الغذائي الحاد الذي يؤثر على 15.3 مليون شخص، مع 2.8 مليون شخص في حالة طوارئ شديدة، كما أفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. ومع تفاقم الأحداث المناخية القاسية والاعتماد على المساعدات الخارجية المتضائلة، تكافح الأمة من أجل البقاء.

الجمهوريات الإسلامية المجاورة لأفغانستان، مثل إيران وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، تؤوي مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان لعقود من الزمن

وقد تدهورت الظروف الاجتماعية، حيث تواجه الفئات المهمشة، وخاصة النساء، قيودا قاسية. وتراجع التقدم في مجال حقوق المرأة بشكل كبير؛ فباتت الفتيات يحرمن من التعليم بعد الصف السادس، وتُستبعد النساء إلى حد كبير من الحياة العامة والعمل. ويسلط تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان في أفغانستان، والذي تم تقديمه يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول، الضوء حول الاعتداء الشديد على حقوق النساء والفتيات، ويدينه باعتباره شكلا من أشكال "الفصل العنصري على أساس النوع".
ويتسم الحكم في عهد زعيم طالبان هبة الله أخونزاده بالمركزية والاستبداد. ويمارس أخونزاده، الذي يعمل من قندهار، السلطة من خلال مبعوثين شخصيين في الوزارات، مما يطغى على شخصيات مؤثرة من مدينة قندهار مثل برادار ويعقوب وميليشيا حقاني. وتسلط هذه السيطرة المركزية الضوء على التحديات التي تواجه التعامل مع المشهد السياسي المعقد في أفغانستان.

AFP
حفل زفاف جماعي في كابول في 25 ديسمبر

وشبه دبلوماسي سابق يتمتع بخبرة واسعة في أفغانستان زعيم طالبان هبة الله أخونزاده بآخر رئيس للبلاد قبل الاستيلاء على السلطة، أشرف غني. ووصف الدبلوماسي أخونزاده بأنه سيئ المزاج ومتعطش للسلطة، وعقد أوجه تشابه بين الزعيمين، على الرغم من اختلاف آيديولوجيتيهما وأساليب قيادتهما.
إن الحروب التي لا تنتهي في أفغانستان، والاضطرابات الاقتصادية، ونقص الغذاء، وقضايا حقوق الإنسان، وتدهور أوضاع المرأة، والكوارث الطبيعية، أجبرت الكثير من الأفغان على البحث عن ملجأ في الخارج، بما في ذلك في تركيا والكثير من البلدان الأوروبية.
وكانت الجمهوريات الإسلامية المجاورة، مثل إيران وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان، تؤوي مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان لعقود من الزمن. وتخطط باكستان، التي تضم ما يقرب من 4 ملايين أفغاني، لخفض هذا العدد، وتعزو الكثير من المشاكل، بما في ذلك الهجمات الإرهابية التي تشنها حركة طالبان باكستان، إلى السكان الأفغان.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة الباكستانية عزمها ترحيل نحو نصف الأربعة ملايين أفغاني لديها إذا لم يكن لديهم وثائق معتمدة من الحكومة تسمح لهم بالبقاء. وتشير التقارير الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) إلى أن مئات الآلاف قد واجهوا بالفعل الترحيل.
ولكن قدرة أفغانستان على استيعاب هؤلاء العائدين وضمان سلامتهم لا تزال غير مؤكدة، مما يشكل تحديات إنسانية ولوجستية كبيرة.

الآيديولوجيا الأساسية لطالبان تظل دون تغيير إلى حد كبير، ولا يزال ثمة انعدام ثقة متبادل بين المجتمع الدولي، وخاصة الغرب، وطالبان

وفي ديسمبر/كانون الأول، كشف وزير الخارجية التركي الأسبق فريدون سينيرلي أوغلو، الذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة منسقا خاصا، عن تقييمه المستقل الذي طال انتظاره بشأن الحلول المحتملة لأفغانستان.
وقد حظي تقريره- الذي لقي استحسانا في نيويورك- على دعم قوي في مجلس الأمن لنهجه المتوازن. ويدعو اقتراح سينيرلي أوغلو إلى التطبيع المشروط للعلاقات مع كابول، شريطة تحقيق تقدم واضح في الوفاء بالتزامات المعاهدة، وخاصة من جهة تعزيز حقوق المرأة في التعليم والتوظيف والسفر. كما يؤكد على ضرورة تشكيل حكومة شاملة تمثل المجموعات العرقية والطائفية والاجتماعية واللغوية المتنوعة في أفغانستان.
بيد أن سلطات الأمر الواقع في كابول قاومت تاريخيا هذه الشروط بينما تطالب برفع القيود على السفر، وعودة الاحتياطيات الاستراتيجية لأفغانستان، والاعتراف الدبلوماسي الرسمي.
ويقدم التقرير لطالبان فرصة دبلوماسية محتملة. يمكنهم تأطيرها كتسوية أمام عامة الناس ورجال الدين المتشددين، وإظهار الرغبة في التفاوض والتكيف. ويستعد مجلس الأمن للموافقة على التقرير، باستثناء أي مفاوضات في اللحظة الأخيرة بين روسيا والصين بشأن قضايا ليست ذات صلة.
وعلى الرغم من التغيرات الواضحة، فإن الآيديولوجيا الأساسية لطالبان تظل دون تغيير إلى حد كبير، ولا يزال ثمة انعدام ثقة متبادل بين المجتمع الدولي، وخاصة الغرب، وطالبان. ويشعر الأفغان أنفسهم بانعدام ثقة عميق الجذور، بعد أن شهدوا الانسحاب المفاجئ للولايات المتحدة وحلفائها عام 2021، وهو ما علمهم أن لا يثقوا بالسياسة العالمية.
ونظرا لهذه الديناميكيات، تظل التوقعات بالنسبة لأفغانستان في عام 2024 قاتمة، مع وجود أسباب محدودة للتفاؤل وسط التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المستمرة.

font change

مقالات ذات صلة